Skip to main content

العين

في الدرس السابق كان الكلام عما أحدث الله من تغيير ظاهر في حياة المؤمن وتجديده كخليقة روحية يستعيد بها الصورة الجميلة بعد تشويهها بالخطيئة. وبعد ذكر الأمثلة عن الوجه الطافح بالبشر والسلام مع الثقة بالمواعيد الإلهية وغير ذلك من التشابيه، نأتي للدرس عن العين في الجسد.

العين هي العضو الذي وضعه الله في الجسد أداةً ثمينة لننظر بها ونرى ما يجب أن نراه. والرب يسوع نبهنا لأهمية العين بقوله في (لوقا 34:11 و35) ((سراج الجسد هو العين. فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً. ومتى كانت شريرة فجسدك يكون مظلماً. أنظر إذاً لئلا يكون النور الذي فيك ظلمة)).

ولو سألتك، أيها القارئ العزيز، كم عين خلق الله للإنسان لأجبت فوراً عينان. طبعاً هذا الجواب الصحيح. ولكن اسمح لي أن أقول أن العينين في الجسد خلقتا لرؤية الأشياء المنظورة فقط، أما غير المنظورة فلها عين ثالثة. وهذه العين الروحية المخلوقة من جديد في المؤمن هي عين الإيمان التي بها نرى ما لا نرى بالعين الطبيعية. وقد صرحت الكلمة في (2كورونثوس18:4) قائلة ((نحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية)).

لقد أخطأ توما الرسول لأنه اعتمد على عينيه الطبيعيتين ليتأكد الخبر الذي سمعه عن قيامة المسيح، لذلك قال: ((إن لم أبصر في يديه أثر المسامير. . . . لا أؤمن)). (يوحنا 25:20). وحينما ظهر الرب مرة ثانية للتلاميذ وتوما معهم نسمعه يلومه لاعتماده على عين الجسد وعدم استعماله لعين الإيمان. وقد طوّب الرب الذين يرون بهذه العين الروحية (عين الإيمان).

فإن كان الإنسان يشتاق أن يرى في عينيه الشخص الذي يحبه وينظر إلى ما هو جميل وجذاب، ألا يجب علينا كمؤمنين أن نكون دائماً ((ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع)). (عبرانيين 2:12). وأن نقول مع المرنم ((واحدة سألت من الرب وإياه ألتمس. أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر إلى جمال الرب)) (مزمور4:27 ). فالرب يسوع هو ((مشتهى كل الأمم)). ولعروسه الكنيسة ((كل المشتهيات)) (نشيد6:5). وما أحسن أن نقول مع المرنم في (مزمور2:123). ((كما أن عيون العبيد نحو أيدي أسيادهم. . . . هكذا عيوننا نحو الرب إلهنا حتى يترأف علينا)). ولذا يستحق فادينا المجيد أن يكون في قلوبنا دافع المحبة له لكي نراه بإيماننا كما قال الرسول بطرس عنه ((الذي وإن لم تروه تحبونه. ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد. نائلين غاية إيمانكم خلاص نفوسكم)). (1بطرس8:1و9). فأشواقنا لشخصه المبارك تعبر عنه لشخصه المبارك تعبر عنه بما قال الرسول بولس في ( 1كورونثوس 13:12) ((إننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذٍ وجهاً لوجه)).

يخبرنا الإنجيل المقدس في (يوحنا20:12و21) عن اليونانيين حينما ذهبوا إلى أورشليم في العيد، أنهم لم يهتموا برؤية المدينة العظيمة وقصورها الشامخة، ولم يهتموا برؤية الهيكل المقدس، ولا بمراسيم العيد الكبير، ولا بذبائح التكفير، ولا برؤية رؤساء الكهنة، ولكن اهتمامهم كان محصوراً برؤية يسوع، ولذلك ذهبوا إلى التلميذ فيلبس وقالوا له ((يا سيد نريد أن نرى يسوع)).

تعيّن واعظ لاهوتي شهير لرعاية إحدى الكنائس وكان بوعظه يستعمل الآراء الفلسفية في الدين والأشياء العلمية ببلاغة الخطابة، الأمر الذي لم يشبع نفوس الأعضاء المشتاقة ليسوع بالوعظ منه. وذات يوم من الأيام كتب واحد من الأعضاء الآية هذه ((يا سيد نريد أن نرى يسوع)). ووضعها على النبر قبل أن يأتي الراعي. وحينما أتى ورأى الآية أخذ الورقة معه إلى مكتبه وكانت رسالة من الروح القدس لقلبه فغيّر أسلوبه العلمي في عظاته بأسلوب روحي عن يسوع. وبعد مدة من الزمن وجد الواعظ آية أخرى على المنبر وهي من (يوحنا20:20) القائلة ((ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب)).

