أولاً: معمودية المؤمن
أ-ويجب أن نلاحظ بادئ ذي بدء في الكلام عن المعمودية أن في العهد الجديد ثلاثة أشكال من المعمودية:
1-فهناك معمودية يوحنا (مر1: 4). لقد طلب يوحنا من الشعب باعتباره رسول الملك أن يتوبوا وأن يعملوا أعمالاً تليق بالتوبة (مت3: 8). ولقد اعترف من أتوا إليه بخطاياهم واعتمدوا, وهكذا عزلوا أنفسهم عن حالة الأمة الشريرة.
ولقد اعتمد الرب يسوع من يوحنا, ليس لأن له خطايا يتوب عنها, بل لكي يتحد مع البقية التائبة من اليهود ويتمم كل برّ (مت3: 15).
2-وهناك أيضاً معمودية المؤمن (رو6: 3و 4) وهذه معناها الاتحاد مع المسيح في موته, وسوف نأتي على ذكرها بالتفصيل فيما بعد.
3-وهناك كذلك معمودية الروح القدس (1كو12: 13) وهذا عمل روح الله وسلطانه وبه يتحد كل المؤمنين بالمخلص في جسد المسيح.
وما دمنا في الحديث عن هذه المعموديات الثلاث يجب أن نلاحظ جيداً أن معمودية يوحنا ليست كمعمودية الروح, والمعموديتان موضحتان جيداً في مت3: 11.
كما أن معمودية يوحنا ليست كمعمودية المؤمن. ونرى من اع19: 1-5 أن أولئك الذين كانوا قد اعتمدوا بالمعمودية ليوحنا كان عليهم أن يعتمدوا ثانية بالمعمودية المسيحية.
ومعمودية الروح القدس ليست كمعمودية المؤمن. وكثيرون عندهم فكرة غامضة أن معمودية الماء هي صورة أو رمز لمعمودية الروح, ولكنهما في الحقيقة مختلفتان تماماً, إذ أن معمودية الروح تشير إلى الاتحاد في جسد المسيح, بينما معمودية المؤمن هي صورة للموت.
وبالاختصار نرى أن هذه الأشكال الثلاثة للمعمودية مختلفة الواحد عن الآخر ويجب ألا نخلط الواحد بالآخر.
ب-ليس في العهد الجديد ذكر لأي واحد بعد يوم الخمسين قد اعتمد إلا المؤمنين بالرب يسوع-لاحظ ما يأتي:
1-"فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا" (اع2: 41).
2-"ولكن لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح اعتمدوا رجالاً ونساءً" (اع8: 12).
صحيح أنه ذكر أن أهل بيوت قد اعتمدوا (اع16: 15و 1كو1: 16) ولكن ليست هناك بيّنة على أن أهل تلك البيوت كان بينهم أطفال لم يسبق لهم الإيمان بالرب يسوع.
ج-أما المعنى الكامل لمعمودية المؤمن فواضح وضوحاً تاماً في رو6: 1-10. ويمكننا تلخيص التعليم الوارد في هذه الأعداد كما يلي:
1-عندما مات يسوع كان كأنما نزل تحت أمواج غضب الله وتياراته (مز42: 7).
2-صنع هو ذلك كممثل لنا
3-ولأن المسيح مات فعلاً نيابة عنا لذلك يمكننا أن نقول أنه عندما مات هو متنا نحن أيضاً.
4-وبموته فصل نهائياً في موضوع الخطية كله.
5-ولذلك فنحن أيضاً قد متنا عن موضوع الخطية كله. فليس للخطية علينا أي مطلب بعد ذلك.
6-يرى الله كل مؤمن كأنما صلب مع المسيح. فكل كيانه كخاطئ في الجسد قد سمر على الصليب.
7-يقدم المؤمن عن طريق المعمودية صورة لما حدث فعلاً, فكأنما هو يقول فعلاً إذ ينزل تحت الماء "إنني استحق أن أموت بسبب خطاياي. ولكن لما مات يسوع مت أنا كذلك, فأنساني العتيق, أي ذاتي العتيقة, قد صلبت مع يسوع. وعندما دفن يسوع دفنت أنا كذلك, وها أنا اعترف الآن بأن ذاتي العتيقة يجب أن تُخلع من أمام الله للأبد في حياتي اليومية".
8-وكما قام يسوع من الأموات هكذا يقوم المؤمن من ماء المعمودية, وهو بعمله هذا يظهر عزمه على أن يسلك في جدة الحياة, فلا يحيا بعد الآن لإرضاء ذاته بل يسلّم حياته للمخلص ليحيا المخلص حياته في المؤمن.
