Skip to main content

إمكانية الحياة المنتصرة - الأمثلة الكتابية للحياة المنتصرة

الصفحة 3 من 3: الأمثلة الكتابية للحياة المنتصرة

 

الأمثلة الكتابية للحياة المنتصرة

في دراستنا لأي تعليم كتابي يجدر بنا أن نسأل هذا السؤال:

هل هناك أناس من البشر، تحت الآلام مثلنا استطاعوا أن يحيوا هذا التعليم؟

وهنا ونحن نتحدث عن حياة القداسة العملية، الحياة المنتصرة يجدر بنا أن نسأل: هل هناك أناس سجل الكتاب المقدس قصة حياتهم عاشوا الحياة المنتصرة؟

إذا وجدنا أناساً عاشوا الحياة المنتصرة، إذاً ففي استطاعتنا إذا عرفنا سر هذه الحياة أن نعيش الحياة المنتصرة مثلهم. وإذاً فلا عذر لنا أن نعيش حياة الهزيمة، والفتور والارتداد متعللين بأننا بشر ضعفاء لا نستطيع أن نحيا الحياة الغالبة.

فلندخل الآن إلى القاعة التاريخية لكي نرى فيها أمثلة لأولئك الذين عاشوا وهم على أرضنا، محاطين بالتجارب والإغراءات، معرضين للضغوط والاضطهادات- حياة ظافرة منتصرة.

يوسف الذي انتصر على الجسد والشيطان

هذا هو يوسف ابن يعقوب

أحاطت به ظروف قاسية غاية القسوة لو استسلم لها لدفعته للشك في وجود الله، أو في القليل للشك في محبة الله وعناية الله..... بل لألقت به مستسلماً في أحضان الشهوات الشبابية.

لقد عاش يوسف مدللاً في بيت أبيه وكان ابن راحيل التي أحبها أبوه، وماتت أمه فأغدق عليه أبوه كل الحب في قلبه "وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه لأنه ابن شيخوخته. فصنع له قميصاً ملوناً" (تك 37: 3).

وفي السابعة عشرة من عمره باعه إخوته الذين حسدوه وأبغضوه للاسماعيليين بعشرين من الفضة، وأخذه الاسماعيليون إلى مصر حيث اشتراه فوطيفار رئيس البوليس.

لقد صار الشاب المدلل عبداً "بيع يوسف عبداً" (مز 105: 17).

"وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر" (تك 39: 6).

وبينما هو في سن الشباب الباكر، سن فورة الجسد، وحيوية الشباب، بعيداً عن أبيه الذي أغدق عليه الحب والحنان...... بعيداً عن وطنه..... غريباً في أرض مصر، أرض الوثنية التي كانت تعبد وقتئذ إيزيس وأوزوريس وحورس..... حراً من كل رقابة بشرية...... لا أحد يرعاه أو يسنده أن يشجعه أو يعضده..... في هذه الظروف القاسية الحالكة الظلام تعرض يوسف بكيفية مغرية وبتكرار ملح لخطية الزنا.

"وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيدة رفعت عينيها إلى يوسف وقالت اضطجع معي. فأبى وقال لامرأة سيده هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت وكل ما له قد دفعه إلى يدي. ليس هو في هذا البيت أعظم مني. ولم يمسك عني شيئاً غيرك لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله. وكان إذا كلمت يوسف يوماً فيوماً أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها" (تك 39: 7-10).

لقد حاولت امرأة فوطيفار أن تغوى يوسف ليضطجع معها، لكن الشاب الغريب أبى" ....وكلمة "أبى" معناها أنه "رفض بترفع".... وكأنه يقول "أنا ابن إبراهيم خليل الله..... وابن إسحق رجل السلام.... وابن يعقوب الذي ظهر له الله..... أنا أسقط في خطية الزنا... حاشا...."كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله".

