الكتاب ووحدانية الزواج
وهذه هي النصوص الكتابية التي تؤكد هذا التعليم:
(1) إن أول نص في الكتاب المقدس يعلم بأن الزواج هو ارتباط رجل واحد بامرأة واحدة, ارتباطاً مقدساً أمام الله, نجده في سفر التكوين.
"وقال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده. فأصنع له معيناً نظيره. فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم. فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. وهذه تدعى امرأة وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً" (تك 2: 18, 21: 24).
وقد ذكر الرب يسوع المسيح سامعيه بهذه الحقيقة بكلماته القائلة "أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. وما جمعه الله لا يفرقه إنسان" (مت 19: 4 - 6).
وهذه النصوص الوضاءة ترينا أن الله خلق من البدء "امرأة واحدة" "لرجل واحد" في وقت كان يستدعي بحسب الفكر البشري أن يخلق فيه – تبارك اسمه – عدة نساء لهذا الرجل الواحد حتى تعمر الأرض الخالية من الناس, ويزيد عددهم عليها. لكن الله آرانا بخلقه امرأة واحدة هي حواء لرجل واحد هو آدم أن قصده الإلهي هو أن يكون الزواج ارتباط رجل واحد بامرأة واحدة.
وخلقه "حواء" من لحم آدم وعظامه, أي من ذات المادة التي خلق منها تعلن بما لا يدع مجالا للشك مساواة المرأة بالرجل في الخليقة. وتؤكد أن الله تبارك اسمه رتب في مشيئته العليا من بداية خلقه للإنسان, أن يتزوج الرجل الواحد بامرأة واحدة, تبقى لها, إلى أن يفصل بينمها الموت, أو يرتكب أحدهما خطية الزنى وهنا يحل الطلاق (مت 5: 31: 32).
(2) النص الثاني الذي نجده, مؤكداً أن مشيئة الله وقصده الإلهي هو زواج رجل واحد بامرأة واحدة. نجده في كلمات المزمور القائلة: "طوبى لكل من يتقي الرب ويسلك في طريقه. لأنك تأكل تعب يديك طوباك وخير لك. امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك. بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك" (مزمور 128: 1 - 2).
والنص يتحدث عن الرجل السعيد المتقي الرب, وعن زوجته الواحدة "امرأتك" وليس نساءك, وعن بنية الذين مثل غروس الزيتون حول مائدته.
(3) النص الثالث نجده في كلمات بولس الرسول القائلة "ولكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته وليكن لكل واحدة رجلها" (1كو 7: 2).
وهو بهذا النص الواضح نفى نفياً قاطعاً مبدأ تعدد الزوجات, فالمسيحية بنصوص الكتاب المقدس الصريحة لا تبيح تعدد الزوجات, ولا تبيح العلاقات غير المشروعة بالسراري, والعشيقات, والمحظيات, كما لا تبيح قطعاً تعدد الأزواج.
وعلى هذا الأساس الكتابي نقول إنه ليس من حق المسيحي الحقيقي المؤمن بصدق كلمة الله أن يتزوج بامرأتين أو أكثر في وقت واحد, وليس من حق المرأة المسيحية أن تتزوج برجلين أو أكثر في وقت واحد, إن كلمات بولس الرسول تقول بوضوح لا غموض فيه "رجل واحد لامرأة واحدة, وامرأة واحدة لرجل واحد" .. وهذا هو الزواج الصحيح في المسيحية.
(4) النص الرابع نجده في كلمات بولس الرسول القائلة "ليوف الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك المرأة أيضاً رجلها. ليس للمرأة تسلط على جسها بل للرجل. وكذلك الرجل أيضاً ليس له تسلط على جسده بل للمرأة" (1 كو 7: 3, 4).
وهذه الكلمات ترينا أن الزواج المسيحي هو "امتلاك متبادل" بين الرجل والمرأة. فجسد المرأة ملك لرجلها, وجسد الرجل ملك لزوجته, وهذا تماماً ينفي مبدأ تعدد الزوجات في المسيحية, إذ كيف يمكن أن يكون جسد الرجل ملك لزوجته إذا شارك فيه عدد من الزوجات؟ إنه في هذه الحالة سيصبح رجلاً ممزقاً بين زوجاته, يحاول جاهداً أن يعدل في علاقاته بهن, وهيهات أن يستطيع, إذ لا يمكن لرجل يتزوج بأكثر من امرأة واحدة أن يكون ملكاً خالصاً لواحدة من زوجاته.
