الفصل 4
في الأيام التي تلت كان الرجل والفتاة يصنعان "فرجة" في كل قرية وصلا إليها ويبيتان عند من يستضيفهما في بيته. كانت لاني تعزف على المزمار فيما يرقص بوران, ثم كان أورفيوس يغني ويعزف على قيثارته وتالوس يتكلم عن يسوع ووعده بالخلاص إلى الذين يسمعون.
وذات يوم, بينما كانوا يشاهدون لاني وبوران يقومان بدورَيْهما, قال تالوس لأورفيوس: "يجب أن تقرّ أن لاني تجتذب جمهوراً أكبر مما تستطيعه أنت وأنا".
فرد عليه أورفيوس: "أف. إن الدب الراقص هو كل ما يفهمه الفلاحون تقريباً".
ولما استعدّوا للنوم تلك الليلة في الكوخ الحقير الذي وضعه القرويون تحت تصرفهم, استقام تالوس في فراشه الخشن وراح يتأمل مفكراً لفترة طويلة. ثم قال: "ثمة خطأ في الأمر يا أورفيوس. إن القرويين يتجمهرون حين تعزف لاني بمزمارها ويرقص الدب...".
فقاطعه أورفيوس مغتماً: "ثم أتبعهما أنا بالغناء والعزف على القيثارة فيبدأ الجمهور يتفرق".
"صحيح. وما إن أبدأ بالتحدث إليهم عن يسوع حتى لا يبقى سامعاً تقريباً. وهذا يعني أني لم أوفَّق في الوصول إلى الناس".
فصار أورفيوس يقول في نفسه: "إنه الدب التافه. كان يجب أن نتركه يُسرَق".
"كلا, إن رسالة الله لا تتوقف على دب. إنها غلطتي أنا. فأنا لست أستعمل الكلام المناسب لأحرِّض الناس على هجر معتقداتهم الوثنية وقبول المسيح".
وبقي تالوس يصلي, طالباً إرشاد الله حتى مطلع الفجر تقريباً, وهو يقول: "أعنِّي يا رب لأوصل رسالة المسيح العجيبة إلى هؤلاء الناس لكي يسمعوا ويعرفوا الحق".
وفي اليوم التالي, لما تابعوا المسير, سار أورفيوس ثانية في المقدمة مع لاني. قال:"عندما نَصل إلى أول قرية, هل لكِ يا لاني أن تسمحي لتالوس أن يدخل وحده ويكلّم الناس قبل أن...". فقاطعته لاني بغضب دون أن تدعه يكمل حديثه, قائلة: "قبل أن يرقص بوران دبّي العزيز ويغطّي على حديثه وغنائك, أليس كذلك؟ إن كليكما تغاران منه!".
"لست منصفة في كلامك يا لاني, وأنت تعلمين ذلك. إن تالوس شاب مُكَرَّس لإلهه وكل ما يريده هو أن يشرح للناس ما لديه دون أن يلهيهم دب راقص". قال أورفيوس هذا وقد بدا عليه أنه جُرح مما قالته لاني. لكن هذه الأخيرة تابعت تقول بغضب:
"وأعتقد أنك تريد أن تغني قبل أن يتلهّى جمهورك برقص بوران, أليس كذلك؟".
ثم رفعت رأسها بكبرياء وقالت متعجرفة: "حسناً أنا وأبي سنبقي بوران في الغابة. واذهب أنت وتالوس وحدكما إلى القرية. وستجدان أن أحداً لن يسمع لأي منكما. وسترى!".
بعد ذلك سارا صامتين وكل منهما منهمك بأفكاره. ولما وصلا إلى أول قرية رفعا بصرهما وإذا هما أمام مشهد محزن.
"لقد احترقت القرية" صرخ الشيخ, إذ رأى عموداً كثيفاً من السحاب ما زال يرتفع من وسط الخرائب المُدَخّنة.
فصرخ أورفيوس مرتعباً: "الفاندال! إذاً نحن قريبون من الحدود".
ولما دنوا شاهدوا بعضاً ممن بقوا أحياء يبحثون وسط الأثالِب (الدبش) عما يمكن إيجاده من الأشياء الثمينة التي تركها الناهبون, وواحد منهم رفع نظره فرأى المسافرين.
فنادى زملاءه بحماس: "انظروا, انظروا. لقد جاء طَوطمُنا (وثنُنا) لينتقم لنا". (كان الطوطم عند الشعوب البدائية رمزاً لعشيرتهم وإلههم).
وقبل أن يتمكن تالوس أو سواه من إيقافهم, أسرع فريق منهم وأمسك الدب وجره بعيداً.
وقال الواحد منهم بعد الآخر:
"سنعيد بناء قريتنا وهو سيحمينا".
"لا يقدر الرومان أن يحمونا, أما الآن فنحن في أمان".
"إنه روح أسلافنا".
وعبثاً حاولت لاني الوصول إلى دبّها لأن الأذرع القوية حالت دون ذلك.
فأخذت تتوسل: "أعيدوه إليّ. إنه ليس إله- إنه لي. أنا ربيته منذ كان صغيراً".
فصاح بها شيخ بدا أنه زعيم القبيلة: "اصمتي يا إمرأة. فالدب لم يَعُد لك. ولا يُسمح لإمرأة أن تلمس دباً- فهو مقدس عندنا. ولو لم تأتي به إلينا لكان نصيبك الآن القتل".
- عدد الزيارات: 2384