كيفية الحصول على الحياة المنتصرة
تحدثنا في الفصلين السابقين عن ماهية الحياة المنتصرة، وعن إمكانية الحياة المنتصرة. ورأينا أن الحياة المنتصرة متعددة الجوانب فهي تشمل العقل، والجسد، والعالم، والشيطان، وضغوط الحياة،
وحياة القداسة العملية، وحياة السلام القلبي والعقلي، والحياة الكنسية.
وبما أن الحياة المنتصرة تشمل كل هذه الجوانب، فلا بد أن تكون هناك القوة التي تمكننا من اختبار حياة الانتصار في كل جانب.
إن من أشد ما يحزن المؤمن في حياته، اختباره وإحساسه بوجود الخطية في حياته، فهو يوماً فوق الجبل واليوم التالي في أسفل الوادي.... يوماً في الأصحاح الثامن من رسالة رومية يهتف مردداً "لأن ناموس روح الحياة في المسيح قد اعتقني من ناموس الخطية والموت" (رو 8: 2) وفي اليوم التالي يجد نفسه في الأصحاح السابع يصرخ قائلاً "ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو 7: 24).
يوماً في أرض الموعد يأكل من غلتها ويتمتع بنسيمها العليل، وفي اليوم التالي في البرية تحترق قدماه من رمالها. يوماً في العلو وفي اليوم التالي في الهبوط.
لكن هذا الاختبار المحزن لا يجب أن يكون اختبار المؤمن المفدى بدم المسيح، لقد رأينا بوضوح تام أشخاصاً عاشوا على الأرض الحياة المنتصرة- رأينا يوسف، وموسى، وراعوث، وبولس، وأبطال الإيمان العظام.
وإذاً فالحياة المنتصرة ممكنة ومادامت ممكنة فالسؤال الذي يجب أن نجيب عليه هو:
كيف أستطيع الحصول على الحياة المنتصرة؟
وأول خطوة يجب أن تخطوها للحصول على الحياة المنتصرة هي:
1- أعرف خطيتك واعترف بها.
هناك نوعان من الخطايا.....الخطايا الظاهرة، والخطايا المستترة.
+ الخطايا الظاهرة هي الخطايا التي تراها العين وتسمعها الأذن هي الزنى، والقتل، والسكر، والبطر، والكلام القبيح، السب والشتيمة.
+ أما الخطايا المستترة فهي الخطايا التي لا تراها العيون ولا تسمعها الآذان....... إنها الحسد. الخبث، المكر، الحقد، الكراهية، عدم الغفران، والقلق، الرياء، الأفكار الشريرة النميمة، تجريح الآخرين، الخطايا السرية. ولأجل هذا النوع من الخطايا صلى داود قائلاً" "من الخطايا المستترة أبرئني" (مز 19: 20).
وأول ما يجب عليك أن تعمله هو أن تعرف خطيتك.
"اعرفي فقط إثمك أنك إلى الرب إلهك أذنبت وفرقت طرقك للغرباء تحت كل شجرة خضراء ولصوتي لم تسمعوا يقول الرب" (إر 3: 13).
وبعد أن تعرف خطيتك، عليك أن تعترف بها وتتركها وأقول "تتركها" لأن الاعتراف لا يجدي ما دمت مصراً على الاستمرار في خطاياك.
"من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم" (أم 28: 31).
لقد صور داود إحساسه حينما امتنع عن الاعتراف بخطيته للرب فقال: "لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله. لأن يدك ثقلت عليّ نهاراً وليلاً. تحولت رطوبتي إلى يبوسه القيظ. أعترف بخطيتي ولا أكتم إثمي. قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي" (مز 32: 3-5).
لذلك نادى هوشع النبي الشعب الإسرائيلي المرتد قائلاً" "ارجع يا إسرائيل إلى الرب إلهك لأنك قد تعثرت بإثمك. خذوا معكم كلاماً وارجعوا إلى الرب. قولوا له ارفع كل إثم واقبل حسناً فنقدم عجول شفاهنا" (هو 14: 1، 2).
وما الذي سيحدث حين تعترف للرب بخطيتك؟ يجيب يوحنا الرسول:
"وإن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يو 1: 9).
فالله أمين يكتم سر من يعترف له.
وهو عادل أخذ حق عدله في صليب المسيح.
ولذا فهو يغفر خطايا المعترف، ويطهره من كل إثم بدم ابنه الكريم "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (ايو 1: 7).
أننا يجب أن نضع في بالنا أن الله يكره الخطايا المستترة كما يكره الخطايا الظاهرة تماماً، وأنه يريد أن يطهرنا من كل خطية، أي من الخطايا الظاهرة والمستترة على السواء.
هناك قصة تقال عن سيدة متقدمة في الأيام اشتهرت بضبط نفسها، كانت تسير ذات يوم مع شاب وإذا بشخص يقابلهما ويوجه إلى السيدة ألفاظاً خشنة، فظة، جارحة..... لكن السيدة ظلت هادئة ولم تفارق الابتسامة شفتيها. سألها الشاب المرافق لها: كيف استطعت الاحتفاظ بابتسامتك وأنت تسمعين هذه الكلمات الخشنة الجارحة؟ نظرت إليه السيدة وقالت: "أنت لا تدري قوة الغليان الذي في صدري.....
لقد كانت خطيتها "مستترة" مغطاة بابتسامة جميلة لكن الله يريد أن يخلصنا من الغليان في الصدر.... تماماً كما يريد أن يخلصنا من الغضب المتفجر.
2- قدم جسدك ذبيحة لله.
لكي نحصل على حياة النصرة عليك أن تقدم جسدك ذبيحة لله "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذه الدهر. بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة" (رو 12: 1، 2).
فلكي تختبر إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة عليك أن تقدم جسدك ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله.
وبولس يطالب المؤمنين أن يقوموا بهذا العمل مدفوعين بمراحم الله الغنية التي غمرتهم. وما هي هذه المراحم أو هذه الرأفات؟
التبرير (رو 3: 24)
الارتباط بالمسيح والاندماج بشخصه (1كو 15: 12)
الوجود تحت النعمة لا تحت الناموس (رو 6: 14)
سكنى الروح القدس (رو 8: 9)
المعونة في الضعف (رو 8: 26)
الاختيار الإلهي (رو 8: 18)
المجد العتيد (رو 8: 18)
استحالة فصلنا عن محبة المسيح (رو 8: 35، 39).
الثقة في أمانة الله (رو 11: 29)
وتقديم الجسد ذبيحة حية، يذكرنا بالعبد الذي يحب سيده ويرغب باختياره أن يخدمه مدى عمره.
"إذا اشتريت عبداً عبرانياً فست سنين يخدم وفي السابعة يخرج حراً مجاناً...... ولكن إن قال العبد أحب سيدي..... لا أخرج حراً. يقدمه سيده إلى الله ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب. فيخدمه إلى الأبد" (خر 21: 2، 5، 6).
فالمؤمن الذي يريد نوال حياة الانتصار عليه أن يقدم جسده ذبيحة حية، ذبيحة تقدم الحياة جديدة مكرسة بالتمام للرب لا ليسفك دمها كذبائح العهد القديم.
وعليه أن يقدم جسده ذبيحة مقدسة..... وما دامت هناك ذبيحة فلا بد أن يكون هناك مذبح، والمذبح الذي يقدم المؤمن المشتاق إلى حياة النصرة جسده عليه هو "صليب المسيح".
وقد احتل "الصليب" كمذبح مكاناً ممتازاً في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية.