القرن العشرين جعل خطية الزنا شيئاً سهلاً، وأعطاها مسميات ناعمة جميلة.... ولكن يوسف نظر إلى خطية الزنا وكان هذا قبل أن أعطى الله لموسى الوصايا العشر...... على أنها "شر عظيم" ، وخطية موجهة ضد الله.....

وأبى أن يستسلم لإغراء هذه المرأة الوقحة الوجه.

أبى أن يستسلم لخطية الزنا مع إلحاح المرأة عليه

عاش يوسف حياة منتصرة على شهوة الجسد.

وأعظم ما نراه في نصرة يوسف هو مقاومته العنيدة لإلحاح امرأة فوطيفار.... فالإلحاح كثيراً ما يضعف المقاومة، ويدفع المرء للاستسلام... أما يوسف فنقرأ عنه "وكان إذا كلمت يوسف يوماً فيوماً أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها" (تك 39: 10).

لقد عمل أعظم عمل حين "هرب" ذلك لأن الهرب هو المخرج السلطاني من خطية الزنا "اهربوا من الزنا. كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد. لكن الذي يزنى يخطئ إلى جسده" (1كو 6: 18).

وانتقل يوسف إلى ميدان آخر من ميادين الانتصار اغتاظت امرأة فوطيفار من رفضه بإصرار أن يستسلم لغوايتها "وكان لما رأت أنه ترك ثوبه في يدها وهرب إلى خارج. أنها نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة انظروا "قد جاء إلينا برجل عبراني ليداعبنا. دخل إليّ ليضطجع معي فصرخت بصوت عظيم. وكان لما سمع أني رفعت صوتي وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب وخرج إلى خارج. فوضعت ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته. فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة: دخل إلى العبد العبراني الذي جئت به إلينا ليداعبني. وكان لما رفعت صوتي وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب إلى خارج. فكان لما سمع سيده كلام امرأته.... أن غضبه حمى، فأخذ يوسف سيده ووضعه في بيت السجن المكان الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه. وكان هناك في بيت السجن" (تك 39: 13-20).

مسكين هذا الشاب البريء "آذوا بالقيد رجليه. في الحديد دخلت نفسه" (مز 105: 18).

وفي بيت السجن تعرض يوسف لسهام الشرير الملتهبة تعرض لصراع رهيب مع قوات الظلام!!

كان الشيطان يرسل سهامه إليه.... ماذا استفدت من حياتك الطاهرة؟ إلى أين أتت بك هذه الحياة الأمينة النظيفة؟ أما كان الأجدى لك أن تستسلم لغواية هذه المرأة؟ أين إلهك الذي تمسكت به، ورفضت بإباء أن تخطئ إليه؟ لماذا لم ينقذك؟ لماذا سمح بسجنك؟ لماذا تركهم أن يؤذوا بالقيد رجليك؟ أين محبة إلهك؟ أين قدرته؟ أين سلطانه؟ أين عنايته؟

في اعتقادي أن مثل هذه الأفكار السامة، الملتهبة أرسلها الشيطان إلى عقل يوسف.... ولكن يوسف انتصر على سهام الشرير الملتهبة.

وها نحن نستمع إلى أبيه يعقوب وهو يتحدث إليه بكلمات لها رنين عذب، وموسيقى تعزف أجمل الألحان، فيقول له وهو يباركه قبل موته "يوسف غصن شجرة مثمرة غصن شجرة مثمرة على عين. أغصان قد ارتفعت فوق حائط. فمررته ورمته واضطهدته أرباب السهام.

ولكن ثبتت بمتانة قوسه وتشددت سواعد يديه. من يدي عزيز يعقوب من هناك من الراعي صخر إسرائيل. من إله أبيك الذي يعينك ومن القادر على كل شيء الذي يباركك تأتي بركات السماء من فوق وبركات الغمر الرابض تحت. بركات الثديين والرحم. بركات أبيك فاقت على بركات أبوي. إلى منية الأكام الدهرية تكون على رأس يوسف وعى قمة نذير إخوته" (تك 49: 22-26).

