الكتاب المقدس كتاريخ - معنى التاريخ
معنى التاريخ
يلاحظ من يتأمل في تاريخ بني إسرائيل أنهم كانوا شعباً هزيلاً صعلوكاً. كان صعلوكاً بين صعاليك حيناً، وصعلوكاً بين ملوك حيناً أخر. وأكّد الأنبياء في نبوتهم أن بإمكان بني إسرائيل أن يحيوا حياة انتصارات ونجاح لو أنهم يسيرون في طُرُق الله ويعملون بحسب وصاياه. لقد استطاع الله أن ينقذهم من العبودية في مصر الفراعنة، ويعولهم أربعين سنة في صحراء سيناء، ويعطي الظفر لملوكهم عند تأسيس المملكة على يد شاول وداود، وينقذ أورشليم من تهديد سنحاريب الأشوري إذ أصيب جيشه بالوباء فجأة فرجع إلى بلاده يجرّ أذيال الخيبة. كان على بني إسرائيل أن يقدّروا مكان الله فيهم فيتواضعوا ويطيعوا لكنهم نسبوا عطايا الله ونعمته لأنفسهم، فكانت النتيجة الفشل والانكسار. إن نجاح الإنسان قد يؤدي إلى دماره إذ تخلى هذا الإنسان عن مبدأ التواضع والتسليم لله. هكذا حدث في أواخر حكم الملك سليمان. نتعلمّ من التاريخ أن الله يقف مع أتقيائه، مع أن هذا لا يجنّبهم احتمال الصعوبات بسماح منه تعالى، إذ أنه يعرف كيف يحوّل الأشياء كلها لخير أولئك الأنقياء. لقد كان مع يوسف في السجن (تكوين 39: 21) مثلما كان معه فيما بعد عندما تسلّم أعلى رتبة في مصر بعد الملك.
الانتشار الأول للكنيسة
كنا نبحث حتى الآن في التاريخ المتعلّق بفلسطين قديماً، لكن عندما نفكّر بالعهد الجديد فلا بدّ لنا من الخروج إلى العالم الواسع. لقد انتشر الإيمان المسيحي من أورشليم إلى السامرة وقيصرية. ثم إلى دمشق وانطاكية. ومن هذه خرج بولس في رحلاته التبشيرية إلى آسيا الصغرى وأوروبا. كان بولس في كل تلك الرحلات يسير ضمن نطاق الإمبراطورية الرومانية (انظر الخارطة رقم 12) وعلى الطرق التي عبّدتها رومة، وكان يتمتّع بالنظام والسلام اللذين أمّنتهما رومة لرعاياها على الرغم مما لاقاه هذا الرسول من صعوبات واضطهادات. ومنذ تأسيس الاسكندر لإمبراطورتيه (انظر خارطة رقم 11). وقبل مجيء الرومان بقرون، انتشرت اللغة اليونانية، وكان الناس في كل بلدان شرق البحر المتوسط يفهمونها. وبعدما استولت رومة على بلدان الإمبراطورية اليونانية لم تغير اللغة أو تستبدل بها اللغة اللاتينية، بل ظلّت اليونانية مستعملة حتى في رومة نفسها. إن هذا سهّل عمل بولس التبشيري، فكان في كل رحلاته يكلّم الأمم من غير اليهود باليونانية وكانوا يفهمون أقواله. لكنه كان أيضاً يدخل المجامع وأماكن العبادة في كل البلدان. إن اليهود كانوا منتشرين في بلدان البحر المتوسط، وكان معهم أفراد كثيرون من الوثنيين الذين قبلوا العقائد الإسرائيلية كلها أو الذين كانوا يميلون إلى العبادة اليهودية دون أي التزام أو ارتباط. كان بولس يذهب أول ما يذهب إلى مجامع اليهود. كان يلقى مقاومة شديدة أحياناً. لكنه كان ينجح في أغلب الأحيان، ومن المؤمنين الجدد تتألف الكنيسة الأولى في ذلك المكان (انظر الخارطات رقم 15- 17).
ألقى علم الآثار ضوءً على حياة بولس، فأيَّد ما جاء عنه في العهد الجديد. من ذلك ما جاء في أعمال 18: 12 عن بولس أنه أوقف أمام الوالي غاليون في مدينة كورنثوس. فقد تبين من الحفريات في موقع دلفي في اليونان أن تولي غاليون ولاية أخائية، والتي كان مركزها مدينة كورنثوس، كان في السنة 51- 52 أو 52- 53 م، وأن التاريخ الأول هو الأرجح. أن هذا يساعدنا لتحديد زمن أحداث خدمة بولس، كما يعطينا فكرة عن سرعة انتشار المسيحية. فإن المسيحية التي ابتدأت بعد صلب المسيح وقيامته وصلت في خلال عشرين سنة وانتشرت في سوريا آسيا الصغرى واليونان. وأننا نندهش كلما تذكرنا أن التلاميذ كانوا قليلين جداً عندما صلب يسوع، فلم يكن بينهم أغنياء أو رجال ذوو نفوذ، ومع ذلك فقد انتشرت بشارتهم إلى مناطق بعيدة بسرعة على الرغم من المقاومة والاضطهاد (انظر خارطة رقم 18). لو أن كل مجموعة صغيرة من مسيحي اليوم اندفعت كالتلاميذ الأولين بالرغبة في خلاص العالم لرأينا نتائج عظيمة مباركة.
- عدد الزيارات: 14887