Skip to main content

ماهية الحياة المنتصرة

لا جدال في أن الحياة المنتصرة يجب أن تكون هدف كل مؤمن بالرب يسوع المسيح فالخلاص عمل داخلي تجريه نعمة الله في الإنسان الذي قبل الرب يسوع المسيح مخلصاً لنفسه لكن الحياة المنتصرة هي الوسيلة لإظهار حقيقة هذا العمل في حياة الإنسان.

وقبل أن أستطرد في الحديث عن الحياة المنتصرة في دوائرها المتعددة، أرى لزاماً عليّ أن أجيب على سؤال قد يخطر بأذهان الكثيرين من المؤمنين ... والسؤال هو:

هل يفقد المؤمن خلاصه إذا لم يحيا الحياة المنتصرة؟

وأقول إن المؤمن لا يفقد خلاصه إذا لم يحيا الحياة المنتصرة، لكنه يخسر شهادته، ويعيش في حياة متقلبة فيكون أحياناً في أعلى الجبل وأحياناً في أسفل الوادي.... أحياناً في قمة الفرح وأحياناً في منخفض الحزن....أما الخلاص الذي ناله بالإيمان فهو لا يمكن أن يفقد ذلك لأن الخلاص ليس مبنياً على حياة النصرة بل على عمل المسيح الكامل على الصليب "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (أف 2: 8، 9).

إن الخلاص هو هبة الله "لأن أجرة الخطية هي موت. وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رو 6: 23). والله لا يسترجع هباته "لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة" (رو 11: 29).

الحياة المنتصرة إذاً ليست هي أساس خلاصنا الأبدي، ولكنها في غاية الأهمية لأنها تتعلق بثلاث دوائر:

الدائرة الأولى هي دائرة الامتلاء بالفرح فالمؤمن الذي يعيش الحياة المنتصرة يختبر عملياً الامتلاء بالفرح الذي لا ينطق به ومجيد (1بطرس 1: 8).

الدائرة الثانية هي دائرة الشهادة الفعالة لنعمة الله. فالمؤمن الذي يعيش الحياة المنتصرة شهادته لنعمة الله لها تأثيرها الفعال في النفوس كما نقرأ عن أعضاء كنيسة أورشليم "وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة. ولم يكن أحد يقول إن شيئاً من أمواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركاً. وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أعمال 4: 32، 33) وما نتيجة هذا النوع من الحياة العالية، الغالبة؟ "وكان مؤمنون ينضمون للرب أكثر. جماهير من رجال ونساء" (أع 5: 14). "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16).

الدائرة الثالثة هي دائرة المكافآت أمام كرسي المسيح.

"من يغلب يرث كل شيء وأكون له إلهاً وهو يكون لي ابناً" (رؤيا 21: 7)

من هنا تظهر الأهمية القصوى للحياة المنتصرة، ومن هنا تظهر أيضاً أهمية معرفة ماهية ووسيلة هذه الحياة. أن الواقع المحزن يؤكد لنا أن الأغلبية العظمى من المؤمنين يصلون إلى درجة معينة في اختبارهم المسيحي، ويبدأون في الرجوع للوراء إلى درجات منخفضة، مكتفين بالإبقاء على مظهرهم الروحي أحياناً بالمواظبة على حضور اجتماعات صباح الأحد، وأحياناً بالتناول من عشاء الرب من حين لآخر، وأحياناً باستخدام كلمات روحية في التعامل مع الآخرين ليتركوا فيهم الانطباع أن حياتهم الروحية على مستوى عال. لكن هؤلاء المؤمنين المتظاهرين يشعرون بفراغ رهييب في حياتهم ولا يتمتعون بالفرح الإلهي، أو السلام الذي يفوق كل عقل ويعيشون حياة مزدوجة لا راحة فيها.


الحياة المنتصرة هي غرض الله

إن كل نصوص العهد الجديد تؤكد لنا أن الحياة المنتصرة حياة القداسة والاعتزال عن الشر......حياة الشهادة الفعالة للمسيح....حياة الفرح القلبي والسلام الداخلي هي غرض الله في خلاصنا. فتعال لتقرأ معي هذه النصوص الثمينة من كلمة الله:

"نعمة لكم وسلام من الله الآب ومن ربنا يسوع المسيح. الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير حسب إرادة الله وأبينا (غل 1: 3-4).

".......مخلصنا يسوع المسيح. الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفيدنا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة" (تي 2: 13، 14).

"يا أولادي الذي أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل 4: 19).

"يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا" (1يو 2: 1).

"لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكر بين إخوة كثيرين" (رو 8: 29).

"مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة" (أف 1: 3، 4).

"وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يو 10: 10).

فالرب يسوع المسيح جاء إلى العالم ليهبنا بموته على الصليب الحياة الأبدية، ولكنه جاء أيضاً ليهبنا بحياته فينا الحياة الأفضل، الحياة الوافرة أثناء رحلتنا هنا على هذه الأرض.

+ والحياة المنتصرة تجلب معها السلام الذي يفوق كل عقل (فيلبي 4: 7).

+ والحياة المنتصرة تجلب معها الفرح الذي لا ينطق به (1بط 1: 8).

+ والحياة المنتصرة تجلب معها القوة (أيوب 17: 9).

+ والحياة المنتصرة تجلب معها الخدمة المثمرة (2تيموثاوس 2: 21).


 

ما هي الحياة المنتصرة؟

يظن الكثيرون أن الحياة المنتصرة هي مجرد الانتصار على الخطايا اليومية...الاحتداد .... سرعة الغضب.... الكبرياء..... الغيرة الردية...... النميمة...... عدم المحبة...... القلق. أو هي مجرد الانتصار على الخطية المحيطة بنا بسهولة- خطية العمل..... خطية المنزل..... والخطية التي يميل إليها القلب في الداخل.

ولكن الكتاب المقدس يرينا بوضوح تام أن الحياة المنتصرة تشمل عدداً من الدوائر.....فهي تشمل:

العقل

والجسد

والعالم

والشيطان

وضغوط الحياة

وحياة القداسة العملية

وحياة السلام القلبي والعقلي

والحياة الكنسية

دائرة العقل

لا يجب أن يغرب عن بالنا أن العقل هو المركز الذي يوجه إليه الشيطان سهامه محاولاً إقناع المؤمن بعدم جدوى البحث عن وسيلة الحياة المنتصرة بعد أن ذاق مرارة الهزيمة مراراً وتكراراً....بل أكثر من ذلك فإن الشيطان يحاول بذر بذور الشك في عقل المؤمن ضد معرفة الله. زد على ذلك التصورات الجنسية حتى في ساعة الصلاة. والحياة المنتصرة تعني استئسار كل فكر إلى طاعة المسيح، وتعني أن يمتلئ العقل بكل ما هو طاهر ومُسّر، وأن يكون للمؤمن فكر المسيح.

والآن تعال معي لنقرأ معاً هذه النصوص الكتابية.

"ولأننا وإن كنا نسلك في الجسد لسنا حسب الجسد نحارب إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون..... هادمين ظنوناً وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (2كو 10: 3-5).

"أخيراً أيها الإخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا" (فيلبي 4: 8).

"فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً. الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذا وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في 2: 5-8).

"وأما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو 2: 16).

دائرة الجسد

الحياة المنتصرة تشكل دائرة الجسد، وعن هذه الدائرة يقول بطرس الرسول "أيها الأحباء اطلب إليكم كغرباء ونزلاء أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس" (1بط 2: 11). ويقول بولس الرسول "فأطلب إليكم أيها الإخوة أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رومية 12: 1) ثم يعود فيقول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم. لأنكم قد اشتريتم بثمن. فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو 6: 19، 20). ويكتب للمؤمنين في فيلبي قائلاً "حسب انتظاري ورجائي أني لا أخزى في شيء بل بكل مجاهرة كما في كل حين كذلك الآن يتعظم المسيح في جسدي سواء كان بحياة أم بموت" (في 1: 20).

فالجسد يجب أن يقدم لله ذبيحة، وأن يتعظم المسيح فيه، وأن نمتنع عن شهواته التي تحارب النفس.

دائرة العالم

الحياة المنتصرة تشمل الانتصار على العالم.

لكن ما هو العالم الذي يجب أن ننتصر عليه؟!؟

لقد تحدث الكتاب المقدس عن العالم فأعطانا ثلاثة معاني:

أولاً- العالم بمعنى المكان: أي عالم الطبيعة، وهذا العالم قد خلقه الله كما قال بولس الرسول في أريوس باغوس "الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه" (أع 17: 24) وتغنى بروعته داود في المزمور قائلاً: "السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه" (مزمور 19: 1).

وكم من فنان ملهم أوحت إليه أمواج المحيط الهادرة، ومنظر الشمس في شروقها وغروبها، والجبال في روعتها والصحراء في رهبتها، والمروج في خضرتها، ومياه الأنهار والبحيرات والمحيطات في هدوئها وهديرها بأجمل الصور، وأروع الأنغام، وأعمق الكتب، فعالم الطبيعة بأرضه وسمائه ليس هو العالم الذي يجب أن ننتصر عليه.