ففي (غلاطية 2: 19، 20) نقرأ "لأني مت بالناموس للناموس لأحيا لله. مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه فيّ الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي".
وفي (غلاطية 6: 14) نقرأ "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم".
فصليب المسيح هو المذبح الذي عليه صُلب المؤمن وصُلب الجسد مع الأهواء والشهوات.
وصُلب العالم وصُلب للعالم. هذا هو المذبح الذي قال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين "لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا منه" (عب 13: 10).
وهنا يجدر بنا أن نعرف أن المسيح صُلب لأجل الخطية، أما نحن فنصلب عن الخطية.
كان صلب المسيح عملاً فدائياً.
أما صلب المؤمن مع المسيح فهو عمل وقائي.
وشتان بين الاثنين.
الموت الذي ماته المسيح لأجل خطايانا مرة واحدة ولا يمكن لأحد أن يشاركه هذا النوع من الموت.
أما صلب المؤمن جسده على الصليب فهو سر انتصاره.
فإذا كنت مشتاقاً لحياة النصرة عليك أن تقدم جسدك لله ذبيحة حية مقدسة مرضية عنده. واذكر أن تقديمك لجسدك ذبيحة على مذبح الصليب يجعلك مقدساً- أي مفرزاً ومخصصاً لله بالتمام- لأن كل ما مس المذبح يكون مقدساً كما قال الرب لموسى "سبعة أيام تكفر على المذبح وتقدسه. فيكون المذبح قدس أقداس كل ما مس المذبح يكون مقدساً" (خر 29: 27). أجل أن "المذبح يقدس القربان" (متى 23: 18).
لكن عليك أن تذكر أن تقديمك جسدك ذبيحة لله على مذبح الصليب ليس بالأمر السهل. فالذبيجة التي كان مقدمها يأتي بها إلى المذبح كانت تحاول التملص منه والهرب والعودة حيث كانت، وقد يحدث في اختبارك ذات الشيء فتحاول العودة إلى سابق حياتك، لذلك قال الرب "أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح" (مز 118: 27). فعليك أن توثق ذبيحتك بربط إلى قرون المذبح.
هناك رباط عزم القلب الذي طالب برنابا المؤمنين في أنطاكية أن يستخدموه "الذي لما أتى ورأى نعمة الله فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب" (أع 11: 23).
وهناك رباط محبة المسيح "لأن محبة المسيح تحصرنا إذ نحن نحسب هذا أنه أن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذاً ماتوا. وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام" (2كو 5: 14، 15).
وهناك رباط صليب المسيح "وأما من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم" (غل 6: 14).
وهناك رباط النظر إلى المجد العتيد "لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً" (2كو 4: 17)
إن تقديم الجسد ذبيحة حية مقدسة لله هو سر البركة في الحياة المسيحية، ويفيض بولس الرسول في شرح هذا التقديم فيقول "كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو 6: 11) ثم يستطرد قائلاً: "إذاً لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته، ولا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله" (رو 6: 12، 13) ويستمر في حديثه فيقول: "لأنه كما قدمتم أعضاءكم عبيداً للنجاسة والإثم للإثم هكذا الآن قدموا أعضاءكم عبيداً للبر لقداسة" (رو 6: 19)
وما هي البركة التي سوف تحصل عليها إذا قمت بهذا التقديم العظيم؟؟
"وأما الآن إذ أعتقتم من الخطية وصرتم عبيداً لله فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية" (رو 6: 22) فإذا أردت أن تعيش الحياة المنتصرة. وأن يكون لك ثمرك للقداسة....فقدم جسدك ذبيحة حية مقدسة على مذبح الصليب.
3- امتلئ بالمسيح ليظهر فيك محبته
حياة المحبة الكاملة هي الحياة المنتصرة، هي حياة الكمال الذي يطالبنا به الرب. وهذه الحياة السامية الفريدة لا تتركز في مجموعة مبادئ، أو فرائض كنسية، وإنما تتبلور في شخص المسيح، لأن الرب يسوع المسيح هو المحبة المتجسدة.
"في هذا هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1يو 4: 10)
وقد قال يسوع لتلاميذه "هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم. ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 12، 13).
"فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً الذي إذا كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس. وإذا وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى 2: 5-8).
لقد كان الرب يسوع المسيح هو المحبة المتجسدة، لكي نتمتع باختبار المحبة الكاملة يجب أن يحيا المسيح فينا حياته.
كتب بولس الرسول إلى المؤمنين في أفسس قائلاً: "بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح.... لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم. وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو. وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله" (أف 3: 14-19).
وحلول المسيح الذي يذكره بولس في هذا النص يختلف عن حلوله لحظة التجديد، إنه حلول يحتوي القلب كله ويمتلك الإرادة، والعواطف، والقوى العقلية ليمارس هو بذاته حياته فينا فندرك عظمة محبته الكاملة "الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد" (كو 1: 27)
+ والمحبة الكاملة تطرح الخوف فتمتلئ بالثقة والفرح "لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج لأن الخوف له عذاب وأما من خاف فلم يكتمل في المحبة" (1يو 4: 18) وبغير جدال أن المحبة الكاملة هي سبيلنا للحياة المنتصرة.
"لا تكونوا مديونين لأحد بشيء إلا بأن يحب بعضكم بعضاً لأن من أحب غيره فقد أكمل الناموس. لأن لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تشته وإن كانت وصية أخرى هي مجموعة في هذه الكلمة أن تحب قريبك كنفسك. المحبة لا تصنع شراً للقريب. فالمحبة هي تكميل الناموس" (رو 13: 8-10) لذلك أوصى الرب يسوع تلاميذه قائلاً "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً. كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً" (يو 13: 34)
+ إن مقياس الحب يظهر في الكلمات "كما أحببتكم أنا تحبون أنتم بعضكم بعضاً" فحب المسيح لنا هو مقياس حبنا لإخوتنا.
+ هذا النوع الجديد من الحب الإلهي لا بد أن يعطى لنا من فوق، لا بد أن يعطى لنا بالروح القدس "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو 5: 5).
+ هذا النوع الجديد هو ثمر وجود المسيح في القلب وسيادته على الحياة بجملتها.... إذا لا يكفي أن نقبله مخلصاً، بل يجب أن نتوجه ربا على الحياة كلها، وبهذا يظهر محبته عملياً فينا. وقد طلب يسوع في صلاته الشفاعية قائلاً: "أيها الآب البار أن العالم لم يعرفك. أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أرسلتني. وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو 17: 25، 26).
وحين يحل المسيح بالإيمان في قلوبنا، ويظهر محبته فينا عندئذ تتكمل المحبة فينا كما يقول يوحنا الرسول "الله لم ينظره أحد قط. إن أحب بعضنا بعضاً فالله يثبت فينا ومحبته قد تكملت فينا..... بهذا تكملت المحبة فينا أن يكون لنا ثقة في يوم الدين لأنه كما هو في هذا العالم هكذا نحن أيضاً" (ايو 4: 12، 17).
وهنا يواجهنا سؤال هام وخطير: هل يمكن للمحبة الكاملة أن تزيل الخطية من حياتنا فنمارس عملياً حياة النصرة؟
تعال معي لكي نرى هذه الإمكانية بصورة واضحة في دراستنا للأصحاح الثالث عشر من رسالة كورنثوس الأولى وهو الأصحاح المعروف باسم "أصحاح المحبة الحقيقية" يتحدث بولس في هذا الأصحاح عن المحبة الكاملة، أو بعبارة أدق عن حياة المسيح فينا. لأن المسيح هو الحب المتجسد، فيقول
"المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق. وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط أبداً" (1كو 13: 4-8)
والآن دعنا نتأمل المعاني التي تحتويها هذه الكلمات الثمينة:
1- المحبة تتأنى: أي تطرد التسرع من حياتنا، وتقودنا إلى التأني في الحكم على الآخرين إذا ما أوغر الناس صدورنا ضدهم.
