الفصل 5: هل تشمل الكفارة شفاء الجسد؟
لكي يدعموا زعمهم بأن المؤمن لا ينبغي أن يمرض يقولون أن الرب يسوع على الصليب حمل لا خطايانا فقط بل أمراضنا أيضاً، ولذلك فشفاء الجسد داخل ضمن عمل الكفارة. ومع أنهم جميعاً يتفقون في هذا ويستشهدون بما جاء في (إش53: 4، 5، مت8: 17) كدليل من المكتوب، لكنهم لا يتفقون في طريقتهم لإثبات ذلك.
إن (مت8: 17) يقول بوضوح أن ما ذكر في (إش53: 4) قد تم في حياة الرب يسوع وليس عند موته. ويعطينا متى تفسير ذلك أيضاً بأن ذكر أن الرب أخرج الأرواح وشفى جميع المرضى "لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي القائل هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا" (مت8: 17).
قال أحد القديسين "من المؤكد أن المسيح لم يشفِ مريضاً قط دون أن يحمل في روحه وعلى قلبه عبء ذلك المرض كثمرة للخطية وقوتها" وهذا ما يشير إليه إشعياء 53: 4 "كانت أحزان الناس في قلبه- كل حزن أو وجع قابله قد حمله كما لو كان حزنه الخاص. وكذلك على الصليب حمل خطايانا كما لو كانت خطاياه" (داربي).
لكن كثيرين يقولون أنه بسبب السقوط أتيح للشيطان بأن يأتي بلعنة مزدوجة إلى العالم: الخطية والمرض، وأن الرب يسوع في عمله الكفاري قد رفع هذه اللعنة المزدوجة وأتى بالخلاص والشفاء. وعلى هذا الأساس من التفسير الاعتباطي يقسمون (إش53: 5) وكذلك عمل المسيح الكفاري إلى قسمين. فيدّعون أن القول "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه" يشير إلى خطايانا وما قد احتمله المسيح على الصليب. لكن ما يلي ذلك "وبحبره (أو بجلدته) شفينا" يشير- بحسب ظنهم- إلى أمراضنا، ويفترضون أن هذا تم قبل الصليب عندما جُلد المسيح وضُرب وأهين أمام رئيس الكهنة وأمام بيلاطس.
لقد أخذوا بالمعنى الحرفي المجرد للكلمات "بجلدته" "وشفينا" ثم انتهوا إلى هذه النتيجة الخاطئة. ويبدو أنهم نسوا أن سفر إشعياء هو سفر نبوي، ويستعمل كلمات مجازية، نظير أية نبوة أخرى، كما يبدو أنهم نسوا أيضاً المبدأ الإلهي الهام في تفسير النبوة والوردة في (2بط1: 20، 21) "عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص (أي ليست من تفسيرها الخاص بها)، لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس". فعندما نقارن المكتوب بالمكتوب نستطيع أن نفهم المعنى الحقيقي للعبارة الواردة في كلمة الله.
وعلى أي حال من أعطانا الحق أن نقسم (ع5) من (إش53) والذي يختص بعمل المسيح الكفاري لأجل خطايانا وأن نقسم أيضاً عمل الرب إلى جزء تم على الصليب وجزء حدث قبل الصليب؟ فإنه لا يوجد في كلمة الله شيء يؤيد ذلك. ألا تحدثنا كلمة الله عن شفاء النفس بالارتباط مع الخطية؟ "اشفِ نفسي لأني أخطأت إليك" (مز41: 4) "لأن قلب هذا الشعب قد غلظ... ويرجعوا فأشفيهم" (مت13: 15) وكذلك (مر4: 12، إر3: 22، 6: 14، 14: 19)؟ وبطرس الرسول يستعمل نفس كلمات (إش53: 5) ويطبقها بدقة على عمل الرب لأجل خطايانا (1بط2: 24). وهكذا نجد تفسير المكتوب بالمكتوب نفسه.
ومن الناحية الأخرى يقسم أدعياء الشفاء بالإيمان عمل المسيح إلى شطرين: عمله في حياته قبل الصليب ثم عمله في الست ساعات على الصليب. ففي خدمته أثناء الثلاث سنوات يعتقدون أنه كفَّر عن الأمراض بدون دم، ثم بعد ذلك كفَّر عن الخطايا على الصليب بالدم. فيا لها من بدعة لا تستحق تأييد من أي مسيحي على أي درجة من الإدراك.
ونسمع أيضاً عن رأي آخر يقول "هذه الثلاثة أشياء: الخطية والمرض والموت، هي من عمل الشيطان. ويسوع نقض أعمال إبليس (1يو3: 8) وقد نقضت عن طريق آلام وموت وقيامة يسوع المسيح. لقد حمل يسوع أمراضنا في الجلجثة" ومن ذلك يستنتجون أن الله لا يريدنا أن نمرض، تماماً كما لا يريدنا أن نخطئ.
والآن لو كان هذا الذي يقولونه صحيحاً لكنا نجد ذلك في رسالة رومية بكل تأكيد. لأن في هذه الرسالة نجد تعليم الخلاص واضحاً: غفران الخطايا والعتق من الخطية.
ولكن الرسالة لا تقول كلمة واحدة عن الشفاء، بل بالعكس نجد في (رو8: 23، 24) بأن الخليقة تئن، ونحن أنفسنا أيضاً نئن متوقعين فداء الأجساد، لأننا بالرجاء خلصنا وفي (رو8: 11) يقول عن أجسادنا أنها مائتة وأنها ستحيا في المستقبل. لو كان شفاء أجسادنا من الأمراض والموت قد تم حقيقة على الصليب بالعمل الكفاري بنفس الكيفية مثل التكفير عن خطايانا فالنتيجة لذلك أننا كنا نتوقع نفس النتائج للأشياء الثلاثة السابق ذكرها: الخطية والمرض والموت.
