موقف الله من المتمردين عليه
(مزمور 2)
أن تاريخ البشرية هو تاريخ ثورات و تمرد و عصيان و حروب.أنه تاريخ الأشلاء والدمار والبغضاء.فكم من فرد قام على فرد، و كم من دولة قامت على دولة،و كم من جماعة ثارت على حاكم فحملت السلاح في وجهه بغية الإطاحة به.و قد اشتهر قرننا العشرون أكثر من سواه بحركات من هذا النوع في معظم القارات.فما أكثر ما نسمع عن انقلابات و تغييرات و صراعات تسفر في النهاية عن انتصار فريق على آخر ولو الى حين.
غير أن المزمور الثاني يحدثنا عن ثورة أو تمرد من نوع آخر. فهو ليس تمرد إنسان على إنسان، ولا محكوم على حاكم، ولا عبد على سيد، بل تمرد الإنسان على الله، المخلوق على الخالق، الضعيف على القوي، الخاطي على القدوس.اسمع كلمات المزمور "لماذا ارتجت الأمم و تفكر الشعوب في الباطل.قام ملوك الأرض و تآمر الرؤساء معا على الرب و على مسيحه".وما أشبه هذه الصورة بصورة البركان قبل أن ينفجر.فهو يبدأ بالارتجاج ثم ينتقل إلى الغليان واخيرا يلفظ حممه. هكذا فعل الإنسان و مازال يفعل مع الله. و هذا أمر فظيع.لكن الله من محبته يقف من الإنسان موقفا معينا لعلَّه يقتنع و يرتدع. و هاك ما يفعله الله إزاء المتمردين عليه:
يسكت عنهم إلى حين، علما منه بأن الإنسان ضعيف و هذا معبر عنه في الآية "الساكن في السموات يضحك".نعم أنه ضعيف أمام الخطية وامام الشيطان و على الأخص أمام الله. و يظهر ضعفه هذا من الطريقة التي يفكر بها. يقول المزمور "تفكّر الشعوب في الباطل". و يظهر ضعفه أيضا من أقواله. "تآمر الرؤساء معا على الرب و على مسيحه قائلين: لنقطع قيودهما ولنطرح عنا ربطهما". و يظن الإنسان أنه يستطيع شيئا مع اله، لا سيما لأن الله يطيل أناته عليه. فيأخذ الإنسان،والحالة هذه، يقاوم الله بإيعاز من الشيطان الذي يصور له الله عدوا صديقا.و هكذا ينساق المسكين إلى اليأس والبؤس والندم إذ يجد نفسه في النهاية كناطح صخرة.
أخي!من هو الإنسان حتى يقف في وجه الله؟ صدقني، لولا رحمة الله لغني جميع البشر دفعة واحدة.فما سكوت الله عن الإنسان إلا سكوت المحبة لأنه "لا يشاء أن يهلك أناس بل يقبل الجميع إلى التوبة".
و بعد أن يسكت عنهم إلى حين، يبدأ الله
يريهم قدرته الفائقة – قدرنه على قمعهم و على الاقتصاص منهم بقول كاتب المزمور "حينئذ يتكلم عليهم بغضبه و يرجفهم بغيظه" ثم يقول "قبلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق لانه عن قليل يتقد غضبه".
و كأن الله يقول للإنسان: "لا تظن أن صبري و سكوتي و طول أناتي هي ضعف أو عجز مني".ألم يوقف الله شاول الطرطوسي (الذي صار فيما بعد بولس الرسول) عند حدّه؟ فلقد تمرد شاول وانطلق ينكل بالمسيحيين و يزجهم في السجون رغبة منه في أبادة المسيحية على بكرة أبيها. لكن الرب قمع تمرده يوم ظهر له على طريق دمشق، و كان أن تغيّر شاول واصبح واحدا من أعظم المؤمنين في التاريخ. هذا هو عين ما يريد الله أن يفعله مع كل إنسان.أما إذا بقي الإنسان على عناده و شره فلا بد أن يبين له الله قدرته على معاقبته.و ما عقاب الله للعالم القديم بالطوفان،و سدوم و عمورة بالنار والكبريت،و مدن أخرى كثيرة عن طريق الزلازل والبراكين _ إلا صورة مصغرة عما يمكن أن يفعله الله بالخاطئ المسترسل في خطيته و معاداته لله.
و لكن قبل أن يعاقب الله البشر
يقدم لهم مرسوم عفوه. إليك ما تقوله كلمة الله "فالآن يا أيها الملوك تعقلوا. تأدبوا يا قضاة الأرض. اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعدة.قبَّلوا الابن لئلا يغضب ." و عبارة "قبَّلوا الابن" انما تشير إلى عادة تقبيل الملوك قديما دليل الولاء والقبول والخضوع.و عليه يقول لنا الله أن نقبل ابنه وان نخضع له و نتكل عليه و نخدمه في حياتنا.هذا هو مرسوم العفو الذي يقدمه الله بواسطة المسيح. فأن قبلته نجوت بنفسك، وان رفضته حكمت على نفسك إلى الأبد.
حدث مرة في الولايات المتحدة أن شابا اقترف جريمة أيام الرئيس أندرو جاكسون ولأجل اعتبارات معينة أصدر الرئيس عفوه عنه بعد أن كانت المحكمة قد أصدرت حكمها بإعدامه. لكن هذا الشاب الأحمق رفض العفو المقدم له فاضطر الرئيس إلى العمل بحكم المحكمة و كان نفذ فيه الإعدام.فلوانه قبل العفو لكان نجا ولكن رفضه كان وبالا عليه.
أخي! أنت في نظر الله ثائر متمرد لأنك خاطئ.و تمردك باطل لا معنى له. و في الحالة لا يوجد أمامك إلا حل من أثنين: أما أن تقبل مرسوم العفو المقدم بواسطة ابن الله المبارك _ أي تقبل محبة الله ولطفه في شخص المسيح _ واما أن تستعد لأن يقمع تمردك هذا بقوة و عنف و غضب و تقع تحت طائلة العقاب الأبدي والعذاب الأبدي. أن المرسوم الإلهي الممهور بدم المسيح هو حسابك. ففيه عفو كامل شامل لك. واني أنصحك أن تقبله الآن لكي تستر خطاياك كلها بدم المسيح فيصبح ماضيك الأسود في خبر كان. و هكذا تبدأ حياة جديدة و صفحة جديدة إذ أنك تكون قد صرت خليقة جديدة.
صـــلاة: أبانا السموي سامحنا على تمردنا و على جهلنا.فلقد خدعنا الشيطان طويلا. أننا نشكرك لأجل مرسوم العفو بدم المسيح. ساعد كل منا أن يقبله الآن بالإيمان لكي ننال الحياة والغفران منك يا من أحببتنا حبا فائق الوصف.لأجل المسيح، اسمع واستجب. آمين.
- عدد الزيارات: 3253