الإجماع على حقيقة التجسد
أكد الرسول بولس حقيقة التجسد بهذه العبارة الخالدة "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أؤمن به في العالم رفع في المجد"
(1تى 3: 16) وفي هذه الآية أكد لنا رسول الأمم الإجماع على حقيقة التجسد، والإجماع كما يقول جورج جودمان معناه "المصادقة من الجميع" فلنأخذ الآن مجالاً نستمع فيه إلى أولئك الشهود الذين أجمعوا على حقيقة التجسد.
1- الشاهد الأول هو ظهورات الله في العهد القديم:
يقول الكثيرون من المعارضين لحقيقة التجسد، إنه من المستحيل أن يصير الله إنساناً، فيصبح حادثاً له بداية ونهاية، لكن ظهورات الله المتكررة في العهد القديم تؤكد قدرة الله على أن يتخذ صورة بشر ومع ذلك يظل هو الألف والياء البداية والنهاية، فقد ظهر الله لإبراهيم عند بلوطات ممراً (تك 18: 1-32)، وظهر لهاجر الجارية (تك 16ك 7-16)، وظهر ليعقوب "فبقي يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه. وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر فقال له لا أطلقك إن لم تباركني فقال لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت... فدعى يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلاً لأني نظرت الله وجهاً لوجه ونجيت نفسي" (تك 32: 24-30) وظهر ليشوع ودفع له أريحا (يش 5: 13-6: 2)، وظهر لجدعون (قضاة 6: 11-25) وظهر لنوح وامرأته (قضاة 13: 2-33)، هذه الظهورات ترينا أن الله يمكن أن يتمثل للناس في صورة بشر ليتفاهم معهم، ويتحدث إليهم.
2- الشاهد الثاني نبوات العهد القديم:
والعهد القديم مليء بالنبوات عن تجسد المسيح، ومكان هذا التجسد، وغرض هذا التجسد، وبعض هذه النبوات كتب قبل المسيح بمئات السنين لكنه تم حرفياً في شخصه الكريم، وسأكتفي بذكر القليل من هذه النبوات، ففي سفر أشعياء نقرأ هذه النبوة "ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (أش 7: 14) ويقول متى البشير عن هذه النبوة "وهذا كله كان لكي يتم ما قيل بالنبي القائل هوذا العذراء تحبل وتلك ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (مت 1: 22-23) فالوليد المجيد كان هو نفسه عمانوئيل "الله" في صورة بشر. وفي سفر أشعياء نقرأ أيضاً "لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاًً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام" (أش 9: 6) وهنا نجد أن أشعياء يعترف أن هذا الوليد هو بذاته الإله القدير والآب الأبدي. وهل يقبل الفكر اليهودي أن يعلم بوجود إلهين في وقت واحد؟ كلا. وإنما تنبأ النبي عن تجسد الله عندما يأتي في المسيح. وفي سفر ميخا نقرأ هذه النبوة "أما أنت يا بيت لحم إفراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا 5: 2) ومن هو ذلك المتسلط منذ القديم ومنذ الأزل سوى الله العلي القدير؟! هذه النبوات وكثير غيرها تدل دلالة قاطعة على حقيقة التجسد.
3- الشاهد الثالث الملائكة:
اشترك العالم السماوي مع العالم الأرضي في الإجماع على حقيقة التجسد ففي ليلة الميلاد ظهر ملاك من السماء لجماعة الرعاة وقال لهم "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لوقا 2: 11) وهل يعقل أن يعترف ملاك من السماء بالمسيح الرب ولا يكون المسيح هو الله" ؟! وفي سفر أشعياء نرى الملائكة تنادي السيد "قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض" (أش 6: 3) ويؤكد يوحنا أن أشعياء كتب هذا عن المسيح المجيد بعد أن "رأى مجده وتكلم عنه" (يو 12: 41) وهكذا نرى أن الملائكة شهدت بحقيقة التجسد.