لقد انتصر يوسف في ميدانين، ميدان الشهوات الشبابية، وميدان الصراع مع القوات الشيطانية. ولأنه انتصر على الشهوات الشبابية أعطيت له البكورية التي فقدها رأوبين باستسلامه لهذه الشهوات "وبنو رأوبين بكر إسرائيل فلم ينسب بكرا" (1 أخ 5: 1).

إن الهزيمة تفقد المؤمن الكثير من امتيازاته في المسيح، ولقد فقد رأوبين بكوريته بسبب استسلامه لشهوته إذ نقرأ عنه "أن رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سرية أبيه. وسمع إسرائيل" (تك 35: 22). ولم ينس أبوه هذه السقطة له فقال له وهو على فراش الموت "رأوبين أنت بكرى قوتي وأول قدرتي فضل الرفعة وفضل العز. فائزاً كالماء لا تتفضل. لأنك صعدت على مضجع أبيك. حينئذ دنسته. على فراشي صعد" (تك 49: 3، 4).

ما أعظم الفرق بين الغالب والمغلوب!! بين من يعيش حياة النصرة ومن يستسلم للهزيمة!!

لقد عاش يوسف حياة النصرة.

موسى الذي انتصر على إغراءات العالم

يكشف كاتب الرسالة إلى العبرانيين الستار عن الحياة التي عاشها موسى بالكلمات "بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون. مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية. حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظر إلى المجازاة" (عب 11: 24-26).

ويلفت نظرنا في هذا النص كلمة "لما كبر" أي لما وصل إلى سن النضوج. والرجولة الواعية، رفض بترفع أن يدعى ابن ابنة فرعون، واختار أن يذل مع شعب الله، وكلمة "مفضلاً" ترينا أنه قام بعملية موازنة، وكأنه قال لنفسه: أيهما أفضل لك يا موسى أن تدعى ابن ابنة فرعون وتستمر في القصر الفرعوني متمتعاً بخطاياه وملذاته؟ أو أن ترفض هذه الأمومة الفرعونية لتذل مع الشعب الذليل الذي يعذبه المسخرون؟! ووصل إلى قرار عجيب وهو أنه فضل أن يذل مع شعب الله، وقاده هذا القرار إلى حسبان "الصليب" وهو "عار المسيح" غنى أعظم من خزائن مصر..... وهكذا انتصر تماماً على إغراءات العالم الحاضر.

وكان موسى حكيماً في قراره..... وكان عظيماً في انتصاره.....

منذ عدة سنوات زرت حجرة المومياء بالمتحف المصري، وهي التي تحفظ فيها أجساد الفراعنة المحنطة.... ويعجب الزائر حين يتفحص هذه الأجساد التي مرت عليها آلاف السنين وما زالت بشعرها، وأظافرها، وأسنانها، وجلدها. كيف استطاع المصريون أن يقوموا بهذه المعجزة العلمية التي دفنوها في صدورهم؟ لا أحد يدري!! في حجرة المومياء رأيت جثة رعمسيس ويقال أنه فرعون الذي غرق في البحر الأحمر.... كما رأيت جثث فراعنة آخرين لا أذكر أسماءهم.... لم تكن جثة موسى بين هذه الجثث المحنطة.... لقد ذهب إلى مكان بهى سماوي، وتمجد بمجد أعظم من كل مجد أرضي، وقد ظهر بهذا المجد مع إيليا النبي فوق جبل التجلي حيث صعد يسوع وبطرس ويعقوب ويوحنا "وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا. اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم" (لو 9: 30، 31).

لقد عاش موسى الحياة المنتصرة، ووصل إلى النهاية التي يصل إليها الغالبون المنتصرون.

