Skip to main content

الفصل الخامس: حقيقة الخطية وطبيعتها - الوصايا العشر

الصفحة 2 من 2: الوصايا العشر

الوصايا العشر (خروج 20: 1- 17)

الوصية الأولى: "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي"

هذا ما يطلبه الله من الإنسان الذي يجب أن يعبده وحده دون سواه، وليس من الضروري أن يعبد الشمس أو القمر أو النجوم حتى يقال عنه أنه كسر هذه الوصية، ولكنا نكسرها عادة إذا ما أعطينا لشيء ما أو إنسان ما، المقام الأول في تفكيرنا ومحبتنا، وقد يكون هذا الشيء لعبة محبوبة، أو هواية مرغوبة.... أو فرداً نعبده ونعتز به، أو مطمحاً نفسانياً يشغل كل بالنا، ويستنزف كل قوانا... وقد نعبد إلهاً من الفضة أو الذهب في صورة ودائع في المصارف، أو ربما نعبد إلهاً من الخشب أو الحجارة في صورة عقارات وممتلكات، وتدفعنا رغبتنا الملحّة إلى اقتناء بيت أجمل، أو سيارة أفضل، أو مذياع أحدث.. ولا أريد أن أقلل من قيمة هذه الأشياء، ولكن الخطر فيها هو أن نعطيها في حياتنا، المكان الذي لله وحده دون سواه... والخطية في حد ذاتها، هي إعلاء النفس على حساب الله، ويبدو أن ما كتبه أحدهم عن الرجل الانكليزي ينطبق على كل إنسان آخر، وأعني به "أنه هو الرجل الذي يصنع نفسه ويعبد نفسه".. فإذا أردنا أن نحفظ هذه الوصية الأولى، وجب علينا- كما قال يسوع- "أن نحب الرب إلهنا من كل قلوبنا ومن كل أنفسنا ومن كل أفكارنا" (متى 22: 37) أي أن نرى جميع الأشياء كما يراها الله، وألا نفعل شيئاً بدون الرجوع إليه، وأن نتخذ إرادته ومشيئته قائداً ودليلاً لنا، ونجعل مجده هدفنا وغايتنا وأن نضعه أولاً في الفكر والقول والفعل، في أوقات الراحة وأوقات العمل، في علاقاتنا الاجتماعية وفي أشغالنا، وفي استخدام أموالنا وأوقاتنا ومواهبنا... وما من إنسان استطاع أن يحفظ هذه الوصية إلا يسوع الناصري.

الوصية الثانية: "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً"

لئن كانت الوصية الأولى ترمي إلى هدف عبادتنا وغايتها، فإن الوصية الثانية تشير إلى كيفيتها وحالتها.. وإن الوصية الأولى تعلن وحدانية الله، أما الثانية فتعلن روحانيته. في الأولى يطلب الله أن نعبده وحده دون سواه، وفي الثانية يطلب عبادة روحية ملؤها الإخلاص والولاء "لأن الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا 4: 24) ومع أننا لم نصنع لأنفسنا تماثيل معدنية قبيحة المنظر، ولكن كم من صور وتماثيل عقلية خبيثة احتفظنا بها في قلوبنا؟ وأكثر من ذلك، مع أن هذه الوصية لا تحرم استعمال كل الطقوس والنظم الخارجية في العبادة، لكنها تبين ضمنياً أن أمثال هذه عديمة النفع والفائدة، ما لم تعبّر عن حقيقة داخلية واقعية... وربما نكون قد حضرنا اجتماعات الكنيسة، فهل عبدنا الله بحق؟ وقد نتلو صلوات، ولكن هل صليّنا بحق؟ وربما درسنا الكتاب المقدس، ولكن هل سمحنا لله أن يتكلم إلينا في كتابه، وهل عملنا ما قاله لنا؟ ولا ينفعنا شيئاً أن نكرم الله بشفاهنا، إذا كانت قلوبنا مبتعدة عنه (أشعياء 29: 13، مرقس 7: 6) فإن هذه هي خطية اليهودي المرتد، وخطية الفريسي وخطية عابد الأوثان، وأعني بها تعظيم الأهداف الخارجية الدينية والأعمال الظاهرية حيث لا يوجد إخلاص داخلي.. هذا هو الخداع بعينه.

