ثانياً: العشاء الرباني
أ-هذا العمل الجليل للذكرى قد سنه الرب يسوع عشية تسليمه غدراً. ففوراً بعد الانتهاء من الاحتفال بالفصح مع تلاميذه سن الرب يسوع ما نسميه الآن العشاء الرباني. "أخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم اصنعوا هذا لذكري وكذلك الكأس أيضاً بعد العشاء قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم". (لو22: 19و 10).
ب-أما عن أهمية هذه الفريضة فهناك أربع حقائق هامة على الأقل:
1-إنه عمل للذكرى, فقد قال المخلص "اصنعوا هذا لذكري". وفي أثنائه نذكر آلامه وموته, وبذله جسده وسفكه دمه. هنا تمر الجلجثة أمام مخيلة كل المشتركين.
2-ومن المستحيل أن نذكر آلام الرب يسوع دون أن نرفع لله عبادتنا وحمدنا. وهكذا فإن العشاء الرباني وقت للعبادة العلنية, وقت للتعبد لله بسبب كل ما يعنيه هو لنا وما عمله لأجلنا.
3-ثم إن العشاء الرباني شهادة علنية عن وحدة جسد المسيح. فرغيف الخبز إشارة إلى جسد المسيح الذي يضم جميع المؤمنين الحقيقيين. واشتراك المؤمن في الخبز شهادة منه بأنه متحد مع كل ابن حقيقي لله. وشربه من الكأس اعتراف منه بأنه متحد مع كل من تطهَّر بالدم الثمين (1كو10: 16و 17).
4-وأخيراً, العشاء الرباني يذكرنا دائماً بأن من سنّه لنذكره سيأتي ثانية "فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء". (1كو11: 26).
ولذلك فإن العابد لا ينظر إلى الوراء فقط إلى الجلجثة ليذكر الرب في موته, ولا هو ينظر فقط إلى فوق إلى عرش الله ويحمده على الفداء الكامل, بل هو أيضاً ينظر إلى الأمام إلى تلك اللحظة حينما ينزل الرب من السماء ويأخذ شعبه الذين ينتظرونه إلى بيتهم السماوي.
ج-أما عن موعد عمل العشاء الرباني وتكراره فالكتاب المقدس لا يأمر بلغة الناموس بل هو يناشد بصوت النعمة.
1-ورد في اع20: 7 "وفي أول الأسبوع إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزاً". وأول الأسبوع هو يوم الرب أي يوم الأحد, وهو يوم قيامته, يوم مناسب لاجتماع المؤمنين للعبادة والذكرى.
2-أما عن مرات تكرار العشاء الرباني فالكتاب يعلمنا قائلاً "كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس" (1كو11: 26). وعندما يقول الشخص إنه يجب أن يعمل مرة كل أسبوع أو مرة كل شهر أو مرة كل ثلاثة أشهر فقد تعدى قول الكتاب المقدس. والأمر المحتم جداً هو أن التلاميذ الأولين كانوا يجتمعون كل أسبوع ليذكروا الرب. ولقد جادل تشارلس سبرجون بشدة في جانب عمل العشاء الرباني كل أسبوع, قال:
"إن شهادتي هي- واعتقد أني أعبر عن رأي الكثيرين من الحاضرين هنا- أننا إذ نأتي كل أسبوع, كما يعمل الكثيرون منا, إلى مائدة الرب, لا نجد أن كسر الخبز قد فقد أهميته بل هو دائماً جديد لنا. وكثيراً ما تكلمت عن مساء يوم الرب مهما كان موضوع التأملات, سواء أكان سينا يرعد فوق رؤوسنا أو اخترقت آذاننا نغمات الجلجثة الحزينة, فمجيئنا إلى كسر الخبز يبدو دائماً أمراً مناسباً. يا للعار على الكنيسة المسيحية التي تؤجله إلى مرة واحدة في الشهر وتفسد أول الأسبوع بتجريده من اجتماعنا للشركة وكسر الخبز والإخبار بموت المسيح إلى أن يجيء. إن كل الذين يختبرون حلاوة الاحتفال في يوم الرب من كل أسبوع بعشائه لا يقنعون أكيداً بتأجيله إلى فترات أطول"[1].
وكذلك كان يوناثان ادواردز يدافع عن فكرة صنع ذكرى الرب كل أسبوع. قال:
"يبدو واضحاً من الكتاب المقدس أن المسيحيين الأولين كانت عادةٌ أن يصنعوا ذكرى آلام فاديهم الحبيب في يوم الرب من كل أسبوع, واعتقد أن الحال ستكون كذلك في الأيام القادمة"[2].
د-وغنيّ عن البيان أن العشاء الرباني قاصر على المؤمنين فقط لا يتقدم إليه إلا الذين افتدوا وصاروا قادرين على الدخول إلى معناه المقدس. ويتقدم إليه المؤمنون وهم في حالة فحص لذواتهم (1كو11: 28), فيجب الاعتراف بالخطية وتركها, وتناول الخبز والكأس باستحقاق (1كو11: 21و 22). وأما كل الذين يتناولون بدون أن يفحصوا أنفسهم فهم في خطر الوقوع تحت تأديب الرب. (1كو11: 27و29-32).
ه-وهنا يجمل بنا أن نذكّر أنفسنا أنه من الممكن أن يأكل الإنسان من الخبز ويشرب من الكأس بدون أن يذكر الرب فعلاً. إذ من الممكن أن تصبح مراعاة هذه الفريضة طقساً فقط إذا ما كانت قلوبنا غير مطابقة لمعنى الرمز الذي نصنعه. فحياتنا يجب أن تكون حياة الشركة مع الله إذا ما أردنا أن نطيع فعلاً كلماته "اصنعوا هذا لذكري".
(18) كنوز العهد القديم لمؤلفه تشارلس سبرجن
(19) آراء في الانتعاش 1736
- عدد الزيارات: 6846