الماضي والحاضر والمستقبل
هناك مناسبات في حياة الإنسان تدعوه لمراجعة الماضي، وفحص الحاضر. والتفكير في المستقبل. وإحدى هذه المناسبات هي نهاية عام مضى وبداءة عام جديد. في هذه المرة سنتكلم عن مراجعة الماضي.
أولاً: مراجعة الماضي تقودنا لتقديم الشكر للرب
لما كان يعقوب راجعاً من عند خاله لابان، ذاهباً إلى بيت أبيه تذكّر معاملات الله معه في الماضي رغم أخطائه التي ارتكبها، فقال للرب: "صغير أنا عن جميع ألطافك، وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك. فإني بعصاي عبرت هذا الأردن، والآن قد صرت جيشين" (تكوين 10:32)، وهذا الاعتراف بفضل الرب عليه شجّعه أيضاً على أن يطلب حماية الرب له من أخيه عيسو. وقبل موته بوقت قصير قال يعقوب لابنه يوسف معترفاً بفضل الرب عليه: "الله الذي رعاني منذ وجودي إلى هذا اليوم، الملاك الذي خلصني من كل شر" (تكوين 15:48-16). ألا يليق بنا نحن أيضاً عند بداءة عام جديد، بل في كل يوم أن نراجع أفضال الرب علينا. ما أكثر إحساناته الروحية والزمنية. ربما جزنا في ظروف صعبة، لكننا "نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (رومية 28:8). وإن كنا جزنا في تأديب بسبب خطايانا "فأي ابن لا يؤدبه أبوه" (عبرانيين 7:12). قال داود في مراجعته لمعاملات الله معه ومع الشعب: "لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه" (مزمور 10:103-11). وقال في مرة أخرى أيضاً وهو يراجع الماضي: "كلّلت السنة بجودك وآثارك تقطر دسماً" (مزمور 11:65). أما إرميا النبي فبعد أن تكلم عن المصائب التي حلت على الشعب بسبب ابتعادهم عن الرب، وقال: "تطلّعوا وانظروا إن كان حزن مثل حزني الذي صُنع بي الذي أذلّني به الرب يوم حمو غضبه" (مراثي 12:1)، وغير ذلك الكثير، بعد هذا كله راجع أفضال الرب فقال: "أردِّد هذا في قلبي من أجل ذلك أرجو إنه من إحسانات الرب أننا لم نفنَ. لأن مراحمه لا تزول هي جديدة في كل صباح كثيرة أمانتك.. طيب هو الرب للذين يترجونه، للنفس التي تطلبه" (مراثي 21:3-25). فهو حين حوَّل نظره نحو الرب نفسه لم يسعه إلاَّ أن يردد أفضال الرب. ونحن أيضاً إذا راجعنا معاملات الرب معنا ستفيض قلوبنا بالحمد والشكر له. ونقول له "كثيرة أمانتك". وهذه العبارة كان لها وقع كبير على أحد رجال الله فكتب ترنيمته الشهيرة التي رنمها الكثيرون منذ ذلك الوقت بفرح وسرور وعنوانها "أبي كثيرة أمانتك". وأمانة الرب هذه يجب أن يكون لها صدى في حياتنا نحن المؤمنين. فنكون أمناء فيما ائتمننا الرب عليه، لكي نسمعه يقول لكلِّ منا: "نعماً أيها العبد الصالح والأمين" (متى 23:25). إذاً مراجعة الماضي تقودنا للشكر للرب لأنه "عمل كل شيء حسناً" (مرقس 37:7).
ثانياً: مراجعة الماضي تعلمنا دروساً نافعة
لما جاء موسى بالشعب قرب حدود أرض كنعان، ابتدأ يجهزهم لدخول الأرض ويخبرهم عن الحياة اللائقة بشعب مفدي في الأرض التي منحهم الرب إياها، فقال للشعب: "وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر لكي يذلّك ويجرّبك ليعرف ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا. فأذلك وأجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك لكي يعلمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الرب يحيا الإنسان" (تثنية 2:8و3). لاحظ عبارة لكي يعلمك، فالهدف من كل ما سمح به الرب أن يجوزوا فيه في البرية كان ليعلمهم دروساً نافعة. كان اهتمامهم وتذمرهم في معظمه بسبب الطعام؛ ولكن الرب أراد أن يعلمهم الاتكال عليه، لا على الموارد الأرضية. وهذا درس نافع لنا نحن أيضاً. ثم ذكّرهم بعناية الرب بهم إذ قال: "ثيابك لم تبلَ عليك ورجلك لم تتورّم هذه الأربعين سنة فاعلم في قلبك أنه كما يؤدب الإنسان ابنه قد أدبك الرب إلهك. واحفظ وصايا الرب إلهك لتسلك في طرقه وتتقيه. لأن الرب إلهك آت بك إلى أرض جيدة.." (عدد 4-7). فنرى أن معاملات الرب كانت ليعلمهم دروساً نافعة، ولكي يهيئهم إلى ما أعده لهم في المستقبل من بركات وخيرات كثيرة (اقرأ أيضاً باقي تثنية 8). عندما يسمح الرب أحياناً أن نجوز في ظروف صعبة، فيذلنا، أي يعلمنا التواضع، فذلك لفائدتنا ولكي يعلمنا أن نضع ثقتنا فيه هو لا في ذواتنا. في مزمور 67:119 نقرأ هذه الكلمات "قبل أن أذلك أنا ضللت، أما الآن فحفظت قولك". وفي عدد 71 يقول "خير لي أني تذللت لكي أتعلم فرائضك". وفي عدد 75 "قد علمت يا رب أن أحكامك عدلٌ وبالحق أذللتني". نعم قد نجوز في ظروف صعبة نشعر فيها بالذل، لكن لنتذكر ما جاء في مراثي أرميا 31:3-33. "لأن السيد لا يرفض إلى الأبد فإنه ولو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه. لأنه لا يذل من قلبه ولا يحزن بني الإنسان". إذ تعلمنا الدروس النافعة من تعامل الرب معنا فإننا سنقول مع كاتب الترنيمة "وقبلي أيدي أب يؤدب البنين فإن تأديب العلي للنفع بعد حين". لأنه حقاً. يضرب وإنما يداه تشفيان". أما إذا كنا لا نتعلم دروساً نافعة مما نجوز فيه من صعوبات، فإننا نخسر خسارة كبيرة، مثل شخص دفع مبلغاً كبيراً لشراء شيء ثمين، ولكنه أهمل الحصول عليه. ماذا يكون شعور أب دفع رسوم الجامعة لابنه، ولكن هذا الابن لم يذهب للجامعة للدراسة. هكذا يكون حالنا إذا كنا نجوز في تأديبيات إلهية ولا ننتفع منها. إن تأديب الرب لنا ليس أمراً هيناً عليه. مكتوب في كل ضيقهم تضايق" (إشعيا 9:63)، لذلك يليق بنا أن نحفظ في قلوبنا كل الدروس الثمينة التي يريد أن يعلمنا إياها، ولا ننسى أنه يجهزنا لذلك اليوم السعيد الذي فيه سيوقفنا أمام مجده بلا لوم في الابتهاج. ونحن بدورنا نقول له: ”آمين تعال أيها الرب يسوع“.
مقتبس من مجلة صوت الكرازة بالإنجيل
- عدد الزيارات: 14148