Skip to main content

قايين وهابيل

قايين وهابيلمن النافع لنا ونحن ندرس الحقائق الروحية أن نتتبَّع الحوادث من بداءتها كما وردت في الكتاب المقدس، لأن هذا يساعدنا على فهم الأسباب والنتائج. فمثلاً، كثيرون يتساءلون: ما هو سبب المصائب التي نراها حولنا، من زلازل وزوابع، من سيول وفيضانات، ومن حروب ودمار؟ هل الله لا يبالي، وهل له خطة واضحة نحو الجنس البشري؟

كيف انغمست الشعوب في الشر والفساد، وهل لبعض هذه الشعوب عذر، أم هم بلا عذر؟ هل هناك طرق كثيرة للخلاص، أم هو طريق واحد؟

إننا نجد الجواب عن هذه الأسئلة في أول سفر في الكتاب المقدس، وهو سفر التكوين. ففي تكوين 3 نتعلم عن دخول الخطيئة إلى العالم وعن نتائجها المريرة من آلام وتعب، ثم الموت. وفي تكوين 4 نتعلم عن طريق القبول لدى الله. وهو بواسطة الفداء. وفي تكوين 6 نتعلم عن انتشار الشر في هذا العالم والقضاء الإلهي على الشر والأشرار. ومن العجيب أنه فيه تُذكر لأول مرة كلمة "نعمة"، "وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب". ومن المعروف أن نوح آمن بكلام الله ولذلك بنى الفلك، كما جاء في عبرانيين 7:11. فنرى أن الخلاص هو بالنعمة بالإيمان "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان" (أفسس 8:2). النعمة هي اليد الإلهية التي تقدِّم للإنسان هذا الخلاص، والإيمان هو اليد التي تقبل ما يقدّمه الله. ولكن موضوعنا الآن هو ما جاء عن هابيل وقايين. يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "بالإيمان قدَّم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين. فبه شُهد له أنه بار إذ شهد الله لقرابينه، وبه وإن مات يتكلم بعد" (عبرانيين 4:11). كانت تقدمة قايين  من ثمار الأرض التي لعنها الله. لم تُعبِّر عن موت البديل، أي كانت تنكر حاجة الإنسان إلى الفداء. وهو الدرس الأساسي الذي يحتاج إليه الإنسان الذي يدرك أنه خاطئ.  يستحق الموت، ويحتاج إلى الفداء. هذا الدرس يتخلل الكتاب المقدس من أوله إلى آخره، فنراه في الأقمصة الجلدية (أي التي من جلد حيوان بريء) التي صنعها الله لآدم وحواء وألبسهما، ونراه في تقدمة هابيل، ثم نراه في فداء إسحق في تكوين 22، ونراه في سفر الخروج في خروف الفصح، ونراه في الذبائح في سفر اللاويين حيث يؤكد لنا مراراً أن الذبيحة "تكون صحيحة للرضا" (لاويين 21:22)، أي لا يكون فيها عيب. العيب هو في الإنسان، أما الفادي فهو بلا عيب. ومعنى هذا يكون واضحاً حين تفكر في المرموز إليه، وهو يسوع المسيح الذي "لم يعرف خطية" (2كورنثوس 21:5). و"الذي لم يفعل خطية" (1بطرس 22:2). "وليس فيه خطية" (يوحنا 5:3). لا عجب أن يوحنا المعمدان حين رأى يسوع قال:"هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 29:1). ونحن نعرف كيف رفع خطايانا، "حمل هو خطايانا في جسده على الخشبة" (1بطرس 24:2). نعم، رفع خطايانا حين رُفع هو على الصليب. كما قال، له المجد: "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع. قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت" (يوحنا 12، 32، 33). هذا هو الدرس الأساسي في قصة قايين وهابيل في تكوين 4. هذا هو المقصود بالقول: "وإن مات يتكلم بعد". إنه يعطي موعظة تبشيرية بليغة. وكأنه يقول إياكم والاتكال على أعمالكم. تمسكوا بالفادي "الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا، حسب غنى نعمته" (أفسس 7:1)، حتى لو أدى الأمر للاستشهاد. في تكوين 4 نرى مصير الإنسان المتديِّن الذي يريد أن يُقبل لدى الله على أساس أعماله. "كان هابيل راعياً للغنم وكان قايين عاملاً في الأرض وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض قرباناً للرب. وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر." قد يقول شخص إن قايين كان "عاملاً في الأرض" فمن الطبيعي أن يقدِّم من ثمار الأرض. نعم، قد يكون هذا طبيعياً. وهو دليلٌ على أن "الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة" (1كورنثوس 14:2). وهذا نراه بوضوح بخصوص موت المسيح. "فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندما نحن المخلصين فهي قوة الله" (1كورنثوس 18:1).

أما عن هابيل فقد رأينا أنه بالإيمان قدَّم ذبيحته. وهذا معناه أنه صدق كلام الله بخصوص هذا الأمر، لأن "الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله" (رومية 17:10).

ونرى في تعامل الله مع قايين صبر الله وأناته، فلم يكن قايين يجهل هذه الأمور، ومع ذلك فقد أعطاه الله فرصة للتوبة وللسلوك في الطريق الذي عيَّنه الله. ولكنه تجاهل النصيحة الإلهية، فظهر شرّ قلبه غير المؤمن. "وكلّم قايين هابيل أخاه، وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله. فقال الرب لقايين أين هابيل أخوك فقال لا أعلم، أحارس أنا لأخي" (تكوين 8:4، 9). وبهذا نرى التدهور لمن يسلك في طريق قايين. في قوله "لا أعلم"، كان يكذب على الله كأن الله لا يعرف. وبعد ذلك يقول لله بوقاحة: "أحارس أنا لأخي؟" أي إن سؤالك هذا لا معنى له، أو ليس في محله. وكانت النتيجة أنه جلب اللعنة على نفسه وأصبح تائهاً وهارباً في الأرض، أي متشرداً. مع ذلك فقد "جعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده" (تكوين 15:4). يا للعجب! لقد سمح الله لقايين أن يقتل هابيل، ولكنه لم يصرّح لأحد أن يقتل قايين. إذاً أيها الإخوة الأحباء لا نندهش إذا كان المؤمنون يُضطَهَدون ويُقتَلون، بينما لا يُصرَّح لهم أن ينتقموا من مضطهديهم. وهذا هو ما نراه حولنا في كل تاريخ الكنيسة. ولكن ماذا يقول لنا عن الذين يسلكون في طريق قايين؟ نجد الجواب في رسالة يهوذا عدد 11 في كلمات قليلة: "ويلٌ لأنهم سلكوا طريق قايين". حقاً ما أخطره طريق، هو طريق الهلاك الأبدي.

أيها القارئ العزيز، إننا نناشدك أن تضع كل ثقتك في ذاك الذي مات لأجلك على الصليب، فتنال القبول لدى الله مع جميع الذين يقول عنهم في رومية 24:3 "متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح." سوف تنتهي هذه الحياة ويتغير المشهد تماماً. وسنرنم مع جماهير المؤمنين أمام الخروف قائلين "مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه، لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة، وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة، فسنملك على الأرض" (رؤيا 9:5). وسترنم ملايين الملائكة أيضاً قائلين بصوت عظيم: "مستحق هو الحمل المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة" (رؤيا 12:5).

  • عدد الزيارات: 13583