Skip to main content

دائرة الشركة

لقد أشرنا إلى الوحدة الموجودة بين كنائس العهد الجديد في التعليم وفي الممارسة، كما رأينا أنه لا أثر لنظرية الكنائس المستقلة في الكتاب المقدس. بل إن مبدأ الوحدانية بين الكنائس هو الذي تعلم به كلمة الله بوضوح. وهذا ما يتكلمون عنه أحياناً ويسمونه الحق المختص "بدائرة الشركة". ومعنى هذا الاصطلاح إنه دائرة الكنائس التي تتمسك بذات الحقائق، وتعمل بذات المبادئ الإلهية عينها، وتحافظ على المسئوليات المشتركة، وتسير معاً في شركة عملية ووحدانية بعضهم البعض لتتميم المبادئ التي تربطهم معاً.

إن ما جاء في أسفار الكتاب بخصوص الحياة المشتركة والترتيب في الكنائس يبرر تلك الفكرة والتعليم بخصوص "دائرة الشركة" في الكنائس. وإن كان هذا الاصطلاح غير وارد في الكتاب، ولكنه يعبر عن حق نتعلمه بوضوح في الكلمة. وطبعاً فإن دائرة الشركة تتضمن أولاً كل القديسين غير المستبعدين كتابياً، ولكن فإن حالة الخراب الحاضرة والتشويش في الكنيسة المعترفة، فإن دائرة الشركة الحقيقية للكنائس تختزل في أولئك الذين يخضعون لحق الله الذي يحكم كنيسته.

فإن كان لدينا السلطان الكتابي لكنيسة مجتمعة بالانفصال عن كل ما هو مضاد لكلمة الله، بالتأكيد لنا مثل ذلك، فإذ لنا دائرة شركة محلية، هذه الدائرة تتضمن معها كل الكنائس نظيرها التي تجتمع بحسب الكتاب في كل مكان.

وجوب الترتيب والتأديب

إن "دائرة الشركة" هي ضرورة ويجب أن نعترف بها، ويرتبط بها التأديب، إن كنا متحررين من مبدأ الاستقلال الكنسي. وإلا فكيف يمكن أن يجري الترتيب والتأديب الذي وضعه الرسول بولس لبيت الله أي كنيسته؟. وعلى ذات المبدأ الذي نعترف به بجماعة محلية من مؤمنين مجتمعين بالانفصال عن الشر، هكذا يجب أن نعترف بالجماعة العامة للمؤمنين. وهم دائرة المجتمعين.

إن هذا ليس معناه تكوين تحالف أو إقامة جماعة مركزية للحكم. واعترافنا بدائرة المجتمعين ليس فيه أي تحفظ أو شروط مع بعضنا البعض، بل إننا نسعى ببساطة أن نسير معاً في طاعة لكلمة الله. إن دائرة الشركة هي الشركة العملية الواحدة التي ينشئها روح الله بالطاعة للكتاب. وهي التمثيل العملي الواحد لجسد المسيح. وهي البديل الوحيد للاعتراف باستقلال الكنائس والتي هي إنكار لحق الجسد الواحد لكل المؤمنين. وعبر واحد حقاً عن الاستقلال فقال : "إن مبدأ الاستقلال للكنائس يقود إلى التساهل والتسيب والتي تقبل كل إرادة ذاتية نابعة من الفرد وليس فيها أي تدريب للضمير.

شركة غير تحزبية

إن كثيرين قد أثاروا زوبعة ضد تعليم "دائرة الشركة" باعتبارها بدعة وتحزب وليست من الله. ولكن لو أن جميع المسيحيين في كل مكان اعترف بهم كأعضاء في جسد المسيح وقبلوا في الشركة دون أن توجد في قبولهم أي عوائق كتابية، ولم يكن هناك أي اسم طائفي أو تحزبي أو أي تعليم يخص شعار أي جماعة، بل مجرد قديسين جمعوا ببساطة إلى اسم المسيح وحده. فمثل هذه الجماعة من المؤمنين لا تصبح فريقاً أو طائفة، وهم يرفضون مبدأ الاستقلال الكنسي، ويعترفون بدائرة الكنائس التي يقيمون الشركة معها.

