Skip to main content

الفصل الثالث: الخطبة

(24) الخطبة هي الفترة التي تتوسط ما بين الرضى بالزواج والاتفاق عليه، إلى إتمام مراسيمه، وهي عادة تتم بعد القيام بالاستقصاءات الأولى اللازمة لرضى كل شريك بشريكه. أما الخطوبة فهي تثبيت هذه الاستقصاءات والتأكد منها عن يقين، وفيها تعارف أوثق بين الطرفين، ومحاولة عمل مقدمة للاندماج النهائي بالزواج. وقد عبر أحدهم عن الخطوبة بقول طريف هو: »إن الخطوبة هي الدهليز العظيم المؤدي إلى بهو الزواج الفخيم«.

(25) يجب مد مدة الخطوبة أطول مدة ممكنة حتى يتاح لكل من الشريكين أن يختبر الشريك الآخر عن قرب، فإنه بعد وقت لا بد أن يظهر على سجاياه مهما حاول أن يخفي عيوبه. إن الاندفاع في الزواج مع تقصير مدة الخطوبة له خطورته. أما إن جاز القول إن في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة في كل شيء، فهو يصدق أكثر جداً في أمر خطير كالزواج. وقد وجد أنه كلما طالت مدة الخطوبة كان الزواج أسعد، وتندر حالات الطلاق، والعكس بالعكس.


مصارحة:

(26) قال حكيم: »أعتقد أنه من أسباب السعادة الزوجية أن يصارح الخطيب خطيبته في كل ما يكرهه أو يحبه، وكذلك الخطيبة أيضاً تصارح زوجها في كل ما تكرهه أو ما تحبه، وذلك قبل الزواج«.

أعرف طبيباً صارح زوجته وقت الخطوبة بأنه يكره: (1) الملوخية (2) وأنه يكره في ألوان الفساتين اللون الأصفر (3) وأنه يكره أن يدخل البيت قريب لها أو له في أثناء غيابه. فعاهدته على إجابة طلبه، وكانت صادقة في وعدها.

وقد صارحته هي أيضاً (1) بأنها تكره أن يمتدح هو أية سيدة أخرى مما قد يجربها بأن تشك فيه بأنه يفضل أخرى عليها. (2) وأنها تكره أن يزور أصحابه بدونها (3) أو أن تطول سهراته خارج المنزل. وقد تعهد بإتمام رغباتها، وكان هو أيضاً صادقاً في وعوده. وهكذا عاشا سعيدين جداً، بعد أن تم زواجهما، ترفرف على بيتهما ملائكة السلام، في ربوع بيتهما السعيد.

(27) أسئلة لاكتشاف محبة الخطيبين وتوافقهما معاً.

قدم أحدهم هذه الأسئلة للخطيبين لاكتشاف ما بينهما من حب وتوافق:

1) هل هناك عدد كبير من الأشياء تحبان أن تشتركا في عمله معاً؟

2) هل تحس شريكتك بشعور من الضجر إذا قارنْتَ بينها وبين أخرى تعرفها؟

3) هل تحس بالقلق حين تكون بعيداً عنها أو عنه؟

4) إذا قامت بينكما مشاجرة هل تشعر بعد ذلك بأنك مرتاح لوجودكما معاً؟

5) هل لديك رغبة ملحة في إدخال السرور على قلبه أو قلبها؟ وهل يسرك أن تتنازل عن رغباتك، وعما تفضله في هذا السبيل؟

6) هل تريد في قرارة قلبك أن تتزوج من الطرف الآخر؟

7) هل لهذا الشخص رجلاً أو امرأة، المزايا التي تريدها في أطفالك؟

8) هل يعجب أصدقاؤك بهذا الشخص، وهل يظنون أنه كفوء لك؟

9) هل يعتقد الوالدان من أن كلاً منكما يحب الآخر؟

10) هل بدأت ترسم ولو في ذهنك خطوط المستقبل؟ أي نوع من حفلات الزفاف تريد لزواجك، وأي نوع يكون لك من الأطفال؟ هل فكرت في بيتك بعد الزواج؟...

إذا كانت الأجوبة بالإيجاب فإن كلاً منكما يحب الآخر ويوافق الآخر.

(28) القضاء على كل تناقص بين الخطيبين:

هل قضيت على كل تناقض بينك وبين خطيبك قبل الزواج؟

ربما تكونين قد أقدمت على إتمام خطبتك على عجل دون أن تتأكدي من أنك وخطيبك متفقان في طباعكما وأفكاركما. ولكن لا تتركي الوقت يسرقك في تأثيث البيت فتتم مراسيم الزواج بنفس هذه السرعة، دون أن تحاولي التقريب بين طباعكما وأفكاركما، لأنك إن لم تقومي بهذه المهمة، في الفترة التي يكون فيها خطيبك مرناً، وعلى استعداد للتطور والتغيير، فلن تتمكني من تغيير طباعه فيما بعد.

