يسوع يدعو الجموع
(مت 11: 28)
قارئي الكريم
إذا رفعت بصرك إلى القبة الزرقاء في ليلة صافية الأديم فلا بد أن ترى صفحة السماء مرصعة بالنجوم والكواكب المتألقة .و عندما تمعن فيها النظر تجد، رغم تشابهها الكثير، أن بعضها أكثر ألقا و بريقا من بعضها الأخر.كلها نجوم، و كلها من صنع الله وتحدث بمجد الله ولكن بعضا منها أسطع من البعض الأخر.هكذا هو الحال مع آيات الكتاب المقدس. فهي كلها موحى بها من الله، و كلها تشكل جزءا من الكتاب المقدس، و كلها حية و فعالة وامضى من كل سيف ذي حدين، ألا أن بعضها أكثر لمعانا من سواه.و من الآيات المشرقة البارزة هذه الآية التي يدعو فيها يسوع الجموع – وانت واحد منهم – قائلا "تعالوا إلي يا جميع المتعبين .... وانا أريحكم".وألف انتباهك الآن إلى ثلاثة أمور في دعوة يسوع هذه:
أو لا، أنها دعوة صحيحة . فعندما يقول يسوع "تعالوا" فهو يعني ما يقول و يقول ما يعني.فهو كما تقول كلمة الله "الصادق الأمين" المنـزه عن الكذب.وليست هذه المرة الأولى التي يدعو فيها يسوع الناس إليه.فلقد نادى إليه الجموع في مناسبات عدة و رحب بفرح بالقادمين إليه شريطة أن يتبعوه من كل قلوبهم.ولذا تتكرر كلماته: "تعالوا .. هلموا ... من يقبل إلي .." وما أكثر الذين اقبلوا إليه فوجدوا فيه ضالتهم المنشودة و وجدوا أنه صادق في دعوته، قادر في قوته، خالص في محبته، واسع في رحمته.
و بالإضافة إلى صدقه فهو معصوم عن الخطأ و عن التسرع والتهور.و قد عبر مرة بل مرارا عن غرض مجيئه إلى العالم فقال (من جملة ما قال) "لم آت لأدعو ابرارا بل خطاة إلى التوبة" .
كتبت إحدى صحف بيروت مرة عن حادثة جرت في إحدى السفارات في الشرق الأقصى.قالت أن مدعون توجهوا ذات مساء إلى دار السفارة بناء على دعوة وصلتهم قبل أيام تقول: أن السفارة تدعوهم إلى حفلة في مناسبة معينة يعرض خلالها شريط سينمائي.فاضطر السفير أن يعتذر للجميع إذ تبين أن الدعوة مزيفة و قد أرسلت باسم السفارة دون علمها .
أخي! يسوع نفسه يدعوك و دعوته صحيحة.و يمكنك الاطمئنان إليها و تلبيتها من أعماق نفسك .
ثم دعوة يسوع دعوة صريحة . يقول "تعالوا إلي".لم يقل تعالوا إلى هذا أو ذاك من الناس، ولا قال تعالوا إلى هذا أو ذاك من الأنبياء والقديسين، بل قال "تعالوا إلى (أنا").ولماذا إليه هو ؟لان هذا ما يقوله الكتاب المقدس.ولان هذا ما يقول الله والأنبياء والقديسين والمسيح نفسه.واليك الآن بعض مما قالوه: يقول الله: "هذا هو ابني الحبيب ... له اسمعوا" و يقول يسوع: "أنا هو الطريق ... ليس أحد يأتي إلى الآب الا بي"."من يقبل إلي لا أخرجه خارجا".و موسى الكليم قال "نبيا ... يقيم الرب ... له تسمعون" و يوحنا المعمدان قال "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم".و مريم العذراء أم يسوع قالت للخدام في عرس قانا الجليل "مهما قال لكم يسوع فافعلوه" و قال الرسول بطرس "و ليس بأحد غيره الخلاص ..." .
إذا نفهم مم سبق أن على الإنسان أن يذهب إلى يسوع لا سواه.و من يذهب إلى سواه يخالف أرادة الله والمسيح و يخالف مشورة رجال الله القديسين في الكتاب المقدس.عدا أنه سيجد نفسه خاسرا في النهاية.والسبب في هذا بسيط: فمنى يذهب إلى يسوع يحظ بما عند يسوع . و من يذهب إلى سواه ينل ما عند سواه.و شتان بين ما يعطيه الرب وما يعطيه الإنسان أيا كان.
والنقطة الأخيرة هي أن دعوة يسوع هي دعوة مريحة . أجل أنها صحيحة و صريحة و مريحة.و نقول أنها مريحة لأنها مواجهة إلى الخطاة، والخطية كما نعلم و كما يعلم الكتاب المقدس هي أثقل من الرصاص ومن أي حمل أخر. ألم يقل قايين: ذنبي أعظم أن يحتمل؟ ألم يقل يسوع تعالوا إلي يا جميع المتعبين؟ وما هو الذي يتعب المرء سوى خطاياه واثامه؟ والحق يقال أن هذه تتعب الإنسان من كل الوجوه.سئل أحدهم أن يعرف هذا العصر بكلمات قليلة.قال "هذا عصر العيون المتعبة" . هذا صحيح.ولكنه أيضا عصر القلوب المتعبة، والأعصاب المتعبة، والأجسام المتعبة، والأفكار المتعبة.ذلك لان الخطية فعلت فعلها بالإنسان فأتت على كل ما فيه بحيث هشمته و تركته في حالة يرثى لها.
هذا ما حدا بيسوع أن يأتي و يموت عن الإنسان فاتحا ذراعيه على الصليب قائلا: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين ...."
هلا تأتي إلى يسوع قائلا: يا رب أنت دعوتني و ها أنا ألبي دعوتك شاكرا من كل القلب.أرحمني من حمل خطاياي وهمومي واتعابي و هبني اليقين من أنك قبلتني و وهبتني نعمة الخلاص .
صـــلاة: ما أعظم لطفك واحسانك أيها الرب لأنك تنازلت ومت على الصليب لتوفر لنا الراحة والسلام والسعادة.أجعل كل نفس لبت دعوتك أن تثق من أنك رحبت بها ومتعتها براحتك الأكيدة من كل ما يتعبها نفسا و روحا و جسدا.باسم الكريم.آمين.
- عدد الزيارات: 3879