ثانياً- العالم بمعنى السكان: أي عالم البشر، والعالم بمعنى الناس الذين يسكنونه ليس عدواً لنا علينا أن ننتصر عليه، ومطلوب منا أن لا نحبه، ذلك لأن الله قد أحب سكان العالم وبذل المسيح لخلاصهم كما نقرأ في الكلمات "لأن هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم" (يو 3: 17).

واضح إذاً أن الله لا يطالبنا بالانتصار على سكان العالم، بل بمحبتهم وبنقل رسالة إنجيل المسيح إليهم لكي يخلصوا كما أمر الرب تلاميذه قائلاً "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن" (مر 16: 15).

ثالثاً- العالم بمعنى النظام العالمي: الذي يرأسه الشيطان: هذا هو العالم الذي علينا أن نغلبه....أنه المجتمع المنظم على أسس الأنانية، والظلم، وعلى الدوافع الشريرة، وعلى القيم المنحطة....أنه العالم الذي حلل السكر، والزنا، والدعارة، وانتشرت فيه عبادة الأوثان وطغى عليه الشيطان.

والعالم بهذا المعنى هو نظام فكري وسلوكي لا يعطى لله مكانه الشرعي، وهو بهذا المعنى عدو لله.

والعالم تحت سلطان الشيطان، أي النظام العالمي الفاسد يخدع الناس مقنعاً إياهم بأنهم ليسوا في حاجة إلى الله، بأن كل واحد يستطيع أن يخطط حياته على هواه، وأن يفعل ما يسره بغض النظر عن مقدار فساده طالما هو لا يؤذي غيره من بني الإنسان

وهذا النظام العالمي الذي ابتدعه الشيطان يتحكم في العلم، والفن والسياسة، والتسليات، واللهو. ففي كل هذه الدوائر يتجاهل هذا النظام العالمي الله، ويرفض كلمته ويجعل الإنسان مركز للحياة.....وهوا بهذا يؤذي الإنسان بصورة رهيبة لأن الإنسان الذي أبعد الله عن دائرة حياته وتفكيره وتصرفاته إنسان ضائع يضرب في صحراء هذا الوجود بغير رجاء.

إنه تحت نظام العالم الشرير نجد الرجال والنساء الذين أعمى الشيطان أذهانهم، وخدعتهم قلوبهم الشريرة، وهم يحاولون أن يجدوا سعادتهم في ملذاتهم أو ممتلكاتهم أو في اختراعاتهم. وهيهات!

هؤلاء اعتنقوا مبادئ فكرية جعلت الإنسان ملكاً لنفسه لا لإلهه، ومقياساً ومعياراً لتصرفاته إذاً ليس هناك قانون سماوي يتحكم فيه أو يحكم عليه.

وكما قلنا نكرر أن الرئيس الفعلي للنظام العالمي هو الشيطان، وهو ينفذ سياسته بالتفصيل وبدقة بالغة بواسطة الملائكة الساقطين والأرواح الشريرة التي تتكون منها مملكته.

وقد أكد الرب يسوع حقيقة رئاسة الشيطان للنظام العالمي بكلماته "لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء" (يو 14: 30).

وقال بولس الرسول أن الشيطان هو إله هذا العالم الذي يعمي أذهان غير المؤمنين "ولكن إن كان إنجيلنا مكتوماً إنما هو مكتوم في الهالكين. الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضئ لهم إنارة مجد المسيح الذي هو صورة الله" (2كو 4: 3، 4).

وكلمة الله تطالبنا بصورة واضحة أن نذكر الفجور والشهوات العالمية فنقرأ في (تى 2: 11-13) الكلمات "لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس. معلمة إيانا أن نذكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر. منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح".

وما هي الشهوات العالمية؟

يجيبنا يوحنا الرسول بكلماته "كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير. لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1يو 2: 14-17).

فالشهوات التي يستخدمها العالم بنظامه الشرير هي:

(1) شهوة الجسد (2) وشهوة العيون (3) وتعظم المعيشة.

(1) شهوة الجسد:

قد تشير إلى الشهوة الجنسية كما قال عنها الرب يسوع "وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (مت 56: 28) وقال عنها بطرس الرسول "يعلم الرب أن .... يحفظ الآثمة إلى يوم الدين معاقبين ولا سيما الذين يذهبون وراء الجسد في شهرة النجاسة" (2بط 2: 9، 10).

