الفصل 3
ولدى وصولهم إلى القرية كان باقي الصيادين قد سبقوهم إليها وأقاموا احتفالاً كبيراً حول النار. وكانت رائحة لحم الخنـزير المشوي تملأ الجوّ إذ كان الصيادون والقرويّون يفرحون ويأكلون ويشربون معاً.
قال إرِك بغضب: "حتى غيابي عنهم لم يلاحظوه. كنم ممكناً أن أموت دون أن يهتم بي أحد". فحذره تالوس بقوله: "أُفّ لك. لماذا تدينهم؟ أضف أنه كان ممكناً أن يتباهى الفانداليون أنهم في الصيد أمهر من السلتيين لأنك لم تحمل معك خنـزيرك, فتبدأ الحرب بينكما".
في الأيام القليلة اللاحقة, بينما, كان السلتيون يعدون العدة للعودة إلى موطنهم, تأخر عنهم إرِك في كوخ كان يقيم فيه مع أبيه, دون أن يلاحظه أحد.
وفي ذات صباح قال أبوه: "سنرحل غداً ولكنك لست في وضع يؤهلك لرحلة شاقة, ولست أدري ماذا أفعل".
فأشار عليه إرِك: "اذهب أنت في العربة, وأنا أتبعك مع تالوس حالما أتمكن من السفر واللحاق بك. إن تالوس ينوي القيام بزيارة إلى بلدنا".
وهكذا ودّع السلتيون مضيفيهم الفانداليين في اليوم التالي واعدين إياهم بالعودة ذات يوم مع المزيد من البضائع. وبعد الوداع انطلقوا في رحلتهم الطويلة إلى بلادهم.
مرّ أسبوع قبل أن أصبح إرِك في حالة تمكِّنه من ركوب الفرس. ثم حزم هو وتالوس بعض أمتعتهما وحملا من الطعام ما استطاعا حمله. كان والد إرِك قد ترك لهما فرسين فركباهما ذات صباح وانطلقا. وسار إرِك في المقدمة.
"لا بد أن يتعرقل سير العربات في الطريق الوعرة وتتأخر. أما نحن فسنخترق المنطقة ونلحق بهم بسهولة".
"حسناً" قال تالوس وهو ينخس فرسه الغبراء الضخمة, وسار كلاهما على مهل في شمس الصيف الدافئة. قال وهو يتنهّد: "آه, إني أشعر بارتياح لركوبي الخيل ثانية بعد وقت طويل قضيته أسير على قدميّ".
قادتهم طريقهم المباشرة إلى منطقة وعرة كثيفة الغابات ولكنها وفّرت عليهم أميالاً كثيرة. وحيث كانت تسمح لهما الطريق, كانا يقودان فرسيهما بسرعة في ساعة مبكرة من الصباح ويريحانهما في ساعات الحرّ الشديد بعد الظهر. كان العشب والماء يملآن تلك الأنحاء, وقد أفادوا جداً من السواقي والجداول الباردة خلال حرّ النهار. لم يشاهدا أحداً في أثناء سفرتهما كلها إلى أن... قال إرِك:
""سننصب خيمتنا هنا الليلة. وغداً يجب أن نبلغ النهر نحن والعربات في آن واحد تقريباً. هذه الطريق المختصرة ستوفر علينا وقتاً ولكنها أخطر من سواها".
سأله تالوس باستغراب: "أخطر من سواها؟ لماذا؟".
فأوضح له إرِك: "نحن الآن في جرمانيا. وكثيراً ما تقوم القبائل السكيثية في الشمال بغزو هذه المنطقة. والمعروف أن تلك القبائل المتوحشة لا تعرف الرحمة إلى قلبها سبيلاً".
اغتسل إرِك وتالوس في النهر حيث توقفا ثم تناولا طعامهما بسرعة قبل حلول الظلام. ومع أن الليل كان بارداً لم يجسرا على إشعال النار خوفاً من السكيثيين. إلا أنهما كانا متعبين جداً بعد نهار كامل من السفر فناما نوماً عميقاً في تلك الليلة الهادئة. واستيقظا في صباح اليوم التالي وهما يشعران بوافر من النشاط. ولكن فيما كان يستعدان لاستئناف السفر إذا بإرِك يسمع صوتاً يقترب منهما!