راعوث التي انتصرت على الوثنية، والمأساة، والارتباطات العائلية

راعوث كانت فتاة موآبية، والناموس يقول "لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب. حتى الجيل العاشر لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد" (تث 23: 3)....ولكن راعوث انتقلت من منطقة الناموس إلى منطقة النعمة واستطاعت لا أن تدخل إلى جماعة الرب فقط بل أن تكون الجدة الكبرى ليسوع المسيح. ذلك لأنها آمنت بالإله الحي الحقيقي واختارته إلهاً لها.

وقصة راعوث تبدأ بهجرة أسرة عبرانية إلى أرض موآب، دفعها الجوع إلى الهجرة وكان في الأسرة ولدان محلون وكليون، وكان اسم الأب أليمالك واسم امرأته نعمى. ومات أليمالك رجل نعمى وبقيت هي وابناها في أرض موآب، وعصت نعمى وصية الرب "لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب" (تث 23: 3) "احترزوا من أن تأخذ من بناتهم لبنيك. فتزنى بناتهم وراء آلهتهن ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن" (خر 24: 15، 16) فزوجت ابنيها محلون وكليون فتاتين من بنات موآب هما عرفة وراعوث، وأقاما في موآب نحو عشر سنين، وامتدت يد الرب بالتأديب على الأسرة العاصية فمات محلون وكليون ذهبت الأسرة للبحث عن الخبز ولكنها وجدت في موآب القبور.

ورأت نعمى نفسها بغير رجلها وابنيها فقامت لتعود إلى أرضها، وقالت نعمى لكنتيها اذهبا ارجعا كل واحدة إلى بيت أمها "وليصنع الرب معكما إحساناً كما صنعتما بالموتى وبي. وليعطكما الرب أن تجدا راحة كل واحدة في بيت رجلها..... ثم رفعن أصواتهن وبكين أيضاً. فقبلت عرفة حماتها أما راعوث فلصقت بها" .

وهنا قالت نعمى لراعوث أن ترجع وراء سلفتها التي رجعت إلى شعبها وآلهتها، لكننا نسمع راعوث تقول لحماتها "لا تلحي عليّ أن أتركك وأرجع عنك لأنه حيثما ذهبت أذهب وحيثما بت أبيت. شعبك شعبي وإلهك إلهي. حيثما مت أموت وهناك أندفن. هكذا يفعل الرب بي وهكذا يزيد. إنما الموت يفصل بيني وبينك (را 1: 16، 17).

والآن دعنا نقف متأملين موقف هذه المرأة العظيمة، ونسأل: هل كانت راعوث تطمع في مكسب مادي من وراء اختيارها لإله إسرائيل والتصاقها بحماتها، وحبها العجيب لها؟ يقيناً لا .....

فنعمى قد قالت لكنتيها بوضوح "ارجعا يا بنتي.... لماذا تذهبان معي؟ هل في أحشائي بنون بعد حتى يكونوا لكما رجالاً؟ ارجعا يا بنتي واذهبا لأني قد شخت عن أكون لرجل. وإن قلت لي رجاء أيضاً بأني أصير هذه الليلة لرجل والد بنين أيضاً. هل تصبران لهم حتى يكبروا. هل تنحجزان من أجلهم عن أن تكونا لرجل. لا يا بنتي فإني مغمومة جداً من أجلكما لأن يد الرب قد خرجت عليّ" (را 1: 11-13).

إذاً فلم يكن هناك غرض مادي وراء اختيار راعوث ويقيناً أن اختيارها أن يكون الله الحي الحقيقي إلههاً. هو اختيار يثير الإعجاب. فهي قد فقدت رجلها وهي في سن الشباب، وكان من الممكن أن تدفعها المأساة إلى رثاء النفس، والشك في وجود إله يعتني ويحب، ولكنها رغم مأساة موت زوجها تركت آلهتها واختارت عبادة الإله الحق وقالت لحماتها "إلهك إلهي"، اختارت الله لما هو في ذاته لا لأجل عطاياه وكأنها تقول مع أيوب "الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً" (أى 1: 21).

