الصعوبة الرابعة والعشرون
ثم ماذا عن خطاياي التي سقطت فيها بعد التجديد؟
قارئي العزيز تذكّر أنه بعيداً عن الدينونة الأبدية للإنسان فليس أمام الله إلا طريقاً واحداً يتعامل به مع الخطية على أساس من البر الإلهي، وهو ذبيحة يسوع وموته. خذ مثلاً قديساً قد أخطأ من العهد القديم مثل داود، وآخر مثلك أنت في تدبير العهد الجديد. فإما أن يكون صليب المسيح هو الحل لخطايا كلا من داود وأنت، وبخلاف ذلك فليس غير العذاب الأبدي يصبح نصيبكما مع وجود هذا الفارق في هاتين الحالتين تجب ملاحظته.
فعندما عُلّق المسيح على الصليب كالحامل للخطايا، كانت خطايا داود قد حدثت كلها في الماضي، وأما خطاياك أنت فكانت كلها عليه في المستقبل. وهذا معناه أنه لما علق ذلك المبارك حاملاً بالحق "خطايانا في جسده على الخشبة" (1بط2: 24) كما يعبر الكتاب قائلاً (انظر أش53: 6) "كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا". كانت خطايا داود وخطاياك وخطاياي، بل وخطايا كل نفس قد خلصت في تاريخ العالم بأسره وجدت طريقها هناك. وكم سيكون الصليب لكل نفس مفدية يلمع بجاذبية عجيبة بطول الأبدية! إنها المحبة التي لا تستقصي التي أحضرت النفوس إلى هناك. إنها المحبة التي ارتضت بأن يحتمل وحده كل قضاء الدينونة وينصّب عليه كل تيارات الغضب الإلهي، ويكمل وحده أعظم عمل وينتصر هناك أعظم انتصارات. هي المحبة التي لم تنطفئ لظاها والتي قيدته عند الصليب. مبارك اسم مخلصنا!
لذلك فإن خطايا بعد التجديد تكون أكثر إثماً، أليست هي الإهانة التي نجلبها لاسمه الكريم، والحزن الذي نسببه لقلبه الرقيق.
ولكنه هو الذي يفكر فينا ويواجه حالتنا باعتبارنا قديسين خَربين، ولم ينسَ أن يمدنا بما نحتاج إليه في الطريق كقديسين عقوقين. إنه هو الذي أخذ مكاننا على الصليب ومات لأجلنا وحمل قضيتنا أمام العرش ويحيا لأجلنا" (لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته" (رو5: 1). وهنا نجد الضمان الإلهي في الكلمة "فبالأولى كثيراً" لحفظنا إلى النهاية. فالخطية لا يجب أن يكون لها مكاناً بيننا، ولا عذر لنا إذا أخطأنا "يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا" (1يو2: 1). ولكن هناك إمداد النعمة، "وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار" إنه لم يقل "وإن تاب أحد عن خطيته فلنا شفيع"، كلا. فالتوبة والحكم على الذات اللذان يقودان إلى الاعتراف هي نتائج خدمة الشفاعة لأجلنا إنه لا يطلب لأجلنا لأننا تأسفنا. ولكننا تأسفنا لأنه طلب لأجلنا. ألم تكن كلمات النعمة التي قالها لبطرس "طلبت لأجلك لكي لا يفنى إيمانك" إنه علم أنه سيسقط ولكنه لم ينتظر حتى يبكي بطرس بكاءاً مراً ثم يطلب لأجله. "طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" ألم يبرهن مرة لبطرس الواثق بنفسه أنه قادر أن ينتشل التلميذ المبتدئ الذي مرة كاد يغرق، وأنه قادر أيضاً أن يجذب ذلك التلميذ المبتدئ في السير حتى لو تعثر. فإذا تحولت عيني بطرس عن المسيح فإن المسيح لا تتحول عيناه عنه. وحتى عندما يسقط في السير بالإيمان فإن ذلك يُظهر نشاط السيد ومحبته من نحوه، ويده الممتدة في خدمة عبده الأمين "لا يحول عينيه عن البار" (أي36: 7)، ولذلك فإن بشفاعته المقتدرة لدى الآب هناك، وبالروح القدس أتى إلى الاعتراف أمامه بقلب منكسر. و"إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يو1: 9).
ولذلك لتقترب إلى الآب بكل يقين كاشفاً كل ما في قلبك أمامه فإذا فعلت ذلك، تيقن أنه بسبب أمانة وعدل ذاك الذي حمل خطايانا، والذي هو حي يشفع فينا، فإنه يمنحك الغفران وإذ يفعل هو ذلك تأكد أن النعمة ستعطيك غيرة أكثر لئلا تسقط مرة أخرى فتُحزن تلك المحبة الأمينة غير المتغيرة.
- عدد الزيارات: 2371