فنادى وقال: "أسرع يا تالوس ! أمسك حصانك بفمه لئلا يصهل. إني أسمع فرساناً يقتربون! صلّ إلى إلهك كي لا يكونوا من جماعة السكيثيين".
وبدا واضحاً أن الفرسان كانوا مارين على مسافة منهما ومتوجهين إلى مخبأهم. فربطا حصانيهما إلى شجرة وهرعا بسرعة إلى خلف صخرة تطل على السهل. هناك شاهدا جماعة من المسلحين يعتمرون خوذاً لماعة ويحملون تروساً ضخمة وهم يسرعون على الخيل عبر الأرض المنبطحة والفسيحة تحتهما.
سأل تالوس: "من هم هؤلاء؟".
أجابه إرِك عابساً: "ما كنت أخشاه- السكيثييون. وهم متجهون إلى المكان الذي ستصل إليه العربة". وأضاف وهو يهب واقفاً: "علينا أن نجد جماعتنا ونحذرهم لئلا ينقضّ عليهم السكيثيون المتوحشون". ولما قال هذا أسرع إلى حصانه وتالوس وراءه, وصلى بحرارة كي يساعدهما الله للوصول إلى جماعتهما في الوقت المعيّن.
ولكي لا يراهما السكيثيون لازما الصخور العالية ولو أن تلك الطريق كانت محفوفة بالمخاطر. زلة قدم واحدة لأيّ من حصانيهما كان معناها الموت المحقق بين تلك الصخور الحادة.
ولكن بعد بضع ساعات بدا تالوس وهو على صهوة جواده مبللاً بالعرق. فنادى إرِك بقوله: "انظر ها هم هناك والحمد لله".
كانت الجماعة قد توقفت عند رأس حرف عال, وتحتهم في الأسفل كانت القافلة التي خلّفها إرِك وراءه قبل أسبوعين تسير نازلة في طريق متعرج نحو ضفة نهر كبير.
"لا يوجد أي أثر حتى للسكيثيين". قال إرِك هذا وهو يشعر بارتياح لكونهما في أمان. وأضاف: "لَكَمْ كان إلهك طيباً معنا يا تالوس! ولكن هلّم الآن, فلا مجال لإضاعة الوقت".
وسرعان ما شقّا طريقهما بحذر نـزولاً في المنحدر إلى الطريق المؤدية إلى جماعة إرِك. فرحبت بهما القافلة ترحيباً حاراً ولا سيما والد إرِك. ولما أخبرهم إرِك عن الغزاة السكيثيين, تنادوا فوراً إلى عقد مجلس حربي . ومن روايته استطاعوا أن يخلصوا إلى استنتاجات سريعة وصرح أحدهم فيما كان إرِك يروي قصته: "يجب أن يكونوا متجهين إلى تلك القرية الصغيرة عند المنعطف القريب من النهر. ويبدو- لحسن حظنا- أنهم لم يتمكنوا من اكتشاف موقعنا بعد. كنا ننوي أن نصرف ليلتنا في ذلك المكان عينه".
فرد أبو إرِك: "هؤلاء الذئاب سوف ينهبون القرية ويدمرونها. علينا أن نختبئ إلى أن يكونوا قد أنهوا عملهم الشرير ومضوا".
ولكن تالوس اعترض بشدة, ملتمساً من الزعيم أن يقوم بعمل ما: "لن نسمح بذلك يا سيدي! يجب أن ننقذ أهل القرية".
على أن الزعيم ذكّر تالوس قائلاً: "نحن القلائل لا نستطيع شيئاً. إنك رأيت ولا شك عدد فرسانهم". غير أن تالوس كان يفكر بشكل آخر... ولذلك قال مؤكداً:
"ولكن ثمة طريقة للإنقاذ. إن رجلاً اسمه جدعون استطاع أن يهزم جيشاً عرمرماً من المديانيين ولو أنهم فاقوا جيشه عدة وعدداً. فالله كان معه".
فضحك السلتي "هه. ولكن إلهك لا يعرفنا. فكيف به يأتي إلى نجدتنا؟".