وشهرة الجسد قد تشير إلى شهوة الأكل التي خضع لها اللفيف الذي خرج من مصر مع الشعب القديم كما نقرأ عنه "واللفيف الذي في وسطهم اشتهى شهوة. فعاد بنو إسرائيل أيضاً وبكوا وقالوا من يطعمنا لحماً. قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجاناً والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم" (عدد 11: 4، 5).

وشهوة الأكل عندما تنحرف تصبح إلهاً يتعبد له من يخضع لها كما يقول بولس الرسول عن قوم "الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم الذين يفتكرون في الأرضيات" (في 3: 19).

ويجب أن لا يغيب عن بالنا أن شهوات الجسد ليست شراً في ذاتها إذ شبعت بالطريق الحلال المرسوم من الله فممارسة الجنس في حدود الزواج وبشرط "أن يعرف كل واحد... أن يقتني إناءه (أي زوجته) بقداسة وكرامة. لا في هوى شهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله، ليست شراً......وشهوة الأكل إذا ضبطناها ولم نجعل من بطوننا آلهة نكرس لها كل حواسنا، أو نغرق فيها بدرجة تؤذي أجسادنا لا خطأ فيها. والرب يسوع نفسه قال لتلاميذه "شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم" (لو 22: 15) ونقرأ عن بطرس الرسول "فجاع كثيراً واشتهى أن يأكل" (أع 10: 10).

إن خطأ النظام الفكري العالمي أنه جعل هذه الشهوات مركز اهتمامه، ومشغوليته أو بتعبير أدق مركزاً لعبادته.....وحين ننغمس في إشباع شهوات الجسد على حساب إهمال مطالب الروح يكون معنى هذا أننا خضعنا للعالم وانهزمنا أمامه.

(2) شهوة العيون:

تشير إلى انحراف العيون إلى ما يثير دوافعنا الشريرة، وبهذا الانحراف تجعل جسدنا كله مظلماً كما قال الرب يسوع "سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً. فإن كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون" (مت 6: 22، 23).

إن العين هي النافذة التي نطل منها على العالم، أو بتعبير أدق نرى بها العالم، والعالم يحاول بكل قدرته أن يهزمنا بشهوة العيون عن طريق المجلات القذرة التي ملأت صفحاتها بأجساد عارية فجعلت من الجسم البشري شيئاً رخيصاً هدفه إشباع شهوة الإنسان....أو عن طريق الإغراق في مشاهدة المباريات الرياضية بدرجة تنسينا قراءة كلمة الله أو الانشغال بخدمة الرب.

والعين تنقل إلى الفكر ما ترى، وتحرك الغدد الجسدية للعمل وبهذا يسقط من يخضع لشهوة العيون.

لقد سقط عاخان بن كرمى إذ رأى في الغنيمة المحرمة رداء شنعارياً نفيساً ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب فاشتهاها وأخذها وطمرها (يش 7: 21).

وسقط داود إذ رأى من على السطح امرأة تستحم فاشتهاها واغتصبها وقتل زوجها (2 صم 11).

لذلك قال أيوب "عهداً قطعت لعيني فكيف أتطلع في عذراء" (أى 31: 1). وصلى صاحب المزمور قائلاً "حول عيني عن النظر إلى الباطل" (مز 119: 37).

(3) تعظم المعيشة:

وتعظم المعيشة يعني سعي الإنسان أن يصل إلى مركز العظمة في الأرض ليشبع دافع السيادة، مستخدماً الوسائل المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى هدفه ومرتفعاً فوق جثث الضحايا من بني الإنسان. وهذه الخطية ليست وقفاً على الناس الذين من الطبقات العليا في المجتمع ولكنها خطية الكثيرين من الذين يحاولون هدم الآخرين للوصول على جثثهم إلى المراكز الكبرى.

إن الناس يحبون الظهور، والوصول إلى مركز القوة والسلطان، وهم يفعلون أي شيء للوصول إلى مكان الاعتبار والمركز المرموق. والسعي وراء تعظم المعيشة ناتج عن كبرياء الإنسان، والكبرياء طالما أوقعت الكثيرين في أبشع الخطايا. إن الكبرياء قد تغري شخصاً متزوجاً أن يسرق زوجة صديق له لكي يشبع كبرياءه.

إنها قد تجعل فتاة جميلة ترفض شاباً بعد الآخر لا لسبب إلا لكي تثبت قوة تأثيرها وتشبع كبرياءها.