فإذا أردت أن تعرفي أولاً مدى تجاوبك أو عدم تجاوبك مع خطيبك فاسألي نفسك الأسئلة التالية: هل أنتما متفقان على الطريقة التي ستؤثثان بها بيتكما؟ هل أنتما من النوع الاجتماعي الذي يحب الخروج والاختلاط بالناس ودعوتهم للبيت، أم أن واحداً منكما يفضل العزلة؟

هل أنتما من النوع البسيط المرح، الذي لا يحمل أي هموم للدنيا، أم أنه على العكس في هذه الناحية. هل تواجهان المتاعب والمصاعب بروح واحدة؟ هل تفضلان قضاء وقتكما بطريقة واحدة؟ هل أنتما متفقان في اختيار نوع معين من الأصدقاء؟ هل يضيق أحدكما بهوايات الآخر أو بعمل الآخر؟ هل تفكران بمنطق واحد، وتشعران بنفس الإحساسات المتفائلة أو المتشائمة؟ هل تتفقان على توزيع ميزانيتكما أم يفضل كل منكما الإنفاق على بند معين دون الآخر؟ هل يرضى كل منكما عن تصرفات شريكه؟ هل تجدان سهولة في التنازل عن رأيكما إذا اختلفتما في الرأي أو يتشبث كل منكما برأيه؟

إذا وجدت أن خطيبك لا يتفق معك في ثلاثة أرباع هذه الاسئلة، فحاولي بقدر الإمكان أن تتقربي من طباعه أو أن تقربيه من طباعك، ولكن لا تتغاضي عن أي فرق في شخصيتكما، لأنه إذا بدا هذا الفارق بسيطاً في فترة الخطبة فسوف يبدو كبيراً ومزعجاً بعد الزواج.

(29) رفض التزوج بمن لا يحب اللّه:

رفضت فتاة خطيبها لأنه هزأ بالمؤمنين. فلما وبخته قال: »إن رجل العالم لا يمكن أن يكون رجعياً حتى يعتبر اللّه والدين« فدهشت الفتاة.

ولما أفاقت من دهشتها قالت له: »من هذه الدقيقة يا سيدي، التي اكتشفت فيها أنك لا تقدّر الدين، أكفّ عن أن أكون لك، لأن الذي لا يحب ويكرم اللّه لا يمكنه قط أن يحب زوجته دائماً وبإخلاص«.


لو انفكت الخطوبة:

(30) نعم، يجب أن لا يندم أحد الشريكين، إذا كان الشريك الآخر، قد خدعه، أو نقض الاتفاق، فربما نكتشف عاجلاً أم آجلاً أن الأمر كان لخيرنا. ويكفي ظهور الأخلاق الفاسدة من تلون وخداع دليلاً على عدم النبل وعدم الاستحقاق.

(31) يحدث أن يخطب شاب شابة ثم تحدث المأساة فيفك خطبته، إما لعيب يكتشفه في خطيبته أو في أهلها، لكثرة مطاليب الخطيبة أو أهلها، أو لخلاف يدب بين الطرفين على أمر ما، لكن النبل يقضي بأنه إذا فشلت الجهود في الإصلاح بين الطرفين فالانسحاب الشريف أفضل من تجريح الطرف الآخر. وهذا ما عمله شاب نبيل، فبعد انسحابه كان يسأل: لماذا تخليت عن خطيبتك، مع أنه اكتشف فيها عيباً، كان يقول: »هكذا أراد اللّه«. وعبثاً حاول الناس أن يغروه ليدلهم على مواطن الضعف في الفتاة. ولكنه ظل نبيلاً في عدم تجريح سمعتها بشيء.

أو قد تكتشف الخطيبة عيباً في خطيبها، أو لا يصلان إلى حل مشاكلهما، أو لا يتم بينهما التفاهم في شيء أو في أشياء، وهنا يحسن التراجع بحكمة ونبل لا يلحق بالشريك الآخر ضرراً، ولا يعطله عن زواج موفق يكون من نصيبه.

(32) إن البعض إذ تُفسخ خطبتهم يشمئزون من الزواج على الإطلاق، وقد يصرون بعد ذلك على رفض الزواج بالمرة... لكن هذا هو عين الجبن والهروب من الميدان، والأجدى أن نقوم من كبوتنا، وأن نعاود التفتيش على الشريك الآخر الفاضل حتى نعثر عليه... ولماذا لا يكون فسخ الخطبة حافزاً أعظم على ذلك؟

  • عدد الزيارات: 10831