إصلاح الحياة والميلاد الثاني؟!
هل إصلاح الحياة هو الميلاد الثاني؟ كلا.... تسأل أحدهم هذا السؤال- هل أنت مولود من الله؟ فيقول " يا سلام الحمد لله، لقد تحسنت حياتي كثيراً، كنت سكيراً عربيداً نجساً، أما الآن فقد
ذهبت هذه الخطايا الكبيرة ولم تبق إلا الخطايا الصغيرة مثل الشتم والحلف، والتدخين، والزينة الخارجية، والقليل من الهزل، وأنت ترى أن هذه الخطايا بسيطة، فأنا أحسن من الأول لأني قد أصلحت حياتي".
لكن الحقيقة الكبرى هي إن إصلاح الحياة القديمة، ليس هو الميلاد الثاني، لأن الله " لا يرقع" الحياة القديمة برقعة جديدة، بل يخلق الإنسان خلقاً جديداً فقد وعد بفمه الكريم قائلاً "وأرش عليكم ماء طاهراً فتطهرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة في داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم" (حزقيال 36: 25-27).
لقد قال المسيح لنيقوديموس "المولود من الجسد جسد هو" ويقول بولس الرسول "الذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله" (رومية (8: 8) "لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله لأنه أيضاً لا يستطيع" (رو 8: 7) ولذلك أكد الرسول أيضاً أن الإنسان الطبيعي يجهل ما لروح الله فقال "ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً" (1كو 2: 14) فإصلاح الحياة الطبيعية ليس هو الميلاد الثاني، ليس هو التجديد، وليس هو ما قصده الرب يسوع حينما قال "ينبغي أن تولدوا من فوق".
أتعرف كيف أصف لك إصلاح الأخلاق والحياة القديمة؟
إصلاح الحياة هو طلاء طلمبة بدهان الدوكو اللامع الجميل لكي تخرج ماء عذباً ولكنها ستستمر تخرج ماء مالحاً لا يصلح للشرب لأن هذا الطلاء الخارجي لم يغير قلبها.
إصلاح الحياة يشبه قبراً مصنوعاً من الرخام الثمين، ولكنه ملآن بعظام الأموات وكل نجاسة.
في إنجيل متى الأصحاح الثاني عشر يصف لنا المسيح إنساناً أصلح حياته، وأخرج منها الخطايا الكبيرة، ولكنه لم يولد الميلاد الثاني ولم يمتلئ بالمسيح، وشبهه برجل خرج منه الروح النجس، ولكنه بعد قليل عاد إليه ومعه سبعة أرواح أخر أشر منه، لأن القلب لم يتجدد، ولم يمتلئ بالرب يسوع المسيح، ولم يتغير "فصارت أواخر ذلك الإنسان أشر من أوائله" (متى 12: 44 و45).
يحدثنا التاريخ عن مرسل أمريكي ذهب إلى إفريقيا الوسطى ليبشر آكلي لحوم البشر ورأى هناك رئيس قبيلة له سبع زوجات، فعقد أواصر الصداقة مع هذا الزعيم، وبدأ يلقنه بعض التعاليم المسيحية عن مضار تعدد الزوجات، وكيف يجب أن يتخلص من زوجاته.... وقال الزعيم للمرسل "سوف أعمل بكل نصائحك" وسافر المرسل إلى بلاده في إجازة وعاد بعد ثلاث سنوات وأخبره أهل المدينة بأن رئيس القبيلة قد أصلح حياته وأصبح زوجاً لزوجة واحدة، أسرع المرسل بفرح إلى الرئيس وصافحه بحرارة وهو يقول " يا أخي كم أشكر الله لأجل طاعتك ومحبتك للرب" قال الرئيس يا حضرة المرسل "لا داعي للشكر فقد كان الأمر سهلاً ولذيذاً" قال المرسل "وهذا مما يدعو للشكر أكثر يا أخي أن تطيع الله بفرح، لكن كيف تخلصت من زوجاتك؟، وسكت الزعيم الإفريقي لحظة ثم قال "كان الأمر سهلاً ولذيذاً كما قلت لك، فقد أكلتهن جميعاً" عندئذ نكس المرسل رأسه إلى الأرض وقال "هذه خطيتي فقد كان ينبغي أن أعلمك أولاً عن الميلاد الجديد" فالميلاد الجديد يجب أن يسبق كل تعليم.