والآن لا يمكن لأحد له معرفة بالمكتوب أن ينكر أن كل من قبل الرب يسوع قد انتهت بالنسبة له مشكلة الخطية إذ قد صار تسويتها نهائياً وقد طرحت جميع خطايا المؤمنين إلى الأبد كما نفهم من (رو4: 7، 5: 1، 9، 19، أف1: 7، كو1: 12- 14، 2: 13، عب10: 14- 18، 1بط2: 24، الخ) وهذا لا يستند على أية أعمال عملناها لا قبل الإيمان ولا بعد الإيمان ولا على تقديرنا أو مدى إدراكنا لعمل المسيح بل يتوقف فقط على النعمة.
وإذا كان افتراضهم السابق صحيحاً لما مرض المؤمن بعد الإيمان ولا مات ولا تعرض لضعفات الشيخوخة والرقاد. وهذا يعني أنه لا بولس ولا بطرس ولا يوحنا ولا أي مؤمن قد تعرض للموت على مدى أكثر من 1900 سنة. لكننا نعلم أن جميعهم قد ماتوا بل إن أصحاب هذه البدعة قد ماتوا أيضاً.
وبالعكس نتعلم من (في1: 21) أن "الموت ربح" وفي (2تي4: 6) يقول بولس "إن وقت انحلالي قد حضر" وبطرس في نهاية حياته يقول "عالماً أن خلع مسكني قريب كما أعلن لي ربنا يسوع المسيح" (2بط1: 14). وكل الشهداء وأولهم استفانوس قد ماتوا، لا لعدم إيمانهم- كما يقولون في بدعتهم- بل لتمسكهم بالمسيح. وفي 1كو15 يقدم بولس الرسول مجيء الرب كالحادث الوحيد الذي سينتج عنه عدم رقاد المؤمنين فيما بعد.
إن كلمة الله تعلمنا أن المرض والآلام والموت كلها نتائج الخطية. والرب يسوع بعمله على الصليب قد وضع الأساس ليبطل الخطية بذبيحة نفسه (عب9: 26- 28). وكذلك ليحضر السماء والأرض وكل الخليقة مرة أخرى لله في حالة المصالحة (كو1: 20- 22) فنحن الآن قد نلنا المصالحة فعلاً، وحصلنا على غفران خطايانا، ونلنا خلاص نفوسنا (1بط1: 9) أما أجسادنا فلا زالت تتبع هذه الخليقة. ومع أن الرب يسوع اشترى أجسادنا (1كو6: 20) لكنها لم تحصل بعد عملياً على الخلاص. فنحن ننتظر الرب يسوع المسيح مخلصنا الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده (في3: 20، 21) ولكن الآن لا زالت أجسادنا معرضة للموت والفساد (1كو15: 48- 54).
ونحن الآن نئن مع كل الخليقة متوقعين فداء أجسادنا (رو8: 23) ولنا حصة من الضيقات والآلام هنا على الأرض (رو5: 3- 6). ولكن لأن الروح القدس يسكن فينا نعلم أن أبانا يستخدم هذه الآلام لتدريبنا (رو5: 5، عب12) وإلى جوار ذلك تعطينا كلمة الله تأكيداً مجيداً أن الرب يسوع كإنسان على الأرض قد اشترك في كل الآلام التي هي من نصيبنا كيما يكون كرئيس الكهنة في السماء قادراً أن يرثي لضعفاتنا وأن يبادر لمعونتنا كشفيعنا، في ملء الشعور بحاجتنا وحالتنا والأخطار التي نتعرض لها (عب2: 10، 11، 18، 4: 15، 16، 5: 7، 8، 7: 25، 26... الخ). هذا هو التفسير الذي تعطينا إياه كلمة الله لما جاء في (إش53: 4، مت8: 17) فيما يختص بتطبيقه من جهتنا.
لكن لا يجب أن ننسى أن إشعياء 53 عبارة عن نبوة تعبّر عن مشاعر البقية المؤمنة من سبطي يهوذا وبنامين عندما يرون الرب يسوع آتياً من السماء ويدركون أنهم رفضوا وصلبوا مسياهم كما في (زك12: 10- 14، 13: 6- 9). وعندما نقرأ إشعياء52، 53 وبداية 54 نجد هذا واضحاً كل الوضوح. وهذا هو ابتداء الملك الألفي حيثما يحل السلام وترفع اللعنة من الأرض ولا يموت إنسان في زمن الملك الألفي إلا كقضاء الله العلني على عصيان ذلك الإنسان (إش65: 19- 25).
ونفس الشيء ينطبق على (مز103) الذي يعتبره المدَّعون بالشفاء الإلهي حجة للشفاء بالإيمان (هيرمان زايس: أحد المشهورين في أوروبا بالشفاء الإلهي). بينما يتكلم هذا المزمور أيضاً عن البقية المؤمنة من إسرائيل الذين يتطلعون ليوم ملك المسيح المجيد عندما يبيد من الأرض في كل صباح جميع الشرار (مز101: 8) وتسود مملكته على الجميع (مز103: 19) وعندئذ "يرد الفجور عن يعقوب ويشفي جميع أمراضه" (رو11: 26) ويفدي من الحفرة حياته (مز103: 3- 5) كما رأينا في (إش65).
- عدد الزيارات: 3748