وقصة راعوث هي قصة حب من نوع فريد، حب ليس بين شاب وفتاة، بل بين امرأة وامرأة..... والعجب فيه أنه بين كنة وحماتها.

فراعوث لم تكتف باختيار الله الحقيقي إلهاً لها، وإنما التصقت في شيخوختها، وأظهرت كل العناية بها، وها هو بوعز يقول لراعوث "إنني قد أخبرت بكل ما فعلت بحماتك بعد موت رجلك حتى تركت أباك وأمك وأرض مولدك وسرت إلى شعب لم تعرفيه من قبل. ليكافئ الرب عملك وليكن أجرك كاملاً من عند الرب إله إسرائيل الذي جئت لكي تحتمي تحت جناحيه" (را 1: 11، 12).

لقد انتصرت راعوث على كل الروابط العائلية، فلم تمنعها هذه الروابط من الذهاب إلى شعب لم تعرفه لتحتمي تحت جناحي الإله الحي.

ومع أن راعوث كانت هي العائلة الوحيدة لحماتها، لكنها وضعت نفسها بكل رضى تحت قيادتها.

تعود من عملها في حقل بوعز في المساء، وتسألها حماتها التي كانت تحبها وترعى حياتها، أين التقطت اليوم وأين اشتغلت؟ ليكن الناظر إليك مباركاً" (راعوث 2: 19) ولا نسمع كلمة تأفف من راعوث ولا عبارة تنم عن الضيق من سؤال حماتها التي سألتها عن تحركاتها. بل بكل أمانة نسمعها تجيب حماتها بكل تفاصيل يومها. وتستمع إلى نصيحتها وهي تقول لها "أنه حسن يا بنتي أن تخرجي مع فتياته حتى لا يقعوا بك في حقل آخر" (را 2: 22).

وهكذا انتصرت راعوث في ميدان الألم، وانتصرت في ميدان العمل، وانتصرت في ميدان الحب القوي....

وهكذا وصلت بترتيب إلهي بديع إلى الزوج الذي أسعدها وعوض لها عن مأساتها، ومن بوعز الذي تزوجها جاء عوبيد، ومن عوبيد جاء يسى، ومن يسى جاء داود الملك، ومن داود الملك جاء المسيح.

ويسترعى انتباهنا في إنجيل متى الأصحاح الأول أسماء أربع نساء....ثامار، وراحاب، وراعوث، وبثشبع.... لكن المرأة الوحيدة بين هؤلاء النساء اللواتي نراهن في سلسلة نسب المسيح، والتي يشهد الوحي عنها أنها "امرأة فاضلة، هي راعوث، وهذا ما سجله عنها بوعز الذي تزوجها إذ قال لها "أنك مباركة من الرب يا بنتي لأنك قد أحسنت معروفك في الأخير أكثر من الأول إذا لم تسعى وراء الشبان فقراء كانوا أو أغنياء والآن يا بنتي لا تخافي. كل ما تقولين أفعل لك. لأن جميع أبواب شعبي تعلم أنك امرأة فاضلة" (را 3: 10، 11).

هذا قصة امرأة عاشت الحياة المنتصرة، وألقت بأوثانها بعيداً واختارت الحياة للإله الحي.

بولس الذي انتصر على أخطار الخدمة

لقد كان بولس قبل أن يعرف الرب يسوع المسيح ويقبله مخلصاً لنفسه "مجدفاً ومضطهداً ومفترياً" (1 تى 1: 13) لكنه بعد إيمانه القلبي بالمسيح، أصبح المسيح "ربا" لحياته، وأصبح بولس إناء مختاراً ليحمل اسم المسيح أمام أمم وملوك وبني إسرائيل.

