Skip to main content

صوت الحكمة

" 8اسمعْ يا ابني تَأْدِيبَ أَبِيكَ وَلاَ تَرْفُضْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ 9لأَنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ لِرَأْسِكَ وَقَلاَئِدُ لِعُنُقِك. 10يا ابني أن تَمَلَّقَكَ الْخُطَاةُ فَلاَ تَرْضَ. 11إِنْ قَالُوا : «هَلُمَّ مَعَنَا لِنَكْمُنْ لِلدَّمِ. لِنَخْتَفِ لِلْبَرِيءِ بَاطِلاً. 12لِنَبْتَلِعْهُمْ أَحْيَاءً كَالْهَاويةِ وَصِحَاحاً كَالْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ 13فَنَجِدَ كُلَّ قِنْيَةٍ فَاخِرَةٍ نَمْلَأَ بُيُوتَنَا غَنِيمَةً. 14تُلْقِي قُرْعَتَكَ وَسَطَنَا. يَكُونُ لَنَا جَمِيعاً كِيسٌ وَاحِدٌ». 15يا ابني لاَ تَسْلُكْ فِي الطَّرِيقِ مَعَهُمْ. امْنَعْ رِجْلَكَ عَنْ مَسَالِكِهِمْ. 16لأَنَّ أَرْجُلَهُمْ تَجْرِي إلى الشَّرِّ وَتُسْرِعُ إلى سَفْكِ الدَّمِ. 17لأَنَّهُ بَاطِلاً تُنْصَبُ الشَّبَكَةُ فِي عَيْنَيْ كُلِّ ذِي جَنَاحٍ. 18أَمَّا هُمْ فَيَكْمُنُونَ لِدَمِ أَنْفُسِهِمْ. يَخْتَفُونَ لأَنْفُسِهِمْ. 19هَكَذَا طُرُقُ كُلِّ مُولَعٍ بِكَسْبٍ. يَأْخُذُ نَفْسَ مُقْتَنِيهِ! 20اَلْحِكْمَةُ تُنَادِي فِي الْخَارِجِ. فِي الشَّوَارِعِ تُعْطِي صَوْتَهَا. 21تَدْعُوفِي رُؤُوسِ الأَسْوَاقِ فِي مَدَاخِلِ الأَبْوَابِ. فِي الْمَدِينَةِ تُبْدِي كَلاَمَهَا 22قَائِلَةً : «إلى مَتَى أيها الْجُهَّالُ تُحِبُّونَ الْجَهْلَ وَالْمُسْتَهْزِئُونَ يُسَرُّونَ بِالاِسْتِهْزَاءِ وَالْحَمْقَى يُبْغِضُونَ الْعِلْمَ؟ 23اِرْجِعُوا عِنْدَ تَوْبِيخِي. هَئَنَذَا أُفِيضُ لَكُمْ رُوحِي. أُعَلِّمُكُمْ كَلِمَاتِي. 24«لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي 25بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي وَلَمْ تَرْضُوا تَوْبِيخِي. 26فَأَنَا أيضاً أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ. 27إذا جَاءَ خَوْفُكُمْ كَعَاصِفَةٍ وَأَتَتْ بَلِيَّتُكُمْ كَالزَّوْبَعَةِ إذا جَاءَتْ عَلَيْكُمْ شِدَّةٌ وَضِيقٌ 28حِينَئِذٍ يَدْعُونَنِي فَلاَ أَسْتَجِيبُ. يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ فَلاَ يَجِدُونَنِي. 29لأَنَّهُمْ أَبْغَضُوا الْعِلْمَ وَلَمْ يَخْتَارُوا مَخَافَةَ الرَّبِّ. 30لَمْ يَرْضُوا مَشُورَتِي. رَذَلُوا كُلَّ تَوْبِيخِي. 31فَلِذَلِكَ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ وَيَشْبَعُونَ مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ. 32لأَنَّ ارْتِدَادَ الْحَمْقَى يَقْتُلُهُمْ وَرَاحَةَ الْجُهَّالِ تُبِيدُهُمْ. 33أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِناً وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّر "

سفر الامثال 1 : 8-33

صار من الصعب في أيامنا هذه بأن نكون فكرة عن سائر أنواع المعارف البشرية. هناك هكذا تكاثر في حقول المعرفة البشرية حتى أن البعض لا يتوانون عن وصف أيامنا هذه كأيام انفجار المعرفة. وهذا يعني مثلاً بأنه من الصعب جدا لنا بأن نصدر موسوعات أو دوائر معارف لأننا نحتاج إلى تغيير الأمور الكثيرة الواردة فيها من سنة إلى أخرى. يعلم الإنسان اليوم عن هذا العالم أضعاف ما كان يلم به آباؤه وأجداده وصار من اللازم أن يلجأ الإنسان إلى آلات الكترونية دقيقة تعرف بالأدمعة الالكترونية لتبويب وتخزين سائر المعلومات المعروفة لديه في كل حقل من حقول المعرفة البشرية.