ورغبة منه في إقناع هذا الرجل باهتمام الله بجميع البشر, قال تالوس مؤكداً: "إن الله ينجد جميع المتوكلين عليه, فلا تخف". ولما قال هذا اشترك إرِك في الحديث مؤيداً كلام تالوس. قال:
"هذا صحيح يا سيدي. فلقد أنقذني تالوس من خنـزير برّي لأن الله كان معه. وأنا واثق مما أقول".
أوجز تالوس خطته التي رسمها لكسر الغزاة, والسلتيون التوّاقون دوماً إلى محاربة السكيثيين كانوا يصغون بانتباه واهتمام.
قال: "ننقسم إلى قسمين, وعندما تعطى الإشارة ننقض على الغزاة من الجانبين دفعة واحدة محدثين ضجيجاً قدر المستطاع....".
فوافق الزعيم قائلاً: "حسناً, فالخطة تبدو جيدة بكل تأكيد. بهذه الطريقة يظنون أننا جيش عظيم جداً. وليكن لنا رجاء في أن إلهك معنا".
وفيما كان السلتيون يضعون خططهم تمكن عدد من كشافة القرية من تعيين موقع الغزاة السكيثيين المختبئين على مسافة لا تزيد عن ميلين. ثم رجعوا بكل ما أوتيت خيولهم من سرعة ليخبروا بما رأوا وليعدوا العدة لمعركة ضارية.
كثيراً ما سبق لهم أن جابهوا أولئك السكيثيين وعرفوهم أعداء قساة لا يرحمون رجلاً ولا إمرأة بل يحرقون كل ما يصادفونه ما خلا الغنائم التي ينتفعون بها.
كانوا يحبّون المكسب- بغض النظر عن الحلال أو الحرام- حتى أنهم كانوا يدمرون كل عقبة تعترضهم في سبيل إرواء قلوبهم الجشعة الطماعة.
حتى وهم على مسافة قريبة (يسمع منها الصوت) من القرية, راح رئيس الكشافة يخاطب شعبه بصوت ملحاح:
"املأوا الأسوار بالرجال. إن السكيثيين قادمون. فليسرع الجميع إلى الداخل".
وما هي إلا لحظات حتى جاء الفرسان ممتطين خيولهم إلى ساحة القرية وكل منهم ممسك بزمام حصانه المستعد, وسط جمهور خائف من رجال ونساء وأولاد يتحركون في جميع الاتجاهات وهم يطلبون مكاناً يحتمون به أو يقفون وراء الأسوار وسيوفهم ورماحهم في أيديهم. وللحال خرج من وسط الجمهور الهائج رجل ضخم بكامل سلاحه واقترب من الفرسان وسأل رئيسهم بإلحاح: "أين هم وكم هو عددهم في ظنك؟".
"إنهم مئة على الأقل يا سيدي. وهم مختبئون في الأشجار التي عند منعطف النهر. لقد تسللنا مقتربين منهم قدر ما ساعدتنا جرأتنا, ولكننا لم نقدر أن نفهم كثيراً مما قالوه. ويظهر أنهم كانوا يضعون الخطط للهجوم علينا".
"نعمَّا أيها الرجال" أجاب الرئيس الحازم, ولما أدار وجهه إلى رجلين واقفين بالقرب منه أمرها بصوت عال. "اقفلا الباب, وما على الذين هم خارجاً إلاّ الاختباء في الغابة". ثم خاطب رجال الأسوار: "أيها القائمون على الأسوار احتفظوا برماحكم وسهامكم إلى أن يقتربوا. ابقوا بعيدين عن الأنظار إلى أن أصدر أمري وعندها توجهون إليهم ضربتكم".
وفي مخيّم السلتيين أعطى الزعيم تعليماته بسرعة إلى رجاله وقسمهم إلى فرقتين كما ارتأى تالوس. وكانت الخطة أن يكون الزعيم على رأس فرقة وتالوس على رأس الأخرى.
وكان آخِر ما قاله الزعيم لتالوس وهو يهمز جواده للعَدوِ مع رجال حربه القلائل: "حين تجد نفسك في موقع حربي ملائم, انفخ بوق الصيد. وليكن إلهك معنا اليوم ".
كذلك أعطى تالوس إشارته لرجاله, وردّ على الزعيم فيما كان يهمز حصانه ليتحرك: الله معنا, فلا يداخلك شك. إننا ماضون في مهمة غايتها فعل الرحمة, ولذلك لن يتخلى الله عنا".
