تاسعاً – التأديب الكنسي
ضرورة التأديب
لقد تحدثنا في الفصل الأول عن الكنيسة باعتبارها بيت الله على الأرض، وأشرنا إلى الترتيب والمسئولية التي تتعلق بهذه الصورة من كنيسة الله. أجل، فالله إلهنا هو إله ترتيب، وإذا ما سكن في بيت - كما هو حادث بالفعل في كنيسته - ينبغي أن يكون هذا البيت متوافقاً مع فكره ونظامه. وحيث أن ببيته "تليق القداسة" (مز 93: 5)، فإن مسئوليتنا هي أن نحفظ الكنيسة - التي هي مكان سكناه - طاهرة مقدسة.
في 1 تيموثاوس 3: 14 و 15 نقرأ "هذا أكتبه إليك راجياً أن آتي إليك عن قريب، ولكن إن كنت أبطئ فلكي تعلم كيف يجب أن تتصرف في بيت الله، الذي هو كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته". وهذا هو سبب كتابة بولس لرسالته الأولى إلى تيموثاوس: أن يعرف هو، وأن نعرف نحن أيضاً كيفية التصرف في بيت الله.. إذاً فهناك سلوك معين يليق ببيت الله، والترتيب والقداسة والتأديب ينبغي أن تكون في مكان سكناه.
قداسة الله
التأديب في الكنيسة هو أمر حتمي بسبب ذاك الذي هو "القدوس الحق" (رؤ 3: 7)، والذي هو في وسط شعبه والذي عيناه أطهر من أن تنظرا الشر أو تبصرا الجور" (حب 1: 13). فإذا ما كان هذا القدوس آخذاً مكانه في بيته، فلا يمكن أن يسمح لخطية أن تمر بلا قضاء. ولذلك لا بد أن يحفظ بيته طاهراً، كما قال داود في مزمور 101: 7 "لا يسكن وسط بيتي عامل غش. المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عيني".
ومن المهم أن نتذكر ونحن نتناول موضوع التأديب بالدراسة، أنه مرتبط باعتبار الكنيسة "بيت الله" لا باعتبارها جسد المسيح.[1]
حفظ سلطان المسيح
في عبرانيين 3: 6 نقرأ القول "أما المسيح فكابن على بيته، وبيته نحن". وحيث أن المسيح هو ابن على بيته.[2]
فإن سلطانه يجب أن يمارس، والتمرد والشرور يجب ألا يسمح بها. إن ما يتوافق معه فقط هو الذي يجب أن يظهر، ولذلك فإن مسئوليتنا نحن هي حفظ الترتيب المعلن في كلمته وبقاء بيته مقدساً. فالتأديب الكنسي، الذي يتخذ طابعاً كنسياً هو تأديب من المسيح باعتباره ابناً على بيته، وهو يختلف عن تأديب الأب لأولاده، هذا التأديب الذي ينبع من اهتمام الآب بكل فرد من أولاده الذين أخطأوا نتيجة النعمة الفردية والمحبة الأبوية من نحوهم. إنه اهتمام الآب بعائلته، ويختلف عن دور الابن[3] والتأديب الذي يجريه باعتباره ابناً على البيت.
التأديب يعني الخضوع للنظام، وتنمية عادة الطاعة بالتدريب والتعليم والتقويم والتوبيخ. إنه مثل التدريب التعليمي أو العملي للتلميذ. وكما أن هذا التدريب هام جداً في البيت، وفي المدرسة، وفي الحكومة، كذلك في بيت الله. فبدون النظام والتأديب لا نتوقع نجاحاً في أي مجال على الإطلاق.
إذا لم يكن هناك ممارسة للتأديب وحفظ النظام التقوي في الكنيسة، فإن هذا النقص سيؤدي سريعاً إلى تعطل عمل الروح القدس، وإطفاء خدمته. فروح الله يحزن لكل ما يهين المسيح، وكل ما يتعارض مع كلمته. ولا يقدر أن يبارك عدم الطاعة ولا الإرادة الذاتية، أو الخطية غير المحكوم عليها. وبالتالي سيتبع ذلك بالتأكيد ضعف الجماعة روحياً، ونقص القوة فيها وذلك لعدم ممارستها للتأديب الذي يجب أن يكون لمجد وكرامة الرب، الذي "بيته نحن".
طابع خمير الخطية
هناك سبب آخر لضرورة التأديب الكنسي وهو أن الخطية مثل الخميرة التي تخمر العجين كله. والرسول يتحدث عن هذا في 1 كورنثوس 5: 6 - 8 "ألستم تعلمون أن خميرة صغيرة تخمر العجين كله؟ إذاً نقوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير". إن طبيعة الخميرة هي أن أصغر جزء منها سرعان ما ينتشر ويخمر كل العجين. والطريقة الوحيدة لإبطال عمل الخمير هو أن ننقي العجين منه أو أن ندخل العجين المختمر في النار فيتوقف عمل الخمير. وهكذا أيضاً بالنسبة للخطية، فيجب أن يحكم عليها وتعزل خارجاً. فالخطية تدنس، ويجب أن تدان أينما ظهرت، وإلا فإنها ستنتشر وتفسد كل الجماعة.