ولقد عاش بولس الحياة المنتصرة، وتمثل بالمسيح وقال للمؤمنين "كونوا متمثلين بي كما أنا أيضاً بالمسيح" (1 كو 11: 1).

وفي سبيل حبه للمسيح، وخدمته له تحمل الآلام، والاضطهادات، وجاز الكثير من الأخطار، استمع إليه وهو يستعرض سلسلة آلامه واضطهاداته، والأخطار التي مر بها:

"أهم خدام المسيح؟ أقول كمختل العقل. فأنا أفضل في الأتعاب أكثر. في الضربات أوفر. في السجون أكثر في الميتات مراراً كثيرة. من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة. ثلاث مرات ضربت بالعصى، مرة رجمت. ثلاث مرات انكسرت بي السفينة، ليلاً ونهاراً قضيت في العمق. بأسفار مراراً كثيرة. بأخطار سيول. بأخطار لصوص. بأخطار من جنسي. بأخطار من الأمم. بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية. بأخطار في البحر. بأخطار من إخوة كذبة. في تعب وكد. في أسهار مراراً كثيرة. في جوع وعطش. في أصوام مراراً كثيرة. في برد وعري. عدا ما هو دون ذلك التراكم عليّ كل يوم. الاهتمام بجميع الكنائس. من يضعف وأنا أضعف. من يعثر وأن لا ألتهب" (2كو 11: 23-37).

لقد عاش بولس هذه الحياة القاسية المشحونة بالأخطار لكنه اختبر عملياً ما قاله في رسالته إلى أهل رومية "ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا" (رو 8: 37).

وعندما وصل إلى ختام رحلة حياته المنتصرة الظافرة كتب إلى تيموثاوس يقول "فإني أنا الآن أسكب سكيباً ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان. وأخيراً قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل ولجميع الذي يحبون ظهوره أيضاً" (2 تيموثاوس 4: 6-8).

الأحداث الذين انتصروا على الشرير

الأحداث هم الشباب.... وزمن الشباب هو زمن التجارب والإغراءات والسقطات، حتى أن أيوب يردد في مأساته الكلمات "لأنك كتبت على أمورا مرة وورثتني آثام صباي" (أى 13: 26).

ولكننا هنا نجد أحداثاً يكتب إليهم يوحنا الرسول قائلاً: "أكتب إليكم أيها الأحداث لأنكم قد غلبتم الشرير....كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير" (1يو 2: 12، 14). ويقول يوحنا لهؤلاء الأحداث المعرضين لإغراءات العالم: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الأب. لأن كل في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1يو 2 : 15-17).

إن هناك إمكانية للنصرة على الشرير، وعلى العالم الذي خضع لسلطانه،  وهذه النصرة ليست للشيوخ فقط بل للأحداث. للشباب الذي يقول لهم يوحنا "لأنكم أقوياء.... وكلمة الله ثابتة فيكم... وقد غلبتم الشرير" .

أبطال الإيمان الذين انتصروا في ظروف مختلفة

يعتبر الأصحاح الحادي عشر من الرسالة إلى العبرانيين قاعة عرض للرجال والنساء الذين عاشوا حياتهم بالإيمان، وبهذا الإيمان انتصروا في مختلف الظروف، وتحت مختلف الضغوط.

وهنا يجدر بنا أن نلتفت إلى حقيقة كثيراً ما تغيب عن أذهان الكثيرين، وهي أن إيمان الخلاص ليس هو إيمان الحياة اليومية، أو بتعبير آخر أن كمية الإيمان التي بها خلصنا، ليست هي نفس الكمية التي بها نعيش في مختلف ظروف وأزمات حياتنا.

