Skip to main content

الإعداد والتدريب

بعد أن تناولنا موضوع الخادم، وسيده الوحيد، ودعوه الإلهية. نتحدث الآن عن موضوع إعداده وتدريبه لخدمة المسيح. وهنا أيضاً يجب أن ننقاد بالكتاب المقدس وليس بآراء الناس، أو العادات المتبعة في هذه الأيام والتي تجري في كنائس العالم.

اتبع الرب

عندما أراد يسوع أن يدعو اثني عشر رسولاً كخدامه للقيام بعمله العظيم، مضى إلى بحر الجليل، ودعا سمعان وأندراوس، وكذلك يعقوب ويوحنا من عملهم كصيادين، وقال لهم "هلم ورائي فأجعلكما تصيران صيادي سمك" (مرقص 1: 17 و18 – 20). لقد اختار صيادين بسطاء غير متعلمين ودعاهم لإتباعه، واعداً إياهم بأنه سيجعلهم أدواته التي يمكن أن يستخدمها في عمله العجيب لخلاص النفوس. وكان الإعداد والتدريب لذلك العمل هو أتباعهم إياه كل يوم، وأن يكونوا في صحبته متعلمين منه، وهو سيعلمهم كل ما ضروري ليجعلهم رابحي نفوس حقيقيين لشخصه المبارك.

ويخبرنا مرقس 3: 14 أيضاً أنه "قام اثني عشر ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا ..." فالشركة مع يسوع المسيح هي وحدها التي تؤهل وتعد كل خادم موهوب يدعوه الرب لخدمته. وفي خلوة الخادم في المخدع على انفراد يستطيع أن يجد الرب بالصلاة والتأمل في الكلمة، وهناك يتعلم أشياء كثيرة. ومن هذا المكان السري يستطيع الشخص أن يقدم بقوة الروح القدس الساكن فيه، ليكون شاهداً للناس عن المسيح، فالمسيح هو المعلم العظيم الذي لا يستطيع أحد أن يُعلم مثله. إنه يعرف ما هي الدروس التي يجب أن يتعلمها كل خادم، وكيف يُعد ويُؤهل كل واحد لهذه الخدمة المعينة له في جسد المسيح.

مدرسة الخبرة العلمية

تُعطى المواهب البسيطة السيد لأولئك الذين يدعوهم، ولكن هذه المواهب المعطاة ليست في صورتها الكاملة ويحتاج الأمر إلى نموها ونُضجها لمدة طويلة في مدرسة الله، لتظهر في صورتها التامة. وعندما يدعو الرب شخصاً ما لعمله، فإنه يلحق ذلك الشخص في مدرسته ويدربه بنفسه في طرق وظروف متنوعة وبواسطة وسائل مختلفة تحت إشرافه. كما أن الله يريدنا أيضاً أن يتعلم أحدنا من الآخر في مدرسته، فعلينا أن نستفيد من اختبارات الآخرين. هذه هي مدرسة الخبرة العملية التي ا يتخرج منها الشخص أبداً، ولكنه ستمر في الخدمة والتعليم يوماً فيوماً في شركة مع سيده، مُعلم المُعلّمين، الكامل، ذي الصبر الكثير، والنعمة الفائقة. وفي هذه المدرسة يخدم الشخص ويعمل للسيد بينما هو يتعلم، ويتعلم بينما هو يخدم. فالجانب العملي يسير جنباً إلى جنب مع الجانب النظري، والحق يستقر في القلب كما في العقل، وهذا ما يجب أن يكون.

ومدرسة الله العملية هي المدرسة التدريبية الوحيدة لخدام المسيح، المُصادق عليها من الله، والموجدة في الكتاب المقدس. ولا تزال حتى الآن هي المدرسة الحيدة التي يمكنها أن تُعد خدامه وتدربهم تدريباً صحيحاً تاماً، ولا تستطيع أي مدرسة أو كلية من اختراع الإنسان أن تجعل خدامه يتعلمون في طريق الله. فلا توجد وسيلة للتعلم مثل تلك التي تأتي عن طريق الجلوس عند قدمي السيد، ثم بعد ذلك الاتصال اليومي بالناس.

الله يختار

يختار الله للخدمة أناساً من كل طبقات المجتمع، ومن كل المراكز الاجتماعية ليصل بهم إلى كل طبقات الناس. فهو يختارهم كما هم وبما يمتلكونه من المعرفة والاختبار ثن يكمل كل ما ينقصهم بروحه وبكلمته. وهذا ما نراه في كل من العهدين القديم والجديد. فموسى الذي تهذب بكل حكمة المصرين، دعاه الله من القصر إلى ما وراء البرية حيث تَعلَّم في مدرسة الله لمدة أربعين عاماً بينما كان يرعى الغنم، وبعد ذلك أُرسل لخدمة الله. وجدعون دعا من خبط الحنطة إلى عمل الله، وداود أخذه الله من مريض الغنم، وأليشع من خلف المحراث، وعزرا من درج ناموس موسى، وشاول الطرسوسي من تقدمه في الديانة اليهودية وتقليدان آبائه ومكانته المرموقة عند اليهود ومن عند رجلي غمالائيل إلى قدمي يسوع، ومن هناك بعد قضاء فترة في العربية، أُرسل لأجل خدمة الرب يسوع المسيح.

