السعي وراء الحكمة
" 1يا ابني أن قَبِلْتَ كَلاَمِي وَخَبَّأْتَ وَصَايَايَ عِنْدَكَ 2حَتَّى تُمِيلَ إذنَكَ إلى الْحِكْمَةِ وَتُعَطِّفَ قَلْبَكَ عَلَى الْفَهْمِ 3إِنْ دَعَوْتَ الْمَعْرِفَةَ وَرَفَعْتَ صَوْتَكَ إلى الْفَهْمِ 4إِنْ طَلَبْتَهَا كَالْفِضَّةِ وَبَحَثْتَ عَنْهَا كَالْكُنُوزِ 5فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُ مَخَافَةَ الرَّبِّ وَتَجِدُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ. 6لأَنَّ الرَّبَّ يُعْطِي حِكْمَةً. مِنْ فَمِهِ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ. 7يَذْخَرُ مَعُونَةً لِلْمُسْتَقِيمِينَ. هو مِجَنٌّ لِلسَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ 8لِنَصْرِ مَسَالِكِ الْحَقِّ وَحِفْظِ طَرِيقِ أَتْقِيَائِهِ. 9حِينَئِذٍ تَفْهَمُ الْعَدْلَ وَالْحَقَّ وَالاِسْتِقَامَةَ : كُلَّ سَبِيلٍ صَالِحٍ. 10إذا دَخَلَتِ الْحِكْمَةُ قَلْبَكَ وَلَذَّتِ الْمَعْرِفَةُ لِنَفْسِكَ 11فَالْعَقْلُ يَحْفَظُكَ وَالْفَهْمُ يَنْصُرُكَ 12لإنقاذكَ مِنْ طَرِيقِ الشِّرِّيرِ وَمِنَ الإنسان الْمُتَكَلِّمِ بِالأَكَإذيبِ 13التَّارِكِينَ سُبُلَ الاِسْتِقَامَةِ لِلسُّلُوكِ فِي مَسَالِكِ الظُّلْمَةِ 14الْفَرِحِينَ بِفَعْلِ السُّوءِ الْمُبْتَهِجِينَ بِأَكَإذيبِ الشَّرِّ 15الَّذِينَ طُرُقُهُمْ مُعَوَّجَةٌ وَهُمْ مُلْتَوُونَ فِي سُبُلِهِمْ. 16لإنقاذكَ مِنَ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ مِنَ الْغَرِيبَةِ الْمُتَمَلِّقَةِ بِكَلاَمِهَا 17التَّارِكَةِ أَلِيفَ صِبَاهَا وَالنَّاسِيَةِ عَهْدَ إِلَهِهَا. 18لأَنَّ بَيْتَهَا يَسُوخُ إلى الْمَوْتِ وَسُبُلُهَا إلى الأَخِيلَةِ. 19كُلُّ مَنْ دَخَلَ إِلَيْهَا لاَ يَرْجِعُ وَلاَ يَبْلُغُونَ سُبُلَ الْحَيَاةِ. 20حَتَّى تَسْلُكَ فِي طَرِيقِ الصَّالِحِينَ وَتَحْفَظَ سُبُلَ الصِّدِّيقِينَ. 21لأَنَّ الْمُسْتَقِيمِينَ يَسْكُنُونَ الأرض وَالْكَامِلِينَ يَبْقُونَ فِيهَا. 22أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَنْقَرِضُونَ مِنَ الأرض وَالْغَادِرُونَ يُسْتَأْصَلُونَ مِنْهَا "
سفر الأمثال 2 : 1-22
يجد كل إنسان نفسه على مفترق طرق في هذه الحياة فهو اما يسير على طريق الله أو على طريق معاد لله تعالى! ومع أن العديدين يظنون بأنهم يستطيعون وقوف موقف الحياد من هذا الموضوع الا أنهم يجدون أنفسهم في النهاية وقد انضموا إلى أولئك الذين يعاندون الله أو يحاربونه. بالنسبة لله تعالى ليس هنالك أي حياد، فنحن اما معه أو عليه!
علمنا سليمان الحكيم في مقدمة سفر الأمثال الذي نتأمل فيه في هذه السلسلة من عظات ساعة الاصلاح، علمنا بأن رأس أو بداية الحكمة انما هو مخافة الرب. ثم حذرنا بواسطة تعاليم صيغت في قالب سلبي، حذرنا من مغبة السير في الطريق المعاكس للحكمة ووصف لنا مغبة اتباع ذلك الطريق قائلاً " 32لأَنَّ ارْتِدَادَ الْحَمْقَى يَقْتُلُهُمْ وَرَاحَةَ الْجُهَّالِ تُبِيدُهُمْ. 33أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِناً وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ "
يأتي الحكيم في الفصل الثاني من سفر الأمثال إلى الكلام عن موضوع السعي وراء الحكمة والمنافع العديدة التي نحصل عليها عندما نجد ساعين وراء الحكمة. وهذا يعني أن أسلوبه هو ايجابي في هذا الفصل. وفيما يلي نرى الأقسام الرئيسية لتعليم سليمان بخصوص موضوعنا :
1. السعي وراء الحكمة يجب أن يصحبه رغبة تامة وولاء كامل.