فإيمان الخلاص يتساوى فيه جميع القديسين بغير استثناء كما يقول بطرس الرسول "سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيماناً ثميناً مساوياً لنا ببر إلهنا والمخلص يسوع المسيح" (2بط 1: 1) فنفس كمية ونوعية الإيمان الذي به خلص بطرس الرسول، هي الكمية والنوعية التي خلص بها كل قديس في المسيح

أما الإيمان الذي به نواجه متاعبنا، وآلامنا، وتجاربنا، وضغوط الحياة اليومية.... فهو يختلف باختلاف درجة ثقتنا في الرب، واتكالنا عليه التوكل الجزئي أو الكلي.

والعهد الجديد يرينا صوراً واضحة لدرجات هذا الإيمان.

-فمرة قال الرب للتلاميذ الخائفين في السفينة "ما بالكم خائفين هكذا. كيف لا إيمان لكم" (مر 4: 40).

-ومرة قال لبطرس الذي خاف من شدة الريح وابتدأ يغرق "يا قليل الإيمان لماذا شككت" (مت 14: 31).

-ومرة قال للمرأة الكنعانية التي لجأت إليه ليشفي ابنتها من الجنون "يا امرأة عظم إيمانك. ليكن لك كما تريدين" (مت 15: 28).

-ومرة قال عن قائد المئة الذي أتى إليه ليشفي غلامه "الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا" (مت 8: 10)

-ويكتب بولس للقديسين في رومية قائلاً "ومن هو ضعيف في الإيمان فاقبلوه لا لمحاكمة الأفكار" (رو 14: 1).

+ فهناك من يواجهون أزمات الحياة- "بلا إيمان".

+ وهناك من يواجهون زوابع وأمواج الحياة بدرجة "قليل الإيمان".

+وهناك من يواجهون الحياة بدرجة "عظيم الإيمان" .

+ وهناك من يواجهون أزمات الحياة بدرجة "إيمان لا نظير له".

+وهناك المؤمن "ضعيف الإيمان" .

          والحياة المنتصرة، هي حياة الإيمان، وهي تتطلب مقداراً عظيماً من الإيمان لتواجه به الاضطهادات، والأزمات والأمراض المستعصية العلاج، والانحرافات التي قد يقع فيها بعض أفراد الأسرة، والضغوط التي تأتي من داخل ومن خارج.

وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يكتب لنا قائمة عن أناس امتلأوا بالإيمان العظيم فعاشوا الحياة المنتصرة في مختلف الميادين فيقول:

"وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت إن أخبرت عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء. الذين بالإيمان قهروا ممالك صنعوا براً نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود. أطفأوا قوة النار نجوا من حد السيف تقووا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء. أخذت نساء أمواتهن بقيامة. وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل. وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضاً وحبس. رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلاً بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزى معازين مكروبين مذلين. وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم. تائهين في براري وجبال، ومغاير وشقوق الأرض" (عب 11: 32-38).

هذه الأمثلة المتعددة:

+ يوسف الذي انتصر على شهوة الجسد وسهام الشيطان.

+ موسى الذي انتصر على إغراءات العالم وخزائن مصر.

+ راعوث التي انتصرت على الوثنية، والمأساة، والروابط العائلية.

+ بولس الذي انتصر على أخطار الخدمة.

+ الأحداث الذين انتصروا على الشرير.

+ أبطال الإيمان الذين انتصروا في أحلك الظروف.

كل هؤلاء يؤكدون لنا أن الحياة المنتصرة ممكنة عملياً، يمكن للمؤمن أن يعيشها، ويتذوق حلاوتها. وفي ذات الوقت يبطل هؤلاء المنتصرون بحياتهم الظافرة كل حجة يحتج بها الكثيرون من المؤمنين ليعيشوا حياة الهزيمة.

ولهذا يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين بعد استعراض هؤلاء الأبطال الذين عاشوا بالإيمان ظافرين، بل وأكثر من منتصرين.

"لذلك نحن أيضاً إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا. ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكملة يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي فجلس في يمين عرش الله...... فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم" (عب 12: 1-3).

الصفحة
  • عدد الزيارات: 9819