وبحق كما كتب آخر يقول: "وكلما نحنا وانكسرت نفوسنا بالحزن ورفضنا البدعة والشقاق الموجودين، كلما أجبرنا بل سنفرح بالاعتراف بجسد المسيح كلما كان ذلك ممكناً. وهذه الدائرة من الشركة، مع أنها ليست متوفرة في نطاق الجسد كله، ولكنها تثبتنا في الأساليب الصحيحة للشركة التي نعترف بها بحق وبطريقة مقدسة، ومع اعترافنا بوجود حالة الخراب بالكنيسة ومع ذلك تجري فيها تلك الشركة. إنها المحبة لجميع خاصة المسيح - والباب المفتوح لقبول الجميع بحسب شروط الحق والقداسة - فمثل هذه الشركة لا تعتبر تحزباً أو بدعة. بل إذا اعترض اجتماع ما عليها ورفضها فهذا يرينا البدعة في حقيقتها الكاملة في ذلك الاجتماع. (جرانت).

وعلينا أن نعترف بجسد المسيح كله، ولكننا لا نعترف بروابط وعلاقات المؤمنين غير الكتابية. إنه بحسب إيماننا بحق جسد المسيح، فإننا نرفض التحزبات والطوائف لأنها ليست من الله، ولكن في ذات الوقت إذ لنا التمتع بامتيازات جسد المسيح فإننا مقيدون بقبول كل من هم في دائرة الشركة غير التحزبية. إن كل مسيحي له الحق في مائدة الرب على نوع ما، ولكنه ليس في جميع الأحوال يصبح قادراً لكي يأخذ مكانه على مائدة الرب، إذ تعوقه عملياً طرقه غير المستقيمة أو روابطه العالمية والتحزبية، أو حالة نفسه غير الصحيحة، فهي مائدة القدوس والحق.

إن كسر الخبز معاً على مائدة الرب هو التعبير الأكمل للشركة، والشركة تعنى شركة في التمتع بالامتيازات زفي الحكم. وحيث لا يوجد هذان الأمران فالشركة الحقيقية مستحيلة. إننا لا نستطيع أن نكون في شركة مع أولئك الذين يقاومون ويثيرون الحرب على المبادئ الأساسية التي أعطانا إياها الله لقيادتنا. إن الشركة يمكن أن تقوم فقط بين كنيسة محلية مع كنائس محلية أخرى لتشترك معاً في ذات الامتيازات، وتقوم بمسئولياتها بحسب كلمة الله، وهي سائرة في القداسة والحق والوحدة.

لقد ناقشنا الحق الخاص بدائرة الشركة ودافعنا عنها كنمظور كتابي. ولكننا بكل أسف نقول أن الذين كانوا يجتهدون في التمسك بممارسة هذا المبدأ فشلوا فشلاً عظيماً وتفتتوا إلى دوائر مختلفة. وهذا يجعلنا نسلم ونعترف بحزن وانكسار شديدين أمام الله ووجوهنا في التراب إزاء ما حدث. ولكن هذا لا يبرهن على خطأ مبدأ دائرة الشركة. إن فشل الإنسان في حفظ حق الله لا يغير المبادئ الإلهية أو يعطينا عذراً في ألا نتمسك أو نمارس تلك المبادئ. إنها بالحري تصبح سبباً لكي نذلل أنفسنا أمام الله إذ نوحد أنفسنا مع آبائنا في كل ما حدث من خراب وفشل. ويجعلنا أن نطلب وجهه لكي ننال النعمة والقوة لحفظ كلمته والسير بالاستقامة.

وهؤلاء الذين يعتنقون مبدأ الاستقلال الكنائسي ويسيرون عليه، يلقون باللائمة على تعليم وحدة الكنائس بأنه سبب الانقسامات الجارية، ولكن فضلاً عما قلناه - فإن مبدأهم لم يحرزوا به أي تقدم - بل صاروا للأسوأ. أما النتائج المهلكة والسامة لهذا الاستقلال فلا تخفى على أحد.

  • عدد الزيارات: 3574