إن التأديب التقوي ضروري لمقاومة ما تتركه الخطية من نجاسة في الكنيسة، ولذلك لا بد أن تكون محفوظة في الطهارة وعدم الخمير. فإذا كان شخص في قلبه خمير الخطية عاملاً، ولا يخضع للنصح أو للتوسل أو الإنذار والتوبيخ والعناية التقوية ولا يدين نفسه، بل يصر على خطته ويستمر في مساره، فعلى الكنيسة، بعد الوقت والمجهود المناسبين لتخليصه، أن تتخلص هي نفسها من هذا الشخص بعزله خارجاً كشخص خبيث حتى لا تتخمر الجماعة به.
لكن لا يجب أن نظن أن التأديب هو مجرد إجراء قضائي يتم بمقتضاه فصل الشخص عن الشركة وعزله عن الجماعة. فإن الغرض الأساسي من التأديب يجب أن يظل هو تجنب الوصول إلى حتمية عزل الشخص من الشركة مع المؤمنين. إن تسعة أعشار التأديب الذي يجب أن يجري في الكنيسة، يجب أن يكون فردياً في طبيعته، وبممارسة العناية الرعوية، وليس هو جمع الكنيسة كلها لإجراء القضاء. وكل تأديب ينبغي أن يكون الإصلاح والرد هو غايته. والحد الأقصى في تصرف الكنيسة، أعني عزل الشخص خارج الجماعة، ليس هو، بحصر اللفظ، تأديباً. بل إنه اعتراف بأن التأديب أصبح غير مجد وأنه لم يعد ممكناً عمل المزيد، إلا وضع شخص كهذا في مكان خارجي كشخص خبيث. والكنيسة ليس لها شيء آخر لتقوله له، إلا إذا ظهرت أولاً من جانبه توبة، ورجوع حقيقي إلى الرب.
إنه في داخل الكنيسة يلزم الإبقاء على التأديب وممارسته لأجل مجد الله ولبركة النفوس (1 كو 5: 12). ولهذا فعلى القديسين الانقياد في طرق الطاعة، والتدرب في طرق الرب، والتعلم فيما يسر المسيح ويبهج القديسين. إنه حقاً بالنظر إلى ما هو أمامنا يصبح لزاماً علينا أن نحافظ على التأديب بحسب كلمة الله في الكنيسة - كبيت الله.
[1] توجد في الكتاب المقدس سبعة تعبيرات مختلفة عن الكنيسة فهي: جسد المسيح (القرب الوثيق) _ عروس المسيح (المحبة والإعزاز) _ بيت الله (مكان سكنى الله من الآن وإلى الأبد الآبدين) _ هيكل (إعلان أمجاد الله لكل الخلائق) _ منائر (مسئولية الشهادة على الأرض) _ مدينة (غرض الله النهائي) _ رعية (الاعتماد الكلي على الراعي المحب).. ولعل أبرز تعبيرين هما "جسد المسيح" و "بيت الله"، الأول يرتبط بالأكثر بالامتيازات التي لنا، والثاني بالمسئوليات التي علينا _ (المعرب).
[2] لعل القارئ الفطن يلاحظ أن الأخ الحبيب تحت هذا العنوان قد نسب البيت إلى المسيح عدة مرات. ومن المفيد أن نذكر أن الكتاب المقدس دائماً ينسب البيت إلى الله (عب 10: 21، 1 تي 3: 15، 1 بط 4: 17)، ولا يستثنى من ذلك الآية التي نحن بصددها والواردة في عب 3: 6. فالمفارقة هنا هي بين موسى الذي كان أميناً في كل بيت الله كخادم، وبين المسيح الذي هو ابن على هذا البيت، بيت الله. ومع أن نفس الفقرة تشير إلى أن المسيح هو الله، لأن المسيح هو باني البيت، وباني الكل هو الله. لكن البيت ينسب إلى الله "بيت الله" _ (المعرب).
[3] هناك تعامل لأقانيم اللاهوت الثلاثة مع خطية المؤمن بالإضافة إلى تعامل الجماعة المحلية، فبمجرد حدوث زلة من المؤمن، حتى ولو كانت مجرد كلمة خرجت منه بدون احتراس، فإن الروح القدس الساكن فيه يحزن (أف 4: 29 و 30). والمؤمن الذي لا يستفيد من ذلك ويحكم فوراً على خطئه، فإنه يعرض نفسه لمعاملات الآب التأديبية، الناتجة عن محبته لنا (عب 12: 6 _ 11). فإذا تمادى المؤمن ولم يرجع فإنه يعرض نفسه لتأديب الرب، هذا التأديب الذي يجب أن تمارسه الجماعة، وبصفة خاصة النظار بينهم (وهذا هو موضوع هذا الكتاب)، لكنها لو قصرت فالرب سيقوم بنفسه بهذا الأمر حسبما ورد في 1 كورنثوس 11: 30 _ 32) (المعرب).
- عدد الزيارات: 6092