في هذا الوقت كان السكيثييون قد بدأوا بإحراق المزارع النائية وكانوا يعيدون تنظيم أنفسهم للهجوم الرئيسي على القرية. فلبسوا أفضل ما لديهم من أسلحة بما فيها الرماح والأقواس والخناجر, وأسرعوا نحو القرية وهم يملأون الجوّ أصواتاً تجمد الدم في العروق. كان صوتهم يُسمع من بعيد حتى إن بعض النسوة كنّ قد أصبحن في حالة هستيرية, والأولاد تكوموا على أنفسهم خوفاً. أما الرجال المتمركزون وراء السور بعبوس وصمت فلم يظهروا الخوف الفعلي الذي تملّك قلوبهم.
واقترب الغزاة شيئاً فشيئاً حتى تمكن حراس الأسوار من رؤية المحاربين كلهم. فازدادوا خوفاً إذ كان المشهد المرعب يكبر أمام عيونهم. وفي البعيد كانت سحب الدخان تُرى من فوق رؤوس المهاجمين وهي ترتفع إلى السماء الزرقاء الصافية مذكّرة السلتيين بالمصير الذي ينتظرهم. بيد أنه لم يكن لديهم وقت للتفكير في النهاية التي تعرّض لها أنسباؤهم لان السكيثيين كانوا قد أصبحوا منهم على قاب قوسين أو أدنى وهم في حيرة من أن أحداً لم يقف في وجههم ولا رفع عليهم سلاحاً.
عندها أعطى زعيم القرية إشارته وإذا بوابل من السهام يستقبل المهاجمين. وللحظة دبّت الفوضى بينهم فيما أخذت الخيول المذهولة تتراجع وتصهل. ولكت قائدهم استطاع في لحظة أن يعيد القتال على حدّته الأولى, لأن الغزاة كانوا مدرّبين على أساليب مهاجمة القرى المسوّرة ولذلك كانوا يبلون بلاء حسناً بعزم وتصميم. فبينما أخذ بعضهم في رمي المدافعين بوابل من السهام, أسرع آخرون راكضين إلى باب القرية حاملين حزماً من الحطب. واندفع عدد من الفرسان طارحين مشاعل ملتهبة فوقها حتى اندلعت النار ولحست الباب الخشبي الجاف.
بدت النهاية وكأنها أمست قريبة جداً, لاسيما وأن الدخان الكثيف كان قد غطى المدافعين بحيث أضحت سهامهم ورماحهم تطيش بين الغزاة. وحدث أن اثنين من الفرسان استعدا تحت ستار الدخان أن يهاجما الباب ويسقطاه وهو يحترق. فعلقا جذع شجرة بحبل بين حصانيهما وهاجما الباب بأقصى سرعة.
في هذا الوقت حدث تحوّل مفاجئ قَلَبَ عَجَل المعركة. كانت كلا الفرقتين السلتيَّتين قد اتخذتا موقعاً مشرفاً على القرية ومهاجميها. ومع ذلك بقيتا بعيدتين عن الأنظار. وخشية منه على القرية لم يتوانَ تالوس عن تنفيذ خطته فوراً. فقد بدا وكأن الشياطين السكيثيين سيتمكنون خلال دقيقة واحدة من اختراق خط الدفاع.
التفت تالوس إلى المحارب الواقف بجانبه وأصدر أمره. فرفع المحارب بوقه العالي وأحدث صوتاً يصمّ الآذان. وهجمت الفرقة كلها إلى الساحة وهي تصيح وتلوّح بأسلحتها بعنف وقسوة. وفي الجانب الآخر ظهر الزعيم السلتي ورجاله في الآن نفسه وهم يلوحون بأسلحتهم مهددين بأعلى أصواتهم. فبوغت الكيثيون جداً حتى أن واحداً من رجالهم سقط عن حصانه. واثنان أو ثلاثة آخرون ألفوا أنفسهم فجأة في أجمة دون أن يتمكنوا من السيطرة على خيولهم الهاربة, وآخرون راحوا يحاربون كالمسعورين كي لا تجفل خيولهم الخلفية. وعرف المهاجمون الجدد كيف يستغلون الوضع إلى أقصى حد فهرعوا إلى محاربة الجماعة المبغوتة جاعلين المهاجِمين مهاجَمين.