ويقولون انه باستطاعة هذه الآلات العجيبة بأن تقوم بحسابات دقيقة للغاية وأن تعطينا معلومات تامة وكاملة عن كل ما نود أن نعرفه من أمور علمية وتقنية – كل ذلك في مدة ثواني أو دقائق معدو دة! هذه أمور واقعية نوردها بكل تجرد وبدون أن نضخمها أو نصفها بقالب مجازى. أيامنا هذه هي أيام العلم والمعرفة.

ولكن هل يجوز لنا بأن نستنتج مما سبق أن الإنسان المعاصر هو إنسان حكيم للغاية؟ هل يمكننا أن نسأوى بين تكديس المعارف البشرية والحكمة؟ هل نحيا في عالم اليوم ونشعر من قرارة قلوبنا بأن الناس أكثر حكمة من أناس القرون الماضية؟ أن طرح هذه الأسئلة يعني أننا غير متأكدين بأن مجرد ازدياد المعارف البشرية يؤول بحد ذاته إلى ازدياد في الحكمة البشرية. ونحن بالحقيقة نعتقد بأن الحكمة لا يمكن بأن تعرف مطلقا بأنها عبارة عن جميع وتبويب المعارف. الحكمة هي أكثر من ذلك بكثير.

مثلا، انتهت الحرب العالمية الثانية بعد مدة قليلة من تفجير القنابل الذرية أو النووية وذلك من الناحية العلمية – على مقدرة الإنسان على تفكيك العناصر واستخراج طاقات هائلة منها. ولكننا هل نقدر بأن نقول أن إنسان القرن العشرين قد استفاد كما يجب من هذه المعرفة العلمية؟ كلنا نعلم انه هناك عدد كاف من القنابل الذرية والهيدروجينية لتدمير الكرة الأرضية بأسرها! هل هذا دليل على حكمة إنسان النصف الثاني من القرن العشرين؟

ومنذ مدة غير يسيرة كان بعض الأطباء يصفون دواء مسكنا للنساء الحوامل وكان هذا الدواء ينظر اليه كمسكن لا أكثر ولا أقل، وقد جاء إلى حيز الوجود بعد أبحاث عديدة.

ولكنه ظهر أن بعض تلك النساء اللواتي استعملن هذا الدواء ولدن أولاًدا مشوهين. طبعا نحن لا نقول أن ذلك حدث بسبب سوء نية من قبل طبيب أو صيدلية أو مصنع للأدوية.

ولكننا ألسنا محقين أن قلنا بأن تلك الحادثة هي دليل من أدلة كثيرة على محدودية المعرفة البشرية وعلى عدم اكتمال الحكمة البشرية؟

وهنا لابد لنا من القول : أن كانت المعارف البشرية لا تعني في حد ذاتها بأن الإنسان الذي حصل عليها هو حكيم وأنه يستعملها دائما في طرق الخير والصلاح، ما هو موقفنا إذ ذاك من هذا الموضوع؟ من البديهي اننا لا نود بأن نكون دعادة للرجعية الفكرية أو العلمية. نحن لا نستطيع أن نرجع عقارب الساعة إلى الوراء. ما نحتاجه ليس بأمر سلبي بل اننا بحاجة إلى امر ايجابي – إذا ما أردنا بأن نستفيد من سائر الأمور التي يكتظ بها عالمنا اليوم. بكلمة مختصرة : نحن بحاجة إلى الحكمة. اننا نحتاج إلى حكمة تساعدنا على الاستفادة من جميع معارفنا فنستعمل كل شيء في سبيل خير الأفراد والمجتمعات.

نحن نقر بحاجتنا إلى الحكمة. فالسؤال الملهب هو : أين نجد الحكمة؟ ما هو منبعها؟ كيف نحصل عليها؟ كيف نستطيع الاستفادة منها؟ هذه أسئلة عملية، مصيرية، حياتية وواقعية. ونحن نشكر الله انه لم يتركنا في دياجير الظلام بل أعطانا ما نحن بحاجة اليه في كتابه. هناك سفر واحد من أسفار الكتاب يبحث بصورة خاصة في موضوعنا هذا الا وهو سفر الأمثال أو أمثال سليمان الحكيم. وشعار الكتاب بأسره انما لخص في العدد السابع من الفصل الأول وهو " مخافة الرب رأس المعرفة، وأما الحمقى فيحتقرون الحكمة والتأديب "

ابتدأ كاتب الأمثال باعطاء نصيحة خاصة للشبان فحذرهم من مغبة السير مع جماعة السؤ الذين يودون كسب الثروة عن طريق الاجرام. وبعد أن انتهي من الكلام عن ذلك الموضوع ابتدأ سليمان يتكلم عن الحكمة قائلاً : الحكمة تنادى في الشارع. وهذه هي الأمور التي نعلق عليها بخصوص موضوع صوت الحكمة.