إصلاح الحياة إذاً، أو الاعتقاد بعقيدة جديدة، أو الانتقال من طائفة إلى طائفة..... هذه كلها ليست هي الميلاد الثاني، فقد تبطل الخمر أو التدخين نتيجة نصيحة طبيب، أو تقلع عن عادة خوفاً من عواقبها، أو تنتقل إلى طائفة أخرى لاقتناعك العقلي بتعاليمها.... ومع ذلك فقد لا تكون مولوداً من الله.
فإذا كان إصلاح الحياة ليس هو الميلاد الثاني، فما هي حقيقة هذا الاختبار المجيد؟! لنذهب إلى مقادس الوحي مصلين أن يعلن لنا إلهنا هذا الحق الثمين.
1- الميلاد الثاني هو الخليقة الجديدة:
يقول لنا بولس الرسول، وهو رجل اختبر حقيقة الميلاد الثاني "إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هو ذا الكل قد صار جديداً" (2كو 5: 17) هذا هو الميلاد الثاني بحسب تعريف الكتاب، الأشياء العتيقة- خطايا الغرائز المنحرفة، خطايا اللسان والعينين واليدين، والعادات المقيدة للإنسان، والزينة الخارجية والملابس التي لا تمجد الله، ومحبة المال، والبخل المخيف الرهيب، والأخلاق القاسية، والمعاملات الشديدة هذه كلها قد مضت "وهو ذا الكل قد صار جديداً".
حدثنا القس هملتون في كتابه "قوانين ملكوت السموات" بهذه القصة قال "منذ بضع سنوات كنت أعظ في اسكتلنده عن بعض قوانين ملكوت السموات، وكنت أعقد اجتماعاتي في كنيسة إنجيلية، وقد حدثني راعي الكنيسة عن قصة تشرح لنا قوة الله، وترينا ما يعمله الله بنا إن نحن سلمناه قيادنا، فقد كان هناك شيخان من شيوخ الكنيسة راجعين من الكنيسة، وكانا في أثناء سيرهما يتطارحان الحديث عن الموعظة التي سمعناها، فقال أحدهما للآخر "حقاً لقد كانت رسالة هذا الصباح على غاية من الإبداع". فأجابه الآخر "نعم ولكنك لا شك تعلم أنها ضرب من ضروب المحال". فأجابه الآخر على الفور "ضرب من ضروب المحال؟ كلا يا عزيزي ليست هي كذلك، ولا يجوز أن تقول أن في عالم النعمة أمراً مستحيلاً، فها أنا أقص على مسمعيك الآن قصة حادثة شاهدتها بعيني رأسي، فعندما كنت في خدمة الجيش كان معي في الثكنة رجلان قويان، عليهما إمارات الصحة وعلامات القوة، وكانا معدودين من أكبر المشاغبين المشاكسين، وقد حدث أن أحد هذين الرجلين، وهو الأكثر مشاكسة، سمع رسالة الإنجيل فتغلغلت في أعماق قلبه، ونال الولادة الجديدة، ولما عاد إلى الثكنة اعترف جهراً أمام رفاقه أنه قد أصبح أحد أتباع المسيح، وعندما سمع صديقه ذلك قال "هيهات أن يستمر ذلك طويلاً، ولسوف نرى ماذا تكون النتيجة". وفي الصباح التالي وقف ذلك الجندي المشاغب يوزع القهوة الساخنة على الجنود، ومن بينهم ذلك الجندي الذي تجدد في الليلة السابقة، وكان هذا مرتدياً "بنطلون" يعلوه "روب مفتوح" من فوق إلى أسفل وغير موثق العرى، وعندما كان الجندي المشاغب يوزع القهوة نظر وإذا أمامه رفيقه المتجدد، فما كان منه إلا أن تناول فنجاناً مملوءاً بالقهوة وهي في درجة الغليان، ثم سكبه على صدر ذلك الرفيق العاري..... وعند ذلك تمشت في جسم كل منا رعدة قوية من هامة رأسه إلى أخمص قدميه، وعلت بعضاً منا صفرة الوجل مما قد يكون لذلك من عاقبة وخيمة وشجار عنيف، ولكن لشد ما كانت دهشتنا عندما رأينا ذلك الرجل المتجدد ملازماً الصمت برهة قصيرة، أخرج بعدها منديله ومسح القهوة الساخنة وقد سلخت جلده، ثم التفت إلى زميله المجرم وقال "ممن حسن حظك إني تجددت في الليلة الماضية وقبلت يسوع المسيح مخلصاً لي ورباً، ولولا ذلك لفتكت بك، ولو أدى ذلك إلى شنقي".