وكيف يستطيع رجل أن يعدل في علاقاته الجنسية, والعاطفية, والعقلية, والروحية إذا تزوج بأكثر من واحدة؟... إن الطبيعة البشرية تؤكد لنا أن العدل هنا مستحيل, وان الرجل لا بد أن يسلب بعض زوجاته حقهن الواجب عليه ليعطى للزوجة المقربة إلى قلبه ما تريد, وقد سلب يعقوب حق زوجته ليئة لأنه أحب زوجته راحيل أكثر منها, حتى اضطرت ليئة إلى استئجاره من راحيل بلفاح ابنها رأوبين.
"فقالت راحلى لليئة أعطيني من لفاح ابنك (اللفاح نبات ثمرة أصفر شبيه بالبطاطا طعمه حلو ورائحته ذات عبير فواح) فقالت لها أقليل أنك أخذت رجلي فتأخذين لفاح ابني أيضاً فقالت راحيل إذا يضطجع معك الليلة عوضاً لفاح ابنك. فلما أتى يعقوب من الحقل في المساء خرجت ليئة لملاقاته وقالت إلي تجيء لأني قد استأجرتك بلفاح ابني. فاضطجع معها تلك الليلة" (تك 30: 14 - 16)
هنا نرى أن العدل بين الزوجات مستحيل, وأن المسيحية عالجت هذا الظلم الصارخ في الحياة الزوجية بمنعها لتعدد الزوجات.
(5) هناك نص خامس نجده في كلمات بولس الرسول "لا يسلب أجدكم الآخر إلى أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضاً معاُ لكي لا يجركم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم" (1 كو 7: 5)
وأمام هذا النص يبرز سؤال: "كيف يمكن لرجل متزوج بأكثر من واحد أن يتفرغ للصوم والصلاة بعيداً عن الاتصال الجنسي وهو ملزم أن يوفي لزوجاته هذا الحق والواجب عليه؟"
إن روح هذا النص يؤكد أن المسيحية لا تبيح تعدد الزوجات. لأنها تطالب الرجل كما تطالب المرأة بتخصيص وقت للصوم والتفرغ لعبادة الله.
(6) نص سادس نجد في كلمات بولس الرسول القائلة "فأريد أن تكونوا بلا هم. غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب. وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته.. إذا من زوج فحسنا يفعل ومن لا يزوج يفعل أحسن" (1 كو 7: 32, 33, 38)
فهل يعقل وبولس الرسول يقول هذا الكلام الواضح أن تبيح المسيحية تعدد الزوجات, وهي تعتبر الزواج هماً ومسئولية كبرى؟
(7) أخيراً نقول أن المسيحية لا تبيح قط تعدد الزوجات لأن الزواج في المسيح هو رمز لعلاقة المسيح بالكنيسة, فقد سميت الكنيسة في العهد الجديد "العروس امرأة الخروف" (رؤيا 21: 9), وإذا اعتبرنا سفر نشيد الأنشاد تعبيراً عن هذه العلاقة المقدسة, الفريدة السامية, وجدنا فيه الكلمات "واحدة هي حمامتي كاملتي" (نش 6: 9). فالكنيسة الواحدة عروس المسيح, وإليها وجه بولس الرسول كلماته "فإني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (1 كو 11: 2)
وكما أن عروس المسيح واحدة, لعريسها الواحد, كذلك فالزاج في المسيحية هو "امرأة واحدة لرجل واحد".
إن نصوص الكتاب المقدس الصريحة, ومفهومة الواضح عن الزواج, تؤكد لنا أن المسيحية لا تبيح تعدد الزوجات.
فافرح بالمرأة الواحدة التي أعطاك إياها الرب, وعش معها بأمانة, وإخلاص وحب, ووئام مطيعة لكلمة الله, واذكر في الختام كلمات بولس الرسول الجليلة:
فأقول هذا أيها الإخوة الوقت منذ الآن مقصر لكي يكون الذين لهم نساء كلأن ليس لهم. والذين يبكون كأنهم لا يفرحون والذين يشترون كأنهم لا يملكون والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه. لأن هيئة هذا العالم تزول" (1 كو 7: 29 - 31)
وبهذا الإحساس السليم, تعيش حياة هادئة مطمئنة مع شريكة حياتك وتستمتع بالزاج السعيد في أيام غربتك, منتظراً وطالباً سرعة عودة الفادي الرب يسوع المسيح.
- عدد الزيارات: 6951