Skip to main content

إصحاح 2، آية 12

12-"الزهور ظهرت في الأرض بلغ أوان القضب ( * ) وصوت اليمامة سمع في أرضينا".

ياله من تغير عجيب تجريه النعمة الغنية سواء بالنسبة للمؤمنين في زمان النعمة الحاضرة أو في يوم قادم، فهوذا الشتاء ببرده القارس والمميت حيث تصير الزهور طوال الشتاء مائتة، قد مضى، والمطر المسحوب بالأنواء والعواصف والرعود قد مر وزال، وهوذا الزهور زهرت في الأرض بروائحها العطرية وحللها البهية التي تفوق ثياب سليمان بكل مجده. تبارك اسم إلهنا فأنه عين لكل شيء وقت، فالآلام وقت، وللفرح والبهجة وقت، لليل المظلم وقت ولنهار المنير وقت، "لك النهار ولك أيضا الليل. . الصيف والشتاء أنت خلقتهما"(مز74: 1و17). نعم لقد عين لكل أمر وقتا لن يتعده "للبكاء وقت الضحك وقت ولنوح وقت وللرقص وقت"(جا3: 4) فإذا ما اجتاز الرب نفسه الصديق في شتاء لليل مظلم فأنه لابد ان يأتي به إلى ربيع مشرق ونضير "لان للحظة غضبه. عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنم"(مز30: 5). أنه له المجد يحول نوح الصديق إلى رقص، ويملأ نفسه فرحا ولسانه تسبيحا، وعوض الأنين أغاني روحية _ أغاني التعظيم والمحبة للمسيح.

* * *

نعم أنه لتغير عجيب ومبارك تجريه محبة الرب ونعمته، فهو _ له المجد يدعو عروسه لان تقوم وتأتي إليه تاركة وراءها برودة وخمول الشتاء حيث تتمتع في رفقته وبربيع غني بالزهور وبالمراعي الدسمة. أنه بالروح القدس يجعل الحياة الضعيف والهزيلة قوية ونشيطة وممتلئة أثمار صالحة "لان ثمر الروح هو في كل صلاح وبر وحق"(أف5: 9) "واما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طوال أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف"(غلا5: 22) فأصغي يا عروس الرب إلى صوت حبيبك الذي يدعوك "قومي. . تعالي لان الشتاء قد مضى والمطر مر وزال. الزهور ظهرت في الأرض".

* * *

"بلغ في أوان القضب وصوت اليمامة سمع في أرضنا" إذا كان المقصود بالقضب هو قطع أغصان الكرمة الجافة في بدء فصل الربيع، ففي ذلك تحذير خطير لغير المؤمنين فقد شبه الرب ذاته بالكرمة الحقيقية، والمؤمنين هم الأغصان الحية التي تأتي بثمر، أما المسيحيون بالاسم فهم الأغصان الميتة غير المثمرة، وان الآب الذي هو الكرام يميز بين هذه وتلك، فالأغصان الميتة التي لا تأتي بثمر يطرحها خارجا فتجف وتطرح في النار فتحترق(يو15) وفي هذا إنذار خطير وصريح لكل المسيحيين بالاسم الذين لا حياة ولا ثمر فيهم حتى يبادروا بالإتيان إلى المخلص الكريم بالإيمان القلبي به وبكيفية عمله فوق الصليب وبالاتحاد به ينالون حياة جديدة مثمرة لمجد الله. ليت كل شخص بعيد عن المخلص يقرأ هذه الكلمات يسرع إلى المخلص الوحيد لنجاة والحياة قبل فوات الفرصة.

كما ان في هذا التعبير درسا نافعا للمؤمن الحقيقي. فلآب السماوي _ الكرام ينقي كل غصن حي ومثمر لكي يأتي بثمر أكثر. أنه _ له المجد _ يعمل بوسائله الإلهية المتنوعة _ التعليم والإنذار والتوبيخ، والتأديب المؤلم إذا لزم الأمر وذلك لتنقية حياتنا من كل ما يعطل نمونا الروحي ويعيق الإكثار من الثمر، وإذ ينقي ويطهر حياتنا من كل معطل لنموها تمتلئ قلوبنا شبعا وفرحا وتسبيحا، فلو لم يكن قد بلغ أوان القضب _ أعني قطع الأغصان الجافة حيث كانت العصافير تعشش فيها لم سمع صوت اليمامة وغنائها، فقد يسمح الرب ان يهز ويهدم كل عش تنام فيه قلوبنا ويذبل كل ركن تستند عليه نفوسنا لكي نصبح في جو الأقداس السماوية _ جو الشركة النقي حيث نسبحه ونرنم له أغاني الحمد وأناشيد الفرح.

