Skip to main content

حياة القائد الداخلية - الإيمان

الصفحة 4 من 4: الإيمان

الإيمان:

أما الميزة الحيوية الثالثة في حياة القائد فهي الإيمان. جاء في الكتاب المقدس: "ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه، لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود، وأنه يجازي الذين يطلبونه" (عبرانيين 11: 6). غالباً ما نسمع أن الله يطلب أن يكون في المؤمنين إيمان يشبه إيمان الأطفال، فما هو ذلك؟ وما هو محتواه؟ سوف نناقش أربع نواحٍ:

1- أولاً:

الإيمان يعني أننا نؤمن أن الله سوف يُدبّر. "فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع" (فيلبي 4: 19). كان تعييني لأول مرة كعامل مسيحي في مدينة بتسبرغ. سافرت إلى هناك ولم أكن أملك غير ملابسي التي كنت ألبسها. وكانت احتياجاتي كثيرة، وكان علينا أنا وزوجتي أن نستعمل بيتنا للخدمة واستقبال الناس. كانت غرفة الجلوس خالية من الأثاث، ما عدا أريكة أمام الشباك، فقرَّرنا، بالإشتراك مع القسّ كنيث سميث، أن نصلّي طالبين من الله أن يدبِّر لنا طاولتين صغيرتين لتوضعا على طرفي الأريكة، وطاولة ثالثة لتحمل فناجين القهوة، وكرسيّ للزاوية.

وفي صباح اليوم التالي رنَّ جرس الهاتف وطلب أحدهم أن يتكلم مع القس سميث وقال: "يا قس سميث، لا أدري إذا كنت تتذكّرني، ولكنك أخبرتني في المدينة قبل يومين عن كيفية الحصول على الخلاص. لقد انتقل عملي إلى مدينة بفالو في ولاية نيويورك، حيث سأعمل في صقل الزجاج. لقد بعت عدة قطع من أثاث بيتي، إنما بقي لديّ بعض القطع التي لست بحاجة إليها. آمل ألا يكون لكم أي إحراج فيمكنني إعطاؤكم هذه القطع، وهي طاولتان صغيرتان وأخرى للقهوة وكرسيّ للزاوية".

أفلتت السماعة من يد سميث لشدة دهشته، فالتقطتُها وأجبت الرجل قائلاً "سنحضر إليك في الحال". واستأجرنا شاحنة صغيرة، ولم تغب الشمس حتى كانت تلك الطاولات والكرسيّ في غرفتنا.

وكنا نسكن في الناحية الشمالية من المدينة، ونجد صعوبة في الوصول إلى الجامعة الواقعة في الجزء الشرقي من المدينة. كنت أقضي ثماني ساعات يومياً في حرم الجامعة لأبشر الطلاب، وكنت فعلاً بحاجة ماسّة لسيارة. تعوََّدت الإجتماع مع راي جوزيف لنصلّي، وهو طالب في كليّة اللاهوت، وكان موعدنا الساعة الخامسة من صباح كل أربعاء. كنا نصلّي طالبين أن يساعدنا الله في خدمتنا له، وطلبنا أيضاً أن يدبِّر لي سيارة كي أستخدمها في ذهابي إلى الجامعة.

وفي يوم الأربعاء التالي رنَّ جرس الهاتف، وإذ بإحدى سيدات الكنيسة المشيخيّة على الخط، وهي المعلّمة لأحد صفوف الفتيان في مدرسة الأحد. قالت السيدة أن المدعو بيل نيوتن قد اشترى سيارة جديدة. وإذ لم يُعرض عليه كثمن لسيارته القديمة غير مبلغ زهيد، قرّر أن يهبها لشخص قد يكون بحاجة ماسّة لسيارة. وسألتني السيدة إذا كنت أقبل تلك السيارة كهديّة، فقلت: "مع الشكر، فقد كنت أصلّي من أجل ذلك". فأجابتني: "لقد استجاب الله صلاتك".

وهنا أضيف أن بيل نيوتن وأخاه أدي لم يكتفيا بإعطائنا السيارة بل إن طلاب الصف الآخرين جمعوا في ما بينهم تبرعاً لدفع مبلغ 125 دولاراً لإصلاح المحرك، وأعطونا فوق ذلك 50 دولاراً للوقود.

