Skip to main content

الفصل السادس: نتائج الخطية - الاستعباد للنفس

الصفحة 3 من 4: الاستعباد للنفس

2ـ الاستعباد للنفس

لا يقف خطر الخطية عند حد الابتعاد عن الله، بل يتعداه إلى الاستعباد للنفس، فالخطية لا تكتفي بفصلنا عن الله وإبعادنا عنه بل تأتي بنا إلى العبودية والأسر، وخليق بنا الآن أن نتأمل في دواخل الخطية وبواطنها، لأنها ليست مجرد عمل خارجي رديء أو عادة سيئة، لكنها فساد داخلي عميق المدى، وما الخطايا التي نرتكبها سوى تعبيرات ظاهرة خارجية لهذا المرض الداخلي الخفيّ الخبيث، وقد أوضح يسوع ذلك في حديثه في إنجيل متى 12: 32- 35 مبيّناً أن طبيعة الثمر يتوقف على طبيعة الشجرة عينها، وهكذا أفعالنا ان هي إلا تعبير عما في قلوبنا "فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم".. وعلى نفس القياس، إن البقع الحمراء التي تظهر على الجسم ليست هي مرض الحصبة، لكنها علامات وأعراض للمرض الذي غزا الجسم، وخطايانا علامات تكشف عن مرض روحي، أصاب قلب الإنسان "والقلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه" (ارميا 17: 9) وقال يسوع: "لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة، زنى فسق قتل سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة تجديف كبرياء جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجّس الإنسان" (مرقس 7: 21 -23)والكتاب المقدس مملوء بالإشارات إلى وبأ وعدوى الطبيعة البشرية، وهذا نفس ما قصده اللاهوتيون بقولهم: "الخطية الأصلية".. وهي كما جاءت في المادة التاسعة من قانون كنيسة انكلترا "...هي الخطأ والفساد في طبيعة كل إنسان...وان هذه العدوى الكامنة في الطبيعة تبقى وتدوم.." فالخطية الأصلية هي ميل أو انحراف نحو الخطية ونحو عبادة الذات نرثه، وهو متعمق في داخل شخصياتنا البشرية، ويُظهر نفسه في آلاف الطرق القبيحة وقد أسماه بولس "بالجسد" وذكر قائمة بأعمال هذا الجسد في قوله: "وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة عبادة الأوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة حسد قتل بطر وأمثال هذه" (غلاطية 5: 19-21).

ولأن الخطية هي فساد داخلي في طبيعة البشر، نقع نحن في العبودية والأسر، وليست الأعمال أو العادات الخاصة هي التي تستعبدنا وتأسرنا، ولكن العدوى الشريرة الفاسدة التي منها تنبع هذه الأعمال والعادات.. وكثيراً ما وصف العهد الجديد، الناس بأنهم "عبيد" وهو تعبير نمقته ونبغضه رغم صحته وصدقه وهاكم يسوع قد أثار حقد الفريسيين وغيظهم عندما قال لهم: "إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم. فأجابوه إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبَد لأحد قط. كيف تقول أنت أنكم تصيرون أحراراً. أجابهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يوحنا 8: 31- 34) وها بولس الرسول يصف مراراً في رسائله، العبودية المهينة المريرة، التي توقعنا فيها الخطية ويقول: "..فإنكم كنتم عبيداً للخطية" (رومية 6: 17) "الذين نحن أيضاً جميعاً تصرفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار" (افسس 2: 3) "لأننا كنا نحن أيضاً قبلاً أغبياء غير طائعين ضالّين مستعبدين لشهوات ولذّات مختلفة" (تيطس 3: 3) ويعطينا الرسول يعقوب مثلاً يبيّن عجزنا في ملك أنفسنا، وذلك بصعوبة ضبط اللسان، ففي الإصحاح الثالث يعطي عدّة تشبيهات وأمثلة ويقول: "إن كان أحد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل قادر أن يلجم كل الجسد أيضاً" ثم يقول: "هكذا اللسان أيضاَ هو عضو صغير ويفتخر متعظّماً" وان تأثيره يمتدّ كما تمتد النيران لأنه "شر لا يضبط مملوء سماً مميتاً" وان بالإمكان "أن كل طبع للوحوش والطيور والزحافات والبحريات يُذلّل، وقد تذلّل للطبع البشري. وأما اللسان فلا يستطيع أحد من الناس أن يذللـه" (يعقوب 3: 1- 12).

إننا نعرف ذلك جيد المعرفة، ولنا الكثير من المثل العليا السامية ولكن إرادتنا ضعيفة واهنة، وكلنا يريد أن يحيا حياة صالحة ولكنا مقيدون بسلاسل ومسجونون، ولسنا أحراراً بل عبيداً وخليق بنا أن نضم صوتنا إلى صوت "ستادارد كنيدي" ونأتي إلى الله بدموع صارخين قائلين:

"لم يكمل شيء يا ربي والهي

لم يكمل شيء إطلاقاً

ما خضت معركة في حياتي

ما حقّقت نصرة أبداً

والآن ما أنا كما أنا آتي إليك

معترفاً بفشلي وخيبة أملي

لأنني اتكلت على نفسي، وأنا إنسان بشريّ

بشريّ أنا، وهذا هو سر عجزي وهزيمتي

وليس من المستحب أن تُعطي لنا قوانين للسلوك والأخلاق نعجز عن حفظها وإتمامها، ولو ظَّلَّ الله تعالى ينهانا بقوله: "لا..لا.." فإننا نستمر نفعل ما نريد غير آبهين ولا مهتمين، ولسنا في حاجة إلى محاضرة ولكن حاجتنا العظمى إلى مخلّص.. فلا يكفي أن نحصل على ثقافة وتهذيب، بل يجب أن ننال تغييراً وتجديداً في القلب، وميل الإنسان إلى القوة أكثر من النصح فقد اكتشف سرّ القوة الطبيعية، وها اكتشافاته في عالم القوى الذرية تكتسح الميادين بشكل يخيف كل العالم.. وحاجة الحاجات هي إلى القوة الروحية القوة التي تحرره من نفسه، القوى التي تقهر نفسه وتملكها، القوة التي تسمو بمقاييس أخلاقه الأدبية حتى تبلغ حد مشروعاته العلمية التي حققها.

الكفاح مع الآخرين
الصفحة
  • عدد الزيارات: 17030