2- المحبة ترفق: أي لا تترك مكاناً للقسوة والخشونة.
في تعاملنا مع الآخرين حتى إذا كفروا بما نوليهم من جميل وإحسان.
3- المحبة لا تحسد: أي لا تغار من نجاح الآخرين، ولا تشتهي أن تغتصب لنفسها ما لهم، ولا تغمطهم حقهم من التقدير والاستحسان إذا تفوقوا.
4- المحبة لا تتفاخر: فالذات تختفي بوجودها، فلا يوجد فيها مكان للاعتداد، والزهو، والغرور.
5-المحبة لا تنتفخ: فهي لا يمكن أن تتعظم إذاً لا مكان للكبرياء في القلب المحب.
6- المحبة لا تقبح: فهي تبحث عن الحسنات لا عن النقصات، ولا تغضب أحداً بأقوال نابية جارحة.
7- المحبة لا تطلب ما لنفسها: فهي خالية من الإثرة والأنانية وهي تفضل الآخرين على نفسها.
8-المحبة لا تحتد: أي ليست سريعة الغضب، فلا مكان للغضب غير المقدس فيها، وهي لا تحتج بالعصبية والتوتر لتفجير غضبها.
9-المحبة لا تظن السوء: فهي لا تتصور الشر أو الخيانة فيمن تحب، ولا تضمر عداء أو ضغينة.
10- المحبة لا تفرح بالإثم: فهي لا تشمت عند سقوط الآخرين، ولا يجذبها أو يسرها رواء العالم الكاذب ولا تفرح بالظلم الذي يحيق بالآخرين.
11- المحبة تفرح بالحق: أي تفرح بالحق الإلهي، وتفرح لنصرة الحق في أي مجال، وتفرح إذا ما نالت العدالة الإلهية حقها في الذين تحدوها.
12- المحبة تحتمل كل شيء: أي لا تتذمر كما تذمر الإسرائيليون مراراً أثناء رحلتهم في البرية، وتعرف كيف ومتى تصمت حتى يتمم الرب مشيئته.
13- المحبة تصدق كل شيء: فعدم الثقة لا مكان لها فيها، وعدم الثقة يحطم الشركة بين المؤمنين، والمحبة مملوءة ثقة ويقيناً.
14- المحبة ترجو كل شيء: فلا مكان لليأس أو القلق أو الاضطراب فيها لأنها مفعمة بالرجاء واليقين ولا مكان فيها للاستسلام المهزوم.
15- المحبة تصبر على كل شيء: فهي مشحونة صبراً واحتمالاً ولا مكان للتذمر والضجر والملل فيها.
16-المحبة لا تسقط أبداً: لأن مصدرها "الله" لا العواطف البشرية المتقلبة. لأن "الله محبة" .
إن هذه المحبة الكاملة هي سبيلنا لحياة النصرة، وهي امتيازنا حين نمتلئ بالمسيح ليحيا حياته فينافحيث توجد المحبة الإلهية تختفي الخطية.
4- تقو في الرب وفي شدة قوته:
يكتب بولس للقديسين في أفسس قائلاً "أخيراً يا إخوتي تقووا في الرب وفي شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس" (أف 6: 10، 11).
إن الحياة المنتصرة يجب أن تظهر في نصرتها على مكايد إبليس، وعلى كل خطط مملكته.
ويجب أن لا يغيب عن ذهننا أن مملكة إبليس منظمة تنظيماً متقناً ودقيقاً "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (اف 6: 12).
فإبليس يملك على مملكة من الدرجة الأولى في النظام وتحت قيادته يوجد "رؤساء" وهم الملائكة العظام الذين سقطوا معه والذين أخذوا مسئولية السيطرة على الحكومات كما قال الرجل اللابس الكتان لدانيال "فقال لي لا تخف يا دانيال لأنه من اليوم الأول الذي فيه جعلت قلبك للفهم ولإذلال نفسك قدام إلهك سمع كلامك وأنا أتيت لأجل كلامك. ورئيس مملكة فارس وقف مقابلي واحداً وعشرين يوماً" (دا 10: 12، 13).
وتحت قيادة وسيطرة إبليس يوجد "سلاطين" أي ملائكة ذوي سلطة كما قال ربنا لتلاميذه "ومتى قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما تقولون" (لو 12: 11).
وكما يوجد أصحاب سلطة بين البشر كذلك هناك "سلاطين" أصحاب سلطة بين الملائكة الساقطين.
وتحت قيادة إبليس يوجد "ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر" أي يوجد ملائكة هم الولاة على العالم المظلم يتحكمون فيه ويديرون دفة سياساته.
وتحت قيادة إبليس يوجد "أجناد الشر الروحية" وهم القوات التي تحت أمرة الشيطان ومكانهم السماويات.
والصراع مع مملكة الشيطان المنظمة صراع لا يعرف الراحة ولذا يقدم الرب لنا نوعين من السلاح "سلاح نلبسه" (أف 6: 11)، و"سلاح نحمله" (أف 6: 13). لكن هذا السلاح الكامل يتركز في شخص ربنا يسوع المسيح، فهو السلاح الذي نلبسه "البسوا الرب يسوع المسيح، ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات" (رو 13: 14).
وهو أيضاً السلاح الذي نحمله "حاملين فوق الكل ترس الإيمان" (أف 6: 16) وقد قال الرب لأبرام "لا تخف يا أبرام. انا ترس لك" (تك 15: 1). وقال داود في كلامه للرب "الله طريقه كامل..... ترس هو لجميع المحتمين به" (2صم 22: 31) "الرب صخرتي وحصني ومنقذي. إلهي صخرتي به أحتمي. ترسي وقرن خلاصي وملجأي" (مز 18: 2).
ففي مصارعتنا مع الشيطان الرب وحده هو سبيل نصرتنا، هذا نراه واضحاً حين تقرأ قصة مطاردة فرعون الذي هو رمز للشيطان للشعب القديم، فحين خاف الشعب وفزع وصرخ إلى الرب "قال موسى للشعب لا تخافوا قفوا وانظروا خلاص الرب الذي سيصنعه لكم اليوم.... الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر 14: 13، 14).
فالرب هو الذي يقاتل عنا حين ندخل في مصارعة مع الشيطان، ويقيناً أننا لا نستطيع النصرة بدونه، لأن الشيطان أقوى منا، وقد غرر بكثير من القديسين حين تحولت عيونهم عن الرب إذ نقرأ عن داود "ووقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصي إسرائيل" (1أخ 21: 1). وكذلك نقرأ عن بطرس حين أظهر يسوع لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم "فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب. لا يكون لك هذا. فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس" (مت 16: 22، 23).
لكن نصرتنا أكيده على الشيطان ونظامه المتقن إذا وثقنا تماماً في الرب "تقووا في الرب وفي شدة قوته" (أف 6: 10) "وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً" (رو 16: 20).