وهكذا يمكننا القول إن المعمودية فريضة تدل على نهاية طريقة الحياة الأولى, وهي طاعة علنية لمشيئة الرب (مت28: 19و 20) تظهر موت المؤمن مع المسيح. ولا دخل لها في الخلاص بل إنما هي لأولئك الذين قد حصلوا فعلاً على الخلاص.
د-ولقد قام خلاف كثير على الطريقة التي يجب أن تمارس المعمودية بها فالبعض يقولون أنها بالرش بينما يقول الآخرون أنها بالتغطيس. وهاك بعض الحقائق تساعد على حل هذا الموضوع:
1-كلمة "يعمد" مأخوذة عن أصل يوناني معناه "يغطّس أو يغوص أو يغسل".
2-نقرأ في معمودية المسيح "فلما اعتمد يسوع صعد من الماء" (مت3: 16).
3- كان يوحنا نفسه يعمد في عين نون بالقرب من ساليم "لأنه كان هناك مياه كثيرة" (يو3: 23).
4-في معمودية الخصي الحبشي يدقق الوحي في ذكر أن فيلبس والخصي "نزلا كلاهما إلى الماء...فعمده. ولما صعدا من الماء خطف روح الرب فيلبس" (اع8: 38و 39).
5-رأينا آنفاً (رو6: 3) أن المعمودية صورة للدفن. والرش لا يحمل أي شبه للدفن, وأما التغطيس فهو صورة صادقة له.
ه-ولكن هناك ما هو أهم من طريقة المعمودية, وأعني به قلب الشخص الذي يعتمد. فهناك آلاف من الناس ممن اعتمدوا بالتغطيس في الماء ولكنهم في الحقيقة لم يعتمدوا. فالشخص الذي اعتمد حقاً هو ذلك الذي لم يجتز فقط في الفريضة الظاهرة الخارجية بل هو الذي تُظهر حياته أن الجسد أو الإنسان العتيق قد خُلع فعلاً في مكان الموت. فالمعمودية يجب أن تكون أمراً يتعلق بالقلب كما هو أيضاً اعتراف ظاهر.
ويمكن توضيح ذلك بطريقة مباشرة بتلخيص ما جاء في رو2: 25-29 على أنه يشير إلى المعمودية بدلاً من الختان:
فإن المعمودية تنفع إن عملت بالإنجيل؛ ولكن إن كنت رافضاً للسلوك بالإنجيل فقد صارت معموديتك لا معمودية. إذاً إن كان غير المعتمد يطيع الإنجيل أفما يحسب عدم معموديته معمودية ويكون الأشخاص غير المعتمدين يدينونك أنت الذي في الحرف والمعمودية لا تسلك بحسب الإنجيل. لأن المسيحي في الظاهر ليس هو مسيحياً, ولا المعمودية التي في الظاهر في اللحم معمودية؛ بل المسيحي في الخفاء هو المسيحي, ومعمودية القلب بالروح لا بالحرف هي المعمودية التي مدحها ليس من الناس بل من الله[1].
و-فكرة أن يكون الشخص المعمّد خادماً مرسوماً حتى يستطيع أن يعمد هي فكرة غير كتابية. فكل مؤمن يستطيع أن يعمد آخرين.
ز-في أيام الكنيسة الأولى كان المؤمن الذي يعتمد يتعرض غالباً للاضطهاد ثم للقتل بعد فترة وجيزة. ومع ذلك, فحالما كان آخرون يؤمنون كانوا يخطون للأمام بدون تردد ويُقدمون على المعمودية ليملأوا صفوف الشهداء.
وحتى في يومنا هذا كثيراً ما تكون المعمودية علامة على بدء اضطهاد مرير. وفي كثير من الأقطار يحتملون المؤمن طالما لا يتعدى اعترافه بالمسيح الاعتراف الشفوي فقط. أما إذا اعترف بالمسيح علناً بالمعمودية وقطع علاقته بالماضي فإن خصوم صليب المسيح يناصبونه العداء.
على أنه مهما كان الثمن فإن كل من يعتمد يتمتع بما تمتع به الخصي الحبشي من اختبار, فقد كتب عنه أنه "مضى في طريقه فرِحاً".
(17) مستوحاة من تلخيص مماثل عن عضوية الكنيسة لمؤلفه نويل
- عدد الزيارات: 5044