بعد انتقالي من الساحل الغربي إلى بتسبرغ، تبين لي أن ملابسي من طراز لا يتماشى مع تلك المدرسة الشرقية المحافظة. فقد كان الطلاب يرتدون بذلات رمادية غامقة وربطات عنق مقلّمة بالأسود والرمادي، وأحذية وجوارب سوداء، وفي كل يوم اثنين نتناول طعام العشاء في أحد بيوت الأخوة، ونقرأ الإنجيل. في وسط هذا البحر من الألوان السوداء والرمادية كنت أبدو مستهجن الشكل ببذلتي ذات اللون الأخضر الفاتح، ورباط العنق الملوّن وحذائي الأصفر.

وعليه فقد بدأت بالصلاة من أجل ملابسي وفي غضون أسبوع دبّر لي الله بذلة غامقة ملائمة تماماً. وفي الأسبوع التالي كنت مع زوجتي نساعد سيدة مسنّة في عمل روتيني في منزلها. وعندما انتهينا وقمنا لننصرف دسَّت تلك السيدة تحت إبطي كيساً من الورق، وعند وصولي إلى المنزل، وجدت في هذا الكيس حذاء أسود ملائماً تماماً.

كنت بحاجة أيضاً إلى ساعة، لأن ساعتي كسرها بعض الأولاد في مدرسة الكتاب المقدس الصيفيّة. وبما أنه لم تكن لديّ ساعة فكنت كثيراً ما أتأخر عن مواعيدي، وكنت أعلم أن هذا لا يجوز، فصلّيت طالباً أن يدبِّر الله هذا الأمر.

ودُعيت يوماً لأتكلم لصف يجتمع لدرس الكتاب المقدس مساء كل سبت، وكان هذا الصف قد شكّله في أثناء خدمته الدكتور دونالد ج. بارنهاوس. بعد ذلك وفي مساء الأربعاء التالي جاء إلى بيتنا أحد أفراد ذلك الصف وكان يحمل إلينا هديّة شكر. كانت الهديّة في علبة من الورق المقوى في حجم "دليل هاي للكتاب المقدس" فسررت ظاناً أن الهديّة هي هذا الكتاب القيِّم. وعندما فتحت العلبة وجدت أن الهدية ساعة أوميغا أوتوماتيكية، وهي هذه الساعة التي لا تزال معي إلى اليوم. لقد أظهر الله لي آنذاك، أنا القائد المسيحي الشاب، وبيّن ذلك مراراً أنه مستعدّ وراغب وقادر على تدبير احتياجاتي.

2- وثانياً:

الإيمان يعني أن نؤمن أن كل ما نفعله من أجل الله سوف ينجح. "فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه، التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعه ينجح" (مزمور 1: 3).

لنا قطعة أرض يجري في وسطها جدول، وهذا الجدول تحيط به الأعشاب والأشجار والأزهار البرية. ولزوجتي هناك بستان أيضاً هو موضع فخرها وفرحها. وقد غرست فيه نباتات وأزهاراً، وتواصل العناية بها فتسقيها وتضع لها أسمدة لتقويتها. لكن زوجتي لا تبذل جهداً في العناية بالأشجار والأزهار البرية. إن الذي يهمّها تلك النباتات والأزهار التي زرعتها بيدها. والكتاب المقدس يعلمنا بأننا لسنا نباتات بريّة تنمو هنا وهناك، بل نحن كرمٌ غرس أشجاره أبونا السماوي، وأننا دائماً تحت رعايته وحمايته، تحيط بنا أنهار محبّته ورحمته ونعمته.

يؤكد صاحب المزامير هذه الحقيقة مرة أخرى إذ يقول "لا يدع رجلك تزلّ، لا ينعس حافظك. إنه لا ينعس ولا ينام... .... الرب حافظك، الرب ظلّ لك عن يدك اليمنى" (مزمور 121: 3- 5).

لقد قرأت مؤخراً عن حدث في حياة قباطنة البحر الذي عمل في زمن المراكب الشراعية. فقد كان يقطع بسفينته المحيط من ليفربول في غرب انكلترا إلى نيويورك، عندما هبّت عاصفة شديدة، وكانت الأمواج والرياح تعصف بقوة والسفينة تتمايل بعنف وشدّة.

