أغلى من الغالي
(لو 9: 25)
قال وليم تمبل، أحد أساقفة كنتربري السابقين:
"أشبه هذا العصر بواجهة في مخزن تحوي أصنافا كثيرة من البضاعة المسعرة.فدخل إليها ولد صغير و راح يعبث بما عليها من بطاقات للأسعار واضعا الغالي على الرخيص والرخيص على الغالي".
أليس هذا هو واقع الحال اليوم؟ ألا ترى معي أيها القارئ الكريم أن المقاييس انعكست والمفاهيم انقلبت؟ فمن جهة ترى الغلاء الفاحش قد شمل أبسط حاجات الإنسان المادية كالغذاء والكساء والدواء فضلا عن الأقساط المدرسية والإيجارات و سواها.و من جهة أخرى تجد القيم السامية والأخلاق الرفيعة والمحبة الصادقة قد باتت أرخص من الرخيص، هذا إذا لم نقل أنها أمست في خبر كان .
فأين صار الصدق اليوم؟ والاستقامة؟ والأمانة؟ والشرف؟ والطهارة؟ والضمير؟ و ماذا نرى عوض هذه كلها؟ أننا نرى الكذب والسرقة والخصام والرشوة والغش وانعدام روح المسؤولية ناهيك بالحركات اللاأخلاقية والخطية التي تسير عارية في الشارع.ولا غرابة في إحدى المجلات اللبنانية كتبت على غلاف لها بأحرف بارزة تقول: "يستورد الناس من الخارج الأزياء ... و قلة الحياء".
و بالمناسبة لا أنسى أن أذكر هنا أن الإنسان نفسه قد غدا رخيصا عند الكثيرين.والا فما هي مبررات الحروب و عمليات الانتقام والمظالم الاجتماعية والاستغلال والفقر والمرض والجهل والجوع؟ تصور أن هذه و سواها متفشية الآن بشكل فظيع في عصر بلغ الذروة في العلم والغنى والتقدم والتقني والعمراني .
هذا عند الناس طبعا.أما عند الله فالأمر مختلف كليا.ذلك لان الناس يتغيرون أما الله فغير متغير: مقاييسه هي هي و محبته هي هي، و نظرته إلى الإنسان هي هي.و في التاريخ أثبت الله مرارا و تكرارا أنه لا يتساهل البتة مع الخطية أيا كان مرتكبها. و مع ذلك فهو يحب الإنسان لأنه عزيز و غال جدا في نظره .فالنفس البشرية عنده أنفس من كل نفيس، واثمن من كل ما حلا و علا و غلا.لهذا نقرأ في الكتاب المقدس أن الله "أخضع كل شيء تحت قدميه" (أي قدمي الإنسان) جاعلا إياه تاج مخلوقاته.ولهذا نـزل المسيح من سمائه إلى أقسام الأرض السفلى باذلا حياته عنك و عني – نحن الخطاة الأثمة . أنه يحبنا محبة لا حدود لها ولا سدود و قد شاءت أرادته السنية أن تخلصك من ورطة الخطية و تجعلك شريكا للطبيعة الإلهية و تمتعك بالحياة الأبدية.كل هذا يقدمّه مجانا دون مقابل مكتفيا منك بقبول عمله – موته و دفنه و قيامته – لاجلك، و ذلك بالإيمان البسيط والقلب المنكسر دليل ندامتك و توبتك الخلوصة.عندها تصبح ابنا لله و وريث المجد العتيد أن يستعلن في جميع محبيه والمؤمنين به.
هلا قبلته و شكرته على حسن صنيعه و عشت له كل أيام حياتك! افعل ذلك الآن لأن "اليوم يوم خلاص . والآن هو الوقت المقبول".
صـــلاة: نشكرك يا رب لانك غير متغير، مقاييسك هي هي و محبتك هي من الأزل والى الأبد.و نشكرك أيضا لان نظرتك إلى الإنسان هي نظرة الاحترام والتقدير ولذلك ما زلت توفر له وسائط النعمة على اختلافها كي يهتبل فرصة الخلاص والقبول.هبنا أن نعرف قيمة نفوسنا كي لا نغامر ولا نقامر بها بل نقرر منذ الساعة على تسليمها لك بقلب منكسر تائب.إكراما لربنا المصلوب والمقام.آمين .
- عدد الزيارات: 3220