Skip to main content

كلمة مختصرة عن التكلم بألسنة

مأخوذة من نبذة "التكلم بألسنة" بقلم و. ج. هوكنج نشرت هذه النبذة باللغة العربية سنة 1932 وموضوعها "التكلم بألسنة" أو خدعة الأيام الحاضرة وسنكتفي بذكر بعض فقرات مما جاء بها.

جاء في المقدمة أن الادعاءات بالتكلم بألسنة ظهرت في لندن حوالي سنة 1830 عن يد إدوارد إرفنج وأتباعه وقد بدأت هذه الحركة بالنطق بألسنة قيل عنها أنها جاءت من الله مباشرة ثم تدرجت بأن خصصت لأتباعها جميع مواهب وأعمال الكنيسة الأولى مدعين بوجود الرسل والأنبياء وهلم جرا، وانتهت بنشر وإذاعة تعليم تجديفي عن شخص ربنا المعبود. وقد نجا من بينهم بواسطة رحمة الله شخص "موهوب" (على حد تعبيرهم) يقال له "روبرت باكستر" تنازل الرب إليه وخلصه من الفخ المهلك. هذا كتب بياناً مطولاً عن اختباراته والشذرة الآتية المقتبسة من كتابه المسمى "بيان الحقائق" تصف كيف كانت تحل القوة عليه، وهذا لما بمثابة عينة حقيقية لهذه الخدعة.

يقول: "بقوة غريبة لا أستطيع أن أصفها كنت أرغم على الكلام، ومع أني كنت أحجم عن الكلام وأنفر منه إلا أنني كنت أتلذذ به. وكان هذا الكلام عبارة عن صلاة إلى الرب أن يرحمني ويخلصني من الضعف الجسدي وينعم عليّ بمواهب روحه، موهبة الحكمة وموهبة العلم وموهبة الإيمان وعمل المعجزات وموهبة الشفاء وموهبة الألسنة وترجمة الألسنة، وأن يفتح فمي ويعطيني قوة لأعلن مجده. وهذه الصلاة القصيرة كما سطرتها الآن كنت أُرغم على النطق بها بواسطة قوة كانت تتسلط عليّ وتفعل فيّ، وكنت أصرخ بها بصوت عال حتى إني كنت أضطر لأن أضع منديلاً على فمي لكي أمنع الصوت من إزعاج أهل البيت... وكنت أفوه بكلام شاذ وغير طبيعي وفي أحوال كثيرة مرعب ومخيف". وظل روبرت باكستر يظن أن هذا من الله، ولكنه اكتشف أخيراً لخزيه وخجله أنه لم يكن إلا ألعوبة في يد عدو المسيح الأكبر.

والادعاء بموهبة واحدة من مواهب الأيام الرسولية أدى في حالة إدوارد إرفنج وأتباعه إلى الادعاء بامتلاك سائر المواهب، والشذرة الآتية المأخوذة من إحدى المجلات المنتشرة بين أتباع هرطقة الألسنة تظهر بجلاء هذا الميل إلى النطق السريع وترينا كيف أن من يجرؤ على السير فوق مزالق الارتداد عن حق الله لا بد أن يتردى سريعاً إلى مهواة سحيقة من الضلال وقل من ينجو.

والحق يقال أننا عندما نطالع الشذرة الآتية المشبعة بروح الافتخار لا يسعنا إلا أن نسائل أنفسنا: ترى ما هو مصير هذه الحركة وإلى أين هي منتهية؟ "الترجمة موجودة، والنبوة ممنوحة، وتمييز الأرواح موجود، والمعجزات ليست مجهولة، ومواهب الشفاء في وسطنا والأمل مزهر بالمواهب الأخرى". نحن نعترف صريحاً أن هذه المواهب موجودة فعلاً في حالات متعددة ولو في دور النشوء والتكوين، ولكنها بينما كانت مجهولة جهلاً تاماً قبل مجيء الألسنة إلا أنها الآن عاملة بدرجة ما: نعم إن الحاجة إلى "التقدم إلى الكمال" متفق عليها بلا نزاع ولكن الروح القدس عامل الآن بقدر ما يستطيع في إعادة باقي المواهب في إثر الألسنة... الخ.

إن هذه الأقوال ليست في الواقع إلا صدى لذلك الافتخار الباطل الذي فاهت به لاودكية: "أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء" (رؤ3: 12).

ومن جهة الواقع التاريخية نظنه نافعاً لو أتينا إلى القراء بخلاصات موجزة عن أمثلة واقعية للضلالات والخدع الشيطانية وليست هذه القوى الشيطانية التي نحن ذاكروها بحديثة العهد بل هي قديمة نذكر منها:

(1) قام في القرن الثاني الميلادي شخص يدعى مونتاس ادّعى بأنه نبي ملهم. ولما كان يتملكه الروح الرديء كان ينطق بأقوال تجديفية ويقول "أنا الرب الإله القادر على كل شيء والذي نزل من إنسان" وكان هذا المجدف وشركاؤه يتكلمون بألسنة ويقولون بأن نبوءة يوئيل التي اقتبس منها بطرس في يوم الخمسين قد تمت على أيديهم. وقد ازداد أنصار هذا الرجل عدداً حتى انضم إليهم أناس من إيطاليا وفرنسا وأفريقيا الشمالية وإزاء هذه الحركة اجتمع مجمع في سنة 235 ميلادية. وبعده في سنة 381 اجتمع مجمع القسطنطينية، وكلاهما حكم بأن تلك حركة شريرة. وما أن استهل القرن الخامس حتى أخذت هذه الحركة تموت بالتدريج.