4- الشاهد الرابع الرسل الأولين:
لقد أجمع الرسل على تأكيد حقيقة التجسد، فيوحنا يكتب قائلاً "في البدء كان الكلمة.... وكان الكلمة الله.... كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس.... والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" (يو 1: 1-4، 14) ويكتب بولس للعبرانيين قائلاً "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء الذي به أيضاً عمل العالمين الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب 1: 1-3) ويعود فيكتب إلى أهل كولوسي "الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا.... الذي هو صورة الله غير المنظور...الكل به وله قد خلق الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل... لأنه فيه سر أن يحل كل الملء...فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كولو1: 14-17، 19، 2: 9) ثم يكتب لأهل رومية قائلاً "ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد آمين" (رو 9: 5)، وفي رسالة كورنثوس الأولى يقول "لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1كو 2: 28)، وفي الرسالة الثانية لكورنثوس يكتب "أي أن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم" (2كو 5: 19)، وكذلك يقرر يوحنا في رسالته الأولى حقيقة التجسد بالقول "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم، بهذا تعرفون روح الله. كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله" (1يو 4: 1-3) وفي رسالته الثانية يقول "لأنه قد دخل إلى العالم مضلون كثيرون لا يعترفون بيسوع المسيح آتياً في الجسد هذا هو المضل والضد للمسيح...إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام" (2يو 7: 10)، وينضم إلى هذين الشاهدين بطرس الرسول فيقول "لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته" (2بط 1: 16). هذه الآيات تؤكد في صورة قاطعة إجماع الرسل الأولين على الإيمان بحقيقة التجسد.
5- الشاهد الخامس حياة المسيح الشخصية وشهادات عن نفسه:
لقد كانت حياة المسيح في الجسد البرهان الأكبر على أنه هو الله لذلك كتب يوحنا قائلاً "الكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" (يو 1: 14) نعم فلم يعش على الأرض شخص في طهارة المسيح، ولم يستطع أحد أن ينتصر على الخطيئة طول حياته كما انتصر المسيح، فآدم الأول أسقطه الشيطان عن طريق الإغراء، وداود أسقطه الشيطان عن طريق الشهوة الجنسية، وموسى أسقطه الشيطان عن طريق العصيان،وإيليا النبي الجريء مر عليه الوقت الذي خاف فيه لأجل نفسه، وسليمان في كل حكمته أمالت النساء قلبه، وحزقيا في إيمانه هدمه الغرور وحب الظهور. وقس على هذا كل الأنبياء والعظماء بلا استثناء، فالاسكندر، ونابليون، وهتلر، وموسوليني، وغاندي، وغاريبالدي، وبوذا، وكونفوشيوس، وسقراط كل هؤلاء غلبتهم الخطية على أمرهم إذ لم يكونوا سوى بشر كسائر الناس أما المسيح المجيد فقد كانت حياته شهادة كاملة على لاهوته، فميلاده العذراوي، وحياته المرتفعة فوق ظروف الحياة، وقيامته المعجزية الرائعة، كل هذا يؤكد أن المسيح هو الله، وكما قال أحد الخدام المصريين بحق "لو كان المسيح مجرد إنسان لما وجد داع لميلاده من عذراء، ولا لقيامته بالجسد، بل كان الأجدر به أن يولد كما يولد غيره من بني الإنسان وأن يرجع بعد موته إلى التراب كما يرجع إليه غيره من بني آدم" لقد عاش المسيح طفلاً لكن طفولته كانت طفولة باردة كاملة، وعاش غلاماً لكن أخطاء الصغر لم تخالط صبوته، وعاش شاباً، لكن خطايا الشباب لم تقدر أن تلوثه وعاش في الألم لكن الألم لم يدفعه إلى التذمر يوماً، وعاش في الفقر لكن الفقر لم يذله، وتألب عليه الأصدقاء والأعداء لكنه لم يحقد عليهم بسبب شرهم. وثارت عليه قوات الجحيم لكنه غلبها جميعاً، هتف في ختام حياته على الأرض بالجسد "ثقوا أنا قد غلبت العالم" وأخيراً دخل المعركة مع قوات الظلام فرضى لهم أن يقيدوه، وأن يصلبوه وأن يطعنوه، وغلبهم بعد أن سمروه على الصليب.
