Skip to main content

السؤال رقم 11

والآن نأتي إلى النص العسير، ألا وهو عبرانيين 6: 4- 6.

تأمل جيدا وانظر هل أقرأ النص قراءة صحيحة. " فإذا سقط الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي، يمكن تجديدهم ثانية للتوبة، فهم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه"

أهذا ما تقوله الآية؟ ألا تعتقد أنه يمكن الإنسان أن يستنير ويصير شريك الروح القدس، ويذوق كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي، إنما يسقط ومن ثم يتوب؟ هذا ما يعتقده جميع الذين لا يؤمنون بالضمان الأبدي للمؤمن. فماذا نفعل بالمرتد؟ ألا ترى أن هذه الفقرة هي أسوء ما قيل في الكتاب المقدس دعم لعقيدتهم المفضلة؟

إذا تأمل الذين يأخذون بهذه العقيدة مليا في هذه الفقرة يلاحظون، بلا شك، أنها تنحر نظريتهم.

هكذا تقول الآية: " لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي، وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضا للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه" لو أن هذه الفقرة تعلم أن الإنسان الذي خلص يمكن أن يهلك ثانية، فإنها تعلِّم أنه إذا خلصت مرة وضللت فسيكون مصيرك جهنم لا محالة، ولا مجال للرجوع. ولكن ما هو السؤال الذي يطرح نفسه هنا؟ في الواقع يستحيل شرحه بدقائق معدودة، لأنه يعوزنا دراسة الإصحاحين الخامس والسادس من الرسالة إلى العبرانيين، كليهما معا.

يوجه الرسول كلامه هنا إلى الذين عندهم العهد القديم، والذين اقتنعوا عقليا بأن يسوع هو المسيّا، ولكنهم معرضون للاضطهاد إن اعترفوا باسمه. ولئن كانت معرفتهم تفتقر إلى الأصالة، فإنهم يعرفون أن يسوع هو المسيّا، وقد لمسوا قدرته ورؤوا برهان سلطانه في المعجزات التي صنع. إنما باستطاعتهم أن يديروا القفا لهذه الحقائق ويرجعوا إلى دينهم اليهودي، ويذهبوا إلى المجمع ويصرحوا قائلين: " نحن لا نؤمن بأن يسوع هو المسيّا، ابن الله، ونرفض سلطان هذا الإنسان، بل ينبغي أن يصلب" وهكذا " يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه" يقول الرسول: " لا تحاولوا القيام بأي عمل في هذه الحال، إذ تفشلون، لأنهم قد أمعنوا في غيهم. إنهم مرتدون" وهذا يدل على أنهم لم يكونوا مسيحين أصليين. نقرأ في العدد التاسع: " ولكننا قد تيقنا من جهتكم، أيها الأحباء، أمورا أفضل ومختصة بالخلاص، وإن كنا نتكلم هكذا" مما يعني أنه يمكن أن يحوز الإنسان هذه الأمور التي وردت آنفا، ولا يكون قد حاز الخلاص. قد تقول: " لست أعتقد ذلك" ولكن الآية تتحدث عن الذين استنيروا، أيعني ذلك الذين ولدوا ثانية؟ لا يستطيع إنسان أن يصغي إلى رسالة الإنجيل من دون أن يستنير، فإنه مكتوب: " فَتْحُ كلامك ينير، يُعَقِّل الجهال" (المزمور 119: 130). وتقول الآية أيضا: "... وذاقوا الموهبة السماوية" وهنا نلاحظ أن المذاق شيء والأكل شيء آخر. كثيرون تذوقوا ولم يخلصوا. يقول الملاك لحزقيال: " يا ابن آدم، كل هذا الدرج" ولكن الملاك رأى أن حزقيال قد ذاقه فقط، فأمره قائلا: " أطعم بطنك واملأ جوفك من هذا الدَّرج" لقد كان الدَّرج في فم حزقيال، فلو قطع رأسه لزالت الحقائق كلها، لذلك يريد الله للحق أن يكون في الأحشاء.

ثم تقول الآية: " .... وصاروا شركاء الروح القدس" هؤلاء لم ينالوا ختم الروح القدس ولا سكناه ولا معموديته ولا ملأه. لم يستخدم الكاتب أيا من وظائف الروح القدس العظمى، لكنه قال: " وصاروا شركاء الروح القدس" هل سبق لك أن كلمت إنسانا في اجتماع حيث كان روح الله يعمل بقوة، وسألته هل يريد أن يجيء إلى المسيح، فقال: " أنا أعلم أنه ينبغي لي أن أجيء إلى المسيح، وأستطيع أن ألمس قوة الروح القدس في هذا الاجتماع. أنا أعلم أن مجيئي قرار صحيح ولازم، ولكن لست أريد" وهكذا يمضي مقاوما الروح، مع أنه كان شريكا. لذلك فإن الذين يتناولهم الكلام في عبرانيين 6 هم أناس تعرّفوا بالمسيحية من الخارج مثل أولئك، وها هم الآن منكرونها. لمثل هؤلاء لا مجال للتوبة. والآن، وبرهانا على صحة تفسير هذه الفقرة، لنتحول إلى عبرانيين 6: 7- 9: " لأن أرضا قد شربت المطر الآتي عليها مرارا كثيرة وأنتجت عشبا صالحا للذين فلحت من أجلهم، تنال بركة من الله. ولكن إن أخرجت شوكا وحسكا فهي مرفوضة وقريبة من اللعنة التي نهايتها الحريق. ولكننا قد تيقنا من جهتكم، أيها الأحباء، أمورا أفضل ومختصة بالخلاص وإن كنا نتكلم هكذا" لنلاحظ أن الأمور التي يتحدث عنها في العددين الرابع والخامس قد تنطبق على إنسان من دون أن يكون قد نال الخلاص. ولكنه يقول: " وعلى الرغم من نلتم الخلاص. ولكنه يقول: " وعلى الرغم من هذا التحذير، فقد تيقنا من جهتكم أمورا أفضل، إذ إنكم قد نلتم الخلاص، وهكذا تجاوزتم أعمال المرتدين، فلا تظنوا أننا نقارنكم بأولئك" إنه يستخدم هذا المثل ليوضح قصده. ثمة قطعتان من الأرض محاذيتان تنبتان عشبا ولا يفصل بينهما إلا سياج. إذا التربة عينها، وأشعة الشمس عينها، والمطر عينه. لكن عند الحصاد، واحد أنتجت عشبا صالحا والأخرى أنتجت شوكا وحسكا. فما هي الأمثولة هنا؟