إن هذه الصورة الحية الواقعية تؤكد لنا حقيقة كلمات الرسول "إذاً إن كان أحد في المسيح هو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هو ذا الكل قد صار جديداً" (2كو 5: 17).
2- الميلاد الثاني هو دافع المحبة للإخوة:
كان يوحنا الحبيب في حياته الأولى أشد تلاميذ المسيح غضباً، حتى لقبه يسوع بابن الرعد، لكنه بعد أن اختبر اختبار الميلاد الثاني كتب يقول في تأكيد واضح "كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله، وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضاً" (1يو 5: 1) "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة" (1يو 3: 14)، من هذه الكلمات نتعلم أن المؤمن المولود من الله فيه روح الله، وروح الله، هو روح المحبة والوحدة، وعندما تولد من الله يدفعك الروح الذي يسكن فيك إلى محبة الإخوة.... هذا اختبار حقيقي، فكم من مرة أقابل أخاً لم أره من قبل، ومن أول مقابلة أشعر نحوه بعاطفة المحبة المقدسة، وكأنه أخي منذ زمن بعيد، فالمسيحي الحقيقي مع أخيه كقطعتي حديد ملآنتين بالمغناطيس، كل واحدة تجذب الأخرى، وتجذب إليها.
فهل تحب أخاك في الرب أيها القارئ أم تبغضه؟
إن القلب الذي يحتفظ بالإساءة ولا ينساها، هو في حقيقة الأمر قلب غير متجدد، لم يدخله نور الحب السماوي بعد "من قال إنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة. وفي الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضي لأن الظلمة أعمت عينيه" (1يو 2: 9-11) "كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه" (1يو 3: 15).
فهل أنت قاتل متدين أيها القارئ؟ هل تبغض أحداً من إخوتك؟
هل في قلبك حقد متربع على إحساساتك ومشاعرك؟ إنك في حاجة إلى اختبار الميلاد الثاني الذي يدفعك إلى محبة الإخوة.
3- الميلاد الثاني هو الدافع المقدس لصنع البر:
يقول يوحنا الرسول في شرح هذه الحقيقة الجليلة "إن علمتم أنه بار هو فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه" (1يو 2: 28).
إن الإنسان الطبيعي قد يفعل البر، ولكنه بر ملئ بالشر، لأن دافعه حب الذات وحب مجد الناس، فهو بر منجس بمحركاته وبواعثه ينطبق عليه قول أشعياء النبي "قد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة كل أعمال برنا" (أش 64: 6) لكن المولود من الله يصنع البر وهو مدفوع بحياة المسيح فيه والطبيعة الجديدة التي يتمتع بها "لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (أفسس 2: 10) وهكذا يترنم المؤمن الحقيقي بالقول "وصاياه ليست ثقيلة" (1يو 5: 3)، فهو يحيا بسرور متمماً مشيئة الرب، فإن أعطى من أمواله، لا يعطي ليفتخر بعطائه وإنما يعطي ليبني ملكوت الله، وهو يحيا حياة القداسة لا ليشتهر بتقواه بل ليرضي إلهه، إنه خال من روح الفريسي، ولكنه ملآن بحياة الله التي تجعله ينتصر على روح الشر في العالم عن طريق صنع البر.
4- الميلاد الثاني هو سر النصرة على الخطية:
لنستمر مع يوحنا الحبيب وهو يشرح لنا هذا الاختبار المجيد ولنسمعه وهو يردد "كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله" (1يو 3: 9) ثم يعود فيقول في ختام رسالته" نعلم أن كل من ولد من الله لا يخطئ بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه" (1يو 5: 18) فالميلاد الثاني بحسب تفكير يوحنا الرسول، هو سر الانتصار على الخطية.... إن المولود من الله لا يقدر أن يستمر في خطية معروفة له، فالذي يفعل الخطية كل يوم هو خاطئ لم يتجدد بعد، ولكن المؤمن قد يزل- والزلل ليس كل يوم- وعندئذ لا بد له أن يذهب معترفاً لله بخطيته لينال الغفران، فالأمر الكتابي لأولاد الله هو هذا "يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً" (1يو 2: 1-2).