ويجدر بنا أن نضع في أذهاننا أنه في مصارعتنا مع إبليس لا يوجد مكان للهرب..... بل أن صراعنا معه يتطلب مقاومته لا الهرب منه. ولنذكر دوماً أنه مع أن الرب يأمرنا بالهرب من خطايا الجسد "اهربوا من الزنا" (1كو 6: 18) فإنه يطالبنا بالثبات في مصارعتنا مع الشيطان، ولا يقدم لنا في قائمة السلاح الكامل سلاحاً لظهورنا "من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا" (أف 6: 13).
وبطرس الرسول يقول "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط 5: 8، 9). فإبليس "خصمنا" وهو ليس أسداً بل يأتي في مظهر أسد لإرهابنا وعلينا لا أن نهرب منه فنعطيه فرصة ليطعننا في ظهورنا بل أن نقاومه راسخين في الإيمان بأن الرب إلهنا يقاتل عنا، ويسحقه تحت أرجلنا.
5- أملأ ذهنك بالأفكار المقدسة السامية:
هناك مصدران للأفكار الشريرة- القلب والشيطان. فالقلب أخدع من كل شيء وهو نجيس (إر 17: 9) ويقول الرب يسوع "لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة زنى فسق قتل. سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة تجديف كبرياء جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان" (مر 7: 21، 22).
والشيطان يحاول جاهداً السيطرة على الفكر، لأنه يعلم جيداً أن من يزرع فكراً يحصد عملاً، ولذا يحذر بولس المؤمنين في كورنثوس قائلاً "لئلا يطمع فينا الشيطان لأننا لا نجهل أفكاره" (2كو 2: 11). ويكتب للمؤمنين في أفسس فيقول "وأنتم إذا كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا. التي سلكتم فيها قبلاً حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء (وهذا اسم من أسماء الشيطان) الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية. الذين نحن أيضاً جميعاً تصرفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضاً" (أف 2: 1-3).
وعلينا أن نذكر دوماً أن الله يكره الأفكار الشريرة "هذه الستة يبغضها الرب وسبعة هي مكرهة نفسه. عيون متعالية لسان كاذب. أيد سافكة دماً بريئاً. قلب ينشىء أفكاراً رديئة.
أرجل سريعة الجريان إلى السوء. شاهد زور يفوه بالأكاذيب. وزارع خصومات بين إخوة" (أم 6: 16-19) "مكرهة الرب أفكار الشرير" (أم 15: 26).
وحين يتوب الخاطئ توبة حقيقية صادقة فلا بد أن يترك أفكاره "ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران" (أش 55: 7).
ولكي تنتصر في دائرة الفكر عليك أن تلاحظ ثلاثة أمور:
الأول: أن تفكر أفكاراً ايجابية بناءة سامية.
كما يقول بولس الرسول "أخيراً أيها الإخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا" (فى 4: 8).
فالمقياس الذي تقيس به مدى قداسة أفكارك هو هذا المقياس الإلهي السليم. فسل نفسك حين يخطر ببالك فكر لا تدري كيف تزنه. هل هذا الفكر يتفق مع الحق الإلهي؟ هل هو فكر جليل؟ هل هو فكر عادل؟ هل هو فكر طاهر؟ هل هو فكر مسر؟ هل يتركز فيما صيته حسن؟ هل يعمل على نشر الفضيلة ومدح حياة القداسة العملية؟
وأمام هذا الامتحان ستظهر حقيقة كل فكر يخطر بعقلك
ذات يوم زرت سيدة في مصر الجديدة.... السيدة مهذبة ومثقفة.... وأهم من كل شيء "مؤمنة بالرب" ..... لكنني لاحظت كآبتها العميقة الظاهرة على قسمات وجهها. سألتها عن سر كآبتها فأجابت:إنني اجتر ذكريات الماضي، وأفكر في مدى المعاملة القاسية التي عاملني بها أهل زوجي في السنوات الأولى من زواجي..... وذكريات هذه المعاملة تثير حزني وأشجاني وترسم خطوط الكآبة على وجهي......
فتحت الكتاب المقدس وقرأت لها فيلبي 4: 4-8. ثم سألتها: هل الأفكار التي تهاجمك بخصوص المعاملة الفظة التي عوملت بها في أهل زواجك أفكار مسرة؟ أجابت: بالقطع لا يوجد منها ما هو مسر. قلت: فلماذا تملئين فكرك بها.
صليت معها وخرجت..... وبعد أسبوع حمل إليّ البريد خطاباً بخطها الدقيق قالت فيه: "كم أشكر الله.... وأشكرك لأجل الآيات التي قرأتها لي من رسالة فيلبي، لقد عزمت بنعمة إلهي أن لا أسمح للذكريات المؤلمة أن تجد مكاناً في فكري.... وعندما تأتي لزيارتنا في المرة القادمة لن ترى أثراً لخطوط الكآبة في وجهي".
الثاني: أن تفكر في المسيح على الدوام كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين "لذلك نحن أيضاً إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا. ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكملة يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي فجلس في يمين عرش الله. فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم" (عب 12: 1-3).
وسيلة الانتصار في المعارك الفكرية أن نتفكر في ربنا يسوع المسيح. ذاك الذي وهو القدوس البار احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه مع أنه كان في قدرته أن يمحوهم في لحظة من فوق ظهر الأرض.
وتفكيرنا في المسيح سيرينا مدى صغر آلامنا بالنسبة لآلامه، فهو قد وصل إلى الموت موت الصليب، أما نحن فلم نقاوم بعد حتى الدم- أي حتى الموت مجاهدين ضد الخطية وحين نقارن آلامنا بآلامه تصغر آلامنا في عيوننا.
منش سنوات طويلة عاشت في القاهرة سيدة مؤمنة عرفناها باسم "مدام هارتونيان".... عاشت هذه الأخت شبابها الباكر وكانت بارعة الجمال، حياة عالمية..... وغرقت في كل أنواع اللذات الحسية، إلى أن جاء يوم تقابلت فيه مع الرب يسوع المسيح، ودخل المسيح قلبها فغير تماماً كل دوائر حياتها.....كان زوجها صيدلياً مؤمناً....أعطاها كل الحرية لتخدم الرب كما تشاء وقد استخدمها الرب في إنشاء عدد غير قليل من الاجتماعات المنزلية.
مات زوجها، وهاجر أولادها، وبقيت وحدها في شقة متواضعة بمصر الجيدة.
وذات يوم مرضت "الأخت هارتونيان" ولزمت فراشها من فرط ضعفها لمدة أيام. لم يفتقدها أحد، ولم يأت للسؤال عليها إنسان......وهاجمتها أفكار محزنة....وأحسست بالرثاء لنفسها......وبدأت تتساءل" ألا توجد أخت من اللاتي قادتهن للمسيح أحست بغيابها لتأتي وتهتم بها في مرضها....هل هذه هي نهاية أتعابها وخدمتها؟! وفي حزنها بدأت تعاتب الرب....وهنا قال لها الرب بصوته المنخفض الخفيف الرقيق: هل بصقوا في وجهك؟ أجابت: كلا يا رب؟ هل ضربوك على خدك؟ أجابت: كلا يا رب؟ هل استهزؤا بك؟ أجابت: كلا يا رب..... هل وضعوك على صليب وسمروا يديك ورجليك؟ وهنا بدأت تتفكر في المسيح، وفي آلامه واحتماله، وصبره، وصلبه....وعادت تكلم الرب قائلة: أنا آسفة يا رب لتذمري..... سامحني واغفر لي تذمري، فإن آلامي ليست قطرة في بحر إذا قيست بآلام سيدي.
"فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم".