"هكذا قال الرب. لا يفتخرن الحكيم بحكمته ولا يفتخر الجبار بجبروته ولا يفتخر الغني بغناه، بل بهذا ليفتخرن المفتخر بأنه يفهم ويعرفني أني أنا الرب الصانع رحمة وقضاء وعدلاً في الأرض لأني بهذه أسر يقول الرب" (أرميا 9: 23، 24).

إن النصرة على العالم تقتضي النصرة على كل غواياته، وأفكاره، وأساليبه، وحيله. وفي أسماء سكان الأرض الذين وعد الرب بطردهم من أمام الشعب القديم نجد صورة رمزية لكل الأساليب العالمية التي يستخدمها العالم ضد أولاد الله، وهذه هي كلمات سفر يشوع:

"فقال يشوع لبني إسرائيل تقدموا إلى هنا واسمعوا كلام الرب إلهكم. ثم قال يشوع بهذا تعلمون أن الله الحي في وسطكم وطرداً يطرد أمامكم الكنعانيين والحثيين والحويين والفرزيين والجرجاشيين، والأموريين واليبوسيين" (يش 3: 9، 10).

هذه إذاً قائمة أسماء سكان الأرض الذين وعد الرب بطردهم من أمام شعبه القديم، وكل اسم يحوي معنى جدير بأن نفهمه ونتأمل فيه.

(1) الكنعانيون (2) الحثيون (3) الحويون (4) الفرزيون (5) الجرجاشيون (6) الأموريون (7) اليبوسيون.

فتعال معي الآن لندرس المعاني الروحية التي تتضمنها هذه الأسماء والتي ترينا بصورة واضحة القوى الشريرة التي تعمل على غواية وتعطيل المؤمنين حتى لا يتمموا رغبتهم في الانتصار على العالم الحاضر الشرير.

1- الكنعانيون

وكلمة "الكنعاني" معناها "التاجر"، وقد كان الكنعانيون هم تجار الأرض كما نقرأ في (أمثال31: 24) والكنعانيون هنا يرمزون إلى الشرك الذي يقع فيه الكثيرون من أولاد وبنات الله، شرك الحياة التجارية أو بتعبير آخر أدق شرك الإغراق في السعي وراء الماديات. والتجارة ليست شراً، لكنها تصبح فخاً يسقط فيه الكثيرون حتى تنقلب إلى بحث عن الغنى السريع ويصبح المؤمن في هذه الحالة غير مكتف بما عنده. ويحذر بولس الرسول المؤمنين من هذه النزعة، نزعة اتجاه القلب إلى الماديات فيقول "وأما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة. لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء. فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما. وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة. وأما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا" (1تى 6: 6-11).

إن الله وعد أن يطرد الكنعانيين من أمامنا، إذا كانت لدينا الرغبة الحقيقية لطردهم "كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته" (يش 1: 3).

وعلينا أن نذكر أن "الكنعانيين" سينشرون أمامنا دائماً أشياء جديدة لإغرائنا، والأسلوب الوحيد للانتصار على الكنعانيين هو تركيز الفكر والقلب في الرب.

2- الحثيون

كلمة "الحثي" معناها "المرعب" فالحثيون يمثلون "الرعب" و"الخوف" و"العذاب النفسي" ، "الاضطراب العاطفي"، والشيطان يستخدم الحثيين ليوهن بهم عزيمة المؤمن، ويحرمه سلامه الداخلي، ولكن شكراً لله لأنه "لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح" (2تى 1: 7).

إن وسيلة الانتصار على الحثيين هو الامتلاء بالمحبة الكاملة التي يقول عنها يوحنا الرسول "بهذا تكملت المحبة فينا أن يكون لنا ثقة في يوم الدين لأنه كما هو في هذا العالم هكذا نحن أيضاً، لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج لأن الخوف له عذاب وأما من خاف فلم يتكمل في المحبة" (1يو 4: 17، 18).

3- الحويون

وكلمة "الحوي" معناها "الذي يظهر مغريات الحياة أو "الذي يغوى بالغرور الباطل". ويقيناً أن الشيطان يستخدم الحويين ليظهروا لنا مغريات الحياة وبهرجة العالم، وليقولوا لنا أننا إذا تركنا كل شيء لأجل المسيح فنحن نعتبر كأنا غير أحياء. إن الحويين يحاولون قيادتنا إلى الأنوار الباهرة، إلى المغريات الجذابة في هذا العالم الحاضر الشرير، ليوقف تقدمنا الروحي، وليعطلنا عن امتلاك امتيازاتنا التي في المسيح.