وقد يقول أحدهم معترضاً- ألم يخطئ داود وهو ابن من أبناء الله؟ والجواب- إن داود لم يستمر في خطيته طول حياته، بل كانت خطيته زلة قام منها باكياً نادماً طالباً الغفران صارخاً لإلهه "قلباً نقياً أخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيماً جدد في داخلي.... طهرني بالزوفا فأطهر.... اغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مزمور 51: 10 و7) فالمؤمن المولود من الله يحيا حياة النصرة على الخطية، وإن زل في لحظة إهمال، فهو لا يستطيع الاستمرار سقطته وخطاياه، لأجل ذلك ينبر الكتاب عن هذه الحقيقة بالقول "لأن داود عمل ما هو مستقيم في عيني الرب ولم يحد عن شيء مما أوصاه به كل أيام حياته إلا في قضية أوريا الحثي" (1مل 15: 5).
وهكذا نرى أن داود عاش حياته مستقيماً، ولم يزل إلا في قضية واحدة ثم قام من زلته نادماً باكياً معترفاً بخطاياه وعاد لخدمته لله.
إن كثيرين يفعلون الخطية كل يوم معتذرين بالضعف البشري، لكن السيد قد جاء لكي يعطي للخاطئ خلاصاً من سلطان خطاياه ولذا فقد قال الكتاب "وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت 1: 21) ولم يقل يخلص شعبه ويتركهم ليستمروا في خطاياهم، وهكذا أكد الرب بفمه الكريم قائلاً "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو 8: 34-36) فالرب قد وعد الخاطئ الراجع إليه بحرية من عبودية الخطية القاسية، بل هو بذاته يعطي القدرة لهذه الحياة العالية، لذلك فليس بعجيب أن يقول لمريض بركة بيت حسدا "ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشر" (يو 5: 14) فماذا قصد يسوع بقوله لذلك الرجل لا تخطئ أيضاً؟ هل كان يطلب منه أمراً مستحيلاً؟ كلا. إذاً فالحياة المنتصرة على الخطية، حياة ممكنة بحسب منطوق هذه الآية.... وهي ممكنة للذين ولدوا من الله. ونالوا منه القوة للغلبة والانتصار، ولهذا قال يوحنا الرسول الحبيب "أيها الأولاد لا يضلكم أحد. من يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار. من يفعل الخطية فهو من إبليس. لأن إبليس من البدء يخطئ. لأجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس" (1يو 3: 7 و8) "كل من يثبت فيه لا يخطئ. كل من يخطئ لم يبصره ولا عرفه" (1يو 3: 6) فهل اختبرت الحرية من الخطية أيها القارئ؟ هل الرب يسوع هو سر نصرتك وقوتك؟!
إن غرض خلاص الله هو أن ينطبق على أولاده الكلمات التي كتبها الرسول لأهل فيليبي حين قال لهم "لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء أولاداً لله بلا عيب في وسط جيل معوج وملتو تضيئون بينهم كأنوار في العالم" (فيليبي 2: 15)
5- الميلاد الثاني هو سر النصرة على العالم:
فلندع يوحنا وهو أخصائي قدير في موضوع الميلاد الثاني، يوالي توضيح هذا الاختبار، ولنسمعه وهو يقول "كل من ولد من الله يغلب العالم وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله" (1يو 5: 4-5)
هذا هو الحق الصريح، أن المولود من الله له سر النصرة على مثلث الشر في العالم "شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة" (1يو 2: 16).
ويكفي أن نقف لحظة أمام يوسف وهو في أرض مصر، ونراه محاطاً بثالوث العالم الجهنمي في شخص سيدته، فقد كانت التجربة الرهيبة تحمل في طياتها شهوة الجسد، وشهوة العيون وتعظم المعيشة، لكنه رغم سطوة التجربة وشدة إغرائها ، يصرخ في وجه امرأة سيده قائلاً "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟" (تك 39: 9).
ومع يوسف، نستطيع أن نتأمل شخصية دانيال، ذلك العبد المسي في بلاد بابل، وكل مغريات القصر الملكي تحيط به، وهو يعيش في وسط ارستقراطي خليع، لكنه ينتصر على كل المغريات، ويحطم كل قوى الشر التي حوله إذ نقرأ عنه "وأما دانيال فجعل في قلبه أن لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه" (دانيال 1: 7)
وهل يمكن أن نترك هذه النقطة قبل أن نعود بذاكرتنا إلى ختام رسالة فيليبي لنقرأ هذه العبارة التي تحمل كل معاني الانتصار على عالم الشر "يسلم عليكم جميع القديسين ولا سيما الذين من بيت قيصر" (في 4: 22)، في بيت قيصر، بيت الوثنية، والخلاعة، والقسوة الرومانية، والفجور الأكبر، عاش قديسون انتصروا على الوسط الذي أحاط بهم بقوة الرب الساكن فيهم.
- عدد الزيارات: 2746