Skip to main content

حياة القائد الداخلية - نقاوة الحياة

الصفحة 2 من 4: نقاوة الحياة

نقاوة الحياة:

من أولى الصفات المميّزة للشاب دانيال كانت نقاوة حياته. "أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجَّس" (دانيال 1: 8). من المهم ملاحظة أن أول ما عمله الله في فجر الخليقة هو أنه فصل بين النور والظلمة. يرمز هذا العمل إلى حقيقة روحية عظمى. فأنت إما أن تكون في هذه الناحية أو في الأخرى. ليس بالإمكان القفز فوق السياج.

ففي الجحيم لا يوجد نور، وفي السماء لا يوجد ظلام. ونحن الذين أعطينا حياتنا للمسيح، وجرَّبنا حبّه وغفرانه، سوف نجتمع به أخيراً في السماء. ولسوف ندخل مساكنه وننعم بحضوره. واستعداداً لذلك اليوم العظيم نحتاج أن نتعوَّد السير في النور ونحن لا نزال على الأرض.

إن بولس الرسول يكمّل هذا الموضوع بقوله: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين، لأنه أية خلطة للبرّ والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة، وأي إتفاق للمسيح مع بليعال، وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن، وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان. فإنكم أنتم هيكل الله الحي" (2 كورنثوس 6: 14- 16).

لقد استعمل بولس الأسئلة الخمسة المقتبسة أعلاه، ليرسم خطّاً فاصلاً بين الله والمعارضة. ففي ناحية يجمع الصلاح والنور والمسيح والإيمان وبيت الله. أما في الناحية الأخرى، فهناك الضلال والظلام والشيطان والكفر والعبادة المزوّرة. وهو حين يبيّن بأنه لا يمكن الخلط بين الناحيتين فهو يدعوك لتختار أن تحيا في هذه الناحية أو في الأخرى. إن هذه حقيقة واضحة، ومع ذلك فهناك كثيرون يحاولون إيجاد تسوية مع الخطيئة. فالقائد ملزم بأن يقدّم القدوة في تصرفاته التي تتفق مع الكتاب "فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم". (1 تيموثاوس 3: 2).

يهتم الله كثيراً بحياة القائد الداخلية. عندما نبذ الله الملك شاول واختار بديله قال لصموئيل "لا تنظر إلى منظره وطول قامته لأني قد رفضته.... لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب" (1 صموئيل 16: 7). فأنت وأنا نميل إلى تقدير الناس بالمعيار الخارجي فقط، وهو ما نراه. أما الله فينظر إلى الداخل.

منذ أشهر اجتاحت مدينتنا عاصفة رملية وقد اقتلعت زجاج النوافذ في مخازن المدينة ومصارفها. وكان هيرب لوكبار الرجل الذي يقوم بالتدريس في صف مدرسة الأحد، مع زوجته آرديس عائدين بالسيارة إلى منزلهما، عندما رأت آرديس منظراً هالها. رأت إحدى أجمل أشجار المدينة وقد اقتلعتها العاصفة من جذورها. لفتت نظر زوجها إلى أن تلك الشجرة الجميلة كان السوس قد نخرها من الداخل.

لقد انكشف سرٌّ كان مدفوناً. فإن الشجرة التي كانت مثار الإعجاب لعظمتها وجمالها، كانت مهترئة من الداخل. لذلك عندما جاء اليوم الذي واجهت فيه العاصفة الشديدة، لم تستطع الصمود أمامها فسقطت، والناس الذين كانوا يعجبون بفروعها الباسقة وأوراقها الجميلة عرفوا الحقيقة. كان منظرها الخارجي جميلاً، أما داخلها فكان مهترئاً فاسداً.

وهذا هو الواقع في حياة البعض منا. إذا حاول القائد المسيحي الإهتمام بالمظهر الخارجي دون تحصين الداخل بالنقاوة والقداسة أمام الله، فإن وضعه يكون ضعيفاً. والإمتحان لابد سيكشف حقيقة طبيعته وأخلاقه. لذا يجب أن يحيا القائد حياة نقية.