الثالث: استأسر كل فكر إلى طاعة المسيح وهذا هو ما يقوله بولس الرسول "لأننا وإن كنا نسلك في الجسد لسنا حسب الجسد نحارب. إذا أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون. هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (2كو 10: 3-5).
فكل فكر شارد يخطر في ذهنك يجب أن تأخذه "أسيراً" مقيداً بالقيود وتأتي به إلى طاعة المسيح....كل فكر شك ضد وجود الله، أو محبة الله، أو عناية الله، أو معرفة الله يجب أن يؤخذ في الحال أسيراً للمسيح....وكل فكر نجس، وكل فكر يحث على الانتقام....وكل فكر يجمل الخطية ويقلل من قيمة القداسة العملية يجب أن يؤخذ أسيراً للمسيح.
بهذا تنتصر في كل المعارك الفكرية.
6- انتظر دائماً مجيء الرب وانظر إلى المجازاة:
إن العيشة في روح الاستعداد الدائم لمجيء ربنا يسوع المسيح تفطم القلب عن الارتباط بالأمور المادية. وترفعه للتفكير بفرح في الأمور السماوية، وبهذا يعيش المؤمن حياة النصرة حياة القداسة العملية.
يقول يوحنا الرسول "أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو. وكل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر" (1يو 3: 2، 3).
فيقيننا بأن المسيح له المجد سيأتي ذات يوم ليغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده يجعلنا نعيش حياة الطهارة التي تليق به.
وبطرس الرسول يقول "ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. فبما أن هذه كلها تنحل أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سموات جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البر" (2بط 3: 11-13).
سيأتي يوم تحترق فيه الأرض والمصنوعات التي فيها كل ما بنيناه..... وشيدناه...واخترعناه....وتعبنا فيه....كل الآثار، والتماثيل، والكتب، والذهب، والفضة، والحجارة الكريمة.....كل ما قضينا العمر في الحصول عليه سيحترق بالنار في يوم الرب العظيم الشهير.....
ويستخدم بطرس الرسول أبسط قواعد المنطق فيقول "فبما أن هذه كلها تنحل أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب" (2بط 3: 11، 12)
أجل أن تصورنا الصحيح لما ينتظر عالمنا المادي يجعلنا نسير متمهلين في تكالبنا على الأمور المادية، ويرفع عيوننا إلى الأمور السماوية، ويضع على شفاهنا صلاة يوحنا الرسول التي اختتم بها رؤياه النبوية المجيدة "آمين. تعال أيها الرب يسوع" (رؤ 22: 20).
ومع كل ما ذكرت أقول أن عيشتنا في روح السهر والاستعداد الدائم لمجيء ربنا يسوع ستجعلنا ننظر إلى المجازاة التي تنتظرنا، وبهذا النظر ننتصر على كل بهرجة العالم، ومغرياته، وما يقدمه لنا من امتيازات وسلطات، تماماً كما فعل موسى إذ نقرأ عنه "بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون. مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية. حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظر إلى المجازاة" (عب 11: 24، 25).
وكما فعل إبراهيم إذ نقرأ عنه "بالإيمان تغرب في أرض الموعد كأنها غريبة ساكناً في خيام مع إسحق ويعقوب الوارثين معه لهذا الموعد عينه. لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله" (عب 11: 9، 10). إن النظر إلى المجازاة يفطمنا عن العالم، ومن عجب أننا نقرأ عن إبراهيم . وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحق" (تك 21: 8) مع أننا لا نقرأ عن "وليمة عظيمة يوم ميلاده" وكأن الرب قصد أن يقول لنا أن يوم فطامنا عن العالم هو يوم الفرح العظيم.
7- ضع في فكرك دائماً أنك ملك للرب:
نقرأ في (مز 119: 94) الكلمات "لك أنا فخلصني لأني طلبت وصاياك".
ويقينك الدائم بملكية الرب لك سيحفظك من شرور كثيرة ففي كل مرة تجرب لعمل الشر ستردد مرنماً:
فأنا لست لذاتي ليس لي شيء هنا
كل ما عند لفادي الخلق وهاب المنى
+ ويقينك بامتلاك الرب لك سيعطيك الإحساس بالأمن، لأن الرب قادر أن يحفظ ممتلكاته ويحرسها بقوته كما يقول بطرس الرسول "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات. لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لأجلكم. أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير" (1بط 3-5).
+ ويقينك بملكية الرب لك سيعطيك الإحساس بأنك واحد من خراف المسيح التي منحها الحياة الأبدية كما قال بفمه المبارك "خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد" (يو 10: 27-30)
قل إذاً مع دواد "احفظني يا الله لأني عليك توكلت. قلت للرب أنت سيدي خيري لا شيء غيرك" (مز 16: 1).
وردد مرنماً مع بني قورح أنت "يا رب الجنود ملكي وإلهي" (مز 84: 3).
وثق أن يقينك بملكية الرب لك سيقودك باستمرار لاختبار حياة النصرة فتقول مع بولس الرسول "ولكن شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2كو 2: 14).
8- خبئ كلمة الرب في قلبك:
يقدم كاتب المزمور المئة والتاسع عشر للشباب، الوسيلة التي بها يعيشون الحياة المنتصرة فيقول "بم يزكي الشاب طريقه؟ بحفظه إياه حسب كلامك. بكل قلبي طلبتك. لا تضلني عن وصاياك. خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك" (مز 119: 9-11).
فالطريق إلى نقاوة الحياة في الشباب هو حفظه حسب كلام الله، ويتطلب هذا أن تخبئ كلمة الله في قلبك، أي في ذاكرتك.
ذات يوم جاءني أحد الشبان وأخرج من جيب سترته نسخة صغيرة للعهد الجديد وهو يقول: انظر أنا أخبئ كلمة الله في جيبي لكي تحرسني....ابتسمت وقلت له: يا ابني المحبوب أن كاتب المزمور لم يقل خبأت كلامك في جيبي، بل قال خبأت كلامك في قلبي.
لقد أرانا الرب يسوع بمثاله كيف قاوم تجارب إبليس بالمكتوب. "فأجاب وقال له مكتوب" (مت 4: 4) "مكتوب أيضاً" (مت 4: 7) "لأنه مكتوب" (مت 4: 10) وأمام قوة "المكتوب" "كلمة الله الحية" "تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه" (مت 4: 11).
إنك حين تخبئ كلمة الله في قلبك، وتلهج فيها نهاراً وليلاً ستصبح "كشجرة مغروسة عند مجاري المياه، التي تعطي ثمرها في أوانه. وورقها لا يذبل. وكل ما يصنعه ينجح" (مز 1: 3).
سترى في الكلمة المقدسة سيادة الله، وسترضى بخطة الله لحياتك إذا تسمع صوته يقول لك "اتبعني أنت" (يو 21: 22). وبمقارنة الروحيات بالروحيات ستزداد معرفتك وبازدياد معرفك ستعيش مخلصاً وبلا عثرة إلى يوم المسيح كما كتب بولس للقديسين في فيلبي يقول "وهذا أصليه أن تزداد محبتكم أكثر فأكثر في المعرفة وفي كل فهم. حتى تميزوا الأمور المتخالفة لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح. مملوءين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده" (في 1: 9، 10)
9- وازن بين عناصر حياتك:
يكتب بولس الرسول للمؤمنين في تسالونيكي قائلاً "وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح. أمين هو الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضاً" (1تس 5: 23، 24).