* * *

أما إذا كان المقصود بعبارات "بلغ أوان القضب" هو أنه قد "بلغ أوان الغناء أو تغريد العصافير" كما سلفت الإشارة، فان في هذا معنى ساميا أيضا، فالعصافير الصغيرة تبقى طول الشتاء في أوكارها وقلما تعيش، ولكن كانت الحياة بأغانيها الشجية تعود إليه عندما يعود الربيع، ولا ريب فان النفس التي تلبي دعوة الرب الحبيب "قومي وتعالي. . الزهور ظهرت في الأرض" وتأتي إليه بكل قلبها فأنها لم تخلص فقط من برودة الحياة الروحية وجفافها بل تتمتع أيضا بمباهج الربيع البهية _ ربيع الفرح والنشاط الروحي، وتنتعش بعبيق رائحة الزهور العطرية _ رائحة المسيح الذكية، وبرؤية أشعة الشمس المشرقة _ شمس المحبة الإلهية "لان الرب الله شمس. . . الرب يعطي رحمة ومجدا"(مز84: 11) تلك الأشعة التي تنعكس على الندى المتساقط على أوراق الزهور كالآلئ الكريمة، فتستطيع النفس ان تستخلص من تلك الزهور التي أنبتتها نعمة الرب الغنية طيبا خالصا وغاليا تسكبه على قدمي المخلص المعبود اعترافا بمحبته وسجودا يشبع قلبه وينعش عواطف رجل الأحزان المرفوض، وعندئذ تكون مجازاته لتلك النفس "عملا حسنا قد عملت بي".

أنه ليس مما يتفق مع مشيئة الرب وقصده من نحونا نحن المؤمنين. كأفراد أو كجماعات ان نبقى في حالة الخمول أو الجمود الروحي في جو العالم الخانق بل ان إرادته الصالحة هي ان نحلق كالعصافير في جو السماويات المقدسة، وان تتصاعد منا في كل حين بل انقطاع أغاني وتغاريد والحمد وترنيمات الفرح "صوت ترنم وخلاص في خيام الصديقين"(مز118: 15) فهيا أنهضي يا عروس الرب. أفرحي وترنمي لان عريسك أتيا إليك سريعا.

قومي عروس الرب لا تعيي من السهد

لك عريس في العلى وهو رجاء المجد

* * *

"وصوت اليمامة سمع في أرضنا" ان اليمامة تعلمنا درسا عمليا، فقد قيل عنها بأنها حفظت الوقت المعين بمجيئه إلى مكانها، فكان الرب يعطي بواسطتها درسا مخجلا لشعبه "اليمامة والسنون المزقزقة حفظتا وقت مجيئهما. أما شعبي فلم يعرف قضاء الرب"(أر8: 7) نعم ان تغاريد العصافير وصوت اليمامة تخجلا نحن خاصة الرب _ نحن الذين "أفضل من عصافير كثيرة" هو "يقوتنا أحسن منها" ليتنا نتمثل بالعصافير وباليمامة فنحيا مسبحين وشاكرين لان هذه هي مشيئة الله من جهتنا.

* * *

ولا يفوتنا ان نشير إلى هذه الحقيقة النبوية، وهي ان البقية سيكون لها مكان معد من الله لإعالتها وحمايتها خلال شتاء مرير لم يشهد العالم نظيره وأنه لأجلها سيقصر الله أيام ذلك الضيق، وليس ذلك فقط بل ان الرب سيقترب إليهم بمحبته الإلهية وسيأتي بهم إلى التمتع بالفرح فيه وبه _ ذلك الفرح المؤسس على قيامته، فأنه "العهد الأبدي" و "مراحم داود الصادقة" ستتحقق لهم بواسطة المسيا المقام من بين الأموات (قارن أش55: 3، أع13: 34). ان الملك الألفي السعيد سيتحقق بواسطة المسيح المقام والممجد.

ان يوم الفرح لا بد ان يبدأ عما قريب لتلك البقية المختارة التي طالما قاومها الأعداء وضايقوها "قد اقترب ملكوت السموات" والرب نفسه سيظهر سريعا ولا بد ان يعقب شتاء غياب الرب بظلامه وجفافه مباهج الربيع الزاهرة "في المستقبل يتأصل يعقوب. يزهر ويفرع إسرائيل ويملون وجه المسكونة ثمارا"(أش27: 6) فان أشعة شمس البر والمنيرة سوف تطرد ظلمة شتاء شتاتهم الطويل المجدب. عندئذ تغني العصافير وتغرد، وصوت اليمامة يسمع في "أرضنا" _ أرض الوعد والبركة.

* * *


( * ) جاءت عبارة "بلغ أوان القضب" في ترجمات عديدة بمعنى "بلغ أوان الغناء أو تغريد العصافير" The time of the singing (of birds) is come.

  • عدد الزيارات: 4494