وأصاب المسافرين رعب شديد، فارتدوا أطواق النجاة واستعدوا لأسوأ الإحتمالات. وكان للقبطان إبنة في الثامنة من عمرها ترافقه في تلك السفرة، وقد أفاقت من نومها على الضجّة، وصرخت بذعر سائلة ما الخبر؟ فأجابوها بأن العاصفة جعلت السفينة في حالة الخطر الشديد. فسألت: أين أبي؟ هل هو الذي يتولّى القيادة؟ فأجابوها: نعم. فابتسمت وألقت برأسها على الوسادة واستغرقت في النوم بعد دقائق. هذا هو إيمان الأطفال الذي يرضي الله. إن وعده يؤكد لنا أنه يحفظ أرواحنا وأنه لا ينعس ولا ينام.

3- ويعني الإيمان ثالثاً

أن نؤمن أن الله أهل لثقتنا المطلقة. رأيت هذا ممثلاً مرة في إبني الأصغر. لقد كبر فطلب مني أن أشتري له دراجة أكبر من دراجته الصغيرة. فذهبنا إلى محل بيع الدراجات، وألقينا نظرة على محتوياته. لم يتذمر الطفل ولم ينتحب عندما ناقشنا إمكانية شراء أو عدم شراء الدراجة. لقد ظلّ هادئاً وكأنه يقول: "إن ما تراه هو الأفضل يا أبي".

"بارٌّ أنت يا رب وأحكامك مستقيمة. عدلاً أمرت بشهاداتك وحقاً إلى الغاية" (مزمور 119: 137- 138). لم يعمل الله قط أي شيء خطأ. فإن ما يطلب منا أن نؤمن به ونعمله هو بالتأكيد حقّ. إن كلمته هي أهل للثقة التامّة، فما يقرِّره وكيفما يرشد وكل ما يقوله هو حق. إن وعوده ثابتة وإرادته حسنة مقبولة وكاملة.

بالإضافة إلى الإعتماد على وعود الله وحمايته وصدقه يمكننا تمييز شعاع آخر صادر من مزايا الله ويرتبط بالإيمان. إنه قوة الله. في هذا الصيف كنت أتأمل في قصّة الأب والطفل كما وردت في إنجيل مرقس الإصحاح 9. كان يسوع مع ثلاثة من تلاميذه عائدين من جبل التجلّي فوجدوا مشهداً مروّعاً. فهناك رجل أحضر ابنه إلى بعض تلاميذ يسوع كي يشفوه ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك. فسأل يسوع الرجل منذ متى أصابه ذلك المرض فأجاب الرجل منذ صباه (الآية 21) وأضاف "أنه كثيراً ما ألقاه في النار أو في الماء ليهلكه، لكن إن كنت تستطيع شيئاً فتحنّن علينا وأعنّا" (الآية 22) لاحظ الكلمة "شيئاً"، فإن الرجل كان مستعداً، للقبول بأي قدر من المساعدة.

ولكن يسوع أجابه: "إن كنت تستطيع أن تؤمن كل شيء مستطاع للمؤمن" (الآية 23).

كان جواب يسوع مدهشاً، إذ أن الرجل قال "إن كنت تستطيع" وكان جواب يسوع "إن كنت تستطيع أن تؤمن، كل شيء مستطاع للمؤمن". بينما الرجل يطلب "شيئاً" يجيب يسوع "كل شيء". ليست المشكلة في ما إذا كان يسوع يقدر، أو إلى أي مدى تبلغ قدرته. المشكلة هي في مدى إيماننا. لقد قال يسوع لإثنين من العميان في مناسبة أخرى "بحسب إيمانكما ليكن لكما" (متى 9: 29).

إن الحياة الداخلية في القائد المسيحي هي التي تقرر نجاحه أو فشله. فإذا لم يحفظ نفسه طاهراً متواضعاً مؤمناً فسيجد نفسه عاجلاً أم آجلاً في خطر السقوط. لكنه إذا صمّم على أن يكون الرجل الذي يُرضي الله فإن "عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه" (2 أيام 16: 9) بنعمة الله تستطيع أن تكون رجلاً كهذا.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 10791