من هذه الكلمات تتبين أن الإنسان مكون من روح ونفس، وجسد. بالروح يتصل بالله "الله الذي أعبده بروحي" (رو 1: 9). وبالنفس يعيش حياته الذاتية الداخلية "كلمة الله.....خارقة إلى مفرق النفس" (عب 4: 12) وبالجسد يعيش حياته المادية متصلاً بالأرض ومن عليها وما عليها. ولكي يعيش المؤمن حياة النصرة يجب أن يوازن بين مطاليب عناصر حياته. فالروح تنتعش بالأمور الروحية. والنفس تفرح بالأشياء الذاتية. والجسد يتلذذ بالملذات الجسدية، ويجب الحرص على الحياة المتوازنة لكي لا يختل ميزان الحياة فتفقد توازنك الروحي والنفسي والجسدي وعندئذ تصبح فريسة سهلة للهزيمة.
أعط لروحك مطاليبها بالصلاة، ودرس الكلمة، والترنيم، والوجود مع القديسين، والخلوة مع الرب بين الحين والحين.
أعط لنفسك مطاليبها بالموسيقى النظيفة، والكتب البناءة، وتبادل العواطف الرقيقة، والانجازات العظيمة.
أعط لجسدك مطاليبه من الطعام الصحي. والرياضة الجسدية (1تى 4: 8). والنوم الكافي. واذهب كلما تعب إلى المواضع الخالية للراحة والاسترخاء والاستجمام والتأمل (مر 6: 31 وتك 24: 63) ومارس الجنس مع زوجتك بغير إفراط. ولقد أعطانا الكتاب المقدس الضوابط التي تجعل ممارسة الجنس في الحياة الزوجية متعة حقيقية. فكتب بولس الرسول يقول "ليوف الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك المرأة أيضاً الرجل. ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل. وكذلك الرجل أيضاً ليس له تسلط على جسده بل للمرأة لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضاً معاً لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتك" (1كو 7: 3-5).
ومن هذا النص نتعلم: (1) أن ممارسة الجنس بين الزوجين حق واجب لكل منهما لا يجوز لأحدهما أن يسلبه الآخر.
(2) أنه لا بد من فترات يمتنع فيها الزوجان عن ممارسة الجنس ليتفرغا للصوم والصلاة. وهي فترات رتبها الرب ليعلمنا "ضبط النفس" لا الحياة لإرضاء الذات.
(3) بعد فترات الامتناع عن الجنس لا بد من العودة لممارسته لاستمرار التوازن في الحياة الإنسانية بين مطالب الجسد، والنفس، والروح.
ولقد وضع الرب ضوابط لممارسة الجنس بين الزوجين وبغير شك أن من يتبع هذه الضوابط سيستمتع بالجنس بصورة أكثر بكثير، من استمتاع غيره من الذين يكسرون هذه الضوابط.
- فالله في حكمته منع ممارسة الجنس بين الزوجين أثناء طمث المرأة وبعد طهارتها من طمثها بسبعة أيام فقال "وإذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دماً في لحمها فسبعة أيام تكون في طمثها وكل من مسها يكون نجساً إلى المساء..... وإذا اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجساً سبعة أيام. وكل فراش يضطجع عليه يكون نجساً.... وإذا طهرت من سيلها تحسب لنفسها سبعة أيام ثم تطهر" (لا 15: 19، 24، 28) و( لا 12: 5) وقد أمر الرب شعبه القديم بالامتناع عن ممارسة الجنس خلال مدة الطمث بقوله "ولا تقترب إلى امرأة في نجاسة طمثها لتكشف عورتها" (لا 18: 19) واعتبر ممارسة الجنس في هذه المدة شراً وخطية إذا قال "يا نجسة الاسم يا كثيرة الشغب....فيك أذلوا المتنجسة بطمثها" (حز 22: 5، 10).
- والله في حكمته منع ممارسة الجنس بين الزوجين لمدة أربعين يوماً بعد ولادة الزوجة ذكراً "وكلم الرب موسى قائلا": كلم بني إسرائيل قائلاً: إذا حبلت امرأة وولدت ذكراً تكون نجسة سبعة أيام. كما في أيام طمث علتها تكون نجسة.... ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوماً في دم تطهيرها. كل شيء مقدس لا تمس وإلى المقدس لا تجيء حتى تكمل أيام تطهيرها" (لا 12: 1-4).
- والله في حكمته منع ممارسة الجنس بين الزوجين لمدة ثمانين يوماً بعد ولادة الزوجة أنثى فقال: "إن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين كما في طمثها. ثم تقيم ستة وستين يوماً في دم تطهيرها" (لا 12: 5)
- كذلك منع الله في حكمته ممارسة الجنس بين الزوجين في الليلة السابقة للذهاب إلى بيت الله أو التناول من عشاء الرب وهذا يظهر بوضوح في الكلمات "وإذا حدث من رجل اضطجاع زرع يرحض كل جسده بماء ويكون نجساً إلى المساء.... والمرأة لتي يضجع معها رجل اضطجاع زرع يستحمان بماء ويكونان نجسين إلى المساء" (لا 15: 16، 18).
- "إن كان فيك رجل غير طاهر من عارض الليل يخرج إلى خارج المحلة لا يدخل إلى داخل المحلة. ونحو إقبال المساء يغتسل بماء وعند غروب الشمس يدخل إلى داخل المحلة" (تث 23: 10، 11).
ونرى هذا المبدأ في تطبيقه العملي في هذه الكلمات:
"فجاء داود إلى نوب إلى أخيمالك الكاهن.... فقال داود.....والآن فماذا يوجد تحت يدك. أعط خمس خبزات في يدي أو الموجود. فأجاب الكاهن داود وقال لا يوجد خبز محلل تحت يدي ولكن يوجد خبز مقدس إذا كان الغلمان قد حفظوا أنفسهم لا سيما من النساء. فأجاب داود وقال له إن النساء قد منعت عنا منذ أمس وما قبله عند خروجي وأمتعة الغلمان مقدسة..... فأعطاه الكاهن المقدس لأنه لم يكن هناك خبزاً إلا خبز الوجوه المرفوع من أمام الرب لكي يوضع خبز سخن في يوم أخذه" (1صم 21: 1-6).
- وأيضاً منع الله في حكمته ممارسة الجنس بين الزوجين أثناء فترات الصوم فقال: "لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة (1كو 7: 5).
هذه هي الضوابط التي وضعها الله للحياة الجنسية بين الزوجين، وبغير شك أنها ضوابط موضوعه من خالق الجسد الذي يعرف كل دوافعه وكل حاجاته والذي يضع الضوابط ليحفظه في كمال صحته، ويمتعه بقمة لذته.... والذين أطاعوا هذه الضوابط عرفوا معنى المتعة الحقيقية في حياتهم الزوجية.
- وفي ممارسة الجنس يجب أن يكون المضجع غير نجس أي لا يمارس الزوجين الجنس بأية كيفية غير طبيعية ظانين أن الزواج هو مظلة يمكن أن يمارس الزوجين تحتها كل شذوذ، فأي نوع من الشذوذ محرم تماماً في كلمة الله، وتعال معي لنقرأ هذه النصوص:
"ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله" (عب 13: 4).
وهذا النص الكتابي هو أمر إلهي بضرورة تكريم الزواج، والاحتفاظ بمضجع الزوجية غير نجس. ويقيناً أن مضجع الزوجية يتنجس بأي نوع من أنواع الشذوذ الجنسي في العلاقات الزوجية.
ولذا فإن بولس الرسول يكتب للمؤمنين في تسالونيكي فيقول "لأن هذه هي إرادة الله قداستكم. أن تمتنعوا عن الزنا. أن يعرف كل واحد منكم أن يقتني إناءه بقداسة وكرامة. لا في هوى شهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله.... لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة" (1تس 4: 4، 7).