كتب بولس الرسول إلى تيموثاوس، عن سبب آخر لنقاوة الأخلاق. "وليتجنّب الإثم كل من يُسمّي اسم المسيح. ولكن في كل بيت كبير ليس آنية من ذهب وفضة فقط، بل من خشب وخزف أيضاً، وتلك للكرامة وهذه للهوان. فإن طهّر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح" (2 تيموثاوس 2: 19- 21).

تظهر هذه الفقرة حقيقة واضحة في بيتنا. فهناك أوانٍ مختلفة لإستعمالات مختلفة. لدينا في البيت إناء للنفايات وآنية أخرى للطعام. وزوجتي لا تخلط بينها ولا تغيّر استعمالها. فالحقيقة الروحية البسيطة هي أن بإمكان الإنسان أن يختار أي إناء يريد أن يكون بين آنية بيت الله. وعليه أن يقرّر هل يكون إناءً للكرامة أم إناءً للهوان. فإن المقياس الذي بموجبه يقرّر الله من يستخدم لأي من مقاصده الأبدية على الأرض، هذا المقياس مبيّن في آخر الفقرة، أي في الآية 21. إن الذين يطهّرون أنفسهم من الصفات المعيبة هم الذين سيكونون آنية للكرامة.

أهدانا السيد آرت عمّ زوجتي قبل عدّة سنوات مجموعة من أكواب البلّور الفاخر احتلّت مكان الصدارة بين الأواني المنزلية في بيتنا، ولم نستعملها إلاّ في المناسبات الخاصّة. فلو فرضنا أنك جئت إلينا يوماً لتزورنا وكنت عطشان. فأدخلتك إلى المطبخ ودعوتك لتشرب بنفسك كوباً من الماء البارد من الحنفية. فإنك بلا شك ستفتح الخزانة لتأخذ كوباً من تلك المجموعة البلّورية، لكنك إذ تجد أن تلك الأكواب يعلوها الغبار من قلَّة الإستعمال، فإنك ستفضّل عليها أي وعاء آخر نظيف وإن لم يكن بلّورياً.

أما لماذا تفعل ذلك، فالسبب واضح بسيط، إذ أن المطلوب هو وعاء نظيف. الله أيضاً يريد حياة نظيفة نقيّة ليستخدمها. إنه يريد "إناء للكرامة مقدَّساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح".

لاحظ كلمة "مقدّس". إن لهذه الكلمة معاني متعدِّدة، لكن من أبرز معانيها هو التخصيص أو التكريس. فالشيء المقدّس هو الموضوع على حدة، المخصّص لشخص أو لغرض معيّن. دعني أوضّح فكرتي. كان لي صديق برتبة ضابط وذو منزلة عالية في سلاح البحرية. وكان قد أُعطي بحكم وظيفته سيارة جيب لإستعماله الخاص، فكانت تلك السيارة دائماً على أهبة الإستعداد، ويعرف أين يجدها عندما يحتاج إليها. والويل لأي ملازم شاب يستعمل تلك السيارة لأغراضه الخاصّة، إذ كانت تلك السيارة مقدّسة وفي خدمة ذلك الضابط ولا يستعملها أحد سواه.

إن القائد الذي يحيا حياة مقدّسة أو مكرّسة للرب. يكون له تأثير على العالم حوله. لقد وعد الله بأن يظهر نفسه للآخرين من خلال القادة.

"فأقدّس اسمي العظيم المنجّس في الأمم، الذي نجّستموه في وسطهم، فتعلم الأمم أني أنا الرب، يقول السيد الرب حين أتقدّس فيك قدّام أعينهم (حزقيال 36: 23).

كثيراً ما يوجّه أفراد الشبيبة أسئلة إلى القائد حول تفاصيل يتحدَّد بها ما هو الصواب وما هو الخطأ. فهم يريدون أن يهتدوا لحياة نقية ولكنهم غير واثقين من بعض النتائج. فالكتاب المقدس لا يتطرّق إلى بعض القضايا الفرعية، بل يركّز على المبادىء الأبدية. وهناك أربعة من هذه المبادىء اُستعملت في حياتي.