هذا الشخص الطاهر المنتصر، منزه عن الكذب، ولذا فقد تحدى أعداءه يوماً قائلاً "من منكم يبكتني على خطية" (يو 8: 46) وإذا كان أعداؤه أنفسهم قد عجزوا عن أن يجدوا في حياته خطية حتى شهد بيلاطس "لم أجد في هذا الإنسان علة" (لوقا 23: 13) إذاً فكل شهادة نطق بها المسيح عن نفسه هي الصدق الكامل والحق الصراح، وقد شهد المسيح عن نفسه بأنه هو الله، وتصرف بهذا الإحساس الكامل بلاهوته المجيد. فقد قرر إنه الكائن الأزلي "قال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو 8: 58) "أنا هو الأول والآخر" (رؤ 1: 17) "أنا الألف والياء البداية والنهاية" (رؤ 22: 13). وقال إنه مطلق الوجود فقال لنيقوديموس وهو في الأرض أنه أيضاً في السماء "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13)، وقال لتلاميذه "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20)، وقرر أيضاً أنه أعظم من الهيكل، ومن أعظم من الهيكل غير الإله الذي يعبد فيه؟ "ولكن أقول لكم أن ههنا أعظم من الهيكل" (مت 12: 6) ثم قرر أنه أعظم من سليمان فقال "هوذا أعظم من سليمان ههنا" (مت 12: 42) ومن أعظم من سليمان الذي قال له الله "لم يكن مثلك قبلك ولا يقوم بعدك نظيرك" (1مل 3: 12) إلا إله سليمان "ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ 19: 16). وقد وقف منادياً العالم المتعب المسكين "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 11: 28) ومن ذا الذي يجسر أن ينادي المتعبين في العالم. في مختلف أنواع متاعبهم، سواء أكانت المرض، أم الفقر، أم الدين، أم الخطية أم الآلام الرهيبة المنتشرة، ويعدهم براحة لو جاؤوا إليه ما لم يكن هذا الداعي هو الله في ذاته وقدرته وغناه؟! وقد أعلن أيضاً أنه هو "الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6) وأنه "القيامة والحياة" (يو 11: 25) وأنه هو "الراعي الصالح" (يو 10: 11) وكونه هو الراعي يؤكد أنه هو يهوه القديم الذي رنم عنه داود قائلاً "الرب راعي فلا يعوزني شيء" (مز 23: 1)، وكونه هو الصالح يؤكد أيضاً أنه الله كما قال للشاب الغني "لماذا تدعوني صالحاً. ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله" (مرقس 10: 17 و18)، وقرر أنه واحد مع الآب فلما قال له فيلبس "يا سيد أرنا الآب وكفانا" (يو 14: 8) أجاب بالقول "أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب في الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال فيّ هو يعمل الأعمال صدقوني أني في الآب والآب فيّ وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها" (يو 14: 10 و11) وقد أعلن معرفته، كل شيء عندما قال "أنا هو الفاحص الكلي والقلوب" (رؤ 2: 23). وأعلن قدرته على كل شيء عندما قال "أنا هو القادر على كل شيء" (رؤ 1: 8) وأكد سلطانه لغفران الخطايا فقال للمفلوج "مغفورة لك خطاياك" (مر 2: 5) ولما تذمر الكتبة قائلين "من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده" (مر 2: 7) شعر بروحه بما يجول في أفكارهم، ولكنه لم ينكر سلطانه بل أكده بالقول "أيما أيسر أن يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك أم أن يقال قم واحمل سريرك وامش ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمفلوج قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك" (مرقس 2: 9-11) وهنا نجد أن المسيح قد أكد لقلوب سامعيه أنه هو الله غافر الخطايا "لأنه من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده" وأن له السلطان على الجسد، وأنه يعرف ما يجول في صور الناس. وكذلك قبل المسيح السجود من البشر مع أنه هو بذاته قال للشيطان في البرية "إنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" (لوقا 4: 8) ولكننا نراه يتقابل مع الأعمى الذي فتح عينيه، ويقول له "أتؤمن بابن الله؟" فيقول الرجل "من هو ياسيد لأؤمن به؟ فقال له يسوع قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو فقال أؤمن يا سيد وسجد له" (يو 9: 35-38) ونحن نرى أن المسيح قد قبل هذا السجود، مع أننا نقرأ أن بطرس رفض أن يسجد له كرنيليوس "فأقامه قائلاً قم أنا أيضاً إنسان" (أعمال 10: 26) ونقرأ أيضاً أن الملاك رفض سجود يوحنا "وحين سمعت ونظرت خررت لأسجد أمام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا فقال لي انظر لا تفعل أنا عبد معك ومع إخوتك الأنبياء والذين يحفظون أقوال هذا الكتاب اسجد لله" (رؤ 22: 8 و9) ولكننا نجد المسيح مسروراً بهذا السجود راضياً عنه في كل المناسبات (اقرأ رؤ 1: 17).
ولنقف الآن لحظة ولنخلع أحذيتنا من أرجلنا، لنتأمل ذلك الفادي العجيب، وهو يسكت أمواج البحر ويهدئ العاصفة (مرقس 4: 39-41)، وهو يقيم لعازر بعد أن أنتن (يو 11: 43 و44)، بل لنتأمله وهو ينقذ من فم الموت ابن أرملة نايين (لو 7: 14 و15) وابنه يايرس (لو 8: 54 و55) ولندقق النظر فيه وهو يطهر الأبرص بلمسة من يده الإلهية (مرقس 1: 41 و42) ثم وهو يبارك الخمسة الأرغفة الجامدة فيشبع بها خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد (مت 14: 19-21) ولنقترب إليه وهو يخلق من الطين عينين يعيد بهما البصر لمولود أعمى (يو 9: 6 و7) وأخيراً لنراه وهو يواجه الجنود الذين أتوا للقبض عليه فيسلط عليهم شعاعاً من نور لاهوته يرغمهم على السجود في محضره (يو 18: 6) نعم لحظة نرفع فيها قلوبنا إليه لنفكر في معجزاته الرائعة قائلين "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد".