ولقد عاش زوجان هذه الحياة فباركهما الله. هذان الزوجان هما زكريا وأليصابات اللذين نقرأ عنهما "كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيا وامرأته من بنات هرون واسمها أليصابات. وكان كلاهما بارين أمام الله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم" (لو 1: 5، 6)
وما أحسن أن نتمثل بهذين البارين فننال استجابة صلواتنا، ونكون بركة للمحيطين بنا.
إذا وازنت بين مطاليب روحك، ونفسك، وجسدك بحسب ضوابط كلمة الله، فإنك بهذه الحياة المتوازنة ستعيش حياة الاتزان النفسي..... فرحاً بالرب.....منتصراً تحت ظروف الحياة مهما ثقلت واشتدت.
10- امتلئ بالروح القدس:
يكتب بولس للمؤمنين في أفسس قائلاً "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح" (أف 5: 18).
ويسترعي انتباهنا أن بولس يربط بين السكر بالخمر والامتلاء بالروح. لكن لماذا فعل بولس ذلك؟ لقد قاده الروح القدس لكتابة هذه الموازنة لأن هناك شبهاً بين فعل الخمر وتأثير الامتلاء من الروح القدس.
+ فالخمر تفرح قلب الإنسان، والامتلاء من الروح القدس يفرح قلب الإنسان (مز 104: 15 وغل 5: 22).
+ والخمر تنسي للإنسان فقره المادي وتعبه (أم 31: 6، 7) والامتلاء من الروح القدس ينسي الإنسان أتعابه واضطهاداته لأجل المسيح (أع 5: 4، 41، 13: 52).
+ والخمر تجعل وجه الإنسان لامعاً (مز 104: 15) والامتلاء من الروح القدس يجعل وجه الإنسان لامعاً (أع 6: 5، 15).
+ والخمر تفرح العيش (جا 10: 19) والامتلاء بالروح القدس يفرح العيش (غل 5: 22).
إن المؤمن الممتلئ من الروح القدس سيتكلم مع إخوته المؤمنين بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، وسيترنم ويرتل في قلبه للرب. وسيكون شاكراً كل حين على كل شيء وسيخضع للمؤمنين في خوف الله (أف 5: 18-21).
والبيت الذي يضم زوجاً وزوجة ممتلئين من الروح القدس هو بكل يقين بيت سعيد.
إن الامتلاء بالروح القدس يعطي للمؤمن شجاعة لمواجهة أدق المواقف والشهادة القوية للمسيح (أع 4: 8).
إن الامتلاء من الروح القدس يعطي قوة للرضا بالاستشهاد لأجل المسيح (أع 7: 55-60).
إن الامتلاء من الروح القدس يعطينا القدرة لمواجهة قوة الشيطان (أع 13: 9-11).
وفي عبارة واحدة أن الامتلاء بالروح القدس سيعطينا أن نعيش عملياً الحياة المنتصرة، فدع الروح القدس يمتلكك ويقود حياتك.
11- دع الرب يشبع حاجات جسدك:
الله هو خالق الجسد وهو يعرف كل حاجاته ودوافعه، ولذا فهو في محبته ونعمته يستطيع إشباع هذه الدوافع حين نواجه ظروفاً خارجة عن إرادتنا وقدرتنا تمنعنا أو تحرمنا من إشباع دوافع جسدنا بالطرق القانونية التي تتفق مع كلمة الله.
عندما كان داود في برية يهوذا مطارداً من شاول، محروماً من الحياة الهادئة المطمئنة، لا يستطيع إشباع دوافع جسده رفع لله هذه الصلاة "يا الله إلهي أنت. إليك أبكر. عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء" (مز 63: 1). فكما أن النفس تعطش إلى الله وتجد ريها فيها، كذلك الجسد يشتاق إلى الله ويجد راحته وشبعه عنده.
هناك مطالب جسدية تثور داخلنا..... من يهدئ هذه المطالب ويضبطها؟ من يريحها؟ من يشبعها؟
إن الرب يستطيع إشباع مطالب الجسد حين نشبع بشخصه ونتلذذ بحبه.
وعليك أن تذكر أن جسدك يتأثر تماماً بحالتك الروحية وها هو داود يقول "ليست في جسدي صحة من جهة غضبك. ليست في عظامي سلامة من جهة خطيتي. لأن خاصرتي قد امتلأتا احتراقاً وليست في جسدي صحة. خدرت وانسحقت إلى الغاية كنت أئن من زفير قلبي" (مز 38 : 3، 7، 8).
ولما امتنع عن الاعتراف بالخطية بليت عظامه، وكتب يقول "لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله. لأن يدك ثقلت علي نهاراً وليلاً. تحولت رطوبتي إلى يبوسة القيظ... اعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي. قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي" (مز 32: 3-5).
لقد وعد الله أن يحفظ أجسادنا "إله السلام نفسه يقدسكم إلى التمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح" (1تس 5: 23).
ودانيال ورفقاؤه حين أرضوا الرب، ولم يرضوا أن يتنجسوا بأطايب الملك نبوخذ نصر وخمر مشروبه، وأكلوا القطاني وشربوا ماء، أعطاهم الله صحة في أجسادهم ظهرت أمام كل من رآهم إذ نقرأ عنهم، وعند نهاية العشرة الأيام ظهرت مناظرهم أحسن وأسمن لحماً من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك" (دا 1: 15).
فسلم للرب مطالب جسدك، ودعه يغمرك براحته فتقول مرنماً مع بني قورح "تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب. قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي" (مز 84: 2)
وهكذا تعيش حياة النصرة تحت مختلف الضغوط
12- أعط للصلاة مكاناً ممتازاً في حياتك:
كتب أحد رجال الله فقال "كلما ارتفع مقياس الصلاة عندي ارتفعت تبعاً لارتفاعه حياتي. كلما انخفض مقياس الصلاة عندي انخفضت تبعاً لانخفاضه حياتي، وكتب مسيحي غير معروف فقال "إن الشيطان لا يرتعب من المسيحي إلا حين يراه راكعاً في حضرة الرب على ركبتيه"
وكل أبطال الإيمان الذين عاشوا حياة النصرة وسجل الكتاب تاريخهم كانوا رجال ونساء الصلاة.
فإبراهيم كان رجل الصلاة (تك 18: 23-33)
وإسحق كان رجل الصلاة (تك 25: 21)
ويعقوب كان رجل الصلاة (تك 32: 9-12، 22-29)
وموسى كان رجل الصلاة (خر 32: 11)
وإيليا كان رجل الصلاة (يع 5: 17، 18)
وبولس كان رجل الصلاة (أف 3: 14)
وماذا أقول أيضاً إن أخبرت عن صموئيل، وداود، وسليمان، وحزقيا، وبطرس، وحنة.....الذين بالصلاة عرفوا مشيئة الله، ونالوا منه سؤل قلوبهم، واختبروا عملياً قوة الحياة الممتلئة من الينابيع العليا.
ويجدر بنا أن نعرف جيداً أن الصلاة ليست مجرد تقديم طلباتك إلى الرب، لكنها فرصة حلوة للتلذذ بالرب (مز 37: 4)....للحديث الحبي معه.....لتقديم شكرك القلبي إليه.....ثم لأخذ ما تريد منه.