هنا علينا أن نستمع بكل قلوبنا لكلمات يوحنا الرسول "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم، إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1يو 2: 15-17)

4- الفرزيون

وكلمة "الفرزي" معناها "المحتل". والمحتل هو شخص يأخذ بالقوة أرضاً ليست له. والفرزيون يشيرون هنا إلى الأفكار والوساوس المتسلطة التي تحتل عقول وأفكار بعض المؤمنين فتجعلهم يعيشون تحت روح الدينونة باستمرار، وفي إحساس دائم بالذنب، إذ يظنون أن الله يذكر خطاياهم الماضية وهذه الأفكار والوساوس المتسلطة تعيق تقدم المؤمن في حياته الروحية ولا بد من استئسارها لطاعة المسيح بقوة الكلمة المقدسة ذاكرين كلمات بولس الرسول "إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو 8: 1).

لقد محى الرب يسوع كل خطايانا، وغسلنا منها بدمه الكريم، وعلينا أن لا نقبل هذا التعدي والاغتصاب من جانب الفرزيين، فبثقتنا في كلمة الرب نستطيع أن نطرد الفرزيين..... الذين يمثلون أفكار الخوف، والشك، والرعب في حياتنا.

قد قال لنا الرب وقوله حق "قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك" (أش 44: 22) وعلينا أن نضع ثقتنا الكاملة في كلمته.

5- الجرجاشيون

وكلمة "الجرجاشي" معناها "الغريب المقترب" والجرجاشيون يرمزون إلى "اللفيف" الذي صعد مع الشعب القديم عند خروجه من مصر "وصعد معهم لفيف كثير" (خر 12: 38) وهذا اللفيف كان سبب إزعاج للشعب القديم "واللفيف الذي في وسطهم اشتهى شهوة" (عدد 11: 4) والجرجاشيون (اللفيف الموجود حالياً وسط المؤمنين) ملأ الجو بالتعاليم العصرية المتحررة، وبذر بذور الشك في صدق وحي الكتاب المقدس الذي هو كلمة الله، وملأ بالحيرة أذهان البعض من أولاد وبنات الله. لكن علينا ونحن في عالم شرير أن نحترص لأنفسنا من الجرجاشيين ذاكرين كلمات يوحنا الرسول "نعلم أننا نحن من الله والعالم كله قد وضع في الشرير ونعم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق" (1يو 5: 19، 20). بل ذاكرين كذلك كلماته "أنتم من الله أيها الأولاد وقد غلبتموهم لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم" (1يو 4: 4)

6- الأموريون

وكلمة "الأموري" معناها "المتكلم بالكلام الناعم". والكلام الناعم خطر على أولاد وبنات الله "يا ابني إن تملقك الخطاة فلا ترضى" (أم 1: 10). وبولس الرسول يكتب للتسالونيكيين قائلاً "فإننا لم نكن قط في كلام تملق كما تعلمون ولا في علة طمع" (1تس 2: 5). لكن التيار السائد في العالم الشرير هو نفس التيار الذي ساد الشعب القديم في فترة من فترات تاريخه ويتحدث عنه الرب في سفر إشعياء فيقول "تعال الآن أكتب هذا عندهم على لوح وارسمه في سفر ليكون لزمن آت للأبد إلى الدهور. لأنه شعب متمرد أولاد كذبة أولاد لم يشاءوا أن يسمعوا شريعة الرب. الذين يقولون للرائين لا تروا وللناظرين لا تنظروا لنا مستقيمات. كلمونا بالناعمات انظروا مخادعات. حيدوا عن الطريق ميلوا عن السبيل. اعزلوا من أمامنا قدوس إسرائيل" (أش 30: 8-11).

إن فلسفة العالم هي إغواء أولاد الله بالكلام الناعم على طريقة الأموريين، ولكن الله يحذرنا في كلمته من فلسفة العالم ونعومته وغروره فيقول "وإنما أقول هذا لئلا يخدعكم أحد بكلام ملق. انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح" (كو 2: 4، 8).

إن الحياة المنتصرة تتطلب عدم الإصغاء للأموريين مهما كانت عذوبة ونعومة كلماتهم "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس. لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً" (مز 1: 1، 2) لنتمسك بالكلمة المكتوبة، ولنتكلم أقل ونصلي أكثر..... وقبل كل شيء لنحذر ملق الأموريين.

7- اليبوسيون

وكلمة "اليبوسي" معناها "الذي يدوس تحت الأقدام" والشيطان يستخدم اليبوسيين بقصد الضغط على أولاد الله وديسهم بالأقدام وإذلالهم كما فعل رجال فرعون مع الشعب القديم إذا استعبدوا بني إسرائيل بعنف "ومرروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل الحقل. كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عنفاً" (خر 1: 14).