الوصية الثالثة: "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً"

يرمز اسم الله إلى طبيعة الله، وفي الكتاب المقدس نجد الكثير مما يأمرنا باحترام اسم الله، ونصلي عادةً في الصلاة الربانية قائلين: "ليتقدس اسمك" وقد يتدنس اسمه المقدس بالكلمات التي نتفوه بها، وما أحوجنا إلى تنقيح كلماتنا بين حين وآخر، ولكن المقصود بالنطق باسم الرب إلهنا باطلاً، لا يعني مجرد النطق بالكلمات فقط، ولكن بالأفكار والأفعال أيضاً.. وحينما لا ينسجم سلوكنا مع عقيدتنا، أو تناقض حياتنا، كرازتنا.. فإننا بذلك ننطق باسم الرب إلهنا باطلاً وإن دعونا الله "رباً" وعصيناه فنحن ننطق باسم الرب الإله باطلاً وإن دعونا الله "أباً" وتركنا أنفسنا للهموم والقلق والارتياب، فإننا بهذا ننكر اسمه، ولعل هذا يقودنا إلى الفكرة القائلة بأن النطق باسم الرب الإله باطلاً، معناه أن تقول شيئاً، ثم تعمل شيئاً آخر. هذا هو الرياء.

الوصية الرابعة: "اذكر يوم السبت لتقدسه"

إن يوم السبت أو يوم الراحة في العهد القديم، ويوم الأحد في العهد الجديد، لهو ترتيبٌ إلهي فإن إفراز يوم واحد من الأيام السبعة، ليس تدبيراً بشرياً، ولا ترتيباً اجتماعياً، لكنه تدبيرٌ إلهي... فإن الله جعل السبت لأجل الإنسان (مرقس 2: 27) وحيث أنه خلق الإنسان، الذي من أجله جعل السبت، فقد جعله مناسباً لسد حاجة الإنسان، فإن عقل الإنسان وجسده في حاجة إلى الراحة، كما أن روحه في حاجة إلى فرصةٍ للعبادة.. فيوم السبت إذاً هو يوم الراحة ويوم العبادة، ويقولون هم الذين يعتبرونه بهذا المعنى وإننا كثيراً ما لا نكتفي بتشغيل أنفسنا فقط ولكننا ننهمك في مثل هذه الأعمال، حتى أننا نشغل غيرنا فيما يمكن الاستغناء عنه، ونحرمهم كما نحرم أنفسنا من الفرصة التي نحتاج إليها لعبادة الله.. وتتطلب منا هذه الوصية أن نعمل ستة أيام ونستريح في اليوم السابع، ومن الواجب علينا أن نؤمن للآخرين الذين نحن مسؤولين عنهم (أي عائلاتنا وخدمنا ومستخدمينا) نؤمن لهم الراحة لكي يعبدوا فقط، ويوم الأحد يوم "مقدس مفرز لله، إنه يوم الرب لا يومنا ويجب أن نصرفه في طريقه وليس في طريقنا، وفي عبادته وخدمته لا في ملذاتنا الشخصية.

الوصية الخامسة: "أكرم أباك وأمك"

تضع هذه الوصية نصب أعيننا واجبنا نحو والدينا، ولو جاءت على اللوح الأول من لوحي الشريعة الذي يبيّن واجباتنا نحو الله لأننا ونحن بعد أطفال صغار– على الأقل- يقف والدينا ويقطعون على أنفسهم العهود بتحمل المسؤولية عنا أمام الله وهم يمثلون سلطان الله، ومع ذلك لا يظهر الولد الصغير محبته لذاته وأنانيته أكثر مما يظهر في بيته حيث لا تراه عين العالم الخارجي أو الغرباء ولذلك يظهر على حقيقته ولعل بولس في إحدى رسائله (2 تيموثاوس 3: 2) يضع "غير الطائعين لوالديهم" بين أوصاف الذين يظهرون في الأيام الأخيرة، وفي هذه الدائرة بنوع خاص، تنكشف أنانيتنا ومحبتنا لذواتنا، حتى بعد بلوغنا سن الرشد، ومن السهل أن يكون الإنسان جحوداً وناكراً لجميل والديه، وأن يخفق في تقديم الاحترام والحب اللذين يستحقانه.. وعندما نكون بعيدين كم نكتب للوالدين وكم نزورهم؟ وهل هم في حاجة إلى مساعدة مالية في مقدورنا أن نقدمها ولكننا نبخل بها عليهم؟

الوصية السادسة: "لا تقتل"