إن الكثيرين من المؤمنين لا يدركون أن سر هزيمتهم في صراعهم مع قوات الشر وضغوط الحياة يكمن في كلمة واحدة "إهمال الصلاة". وعلى هؤلاء أن يعرفوا أن إهمال الصلاة خطية كسائر الخطايا. أكاد أقول أنها الخطية التي بسببها يسقط المؤمن في الكثير من الخطايا. لذا قال صموئيل النبي في خطابه للشعب القديم "وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة" (1صم 12: 23) وقال داود في المزمور "بدل محبتي يخاصمونني. أما أنا فصلاة" (مز 109: 4).
إن الوصية التي قدمها بولس الرسول للمؤمنين لضمان كسب معركتهم مع الشيطان هي "مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين" (أف 6: 18).
والوصية التي قدمها يهوذا في ختام رسالته التي حذر فيها المؤمنين من الفجار الذين يحولون نعمة إلهنا إلى الدعارة وينكرون السيد الوحيد الله وربنا يسوع المسيح هي "وأما أنتم أيها الأحباء فابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس مصلين في الروح القدس. واحفظوا أنفسكم في محبة الله منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية" (يه 20، 21).
وبولس الرسول ينبر مراراً على أهمية الصلاة لسلام القلب والفكر فيكتب للمؤمنين في فيلبي قائلاً "لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (في 4: 6، 7).
فأعط للصلاة مكاناً ممتازاً في حياتك.... وخصص لها جزءاً هاماً من يومك، وعليك قبل أن تقابل شمس الصباح أن تقابل الرب شمس البر. وثق أن الله سيمنحك القوة لاختبار حياة النصرة مهما كانت الضغوط التي عليك ثقيلة وقاسية فتهتف مع بولس الرسول قائلاً "قد تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه أعرف أن أتضع وأعرف أيضاً أن أستفضل. في كل شيء وفي جميع الأشياء قد تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص. أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى 4: 11-13).
أخيراً......
أذكر دائماً هذه الحقائق
(1) أن الله يسمح بوضعك تحت ضغوط الحياة الثقيلة القاسية "ليمتحنك" و "يعلمك" كما نقرأ عن الشعب القديم في سفر القضاة "فهؤلاء هم الأمم الذين تركهم الرب ليمتحن بهم إسرائيل كل الذين لم يعرفوا جميع حروب كنعان. إنما لمعرفة أجيال بني إسرائيل لتعليمهم الحرب. الذين لم يعرفوها قبل فقط.....كانوا لامتحان إسرائيل بهم لكي يعلم هل يسمعون وصايا الرب التي أوصى بها آباءهم عن يد موسى" (قض 3: 1-4).
فالضغوط التي أنت تحتها قد يكون الغرض منها امتحانك كما قال موسى للشعب القديم "وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر لكي يذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا" (تث 8: 2).
وقد تكون الضغوط "لتعليمك الحرب"، وتدريبك على أساليب القتال والمصارعة الروحية...لتعرف كيف تستخدم سلام الله الكامل للثبات ضد مكايد إبليس وإطفاء سهامه الملتهبة فتقول مع داود "الذي يعلم يدي القتال فتحني بذراعي قوس من نحاس.....تمنطقني بقوة للقتال. تصدع تحتي القائمين علىَّ" (مز 18: 34، 39).
(2) أن الله يضعك تحت ضغوط الحياة الثقيلة "لتأديبك" كما قال أمام المغنين في المزمور "لأنك جربتنا يا الله. محصتنا كمحص الفضة. أدخلتنا إلى الشبكة. جعلت ضغطاً على متوننا. ركبت أناساً على رؤوسنا. دخلنا في النار والماء ثم أخرجتنا إلى الخصب" (مز 66: 10-12).
واذكر كلمات كاتب الرسالة إلى العبرانيين "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبخك. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله.....ولكن كل تأديب في الحاضر لا يرعى أنه للفرح بل للحزن. وأما أخيراً فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر السلام، (عب 12: 5، 6، 11).
(3) اذكر كذلك أن الإيمان- إيمان الثقة اليومية في الرب- هو وسيلتك لحياة النصرة "الفرس معد ليوم الحرب. أما النصرة فمن الرب" (أم 21: 31).
وقد أكد حبقوق النبي أن "البار بإيمانه يحيا" (حب 2: 4) فالخاطئ يتبرر "بالإيمان" كما يقول بولس الرسول "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رو 5: 1). ولكن "البار" يحيا بالإيمان. وقد تكرر هذا النصر مراراً في العهد الجديد.
ففي رسالة رومية 1: 17 نقرأ "أما البار فبالإيمان يحيا"
وفي رسالة غلاطية 3: 11 نقرأ "لأن البار بالإيمان يحيا"
وفي الرسالة إلى العبرانيين 10: 38 نقرأ "أما البار بالإيمان يحيا " فالتبرير بالإيمان، ولكن حياة البار كلها تستند على الإيمان.... وهذا الإيمان ينقل "البار" من حيز التفكير والتأثر بالأمور المنظورة إلى حيز الاكتفاء والشبع والفرح بالرب وبهذا يعيش منتصراً مهما ثقلت عليه ضغوط الحياة، ويختبر عملياً كلمات حبقوق النبي الذي مارس الحياة بالإيمان فقال وهو يرى أمة الكلدانيين تقتحم بلاده، ويرى الشرير يبلع من هوابر منه "سمعت فارتعدت أحشائي. من الصوت رجفت شفتاي. دخل النخر في عظامي وارتعدت في مكاني لأستريح في يوم الضيق عند صعود الشعب الذي يزحمنا" (حب 3: 16) وأصغ إليه وهو يرتفع على أجنحة الإيمان من حيز التأثر بالمخاوف الأرضية والأزمات المادية إلى حيز الفرح والبهجة والمشي على المرتفعات فيقول "فمع أنه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعاماً ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المزاود. فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي. الرب السيد قوتي ويجعل قدمي كالأيائل ويمشيني على مرتفعاتي" (حب 3: 17-19).
وهكذا بالإيمان الحي يعيش حبقوق الحياة المنتصرة تحت الضغوط. ومن سار على الدرب وصل.
(4) ثق أن في نعمة الله كل الكفاية لنصرتك. وكلمة "نعمة" تعني "الإحسان إلى إنسان لا يستحق الإحسان" ....والله قد غفر خطايانا بنعمته، ولكنه وعد أيضاً أن يعلمنا بهذه النعمة، وأن يعضدنا تحت ضغوط الحياة بالنعمة.
وفي اختبار بولس الرسول نرى هذه الحقيقة، فقد كتب إلى الكورنثيين فقال "ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات أعطت شركة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع. من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني. فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل. فبكل سرور أفتخر بالحرى في ضعفاتي لكي تحل عليَّ قوة المسيح. لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح.
لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (1كو 12: 7-10)
هذا هو الطريق إلى الحياة المنتصرة تحت الضغوط.
الحياة التي يردد من يختبر قوتها وحلاوتها مع بولس الرسول كلماته المضيئة فيقول:
"من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف. كما هو مكتوب أننا من أجلك نمات كل النهار. قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعاً يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبله. ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو 8: 35-39).
الحياة التي أكد يهوذا أنها نصيب القديسين في كلماته.
"والقادر أن يحفظكم غير عاثرين
ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج
الإله الحكيم الوحيد مخلصنا
له المجد والعظمة والقدرة والسلطان
الآن وإلى كل الدهور. آمين"
(يه 1: 24، 25)
فخذ هذا الوعد لنفسك وعش الحياة المنتصرة مهما ثقلت عليك الضغوط.
- عدد الزيارات: 9958