الفصل 6
كان الفجر قد بدأ ينبلج حين وطئت قدماه أرض الشاطئ ووجد نفسه وجهاً لوجه أمام حارس يأمره: "ارفع يديك يا هذا".
"انزل رمحك, فهذا أنا- غرث, ولديّ نبأ هام أطلعك عليه".
وإثر سماع صوت الحارس, أسرع اثنان من الزعماء إلى الشاطئ. قال الأول : "غرث, ما وراءك من أخبار؟".
وعند وصول زميله الذي تبعه راكضاً إلى المكان الذي وقف فيه غرث على الشاطئ, قال هو الآخر مستفسراً: "هل غادر الرومان حصنهم للانتقام من غَزوِنا للقرية؟".
"كلا. فلدي قصة غريبة أرويها لكما. لقد استرقت السمع إلى رجل غريب- روماني اللغة- يخاطب الناجين من القرية أن رومية لا وجود لها فيما بعد- وأن مملكة جديدة عتيدة أن تظهر".
وبعد أن جلسوا حول النار في مكان غير بعيد طُلب إلى غرث أن يروي القصة كاملة إلى جماعة من الكهنة والشيوخ.
قال غرث: "تحدّث الغريب عن إله قدير جديد قضى على سائر الآلهة. ثم أخذ الدبّ الذي كان سيقدّم ذبيحة ولم يحدث للغريب شيء".
فاستفسره كاهن مشدوه: "أتجاسر أن يمنع تقديم ذبيحة؟".
وهتف شيخ: "من الضروري استبدال الآلهة القديمة".
ثم تكلم الكاهن فقال: "إن كان هذا صحيحاً فلننتهز فرصة الإفادة منه. غير إني لا أحب الحديث عن إله جديد".
وتابع الكاهن قوله: "لقد نَصَرتنا آلهتنا على الرومان وحالت دون غزو فيالقهم لهذا الجانب من النهر. لعلّ هذا الرجل كان يتكلم عن إلهنا الكلي القدرة وينبئ عن فتحنا لرومية".
وهكذا أساء الفانداليون تفسير رسالة تالوس كلياً, تلك الرسالة التي كان قد خاطب بها القرويين عبر النهر. فلقد كان تالوس يتحدث عن ملكوت الله ووعد المسيح لأتباعه بالغلبة والانتصار.
بعد هذا تكلم الزعيم الأكبر للفاندال مجيباً الكهنة: "ثمة طريقة واحدة لمعرفة صحة القصة التي يرويها الغريب: تعالوا به إلى هنا لنمتحنه. فإن كانت الحيلة حيلة رومانية بقصد مباغتتنا فسرعان ما سنكتشف الأمر".
في هذا الوقت كان تالوس ورفاقه يتابعون سيرهم في اتجاه القلعة الرومانية التي يقوم جنودها على حراسة الحدود. وفي أثناء ارتحالهم عاد أورفيوس إلى السير في الطليعة مع لاني وبوران الدبّ. وخَلفهم على مسافة قريبة كان تالوس والشيخ يسيران معاً ويتبادلان الأحاديث.
قال "وورث" والد لاني: "لقد حَمَلتَ أملاً جديداً لأولئك القرويين, يا تالوس, أنا ايضاً أؤمن الآن بيسوع المسيح".
أجابه تالوس: "عن هذا يسرّني, يا وورث". وفيما كانا يسيران معاً, أخذ تالوس يشرح له مقاصد الله من وراء خلق الإنسان- كيف أنه قُصد بالإنسان أن يعيش لله ويكرمه ويكون في علاقة معه. ومما قاله: "إن الإنسان أخفق في إكرام الله وسار في طريقه الذاتية عوض ذلك, فكان أن انفصل عن الله ووقع تحت حكم الموت". وتابع قوله: "لهذا جاء يسوع المسيح ابن الله- ليعيش مثلنا, وبعد ذلك يموت عنا. وقد دفع قصاص الموت عن خطايا البشر لكي تكون لمؤمنين به حياة أبدية مع الله".
في هذه الأثناء, عندما وصلوا إلى رأس الحرف في طرف الغابة شاهدوا الحصن الروماني على مرأى منهم.
قالت لاني: "لست أدري ماذا ينتظرنا هناك يا أورفيوس".
فأجابها أورفيوس: "مهما كان الشيء الذي في انتظارنا فإني آمل يا لاني أن نتشارك فيه معاً".
بعد ربع ساعة وصلوا إلى باب الحصن. ولما أوضحوا أنهم ممن يقومون بألعاب ترفيهية, فتح الجنود الباب وأذِنوا لهم بالدخول. ذلك لأنهم سرّوا بمشاهدة من يزيل عنهم رتابة العمل اليومي.
وبينما كان رفاقه يروّحون عن أنفس العسكر, أخذ تالوس يخاطب القائد مستأذناً إياه بزيارة الفانداليين. ولكن لم يكن من السهل إقناع القائد الذي قال بحزم: "لا أستطيع السماح لك باجتياز النهر إلى أرض الفانداليين".
فألحّ تالوس: "ولكن يجب أن أذهب يا سيدي".
أجابه القائد وقد بدت على وجهه آثار السنين والحروب: "كثيرون يتمنون عبور النهر للمتاجرة معهم, ولكننا نكاد ننجو منهم بمعجزة. لذلك لا أقدر أن أضمن سلامتك- بل إني لا أضمن سلامتك حتى وأنت هنا. إن قبائل الفاندال يعبرون إلينا كلما عنّ على بالهم".
- عدد الزيارات: 2544