الدرس العاشر: الواعظان اللذان أُدخلا السجن
(أعمال الرسل 16:16-34)
ذهب بولس وسيلا إلى مدينة فيلبي، مدينة في شمالي اليونان، لكي يعظا بالإنجيل. لم يقضيا هناك وقتاً طويلاً قبل أن يلاحظا فتاة جارية ملبوسة بشيطان، كانت الصبية مصدر ثروة لأسيادها بواسطة العرافة. هذه الجارية تبعت بولس وسيلا لعدة أيام وهي تصرخ، "هاذان الرجلان هما عبيد الإله العلي وهما يخبرانكم بطريق للخلاص." كانت نصف صواب ونصف خطأ. نعم كانوا عبيد الإله العلي. ولكنهم لم يعلنوا طريقا للخلاص؛ بل أعلنوا عن الطريق للخلاص. لأنها واحدة.
لكن أن كان حقاً أم خطأ، فبولس لم يقبل شهادة الشياطين. وأخيراً واجه الفتاة وأمر الشيطان أن يخرج منها. عندها تحررت الفتاة الأمةُ حالاً. كانت هذه أخبار سارة بالنسبة لها، ولكن أخبار سيئة لأسيادها، لأنها كانت تربحهم الكثير من المال. ومثل الكثيرين، كانوا مهتمين بالمال اكثر من الحالة الروحية لاخوتهم بالإنسانية. وقرروا تسوية الأمر مع المبشرين - لكن كيف؟ جرّوهما إلى المحكمة واتهموهما بأعمال ضد الرومان. ونجحت الخطّة. فكان القضاة غاضبين جداً. وبدون محكمة ، أمروا أن يُضرب كل من بولس وسيلا ويُلقيا في السجن. وهكذا وجد المبشران المسيحيان ذاتهما، جريحين نازفين دما، في سجن محكم الإغلاق. وارجلهما مضبوطة بالمقطرة.
هل قضيا وقتهما بشعور الشفقة على نفسيهما؟ بالطبع لا. لقد استغلا وقتهما استغلالاً جيداً بالصلاة وترنيم تسابيح الحمد لله. وعرفا، كما قال الشاعر ريتشارد لوفيلاك أن "الأربع حيطان لا تصنع سجناً، ولا قضبان الحديد قفصاً."
الثنائي الذي أحدث الزلزلة
عندما يصلي المؤمن توقع حدوث أشياء. في نصف الليل حدثت زلزلة عنيفة جداً. فتحت كل أبواب وبوابات السجن، وفكت أيضاً المقاطر التي أمسكت أرجل المساجين. ولكنها لم تحطّم البناء.
أيقظت الهزة العنيفة السجان وأهل بيته في البيت المجاور. قفز من فراشه وارتدى ملابسه بسرعة وركض خارجاً. فالذي رآه جعله يذهل! كانت أبواب السجن مفتوحة كلياً. وهذا يعني نهايته، لأنه إذا هرب أحد المساجين، فالشيء الوحيد الذي بقي له ليعمله هو الانتحار. فسحب سيفه وأراد أن... في لمح البصر، ناداه بولس وسيلا من الداخل "توقّف! لا حاجة لقتل نفسك. جميعنا هنا."
تغيير عظيم حصل في تلك اللحظة للسجان. بعد حصوله على القنديل، ركض إلى الزنزانة المحكمة الإغلاق. وبعد ما كان يرتجف قبل دقيقه، خائفاً من أن يعيش؛ اصبح الآن خائفاً من أن يموت. لأنه لم يكن مستعداً بعد لملاقاة الله. لأنه أدرك الآن أن نفسه أيضاً بحاجة للخلاص. لذلك طرح سؤاله الشهير على بولس وسيلا. "ماذا اصنع لكي اخلص؟"
أتى الجواب حالاً، "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت، واهل بيتك سيخلصون بنفس الطريقة" .
دعونا الآن نتوقف للحظة هنا! ماذا قصد كل من بولس وسيلا بقولهم آمن بالرب يسوع المسيح؟
إنها بالطبع لا تعني أن يعمل الشخص لكسب، أو لاستحقاق خلاصه. يعمل ليس مثل يؤمن (روميه 5:4).
إنها لا تعني محاولتك حفظ الوصايا العشر. هذه مسألة عمل لا إيمان (روميه3:8).
إنها لا تعني محاولة طاعة القانون الذهبي. يوجد فرق بين محاولة وبين وضع الثقة.
إنها لا تعني أن تعتمد أو تنضم إلى كنيسة. هذه أمور جيدة ، ولكنها يجب أن تتبع الإيمان. لأننا لا نضع العربة قبل الحصان.
لا يكفي الإيمان بالحقائق التاريخية التي تختص بيسوع المسيح.
الإيمان بالمسيح يعني قبوله كربّ ومخلّص (يوحنا 12:1).
الإيمان بالمسيح يعني أن تفتح له باب قلبك (رؤيا 20:3).
