تعظيم الذات
والصورة الأخيرة للأنانية هي تعظيم الذات تحت غطاء الغيرة للرب (ع51- 56). كنا رأينا الغيرة على الذات، ثم الأنانية التي تتخفى بالغيرة للتحزب، وهنا نجد الأنانية التي تتخفى تحت غطاء الغيرة للرب. وفي كل صور الأنانية ليس مثل الأخيرة، فهي أكثرها مكراً وأصعبها في الاكتشاف، فمن الذي يشتكي من الغيرة للرب أو يقول أنها خاطئة؟. وفي الغيرة للرب تندس الغيرة للذات. وهذا ما حدث في الحالة التي أمامنا. كانت مسيرة الرب الأرضية توشك على الانتهاء. واقترب للارتفاع، فثّبت وجهه منطلقاً نحو أورشليم. وكان طريقه يجتاز قرى السامرة فلم يقبلوه. كان آباؤهم قد رفضوا إيليا في القديم، وأولادهم الآن يرفضون رب إيليا وسيده. واستاء التلاميذ من الإهانة التي لحقت بسيدهم، وفي غضبهم أرادوا أن يُنـزل القضاء من السماء على الرافضين للمسيح، مثلما فعل إيليا واستدعى النار من السماء على أعدائه. فمطلب البر هو أساس القضاء، وهناك سابقة كتابية تؤيد ذلك. وعلى الرغم من ذلك فإن الرب يكشف ويستعرض تلك الروح التي كانت مغايرة تماماً لنفسه. كان الرب يستخدم القوة الممزوجة بالنعمة لمواجهة حاجة الإنسان، ولكن أراد التلاميذ استخدام القوة في القضاء لإشباع حاجاتهم الذاتية. إنه يُظهر نعمته لبركة الآخرين، ولكنهم أرادوا القوة لتمجيد ذواتهم.
كان رفض ربهم وسيدهم بكل نعمته وقوته من هؤلاء السامريين المنحرفين، قد أثار غضب واستياء التلاميذ، لأنهم أرادوا أن يحتفظوا بشيء من الاهتمام بالذات. والإهانة التي لحقت بسيدهم أثارت فيهم الشعور بالاستخفاف بأهميتهم. وأراد التلاميذ أن ينتهزوا فرصة شر هؤلاء الناس لإيقاع القضاء الذي يستحقونه، ولكنهم أرادوا ذلك بروح الانتقام. إن السر وراء هذا الاقتراح هو الذات، ولكنه كان مخفياً تحت غطاء الغيرة على الرب.
ولكن كم كانت الروح مختلفة لدى الرب، ذاك الذي استخفوا بنعمته. ومع أن رب الكل كان هنا بقلب رقيق وبفكر متواضع، ولم يكن لديه الشعور بأهمية الذات حتى يسعى إليها ويحفظها. ولذلك فإن رفضه الذي سبّب سخط التلاميذ، كان فرصة لإعلان صبره وخضوعه الصامت فقط. ولكن بعد قليل فإن رفض أورشليم له جعله يسكب دموعه. وكما أن يعقوب ويوحنا أرادا لمن رفض سيدهم أن تأكله النار، فإن بطرس سيستخدم سيفه بعد قليل ضد الأعداء. أما المسيح فبدون استياء وبدون سخط يجتاز إلى قرية أخرى.
- عدد الزيارات: 4249