أنها رسالة موجهة إلى اليهود، في محاولة لإقناعهم بحقيقة مسيّانية المسيح وبحقيقة ما ورد في العهد القديم. هاتان القطعتان تمثلان قلبي رجلين. يمكننا أن نفتكر فيهما بهذه الطريقة لتتكون في ذهننا صورة عملية. هذان الرجلان نشأا معا جنبا إلى جنب، تعلما معا من التوراة، ذهبا معا إلى المجمع عينه، انتظرا معا مجيء المسيّا، كلاهما أصغيا إلى وعظ يوحنا المعمدان، وربما تعمدا معا على يد يوحنا المعمدان معترفين بخطاياهما. بالطبع إن معمودية يوحنا ليست خلاصا، بل كانت تقام بانتظار مجيء المخلص. وكان كلاهما يسمعان الرب يسوع متكلما، كلاهما ينظران أعماله المعجزية، كلاهما ينظران إليه بين الحشد معلقا على الصليب، كلاهما يذهبان مع الشعب لينظرا القبر المفتوح، كلاهما ينظران عن كثب صعوده إلى السماء، كلاهما يشهدان أعمال الروح القدس العظيمة في يوم الخمسين، كلاهما دخلا وخرجا مع الرسل، وبحسب الظاهر لن يجد المرء فرقا بينهما. ولكن عند الاضطهاد، ألقى بعضهم القبض على واحد منهما، وقالوا له:

" اختر لنفسك واحدا من أمرين: إما أن تنكر يسوع المسيح، وإما أن موتا تموت" فيجيب: " لا أستطيع أن أنكره، فهو مخلصي". " إذا، موتا تموت" ثم يصرح قائلا: " إني مستعد أن أموت، ولكن حاشا لي أن أنكره" ثم ألقوا القبض على الرجل الآخر، وقالوا له: " إما أن تنكر يسوع المسيح وإما أن تواجه الموت" " أفضل أن أنكره وأعيش على أن أموت. أن أرجع وأكون يهوديا صالحا، خير لي من أن أموت" عندئذ يقولون له:" أخرج وتعال إلى هنا، إذا"

كان لدى اليهود أسلوب شاق ورهيب في إرجاع إنسان كهذا. أذكر حين قرأت كيف يأخذونه إلى مكان متسخ حيث يذبح واحد خنزيرا ويطلبون إليه، برهانا على نكرانه المسيح، أن يبصق على دم الخنزير ويقول: " هكذا أحسب دم يسوع الناصري" بعد ذلك يطهرونه ويرجعونه. هل يعقل أن أي مؤمن حقيقي بيسوع يقوم بهذا العمل؟ فما هو الأمر الذي جعل فرقا بين ذينك الرجلَيْن؟

كان لتينك القطعتين من الأرض مطر واحد وأشعة شمس واحدة، بيد أن المحصول كان مختلفا. فما هو هذا الاختلاف؟ في الواحدة زرع بذار جيد وأنتجت ثمرا جيدا، أما الأخرى فلم يكن فيها بذار جيد، فأنتجت شوكا وحسكا. لقد تعرف هذان الرجلان كلاهما بالحقيقة، لكن واحدا أخذ بذارا صالحة وهي كلمة الحياة، فأعطى ثمارا لله، والآخر لم يأخذ البذار الصالحة، فأتى اليوم الذي فيه تبين أنه مجرد مرتد.

إن تذكرك الفرق بين المرتد والفاتر يوفر عليك الكثير من العقبات إبان دراستك الكلمة الإلهية. فالمرتد يعرف الكثير عن المسيحية، ولكن لم يكن قط مؤمنا حقيقيا. أما الفاتر فهو الذي عرف المسيح وأحبه، لكنه فتر بالروح وراح يتلمس طريقه في الحياة الروحية. وليس ثمة مؤمن لم يختبر الفتور في حياته. لذلك نحتاج إلى الرب شفيعا ليرجع نفوسنا. عند الفتور لا نخسر اتحادنا بالمسيح، بل نخسر شراكتنا معه. قد تسألني: " لماذا أنت متيقن بأن المؤمن الحقيقي لا يرتد" لأن الله يقول ذلك في كلمته:" أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة، وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتي قد صار الآن أضداد للمسيح. فهو يقول: " جربت الكل، ولم أجد شيئا هاما" وهكذا ينكر المسيح. " منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا، لكن ليظهروا أنهم ليسوا جميعهم منا" (1 يوحنا 2: 19) وبكلام آخر، كانوا معنا بالاعتراف فقط، بالشركة الظاهرية، لكن ليسوا جميعهم منا، لأنهم لم يولدوا قط من الله. وهذا ما يفسر عبرانيين 10 التي هي الفقرة التالية والتي تبسط اعتراضا.

  • عدد الزيارات: 3418