(2)وفي فترة الإصلاح، ما بين سنة 1517، 1648 قامت في ألمانيا شيعة ادعى أصحابها بالتكلم بألسنة وبعمل معجزات الشفاء.

(3)حوالي سنة 1650 قام "الأنبياء الفرنسيون" وادعوا بالمواهب الرسولية والتكلم بألسنة.

(4)في النصف الأول من القرن التاسع عشر قامت في غرب اسكتلندة بدعة "الألسنة الغير مفهومة" ولما نما خبر هذه البدعة إلى إدوارد إيرفنج انضم إليها وأصبح فيما بعد عَلَماً من أعلامها. ومنه انتقلت العدوى إلى أعضاء كنيسته في لندن حتى كانت تلك الكنيسة مشهداً للتكلم بألسنة وانتهى به الحال إلى عزله بواسطة كنيسته المشيخية بلندن عزلاً شائناً مزرياً.

(5)وامتد أثره إلى الكنيسة الكاثوليكية وكان من أتباعه فيها روبرت باكستر الذي سبق الإشارة إليه والذي انفلت بحمد الله من فخهم القانص. وما دمنا قد ذكرنا اسم باكستر فلا أقل من أن نشير على القارئ ليطالع كتابه المسمى "حكاية بعض الوقائع" وعلى الأخص الصفحة الخامسة والأربعين باللغة الإنجليزية.

وفي سياق إتمام هذا البحث نراه مهماً أن نشير إلى مسألة الترجمة في الواقع مع أنصار الضلالة الحاضرة. فإن الكتاب يشترط في التكلم بألسنة وجود مترجم وإلا فليصمت المتكلم ويكلم نفسه والله. ومعنى ذلك أن وجود الترجمة الصحيحة برهان على وجود التكلم الصحيح بلسان مفهوم ولغة حاضرة ولكن الحوادث كثيرة، والوقائع لا تعوزها قوة المنطق لاستنتاج الدليل منها، على عدم وجود ترجمة صادقة وبالتبعية على عدم وجود لسان صحيح. وهأنذا أقتبس للقارئ بإخلاص وأمانة جزءاً من شهادة رجل عالم بلغات كثيرة اسمه القس س. أ. بولوفينا حيث يقول:

"عرض لي أن دخلت اجتماع أصحاب الألسنة. وإذ كنت أنا نفسي أجنبياً (أي ليس إنجليزياً) لي إلمام بخمس أو ست لغات، أردت أن أستوثق من صحة دعواهم، فجلست في أحد المقاعد الأمامية لأسمع ما ينطقون به. وقد دهشت لأنني وجدتهم لم يتكلموا بأية لغة من اللغات التي طرقت سمعي أثناء طوافي في أوروبا وآسيا. ولشدة رغبة الاستيثاق فيّ أخذت معي في المرة التالية سبعة من الرجال العالمين بلغات كثيرة وأخبرتهم برغبتي. فدخلنا سوياً وأخذنا مجلسنا بين المقاعد الأمامية كالأمس. وبعد إتمام فروض الترنيم والصلاة أعطيت فرصة لتأدية الشهادة قبل خدمة الوعظ. ولما كان بينهم رجل ادعى بحصوله على موهبة الترجمة، وبدأوا في حركتهم المعتادة، ولم أقدر أنا وزملائي أن نفهم لفظة واحدة مما رطنوا به وأخيراً قام المترجم وقال أن المتكلم الأول استعمل اللغة الروسية. وقد دهشت لهذا الادعاء المكشوف لأنني كنت أجيد اللغة الروسية أكثر مما كان يجيد لغته الإنجليزية. ومرة أخرى حضرت اجتماعهم وبعد أن أتموا ما اعتادوا عليه وقفت أنا والآخر لكي أشهد واقتبست (يو3: 3) ونطقته بلغة أهل هنغاريا. وكم كانت دهشتي عظيمة حينما وقف المترجم وقال: تكلم الأخ باللغة الفرنسية وكان كلامه عن (أع19) فقلت له: يا صاحب، لماذا هذا الكذب المفضوح؟ فقد تكلمت الهنغارية واقتبست (يو3: 3) فلماذا هذا الكذب وإلصاقه بالروح القدس".

هذه واحدة من كثيرات من الشهادات الواقعية التي تبين كذب هذا الادعاء المكشوف.

وقد لامس هذه الضلالة ضلالة أخرى. تلك هي تحطيم حواجز المكتوب من حيث عدم جواز تكلم المرأة في الاجتماع. فقد أطلقوا لها العنان بشكل ضاعت معه هيبة المكتوب الذي يقطع بعدم السماح لها بالتكلم في اجتماع غير اجتماعات النساء فأجازوا للفتيات الوقوف على المنابر والتكلم بألسنة الرجال. والاجتماع الذي ذكرت للقارئ أن عدد المتكلمين فيه بلغ الاثني عشر كان منه سبع فتيات وخمسة رجال!! فهل توجد جماعة يضيع بينها الحق نظير هذه؟

ويا ليت إلهنا الحكيم الذي استرشدناه فأرشدنا يهدي قلوبنا كلنا إلى معرفة الحق وإلى التصرف بمقتضاه لمجده وخيرنا.

  • عدد الزيارات: 6231