6- الشاهد السادس- شهادة الاختبار:
يبدأ يوحنا الحبيب رسالته الأولى بالقول "الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة فإن الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية" (1يو 1: 1 و2) وفي هذه الكلمات يسجل الرسول شهادة الاختبار، فالاختبار هو خير دليل، وقد رأى الرسول المسيح واختبر قدرته فاعترف بلاهوته. نعم فقد غير المسيح حياة الناس لا بقوة السيف وخوف الموت، بل بتأثير قدرته السرمدية، فقد تحدث حديثاً قصيراً مع امرأة سامرية نجسة فجعل منها قديسة تحمل اسمه الكريم على شفتيها، وقد تقابل في لحظة خاطفة مع زكار العشار الظالم فجعله يقول "ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف" وتقابل مع يوحنا ويعقوب ابني الرعد، فجعل منهما رسولي الحب والسلام. وتقابل مع المجدلية مسكن الشياطين فحولها إلى امرأة تتفانى في حبه وتكون آخر من يقف تحت صليبه، وأول من يقابله فجر قيامته، وتقابل مع توما التلميذ المتشكك فاندفع الرجل حين أبصر أثر المسامير في يديه وأثر الطعنة في جنبه يهتف قائلاً "ربي وإلهي" (يو 20: 28) وأخيراً تقابل مع شاول اليهودي المتعصب المضطهد المجدف المفتري فجعله يركع أمام نوره الساطع قائلاً "يا رب ماذا تريد أن أفعل" (أعمال 9: 6) ولكن هذه السحابة من الشهود لم تتوقف بانقضاء حياة المسيح بالجسد على الأرض، بل زادت سعة بعد صلبه وقيامته، ومع أنه لم يعد إتباعه في الأرض براحة أرضية فقد رضوا أن يموتوا وأن يحترقوا في النار. وأن ترمي أجسادهم للأسود في سبيل حبه وما زالت رسالة التجسد تعمل عملها الإلهي في القلوب إلى اليوم رغم ما تلاقيه من اضطهاد في بعض البلاد، فهي الرسالة التي تجدد المصري، والهندي، والياباني، والصيني، واليوناني، والألماني، والإنجليزي، والأمريكي، والفرنسي، والإيطالي، وتفعل فعلها في القلوب أينما ذهبت، لذلك قال رسول الأمم "لأني لست استحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهودي أولاً ثم لليوناني" (رو 1: 16) فهل رأيت عقيدة تغير الناس بلا سيف ولا إغراء كهذه العقيدة؟! سأل أحدهم كاجاوا المسيحي الياباني المشهور "أي معجزة عملتها المسيحية في هذا القرن؟" فالتفت كاجاو إليه وقال له بوداعة "أنا معجزة المسيحية" لأني كنت أعمى والآن أبصر" فهل بعد دليل الاختبار دليل على حقيقة التجسد؟
7- الشهادة السابعة شهادة جسد المسيح ذاته:
لو كان المسيح مجرد إنسان، لما كان هناك داع أن يعد له جسداً ممتازاً عن أجساد البشر، فيولد بمعجزة لا كما يولد سائر البشر. لكن المسيح هو الله، لذلك جاء إلى الأرض بمعجزة، وكان جسده معداً له بترتيب خاص كما يقول كاتب العبرانيين "ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسداً" (عب 10: 5)، وقد قال عن هذا الجسد أنه هيكل "أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه. وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده" (يو 2: 19، 21)، وقد كان هذا الجسد هو شبه جسد الخطية ولكنه كان بلا خطية (رو 8: 3) مع (2 كو 5: 21) كما كانت الحية النحاسية شبه الحية الحقيقية لكنها كانت خالية من السم، لأنه حبل به من الروح القدس (لو 2: 35) "فهو قدوس بلا شر ولا دنس انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات" (عب 7: 26). لم يرث خطية آدم في هذا الجسد كما قال عن نفسه "رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء" (يو 14: 30) هذا الجسد الكامل العجيب، المهيأ، كان هو مسكن الله ذاته عندما جاء ليصالح أرضنا في المسيح ويوفي عنا قصاص خطايانا في هذا الجسد.
- عدد الزيارات: 3136