بعد أن صرت مؤمناً بالمسيح بقليل من الوقت تبيّن لديّ أن بعض العادات والتصرُّفات في حياتي يجب إبطالها. كنت أعرف أنها خاطئة ولا ترضي الله. وكانت هناك أشياء أخرى غير واضحة ولم أعرف بالضبط إن كانت خاطئة أم لا. إن الكتاب المقدس واضح في ما يتعلق بالتجديف والسرقة والكذب، ولكن هناك بعض الأشياء التفصيلية التي لا يعطي الكتاب المقدس كلمة واضحة عنها. بعد أن بدأت أتساءل عن ذلك بوقت قصير، أعطاني الله ثلاث آيات من الكتاب المقدس، كانت لي عوناً عظيماً خلال السنوات التالية. لقد كانت تلك الآيات تحتوي على "كيف تعرف الصواب من الخطأ". إني أدعو هذه المبادىء 6- 8- 10 لأنها موجودة في رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس والإصحاحات 6 و8 و10. ولكي أعرف إن كان أمر ما صواباً أم خطأ أسأل نفسي الأسئلة التالية:

1- هل الأمر يساعدني؟

كل الأشياء تحلّ لي، لكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحلّلي لكن لا يتسلّط عليّ شيء (كورنثوس 6: 12) على أساس هذه الآية يمكن أن أسأل نفسي: هل هذا الأمر يساعدني؟ هل إذا فعلته ينفعني أم يضرُّ بي؟ هل هذا العمل سيساعد فكري وصحتي، أم على العكس سيدفع بي نحو الخطيئة؟ لقد استطعت، بناء على أسئلة كهذه، أن أقرّر ما هو الصواب في ما يختصُ بالسينما، والتلفزيون، وقراءة بعض الكتب والمجلات. صرت أسأل: هل هذه ستساعدني إن شاهدتها أو اقتنيتها؟ هل ستساعدني على النمو روحياً أم ستعيقني وتؤخّرني.

2- هل الأمر سيتسلّط عليّ؟

لقد تبيّن لي ممّا جاء في 1 كورنثوس 6: 12 أن كل ما يمكن أن يستعبدني هو ضار وعليّ أن أتجنّبه. كيف أرضى أن أوقع نفسي في عادة يصعب عليّ أن أتركها فيما بعد؟ لي أصدقاء هم اليوم عبيد للتدخين أو المسكر أو المخدّر، وقد قال بولس الرسول "لا يتسلّط علي شيء".

3- هل الأمر يجعلني عثرة للآخرين؟

"وهكذا إذ تخطئون إلى الأخوة وتجرحون ضميرهم الضعيف، تخطئون إلى المسيح. لذلك إن كان طعام يُعثر أخي فلن آكل لحماً إلى الأبد لئلا أُعثر أخي" (1 كورنثوس 8: 12- 13).

هل عملي هذا يُعثر الآخرين؟ ربما كان بإمكاني التغلّب عليه. ولكن هل يؤثر على الذين يرونني أعمله؟ هل يُسبّب لهم مشاكل؟ هل يكون عملي سبباً لإزعاجهم؟ لا يعيش الإنسان في عزلة تامّة. فالناس يرونه وقد يتمثلون به. إن على المسيحي الحقيقي أن يكون قدوة. إن عليه عند كل قول أو عمل أن يفكّر بالآخرين وما وقع أقواله وتصرّفاته عليهم.

4- هل الأمر يمجّد الله؟

"فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1 كورنثوس 10: 31). هل عملي هذا بالنتيجة يمجّد الله؟ لاحظ أن السؤال الأول في تعليم وستمنستر الكنسي القصير يقول "ما هو الهدف النهائي للإنسان؟". والجواب هو أن الهدف النهائي للإنسان هو تمجيد الله والتنعّم به للأبد.فأنت وأنا نحيا حياتنا لنسبّح مجد الله. وعليه يجب أن أسأل نفسي: هل أستطيع عمل هذا الأمر لمجد الله؟.

هذه المقاطع الثلاثة في الكتاب المقدس واجهت محك الزمن. فهي تحتوي على المبادىء الثابتة من الله الكلي المعرفة والكلي المحبّة.

إذن فالسؤال الذي يطرحه الله هو: ماذا في الداخل؟ فالمظاهر الخارجية تعكس الحياة الداخلية. على القائد أن يحتفظ بإتجاه إلهي أمام رفاقه وأن يطبق باستمرار الآية في 1 يوحنا 1: 9 والقائلة: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم".

التواضع
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11018