2. السعي وراء الحكمة يصل بصاحبه إلى هدفه أي إلى نيل الحكمة.
3. النتيجة العظيمة للسعي وراء الحكمة.
1. السعي وراء الحكمة يجب أن يصحبه رغبة تامة وولاء كامل : من جد طالبا الحكمة ينسى كل شيء آخر. غايته هي سليمة وموحدة لجميع جهوده فهي تتطلب إذن الإصغاء التام إلى الحكمة وتوجيه القلب إلى الفطنة والتماسهما كما يلتمس الإنسان الفضة والبحث عنهما كما يبحث الإنسان عن الكنوز المدفونة في الأرض. هذه الكلمات المستقاة من القسم الأول من الفصل الثاني لسفر الأمثال إنما تعني بكل صراحة اننا لا نقبل على الحكمة بنصف عزيمة ولا نقبل الرأي القائل بأننا نستطيع أن نرضي الله والأمور العاكسة له في نفس الوقت. يطلب منا الله ولاء تاما وكليا عندما نبدأ بالجد وراء الحكمة. شروط الله قد تظهر صعبة للغاية ولكنه الله لا إنسان! الله يريد كل قلبك لا نصفه! يبغي الله منك أن تجد وراء الحكمة كما يركض الناس وراء الفضة والكنوز! انهم ينسون كل شيء وكذلك يطرحون عن أنفسهم كل عبء ولا يسمحون لأي عائق بأن يعترض سبيلهم. هل أنت مستعد بأن تسعى وراء الحكمة بهذه الطريقة السليمة؟
2. الوصول إلى الهدف : أن قمت بما يطلبه منك الله أي أن سعيت من كل قلبك وراء الحكمة فأن الوصول إلى الهدف مضمون " 5فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُ مَخَافَةَ الرَّبِّ وَتَجِدُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ. 6لأَنَّ الرَّبَّ يُعْطِي حِكْمَةً. مِنْ فَمِهِ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ "
علينا هنا أن نلاحظ أن الله هو الذي يعطي الحكمة. هذه حقيقة أساسية ليس فيها أي مجال لتعليم آخر. الرب يعطي حكمة. فالحكمة إذن هي هبة الله لا تحصيل الإنسان. ولكن، قد تقول لي، أن كانت الحكمة هبة إلهية فلماذا يطلب منا الله بواسطة عبده الحكيم بأن نجد ساعين وراء الحكمة؟ لماذا؟ لأن الله يعاملنا كبشر لا كآلات صماء ولا كحيوانات! يطلب منا الله أن نسعى وراء الحكمة ويعدنا في نفس الوقت بأنه يعطينا اياها أن قمنا بذلك من كل قلبنا.
هذا يعني قبل كل شيء أن من نال الحكمة من الله يبقى إنسانا وديعا ومتضعا لأنه لم يكتشف الحكمة اكتشافا بجهوده الخاصة بل نال حكمة إلهية المصدر. ليس هناك مكان أو مجال للكبرياء أو العجرفة أو التصلف لمن كان حكيما! ولكن ما هي الواسطة التي يستعملها الله لاعطائنا الحكمة؟ هذا سؤال هام للغاية. والجواب ليس بعسير أن تذكرنا أن الموضوع ذاته أي موضوع الحكمة انما ورد ذكره في الكتاب. هذا يعني أن الواسطة التي يستعملها الله لاعطائنا الحكمة انما هي كلمته المحررة والخلاصية. من المهم جدا إذن أن نقف على محتويات الكلمة الإلهية لانها المصدر الوحيد للوقوف على الحكمة الإلهية. ونحن عندما نذكر هذا الموضوع لا نكون واضعين حدودا للمقدرة الإلهية إذ أن الله أن شاء جعل الناس حكماء بدون واسطة أي بصورة مباشرة. كلنا نعلم أن الله على كل شيء قدير. نحن نؤمن بإله قادر على كل شيء خالق السماء والأرض وكل ما يرى وما لا يرى. ولكننا نهتم الآن ونحن باحثون في موضوعنا هذا بالطريقة التي يلجأ اليها الله تعالى في اعطاء الحكمة للناس. هذا هو المهم، لا خوض بحوث عميقة فلسفية تتعلق بعلم الكلام.
يعطينا الله الحكمة بواسطة كلمته. هذا يعني اننا ملزمون بأن نقف على محتويات كلمته. لا يكفينا الاقرار نظريا بأهمية الكلمة الإلهية بل علينا الوقوف على محتوياتها – عمليا وفعليا. وهذه الكلمة الإلهية انما هي فدائية في لبها أي انها تشع بنور عظيم على الإنسان فتريه بأنه مخلوق صنع لتمجيد الله وللعيش بمقتضى شريعته ولكنه (أي الإنسان). صار مخلوقا عاقا فثار على ربه والهه وصار يتبع طريقا غير الصراط المستقيم. هذه الكلمة الإلهية هي فدائية لأنها تنبؤنا عن نبأ سار للغاية ألا وهو مجيء المسيح الذي أخذ على عاتقه موضوع تطهيرنا من أدران الخطية والمعصية. هذه الكلمة فدائية لأنها ترينا طريقة العيش لمجد الله بعد أن نختبر الانعتاق والتحرير. هذه هي الكلمة الإلهية التي نؤتى بواسطتها الحكمة والفطنة.