ليست هذه الوصية مجرد نهي عن ارتكاب جريمة القتل ولو أن النظرات تقتل لرأينا عدداً كبيراً من قتلاها، ولو أن الكلمات النابية القاسية تقتل لأصبح الكثيرون من المجرمين أو الضحايا وفي الواقع، أن يسوع علّم في موعظته على الجبل (متى 5: 21-26) أن من يغضب على أخيه باطلاً أو يهين أخاه، فإنه يرتكب خطية القتل، ولذلك يصل بنا الرسول يوحنا في رسالته الأولى 3: 15 إلى خلاصة القول: "كل من يبغضن أخاه هو قاتل نفس" ولعلنا ندرك من هذا القول أن عدم ضبط النفس، وحدّة الطبع، وإفلات زمام الشهوات، وثورة الغضب والهياج، والحنق والتعطش إلى الانتقام لهي جرائم قتل، فيمكن بترويج الإشاعات المغرضة الرديئة وبالإهمال والقسوة المقصودة، وبالجسد والكيد والضغينة، أن نقتل عدداً من إخوتنا.. وألسنا نفعل ذلك جميعاً؟

الوصية السابعة: "لا تزنِ"

لعل هذه الوصية أيضاً تحمل في طياتها ما هو أعمق أثراً وأبعد مدى من مجرد عدم الأمانة الزوجية، فإنها تتضمن ارتكاب الزنى قبل الزواج، كما تتضمن ما يفعله بعض الناس في بعض البلدان ألا وهو الاستباحة في العلاقات الأخلاقية، والتمادي في خطية الزنى مع الجنس الآخر قبل عقد الزواج، كما يستهتر البعض بحجة التجربة أو الاختبار، إنها تعني المداعبة الطائشة والاقتحام كما تعني العادات السرية وكل انحراف جنسي، ولئن كان الرجل والمرأة غير مسؤولين عن وجود الانحراف في الغرائز، لكنهما مسؤولان تماماً عن الانغماس في إشباع الشهوة البهيمية، كما تتضمن الإفراط الجنسي في الزواج كما تشمل معظم– إن لم يكن كل- حالات الطلاق كما أنها تنهي عن قراءة الكتب الجنسية المثيرة، وعن السعي لإرضاء النفس بالأفكار الدنسة، وقد أوضح يسوع هذا الكلام في قوله الصريح: "كل من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى 5: 28) فكما أن حيازة الأفكار الدنسة في القلب يعتبر زنى.. وحقيقة الأمر أ، هذه الوصية تشمل كل سوء استعمال لأية قوة أو موهبة نبيلة منحها لنا الله كما تحوي كل تحقير وإقلال لقيمة عطاياه المقدسة الجميلة.

الوصية الثامنة: "لا تسرق"

السرقة هي سلب أي شيء مما يملكه إنسان آخر، أو مما هو حق له.. فليس المقصود هنا هو سرقة الأموال والمقتنيات فقط ولكن أيضاً محاولة التهرب من دفع الضرائب أو التحايل على تخفيفها والهرب منها أو الإقلال من ساعات العمل المطلوبة، وهنا نرى الفرق بين مقاييس الله ومقاييس العالم، فما يسميه العالم مكسباً يدعوه الله سرقة، وما يحسبه العالم ربحاً أو توفيراًً، يعتبره الله سرقة أيضاً. فإن شغلّت العامل أكثر من الوقت المقرر، أو دفعت له أجراً أقل مما يستحق فقد نقضت هذه الوصية.. وقليلون منا– إن وجد- هم الذين ينفذون هذه الوصية بأمانة وإخلاص في أعمالهم العامة والخاصة.. وكما كتب "أرثر هوك كلاو" ما معناه:

"لا تقتل": بل يكفي أن تتغاضى عما يحفظ حياة أخيك.

"لا تسرق": وفي وسائلك للغش والتمويه ما يشبعك ويستهويك. زد على ذلك، فإن لهذه الوصايا السلبية جوانب إيجابية ولكي يتجنب الإنسان جريمة القتل، عليه أن يسعى جاهداً للمحافظة على صحة الآخرين وحياتهم، ولكي يترفع عن خطية الزنى ويمتنع عنها عليه أن يقف موقف الطهارة والشرف والنبل من الجنس الآخر.. فالامتناع عن السرقة ليس فضيلة في حد ذاته، إن اتصف صاحبه بالشح والبخل والتقتير والخسّة.. وقد جاء في قانون الإيمان الاسكتلندي المختصر ما معناه: "أن هذه الوصية الثامنة تتطلب بأننا– بكل طريقة مشروعة- يجب أن نعمل على حفظ وإكثار دخل ومقتنيات الآخرين" –ولم يقتنع الرسول بولس بالقول أن اللص يجب أن يمتنع عن السرقة، ولكن عليه أن يشتغل وأن يعمل "فلا يسرق السارق في ما بعد بل بالحري يتعب عاملاً الصالح بيده ليكون له أن يعطي من له احتياج" (أفسس 4: 28) أي يتحول من سارق ناهب، إلى محسن شريف.

