Skip to main content

الفصل 5

واقتيد بوران إلى قلب الغابة فيما كان المسافرون الأربعة ينظرون بعضهم إلى بعض لا يعلمون ماذا يفعلون. وتوقّف القرويون عن البحث بين الخرائب وتبعوا رفقاءهم تاركين الأربعة يتشاورون معاً يائسين حزانى. فالتفتت لاني بغضب إلى تالوس قائلة: "أعتقد أنك أنت وصديقك العازف مسروران لخسارتي بوران".ولما قالت هذا انهمرت الدموع على وجنتها.

أجاب تالوس: "لا, يا لاني, بل نحن نشعر بالحزن مثلك. وقد حدث الأمر فجأة دون أن تتاح لنا فرصة للتدخل".

فأجابت لاني اليائسة: "كيف سنتمكن من العيش دون النقود القليلة التي كان يجمعها لنا الدبّ الراقص؟".

فقال أورفيوس مؤكداً: "أنا وتالوس سنهتم بأمرك وأمر والدك. أرجوك ألاّ تبكي".

"بمعونة الله سأستعيد بوران. فقط انتظروني هنا". قال تالوس هذا وسار في أثر القرويين المسعورين خائفاً من أن يكون الدب المسكين قد قُدّم ذبيحة لآلهتهم. فأفضت به طريقه إلى بقعة صغيرة لا أشجار فيها حيث وجد الدبّ مربوطاً إلى شجرة وحيدة.

ولدى استلقائه متخفياً من وجه الجمهور الصاخب أخذ تالوس يصلّي: "اللهم, أعنّي كي أتمكن من الانتقال بهؤلاء الناس من معتقداتهم الوثنية إليك".

ثم اندفع إلى وسط الحلقة التي كان الرجل يرقص ويصيح فيها بحماسة وصاح فيه: "كفّ عن هذا. كف عن هذا".

فذُهل الجميع وخيّم عليهم الصمت لما قوطعوا بهذا الشكل, مما جعل تالوس يتابع كلامه بجرأة: "هذا الحيوان الأبكم ليس روحاً لأي من الآلهة. وتقديمكم إياه ذبيحة لا يجديكم نفعاً. فأصغوا إليّ لأحدثكم عن الإله الحقيقي الذي يمكنكم الوثوق به".

عندها هجم بغضب الذين كانوا يرقصون حول الدب وأطبقوا على تالوس. قال أحدهم متسائلاً: "من يجسر على الدخول إلى وسط الحلقة المقدسة؟". وصاح آخر مهدداً: "الموت للغريب". لكن إحدى النساء المتفرّجات هتفت قائلة: "دعوه يتكلم, دعوه يتكلم. نحن نريد أن نسمع عن إله يمكن الوثوق به".

وتَلتها أخرى, تحمل طفلاً خائفاً على ذراعها, قائلة بلهجة لا تنُّم عن رضى: "إن الآلهة القديمة لم تتمكن من حمايتنا من غزوات الفانداليين. نحن نقدّم لها القرابين ولكنها لا تساعدنا عند الحاجة".

وسيدة أخرى أصغر منها سناً, رفعت صوتها ملحّة: "إن كان ثمة إله أصَحّ فنحن نريد أن نعرف عنه".

وهنا تقدمت المرأة الأولى بضع خطوات نحو تالوس وقالت له: "تكلّم أيها الغريب. أخبرنا كيف نعيش دون خوف".

فاغتنم تالوس بسرعة فرصة الصمت التي تلت مطالب النساء وطفق يحدثهم عن يسوع المسيح ومحبته لهم. وحثّهم على هجر عبادتهم للآلهةا كاذبة والالتجاء إلى المسيح- الإله الحي الحقيقي وربّ الكل. كما أخبرهم عن وعد يسوع بالخلاص لكل من يقبله.

ولما انتهى, عاد الجمهور ببطء إلى القرية وكان الجميع يناقشون الرسالة التي سمعوها, ولم ينتبهوا إلى أن تالوس تخلّف عنهم فأسرع فحلّ الدب بعد ابتعادهم عنه. مواطن واحد فقط رآه إذ كان مختبئاً وسط الأشجار القريبة من الساحة التي كانوا فيها.

فأخذ المواطن يقول في نفسه: "لقد حرّر الحيوان من قيده ولم تمنعه الآلهة".

وهكذا عاد تالوس بالدب إلى صاحبه. ولكم كان اللقاء رائعاً بين لاني ودبّها المدلّل.

ولما وقفوا يراقبونها تعانق بوران مسرورة, قال الشيخ: "لقد أبهَجت قلب ابنتي يا تالوس".

فرد تالوس: "وأنا مسرور جداً لأن هؤلاء الناس سمعوا لي". وأضاف أورفيوس: "وأنا أكون سعيداً لو أن لاني يسرّها أن تراني مسروراً برؤيتها".

في تلك الليلة قام الغريب الذي شاهد تالوس سراً يحلّ الدبّ, وركب قاربه المغطّى وراح يجذف به عبر نهر الدانوب العريض. وقال في نفسه وهو يفكر بما رآه: "سأفشي أمره إلى زعماء القبيلة". كان هذا الرجل- وهو جاسوس فاندالي- قد سمع ما قاله تالوس فانسلّ تحت جنح الظلام عبر النهر ليطلع جماعته على الأمر.

  • عدد الزيارات: 2293