الباب الرابع عشر: في الماء المقدس
لا يخفى أن استعمال الماء في الطقوس الدينية كان شائعاً عند اليهود. وكذلك بين الوثنيين من اليونانيين والرومانيين كانت التطهيرات الدينية جارية. فإنهم عند دخولهم إلى هياكلهم كانوا يستحمون أو بالأقل ينضحون الماء على أجسادهم. وكان هذا الغسل مستعملاً على الخصوص في طقوسهم السرية.
وأما كنيسة المسيح ففي الخمسة القرون الأولى كان استعمال الماء المكرَّس والاعتقاد بأن له قوة مطهّرة غير معروفٍ فيها بالكلية. وكان المسيحيون إلى مدة مستطيلة يكرهون رش أنفسهم بالماء قدام الهياكل لأنهم يحسبون ذلك خرافةً وثنية[290] ويخبرنا ثاودوريتوس[291] عن فالنتنيانوس الذي صار فيما بعد ملكاً في أواخر القرن الرابع أنه إذ كان مرافقاً للملك نظير قائد إلى هيكل فرتونا رشَّ عليه أحد خدام الهيكل شيئاً من المكرس. فاغتاظ جداً من ذلك حتى لطم ذلك الخادم وقال لهُ أنني رجل مسيحي فلا يطهّرني هذا الماء الوثني بل ينجّسني. وأوغسطينوس الذي توفي سنة 430 يقول عن طقوس الكنيسة أنه لا توجد عادةٌ تشبه طقس المعمودية. فلو كان استعمال الماء المكرَّس موجوداً في ذلك الوقت لما كان معنى لكلام أوغسطينوس هذا لأنه يشير إلى أمر التطهير كما تشير المعمودية إلى ذلك.
وبناءً على ما تقدم يُظَنُّ أن هذه العادة ظهرت في أيام غريغوريوس الكبير في القرن السادس. ولكن حسب شهادة جميع المشاهير من علماء المسيحيين الذين كتبوا عن العوائد المسيحية القديمة لم تصر هذه العادة شائعة في الكنائس الغربية حتى القرن التاسع[292] والعهد الجديد لا يذكر أبداً استعمال مثل هذا الماء من الرسل أو المسيحيين الأولين.
[290] - سيجل مجلد 4 وجه 644.
[291] - تاريخ كنسي لثاودوريتوس كتاب 3 رأس 16.
[292] - سيجل مجلد 1 وجه 644.
- عدد الزيارات: 4313