الوصية التاسعة: "لا تشهد على قريبك شهادة"

تتعلق الوصايا الخمس الأخيرة باحترام حقوق الآخرين، الذي هو المحبة الحقيقية.. وإن نقض إحدى هذه الوصايا معناه أن تسلب أثمن وأحب ما لديه فالوصية "لا تقتل" تعني حياته و"لا تزنِ" تعني عائلته وشرفه و"لا تسرق" تمس ممتلكاته ومقتنياته، بينما تشير الوصية التاسعة إلى صيته وسمعته في القول: "لا تشهد على قريبك شهادة زور".. ولا تقتصر هذه الوصية على الشهادة في المحاكم فقط، ولكنها تصل إلى حد الحلف بالكذب، شاملة كل أنواع النميمة والوشاية والأحاديث البطالة والاغتياب، وكل صنوف الكذب والمبالغات وتحريف الصدق وتضليل الحقائق، ويمكن أن نجعل من أنفسنا شهود زور بالاستماع إلى الشهادات المغرضة، أو نقلها أو ترويجها، أو بالتسلية والمزاح على حساب سمعة الآخرين، أو بترك انطباعات وتأثيرات غير صحيحة،أو بالإهمال في تصحيح بيانات أو عبارات محرّفة غير صادقة، أو بسكوتنا كما بكلامنا.

الوصية العاشرة: "لا تشته"

تبدو الوصية العاشرة بطريقة ما، أكثر الوصايا إعلاناً لأنها تسمو بالوصايا من صعيد الشريعة المدنية إلى صعيد الأخلاق الشخصية وتجعل منها شريعة قانونية خارجية، بل مقياساً أدبياً داخلياً، فالشريعة المدنية لا تستطيع أن تنفذ إلينا أو توقعنا تحت القصاص إذا اشتهينا، ذلك لأن الاشتهاء أمر يتعلق بحياتنا الداخلية ويتربص في القلب وفي الفكر، ولا لذة ولا سبيل للشريعة المدنية في الوصول إلى الاشتهاء ما لم تنقلب وتتحول إلى طريقة فعلية. كما الشهوة للزنى، والطبع للقتل كذلك الاشتهاء للسرقة، وإنه لمن المدهش حقاً أن نلاحظ أن الأمور التي تنهانا عنها هذه الوصية كي لا نشتهيها، تتمشى حتى مع عصرنا الحاضر- ففي هذه الأيام التي فيها تعم الشكوى من النقص في البيوت والخدم، نرى من يشتهي بيت الجيران، وخدم الجيران، ولولا طمع الرجال في زوجات جيرانهم، لما امتلأت محاكم الطلاق إلى هذا الحد، ويقول الرسول بولس: "الطمع الذي هو عبادة الأوثان" (كولوسي 3: 5) ونرى مقابله "وأما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة" (1 تيموثاوس 6: 6).

إن في إعادة ودرس هذه الوصايا، كشف القناع عن قائمة طويلة من الخطايا، فإن أشياء كثيرة تحدث بعيداً عن أنظارنا، وتحت سطح حياتنا، وفي خفايا عقولنا، لا يمكن للعالم أن يراها، والتي نحاول أن نخفيها عن أنفسنا، ولكن الله يرى جميع هذه الأشياء.. لأن عينيه تخترقان أستار الظلام، "وليست خليقة غير ظاهرة قدّامه بل كل شيء مكشوف لعيني ذاك الذي معه أمرنا" (عبرانيين 4: 13) فإنه يرانا على حقيقتنا، وتكشف شريعته مدى اتساع خطايانا وخطورتها، والواقع أن غرض الناموس هو كشف الخطية، لأن "بالناموس معرفة الخطية" (رومية 3: 20).

لما كان سبرجون- أمير الوعاظ- في الرابعة من عمره تملّكه تبكيت شديد على خطيته، كان قد بدأ معه وهو في العاشرة وقد سيطرت عليه فكرتان، ملأتاه بالرعب والتوبة هما: "جلال الله وشناعة خطاياي" كما قال وقد سحقته فكرة عدم استحقاقه فقال: "إنني لا أتردد في قولي، إن من يفحص حياتي لن يرى فيها أية خطية خارقة للعادة، ولكن عندما نظرت إلى نفسي، رأيت فيها خطية مرعبة ضد الله. ولم أكن مثل باقي الأولاد الكذّابين الخائنين الحالفين وهكذا.. ولكن على حين غرة، تقابلت مع موسى، يحمل الشريعة أي وصايا الله العشر.. وسرعان ما قرأتها حتى رأيت أن جميعها تدينني أمام عيني الله المثلث الأقانيم".. وهكذا هو الحال معنا، لن يبكّتنا على خطايانا شيء كما تبكتنا شريعة الله البارة".

الصفحة
  • عدد الزيارات: 8575