لكن الرب وعد أن يطرد اليبوسيين من مجال حياتنا "بهذا تعلمون أن الله الحي في وسطكم وطرداً يطرد من أمامكم اليبوسيين".

لكن مسؤوليتنا هي أن نبدأ أول خطواتنا نحو الحياة المنتصرة. كما قال الرب لموسى "كفاكم قعود في هذا الجبل" (تث 1: 6) وأن لا نكتفي بالدوران في حلقة مفرغة، بل نسير إلى الأمام كما قال الرب لموسى أيضاً "كفاكم دوران بهذا الجبل" (تث 2: 3).

ولنذكر أننا إذا أبقينا أحد هؤلاء الأعداء في حياتنا الروحية فلن نستمتع بحياة النصرة، والفرح القلبي، والسلام النفسي كما قال الرب لموسى "وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكاً في أعينكم ومناخس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها" (عدد 33: 55).

إن المؤمن الذي يتوق إلى أن يعيش الحياة المنتصرة، عليه أن يضع في قلبه أنه غريب نزيل، وأن يذكر كلمات ربنا لتلاميذه "إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قلبكم. لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته. ولكن لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم" (يو 15: 18، 19).

وعليه كذلك أن يدرك أن صليب المسيح قد فصله تماماً عن العالم حتى أصبح العالم مصلوباً له، وهو مصلوب للعالم كما قال بولس الرسول: "وأما من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم" (غل 6: 14).

وعليه أن يذكر الصلاة الشفاعية التي رفعها المسيح لأجل المؤمنين به "أنا قد أعطيتكم كلامك والعالم أبغضهم لأنهم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم. لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير. ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم. (يو 17: 14-16) وعليه أن يذكر كلمات يوحنا الرسول "نعلم أننا نحن من الله والعالم كله قد وضع في الشرير" (1يو 5: 19).

هذا هو مركز المؤمن. هو في العالم لكنه ليس منه لأن العالم يخضع لنظام غير النظام الذي قصده الله في كلمته.

دائرة الشيطان

الحياة المنتصرة تشمل الانتصار على مكايد إبليس، وقد أطلق العهد الجديد على الشيطان عدة أسماء جاءت في كلمات رؤيا يوحنا "فطرح (1) التنين العظيم (2) الحية القديمة المدعو (3) إبليس (4) والشيطان (5) الذي يضل العالم كله طرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكته" (رؤ 12: 9).

ويكتب بولس الرسول للمؤمنين في أفسس فيقول:

"أخيراً يا إخوتي تقووا في الرب وفي شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات. من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد أن تتموا كل شيء أن تثبتوا. فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق ولابسين درع البر، وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام. حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة. وخذوا خوذة الخلاص. وسيف الروح الذي هو كلمة الله. مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح" (أف 6: 10-18).

ويكتب إلى المؤمنين في رومية فيقول:

"وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً" (رو 16: 20).

دائرة ضغوط الحياة

الحياة المنتصرة تشمل كل ضغوط الحياة اليومية، سواء جاءت هذه الضغوط من الظروف المحيطة بنا، أو من الأشرار الذي يضطهدوننا، وعن هذه الدائرة يقول بولس الرسول:

"من سيفصلنا عن محبة المسيح. أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف. كما هو مكتوب أننا من أجلك نمات كل النهار. قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلية. ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو 8: 35-39).

وعن ذات الدائرة يقول بطرس الرسول:

"أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب. بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضاً مبتهجين. إن عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحل عليكم. أما من جهتهم فيجدف عليه وأما من جهتكم فيمجد. فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو متداخل في أمور غيره. ولكن إن كان كمسيحي فلا يخجل بل يمجد الله من هذا القبيل" (1بط 4: 12-16).

دائرة حياة القداسة العملية

الحياة المنتصرة تشمل دائرة حياة القداسة العملية. فالقداسة العملية ضرورة حتمية للحياة المنتصرة.

والآن تعال معي نقرأ معاً هذه النصوص الثمينة من كلمة الرب:

"اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب 12: 14).

"لأن هذه هي إرادة الله قداستكم. أن تمتنعوا عن الزنا أن يعرف كل واحد منكم أن يقتني إناءه بقداسة وكرامة. لا في هوى شهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله. أن لا يتطاول أحد ويطمع على أخيه في هذا الأمر لأن الرب منتقم لهذه كلها كما قلنا لكم قبلاً وشهدنا. لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة" (1تس 4: 3-7).