هل نود أن نضع انفسنا في مدرسة الله الكتابية؟ مدرسة الحكمة ليست مدرسة أرضية بشرية في مصدرها. هل نود حقيقة أن ننخرط في سلك مدرسة الحكمة الإلهية؟ علينا أن نهرع إلى كلمته المقدسة وندرسها ونحفظها ونجعلها تسير معنا في سائر ساعات النهار إلى أن يتغلب علينا النعاس في أو ائل الليل! وكم من المؤسف اننا نحن ابناء القرن العشرين نعيش في وقت كثرت فيه الأمور التي تضارب على الكلمة الإلهية وتسلبنا وقتنا الثمين فلا نطالع كلمة الله كفاية ولا نصغي إلى القدير وهو يتكلم معنا في كلمته المحررة! لنذكر جيدا اننا لا نقدر أن نصل إلى الحكمة أن لم نلتمسها كالفضة أو أن لم نبحث عنها كالكنوز!
4. نتيجة السعي وراء الحكمة : من حصل على هبة الحكمة من الله تعالى فإنه ينال المعرفة الدينية المميزة لشتى المواضيع الحياتية والعقائدية وكذلك ينال قوة أخلاقية نفسية تبرز إلى الوجود في حياة مبتعدة عن سبل الكذب والبهتان والدعارة والانحلال الأخلاقي. وكما قال سليمان :
" فحينئذ – أي بعد أن تكون قد نلت الحكمة من الله – فحينئذ تفهم الحق والعدل والاستقامة، وكل منهج صالح. فأن الحكمة تدخل قلبك والمعرفة تلذ نفسك، التدبر يحفظك والفطنة تصونك " ! يا لها من أمور عظيمة للغاية! أهناك كنـز أعظم من هذا الكنـز؟ أليس هذا هو الأمر الذي نحتاجه في يومنا هذا؟ أن نفهم الحق والعدل والاستقامة، كل منهج صالح؟ ألا يفتقر عالمنا اليوم إلى هذه الأمور بصورة كبيرة، أن كان ذلك على الصعيد الفردى أو الاجتماعي أو الدولي؟ الحق والعدل والاستقامة وكل منهج صالح! يا لها من أمور باهرة! ولكنها لا توجد حيثما يتمرد الناس على الله، انها لا توجد حيثما لا يعترف الناس بأمور الوحي الإلهي! انها ثمار الحكمة الإلهية، انها لا تنبت الا حيثما يؤمن الناس بكلمة الله ويعملون بها.
من نال الحكمة الإلهية وحصل على ثمارها : الحق والعدل والاستقامة والمنهج الصالح هكذا إنسان قد تسلح ضد طرق الشر " لإنقاذك من طرق الشر، ومن الإنسان المتكلم بالعوج، من الذين يتركون سبل الاستقامة، ليسيروا في طرق الظلمة، ويفرحون بفعل السوء، ويبتهجون بأكإذيب الشر الذين سبلهم معوجة وهم في مناهجهم ملتوون. لإنقاذك من المرأة الغريبة، من الأجنبية عنك، التي تتملق بكلامها، التي تهجر إلف صباها وتنس عهد الهها " وهذه الآثام والمعاصي التي ذكرها الحكيم هنا تتعلق بصورة خاصة بخطايا الكذب والزنى. من تسلح بالحكمة الإلهية المصدر لم يعد إنسانا سإذجا ينخدع من قبل صيارفة الكذب وتجار البهتان. هكذا إنسان حكيم لن يقع في حبائل الزانية التي تتملق بكلامها وتحاول اظهار نفسها وكأنها مثال للفضيلة وللمحبة الحقيقية. وكم يحتاج الإنسان المعاصر إلى التسلح في هذين المضمارين لكي لا يصبح فريسة لمن ينشرون الأكإذيب أو للواتي يبعن أجسادهن في سوق الرذيلة والانحلال الأخلاقي! فمع أن العصور الماضية لم تخل مطلقا من مروجي الكذب ومن العاهرات الا أن عصرنا هذا كثرت فيه هذه الخطايا بصورة شديدة للغاية. ويا للأسف نرى انه حيثما ازدهرت الأحوال الاقتصادية كثرت هذه الخطايا! ولا حاجة لنا الآن إلى الكلام عنها بأي تفصيل لأن الجميع يعلمون ماذا نعني.
هل يتأثر قلبك من حكمة سليمان التي بحثنا فيها؟ إذكر جيدا أن الله قادك اليوم لقراءة كلمته هذه لكي تتوب عن غيك وتؤمن بمسيحه إيماناً قلبيا خلاصيا فتنال الغفران والحكمة وثمار الحكمة، آمين.
- عدد الزيارات: 4695