1. مصدر صوت الحكمة : أن مصدر صوت الحكمة أو مصدر الحكمة هو الله تعالى اسمه. أن الله حكيم بمعنى انه تعالى يعرف كل شيء معرفة تامة ومطلقة ويستعمل معرفته هذه في سبيل مجد اسمه القدوس وخير البشرية والكون. لمعرفة الإنسان حدود، ولذلك يمكننا القول بأن معرفة الإنسان هي معرفة متزايدة. وحكمة الإنسان محدودة للغاية وكثيراً تكون منعدمة.
فأهم شيء يمكن أن نقوم به اليوم ضمن هذا العالم المنقسم والمعذب والمشوه، أهم اعتراف يمكننا أن نقوم به هو أن نقول من أعماق قلوبنا : مصدر الحكمة الحقيقية هو الله. وحيث تنعدم معرفة الله ليست هناك من حكمة حقيقية. ليس الإنسان في ذاته حكيما.

2. إذاعة صوت الحكمة : أن كان الله مصدر كل حكمة حقيقية، فاننا نأتي أيضاً إلى القول بأن الله قد تكلم بالحكمة أو انه تعالى قد إذاع صوت الحكمة في العالم بأسره. ونسرع هنا إلى القول اننا عندما استعملنا كلمة إذاع لا نعني بأننا نتكلم قبل كل شيء هنا عن الإذاعات والراديو. فكما أن كلمة ذاع وإذاع اقدم بكثير من اختراع القرن العشرين هكذا أيضاً نقول أن الله الذي تكلم مع البشرية بواسطة أنبيائه ورسله إنما كان بالفعل يذيع صوت حكمته الفائقة للعقل البشرى. ومجرد وجود سفر كتابي خاص بهذا الموضوع أي سفر أمثال سليمان الحكيم لدليل على أن الهنا وربنا قد شاء ووهب عالمنا حكمته أو صوت حكمته في كلمته المدونة. ولكن ما هو موقف الناس منها؟ لنصغ إلى سليمان " «لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي 25بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي وَلَمْ تَرْضُوا تَوْبِيخِي. 26فَأَنَا أيضاً أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ. 27إذا جَاءَ خَوْفُكُمْ كَعَاصِفَةٍ وَأَتَتْ بَلِيَّتُكُمْ كَالزَّوْبَعَةِ إذا جَاءَتْ عَلَيْكُمْ شِدَّةٌ وَضِيقٌ 28حِينَئِذٍ يَدْعُونَنِي فَلاَ أَسْتَجِيبُ. يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ فَلاَ يَجِدُونَنِي. 29لأَنَّهُمْ أَبْغَضُوا الْعِلْمَ وَلَمْ يَخْتَارُوا مَخَافَةَ الرَّبِّ "
3. موقف الناس من صوت الحكمة : لاحظنا أن الناس لم يبالوا بصوت الحكمة ولا يبالون إلى أيامنا هذه. لماذا هذا الموقف غير الحميد؟ الجو اب : لأنهم أبغضوا المعرفة ولم يختاروا مخافة الرب! الناس أبغضوا المعرفة وأية معرفة؟ المعرفة النازلة من السماء، المعرفة التي مصدرها الله تعالى معطي الوحي! ولماذا لم يختر الناس مخافة الرب؟ أليس من المعقول بأن يهاب الناس ويحترموا الخالق تعالى اسمه؟ لماذا لا يعيش الناس كما يجب؟ الجو اب : في كل إنسان، في كل ابن آدم ميل موروث يدفعه إلى عمل الشر والابتعاد عن الخير. كل إنسان (ان ترك وشأنه). يبغض المعرفة الحقيقية ولا يختار مخافة الرب التي هي بداية الحكمة.

والعاقبة هي مخيفة للغاية : " 31فَلِذَلِكَ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ وَيَشْبَعُونَ مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ. 32لأَنَّ ارْتِدَادَ الْحَمْقَى يَقْتُلُهُمْ وَرَاحَةَ الْجُهَّالِ تُبِيدُهُمْ. 33أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِناً وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ "

أنهي سليمان كلماته في هذا الفصل الأول على وتيرة ايجابية، تكلم عن الذين يصغون أو يستمعون للحكمة. كيف ينقلب الناس من مبغضي الحكمة إلى سامعين لها؟ أن الله يأخذ على عاتقه بأن يزيل الحجاب بينه وبين الإنسان انه يغير القلب ويغفر خطية الإنسان ويزيل آثامه ومعاصيه. ولقد أخبرنا عن ذلك في إنجيله أي في خبره المفرح. فقد أرسل الله مسيحه إلى عالمنا ليفدينا من سلطان الخطية والمعصية وذلك بموته الكفاري على الصليب وبقيامته المجيدة من الأموات. كل من يؤمن بالمسيح يصغي إلى الحكمة فيسكن آمنا ويستريح من رعب الشر، آمين.

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع كلمة الحياة
  • عدد الزيارات: 3729