"كأولاد الطاعة لا تشاكلو شهواتكم السابقة في جهالتكم بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة. لأن مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس" (1بط1 : 14-16).

"ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. فبما أن هذه كلها تنحل أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب" (2بط 3: 10-12).

دائرة الفرح القلبي والسلام العقلي

الحياة المنتصرة تشمل القلب والعقل معاً، إنها الحياة التي تعطي للمؤمن القدرة على التخلص من القلق، والانزعاج والهواجس التي تملأ حياته بالاضطراب.

عن هذا الفرح القلبي والسلام العقلي والفكري يقول بولس الرسول:

"افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً افرحوا" (في 4: 4).

"لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح" (في 4: 6، 7).

ويقول إشعياء النبي: "ذو الرأي الممكن تحفظه سالماً سالماً (أي في سلام كامل) لأنه عليك متوكل" (أش 26: 3).

ويقول داود في المزامير: " الرب نوري وخلاصي ممن أخاف الرب حصن حياتي ممن أرتعب..... إن نزل على جيش لا يخاف قلبي. إن قامت على حرب ففي ذلك أنا مطمئن" (مز 27: 1، 3).

"ثابت قلبي يا الله ثابت قلبي. أغني وأرنم" (مزمور 57: 7).

دائرة الحياة الكنسية

قد يبدو غريباً أن نقول إن الحياة المنتصرة تشمل الانتصار على الخطايا المنتشرة في الكنائس، ولكن الانتصار في هذه الدائرة يبدو واضحاً كمطلب ضروري لنوال المكافآت التي تكلم عنها الرب في سفر رؤيا يوحنا.

فتعال معي لنقرأ هذه النصوص الثمينة:

1- "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله" (رؤ 2: 7).

2- "من يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني" (رؤ 2: 11).

3- "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن المخفي وأعطيه حصاة بيضاء وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب لا يعرفه أحد غير الذي يأخذ" (رؤ 2: 17).

4- "ومن يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأعطيه سلطاناً على الأمم. فيرعاهم بقضيب من حديد كما تكسر آنية من خزف كما أخذت أنا أيضاً من عند أبي وأعطية كوكب الصبح" (رؤ 2: 26-28).

5- "ومن يغلب فذلك سيلبس ثياباً ولن أمحو اسمه من سفر الحياة وسأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته" (رؤ 3: 5).

6- "ومن يغلب فسأجعله عموداً في هيكل إلهي ولا يعود يخرج إلى خارج وأكتب عليه اسم إلهي واسم مدينة إلهي أورشليم الجديدة النازلة من أسماء من عند إلهي واسمي الجديد" (رؤ 3: 12).

7- "ومن يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ 3: 21).

هذه المواعيد مقدمة خصيصاً للغالبين، ودائرة نصرتهم هي دائرة الحياة الكنسية.

+ فمن يغلب ترك المحبة الأولى وهي عطية كنيسة أفسس.

+ ومن يغلب الخوف من الاضطهاد أو الاستشهاد وهو ما تعرض له أعضاء كنيسة سميرنا.

+ ومن يغلب تعليم بلعام النقولاويين وهي خطايا كنيسة برغامس.

+ ومن يغلب تعليم وغواية المرأة إيزابل وهي خطايا كنيسة ثياتيرا.

+ ومن يغلب الاكتفاء بالاسم وبصورة التقوى دون نوال الحياة واختبار قوة المسيح وهي عطية كنيسة ساردس.

+ ومن يغلب بالقوة اليسيرة مقاومات مجمع الشيطان وهو ما تعرض له أعضاء كنيسة فيلادلفيا.

+ ومن يغلب الادعاء الكاذب والفتور وهي خطايا كنيسة لاودكية.

ينال المواعيد المذكورة في هذه النصوص.

فالحياة المنتصرة أوسع وأشمل من مجرد الانتصار على الضعفات البشرية، والخطايا اليومية، والخطية المحيطة بنا بسهولة أنها تشمل:

العقل- والجسد- والعالم- والشيطان- وضغوط الحياة- وحياة القداسة العملية- واختبار السلام القلبي والفكري- والانتصار على الخطايا الموجودة في الكنائس الحلية.

فهل يمكن أن يعيش المؤمن منتصراً في كل هذه الميادين؟

هل حياة النصرة حقيقة يمكن ممارستها عملياً وتذوق حلاوتها اختبارياً؟ أم أن حياة النصرة مجرد هدف من المستحيل الوصول إليه؟

هذا هو موضوع حديثنا في الفصل القادم

  • عدد الزيارات: 11330