وحتى في وسط هذه المعركة الجديدة اندفعت مجموعة من الرجال في الغابة وهي تلوّح بالهراوات والأدوات الزراعية. كان هؤلاء قد فروّا من منازلهم في الريف واتجهوا لاجئين إلى القرية- ليجدوها تحت الهجوم. وفي أثناء اختبائهم عن عجز في الغابة, شاهدوا الغزاة يحاصرون قريتهم. أما الآن فقد انخرطوا في الهجوم إلى جانب السلتيين.
وبامتلائهم رعباً, حاول السكيثيون أن يتقوا خطر هذه القوة الجديدة ولكن نصيبهم من النجاح كان قليلاً. فإن السلتيِّن -وهم من المحاربين الحاذقين النشيطين- هجموا من غير رأفة وقطّعوا الدفاع السكيثي إرباً إرباً فيما أضاف المزارعون المشاة زخماً للعراك الصاخب بدافع من شعورهم بخسارة منازلهم قبل ساعة من الزمن.
لم يَسَعِ المدافعين على السور إلا الوقوف مشدوهين من مصدر نجاتهم المجهول هذا. فهتف بضعة منهم بنشوة وتعجب: "لقد نجونا" وآخرون سألوا: "ولكن من هم منقذونا؟" فأجاب أحدهم: "لا أعلم. ولكنني أرى بجانب النهر فريقاً من المزارعين القاطنين بعيداً- فقط انظروا إليهم وهم يحاربون فليس للسكثيين أي أمل بالنجاح ".
وبينما كانوا يتكلمون ارتفعت صرخة من وسط صفوف السكيثيين تقول:
"أوقفوا الهجوم . لقد جئنا لنغزو لا لنحارب حشداً كهذا". وبمحاولة سريعة أخيرة للتملُّص من الغزو, تحوّل السكيثيون بخيولهم الخائفة المتعبة وراحوا يسرعون بها رجوعاً بقدر ما استطاعت تلك الخيول أن تحملهم. ولكي يتأكد السلتيون من تقهقر أولئك الناهبين الفارّين, لحق بهم بعض فرسانهم إلى أن اختفوا عن الأنظار.
ولما عاد السلتيون على ظهور خيولهم إلى باب القرية المدخِّن استقبلهم القرويون بكثير من التعجب والدهشة. قال أحد المحاربين وقد بدت عليه آثار المعركة:
"إذاً, أنتم التجار تعقّبتم السكيثيين حتى فرّوا".
وقال زعيم القرية متعجباً: "أنتم القلائل فقط؟ بدوتم في تعقبكم لهم كأنكم جيش كبير".
فأجاب الضابط السلتي باعتذار: "هذا ما كنا نأمل أن يراه السكيثيون أيضاً. لقد هربوا قبل أن نتمكن من الوصول إليهم وقتلِ الكثيرين منهم".
قال أبو إرِك باندفاع وهو يهز رأسه باتجاه تالوس: "كانت الخطة من وضع هذا الروماني الشاب. وبفضله هو تمّ هذا الانتصار غير الدموي. انظر, إنه لا يحمل حتى ولا قطعة سلاح".
فذكّر تالوس سامعيه الذين انصبت عيونهم عليه تقديراً: "لا تشكروني أنا بل اشكروا الله على نجاتكم. لا يستطيع المرء أن يتغلب على الشر إلا بواسطة نعمة الله. والمؤمنون بالله لا حاجة بهم إطلاقاً إلى الخوف".
فاحتار القرويون من كلام تالوس حتى أن بعضاً منهم قال في وقت لاحق وهم يتداولون في ما جرى:
"أريد أن أسمع عن هذا الإله الذي يتحدث عنه الشاب".
"أجل, فإن أحداً من أرواح الغابة لم يستطع إنقاذ قرية من الغزاة السكيثيين!" وهكذا دُعي تالوس في ذلك المساء ليحدّث الناس عن الله. فأخبرهم عن سقوط الإنسان في الخطية وعن مجيء يسوع لتدبير خلاص جميع البشر شرط أن يتبعوه.
- عدد الزيارات: 2944