الإيمان بالمسيح يعني أن تقبله لكونه الطريق والحق والحياة (يوحنا 6:14).
يمكننا أن نؤمن بالحقائق المختصة بالطائرة، ولكن لا يمكننا حقا الإيمان بها، إلى أن نركب على متنها لتوصلنا ألى هدفنا. وهكذا علينا أن نضع ثقتنا وأنفسنا بيسوع لكونه رجاءنا الوحيد للسماء.
عندما اجلس على الكرسي فأنا بذلك أضع كل ثقلي عليه، فأنا واثق من الكرسي. وهذا ما نعنيه بالإيمان بيسوع.
عندما تتزوج امرأة، "فهي تقبل برجلها ليكون زوجها الشرعي." فتقول، "أريد." والله يقول لنا، " هل تريد أن تأخذ ابني ليكون مخلصك من الخطيئة؟" فعندما تقول نعم، "أريد." تكون قد آمنت بالرب يسوع المسيح. عندما تقول ذلك بصدق ومن أعماق القلب.
1- انك خاطئ وتستحق الذهاب إلى جهنم؛
2- انك تؤمن أن يسوع مات مكانك على صليب الجلجثه؛
3- انك بدون رجاء للسماء سوى الرب يسوع المسيح؛
4- انك تقبل الرب بعمل إيمان حاسم؛
فعندها تكون هذا الإنسان الذي آمن بيسوع.
هذا ما فعله السجان في تلك الليلة في سجن فيلبي. وتبع أفراد عائلته مثاله الصالح هذا.
عندئذٍ أعطاهم بولس وسيلا تعليما في كلمة الرب. ومن المؤكّد أيضاً انهما علّما هؤلاء الذين آمنوا بالرب يسوع المسيح وخلصوا، بان عليهم الإعلان عن ذلك علناً بواسطة عمادهم.
فالسجّان بعد درس الكتاب هذا، ضمّد جراحات بولس وسيلا (تذكرون انهما ضربا بقسوة في اليوم السابق).
أعتمد السجان وعائلته في ذلك اليوم، مظهرين بذلك انهم اصبحوا مسيحيين، وانهم يريدون العيش يومياً للرب يسوع للمسيح.
اظهر السجان حياته الجديدة بطريقة أخرى. فاحضر المبشرين إلى بيته وقدم لهما طعاما. تصوّر بتخيّلك الفرح الذي حلً حول المائدة في تلك الليلة. لقد اصبحوا الآن واحداً بالمسيح يسوع، اخوة بالمسيح وجميعهم أعضاء عائلة الله.
ما الذي كان يحدث حقاً؟
والآن قبل أن نترك بولس وسيلا عند انطلاقهما في متابعة عملهما التبشيري، هنالك عدة نقاط يجب ملاحظتها في هذه الحادثة.
أولاً، نلاحظ الطرق المختلفة التي يستخدمها الشيطان. لقد بدأ بمدح المبشرين بفم الأمة الملبوسة بالأرواح. فعندما لم تنجح هذه الطريقة، حالاً استخدم ضدهم الاضطهاد العنيف. مما سبب لبولس وسيلا أن يُضربا ويُسجنا. فالشيطان يظهر أحياناً مثل الحية المحتالة (رؤيا 9:12) وأحياناً أخرى كالأسد الزائر (1بطرس8:5).
ثانياً، في حياة السجان المتجدد، نرى كيف تتبع الأعمال الصالحة الخلاص. ذكر ثلاث اعمال صالحه. لقد ضمّد جراحات المسجونين، اعتمد، اخذ بولس وسيلا واطعمهما.
بالنسبة لبولس وسيلا، نرى رجلين يتحملان الكثير بسبب قيامهما بعمل صالح. يخبرنا الكتاب انه أن تألمنا عقاباً لذنب ارتكبناه فلا يوجد في ذلك مجد لله. ولكن أن عملنا الخير وصبرنا متحملين عقاباً، فهذا يأتي بالمجد للرب (انظر1بطرس19:2، 20). على العموم هذا ما حصل ليسوع!
نرى أيضاً أن الله يستطيع أن يأتي بالخير كخلاص السجان واهل بيته، الأمر الذي نتج عن حدث سيئ بالظاهر كسجن بولس وسيلا. فالله يعمل كل الأشياء معاً للخير للذين يحبونه (روميه 28:8).
كان توقيت الزلزال ممتازاً. فالله يصدر أمره للطبيعة لتعمل عمله. فالذين يعرفون الله حق المعرفة، يدركون أن وراء عناوين الأخبار الرئيسية، يعمل الله قصده وهو بالحقيقة المنتصر.
والدرس الأخير هنا هو عندما اضطر القضاة لمرافقة بولس وسيلا بتواضع إلى خارج السجن، فانهما بذلك يثبتان الحقيقة القائلة "يرضى الرب عن سلوك الإنسان، فيجعل حتى أعداءه يسالمونه" (أمثال 7:16).
- عدد الزيارات: 4051