وإذا ما تركنا لله المجال لكي يدعو ويدرب خدامه، فسيصبح لدينا خدمة ذات أساس إلهي. فإن الله سينتقي خدامه من كل طبقات المجتمع، من المستويات العليا إلى الدنيا، والتي يمكنها بالتالي أن تصل إلى كل أنواع الناس وظروفهم بدون مساعدة كليات اللاهوت، وسيكون لدينا أعظم المفسرين لكلمة الله الذين تَعلّموها وهم على ركبهم، والبسطاء الذين يقدمون الرسالة للناس في بساطة.

إن معظم كليات ومدارس اللاهوت في أيامنا الحاضرة تُعطى جزءاً كبيراً من العلوم الإنسانية مع القليل من التعليم الكتابي. وفي هذه الأماكن بالذات تغلغلت الآراء العصرية، بما فيها من هجوم شيطاني على الأسفار الإلهية وعلى أسس الإيمان المسيحي الصحيح. وهذه الآراء تُعلّم لأولئك الذين سيصبحون فيما بعد خدام المستقبل. وتكون نتيجة ذلك أن إيمانهم بالكتاب يتقوض، وبالتالي متى خرجوا للخدمة والتعليم، فإنهم يقودون النفوس للهلاك. وهذا ما يحدث عندما توضع خطة للتعليم مضادة للطريقة التي بها يُعلّم الله خدامه.

وفي أرميا 1: 5 وغلاطية 1: 15 و 16 نرى أن الله يفرز ويدعو خدامه حتى قبل أن يولدوا. وفي ضوء هذا فإنه يُشكل الإناء لأغراضه، ويرتب له كل ظروف حياته المقبلة، وكل ما يجتاز فيه الخادم – حتى قبل إحساسه بالدعوة السماوية بل قبل اهتدائه ورجوعه إلى الرب – غنما هو محسوب بدقة من الله لكي يجزه ويدربه لدعوته الإلهية. والرسول بولس مثال إنسان كانت له شخصية فذة قبل الإيمان، وكان أيضاً متعلماً تعليماً ومكتسباً أشياء غير عادية، وهذه كلها كانت مرتبة بعناية إلهية لكي تعده لمكانه الخاص في كنيسة الله.

ادرس الكلمة

عن وصايا بولس للخادم الشاب تيموثاوس، تثبين ماهي أكثر الأشياء اللازمة والمهمة في إعداد خادم يسوع المسيح "أُعكف على القراءة والوعظ والتعليم .. اهتم بهذا. كن فيه لكي يكون تقدمك ظاهراً في كل شيء. لا حظ نفسك والتعليم ودوام على ذلك" (1 تيموثاوس 4: 13 – 16 ). "افهم ما أقول فليعطك الرب فهماً في كل شيء .. اجتهد أن تُقيم فسك لله مزكي، عاملاً لا يخزى، مفصلاً كلمة الحق بالاستقامة. وإنك منذ الطفولة تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكّمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع. كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" (2 تيموثاوس 2: 7 و 15، 3: 15 – 17).

إن الذي يؤهل كل خادم موهوب في عمل الرب هو معرفة كاملة للكتاب المقدس كما يُعلمه إياه الروح القدس، مقترنة بالسلوك المقدس الذي بحسب الحق وبالاختبارات الروحية في الخدمة. ويحتاج الخادم أن يدرس ويتأمل في الكتاب المقدس وليس في كتب اللاهوت وما شابهها. فالعكوف على كلمة الله هو الذي يجعل إنسان الله كاملاً، متأهباً لكل عما صالح.

الانفصال ضرورة

وتوجد هنا نقطة جديرة بالملاحظة بالارتباط مع موضوعنا في 2 تيموثاوس 2: 19 - 21 وهى أنه يجب الانفصال عن الإثم, "إن طهر أحد نفسه من هذه (أواني الهوان) يكون إناء للكرامة مقدساً نافعاً (لخدمة) السيد, مستَعّداً لكل عمل صالح" . هنا واحدة من أساسيات الإعداد الحقيقي لخدمة السيد وهي الطاعة للحق الإلهي والانفصال عن كل ما يضاد كلمته. ولا يتوقع أحد أن يتعلّم من الله أو أن الله يستخدمه, بينما هو في شركة مع ما يَعلَم أنه شر. فَكّر في هذا ملياً أيها القارئ المسيحي.

ويقدم لنا مَثَل الوزنات في متى 25: 14 -30 مبدأ مهماً آخراً بالارتباط مع الخدمة "لأن كل من له يعطى فيزداد ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه"(ع29). ويرينا الرب في هذا المثل أن الشخص الذي يستخدم وزناته بأمانة يمنحها الرب أكثر. بينما ذلك الذي لا يستخدم وزنته تؤخذ منه. فإذا استخدمنا القدرة والمعرفة في الأمور الإلهية التي يعطيها لنا الرب, فإننا عندئذ نُعطَي أكثر لاستخدامها لحسابه. وهكذا ينمو الخادم في مدرسة الله ويزداد نفعاً باستمرار.

إننا مقتنعون بأن ما سبق وأوضحناه, هو طريق الله للإعداد والتدريب لخدامه. وقد تأكد الكثيرون من ذلك أيضاً.

  • عدد الزيارات: 3972