ألا يجب أن تشتاق نفوسنا دائماً لننظر إلى سيدنا المبارك بعين إيماننا لكي نرى فيه المحبة العجيبة والرحمة الغافرة والنعمة المجانية المخلصة؟

ألا يجب أن نراه مصلوباً يتحمل آلام الموت من أجل التكفير عن خطايانا وتبريرنا أمام العدل الإلهي؟ ألا يجب أن نرى فيه الشخص الحي المنتصر على الموت بقيامته والشفيع العظيم القائم عن يمين الآب، والمحب الحقيقي الذي لا يزال يهتم بنا ويعد لنا الأماكن في السماء لكي يأخذنا إليه عند مجيئه بالمجد؟ هو الذي من فرط محبته لخليقته الإنسانية يقول ((التفتوا إليَّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض لأني أنا الله وليس آخر)). (أشعياء 22:45). والكتاب المقدس إذ يوضح لنا فعل النظر إليه بعين الإيمان يؤكد أن نظرة واحدة من الملدوغين بالحيات السامّة قتلت قوة السم المميتة فيهم. وتلك الحادثة اتخذها الرب يسوع رمزاً له بارتفاعه على خشبة الصليب ليكون للمؤمن النجاة من سم الحيّة القديمة-الخطية- بمجرد نظرة واحدة إليه بعين الإيمان.

وقد صرح بذلك في (يوحنا 14:3و15). بقوله ((كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية)).

وفي درسنا عن العين وضرورة رؤيتنا للرب يسوع نلاحظ وجود بعض العوائق التي تحول دون رؤيتنا له.

العائق الأول:

النقص الطبيعي فينا أي العمى. ونحن نشبه ابن طيما على طريق أريحا الذي كان يصرخ ((يا يسوع ابن داود ارحمني)). وعندما أُتيَ به إلى الرب قال له ((اذهب إيمانك قد شفاك. فللوقت أبصر وتبع يسوع)). (مرقس 47:10-52 ). لم يكن بإمكان ذلك الرجل أن يرى يسوع وهو أعمى. ولكن بعدما وهبه السيد البصر، استطاع أن يراه ويعرفه ويؤمن به ويتبعه للشهادة له. هكذا نحن، عندما يجعلنا الرب خليقة جديدة بأعين روحية، نستطيع أن نراه في مجده ونشهد له. فأن كنت أيها الرب يسوع لأنه أتى لينادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر( لوقا18:4). إياك أن تجعل أي عائق في نفسك يحرمك من رؤية المخلص.

العائق الثاني:

المرض المسمَّى الماء الزرقاء أو السوداء، وهذا يجعل غشاوة على العين ويحجب عنها المناظر التي تريد أن تتمتع بمشاهدتها. وما أكثر أمثال هذا المرض في النفوس التي أصيبت به بسبب غشاوة الدنيا السوداء والأمور العالمية التي تحجب عنهم نور الحياة. وكما أن الطب صار يعالج مرض الأعين هذا فالطبيب السماوي هو القادر بقوة خلاصه أن يزيل ظلمة الخطية وغشاوة العالم عن عين النفس. وما على المصاب بمثل هذا المرض إلا أن يقول للرب ((أكشف عن عينيّ فأرى عجائب من شريعتك)). ( مزمور 18:119).

العائق الثالث:

سيطرة الشيطان الشريرة على عين النفس لأنها تحجب أمجاد الرب يسوع عنها. وقد أوضح ذلك الرسول بولس في (2كورنثوس 4:4) بقوله ((إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله)). حقاً إن هذا العدو يعمل بلا انقطاع في كثيرين من الناس ليبقيهم بعيدين عن الإنجيل لكي يظلوا في قبضة يده فريسة للهلاك معه. وكثيراً ما يلهيهم بتوجيه أفكارهم إلى خرافات والأوهام والأضاليل والبدع والإلحاد لئلا يأتوا إلى المسيح وينالوا به الخلاص والحرية من عبودية الخطية والعالم ورئيس العالم.

  • عدد الزيارات: 9456