الفَصلُ الأوَّل "وَصَفَةٌ للإرشاد"
خلالَ خِدمَتي كَراعي كَنيسة لحَوالي خمسة عُقُودٍ منَ السِّنين، أكثَرُ سُؤالٍ طُرِحَ عَلَيَّ كانَ التَّالِي: "أيُّها القسّ، كيف يُمكِنُني أن أعرِفَ إرادةَ اللهِ؟" أحياناً، كانَ السُّؤالُ يتعلَّقُ بِقرارٍ على مُفتَرَقٍ طُرُقٍ، وأحياناً أُخرى، وَرَدَ السُّؤالُ على الشَّكلِ التَّالِي: "كيف يمكنني أن أعرف إرادة اللهِ لحياتي؟"
خلالَ إجابَتي على هذا السُّؤال لِعِدَّةِ مَرَّاتٍ عبرَ السِّنين، رَكَّزتُ على إثنَتَي عشرةَ خُطوَة يتوجَّبُ علينا إتِّخاذُها، عندما نُريدُ أن نعرِفَ إرادَةَ الله. هذه الخُطواتُ الإثنَتَا عشرَةَ ليسَت مُعادَلَةً مُحدَّدَةً بِدِقَّة، تَقُودُنا مُباشَرَةً وبِوُضُوحٍ إلى معرِفَةِ مشيئَةِ الله، ولكنَّها تُبرِزُ القضايا التي ينبَغي النَّظَرُ إليها عندما نُحاوِلُ أن نجعَلَ إرادَاتِنا تَنسَجِمَ معَ إرادَةِ اللهِ.
المرَّةُ الأُولى التي تكلَّمَ فيها اللهُ القُدُّوس معَ الإنسانِ السَّاقِطِ في الكِتابِ المُقدَّس، كانت أنَّهُ طرحَ عليهِ سُؤالاً. وكانَ هذا السُّؤال: "أينَ أنتَ؟" المَرَّةُ الثَّانِيَة التي تكلَّمَ فيها اللهُ معَ الإنسانِ السَّاقِطِ، طرحَ عليهِ سُؤالاً آخَر، وكانَ هذا السُّؤال، "من قالَ لكَ؟" يتضمَّنُ السُّؤالُ الأوَّلُ أنَّهُ يُفتَرَضُ بنا أن نَكُونَ في مكَانٍ ما، وأنَّنا لا نَكُونُ دائماً حَيثُ يُفتَرَضُ بِنا أن نَكُون. وبِحَسَبِ السُّؤالِ الثَّانِي، يسأَلُنا اللهُ، "إلى من تَستَمِعُون؟" وهُوَ يُخبِرُنا أينَ نحنُ بالنِّسبَةِ إلى المكانِ الذي كانَ يُفتَرَضُ بنا أن نَكُونَ فيهِ. هذا يعني أنَّ الإرشادَ الإلهِيَّ هُوَ من أُولى الحقائِقِ التي أخبَرنا بها اللهُ في الكتابِ المُقدَّس.
هذانِ السُّؤالانِ اللَّذانِ نَجِدُهُما في الإصحاحِ الثَّالِث من سفرِ التَّكوين، هُمَا وصفَةٌ للإرشادِ الإلَهِيّ كما كانَ في ذلكَ الزَّمان، لأنَّ اللهَ يُريدُنا أن نفهَمَ الإرشادَ الإلَهِيَّ كما يَصِفُهُ اللهُ اليوم. فعِندَما نعرِفُ أينَ نحنُ وأينَ يُفتَرَضُ بنا أن نَكُونَ رُوحِيَّاً، علينا أن نُدرِكَ أنَّنا لا ينبَغي أن نحصَلَ على المعلُوماتِ منَ النَّاس، بل ينبَغي أن نتأكَّدَ أن تأتِيَ وُجهَتُنا الرُّوحيَّة منَ الله.
يأتي السُّؤالُ الثَّاني في الأصلِ العِبريّ في الكتابِ المُقَدَّس على الشَّكلِ التَّالي، "من جَعَلَكَ تعرِفُ..." وعندما نُدرِكُ أنَّ اللهَ يجعَلُنا نعرِفُ أينَ نحنُ وأينَ ينبَغي أن نَكُونَ، قد لا نَشعُرُ بالإرتِياحِ لنَقُولَ للآخرين، "اللهُ قالَ لي." وقد نشعُرُ أكثَرَ إرتِياحاً بإقتِباسِ هذه الحقيقة بأكثَرِ دِقَّةٍ عندما نَقُولُ، "اللهُ جعَلَنا نعرِفُ أنَّنا لسنا حيثُ نحتاجُ أن نَكُونَ في هذه المرحلة من حياتِنا."
نقرَأُ قِصَّةً عن أميرالٍ في البَحرِيَّةِ الأميركيَّة، الذي كانَ على مَتنِ سَفينَةٍ من سُفُنِهِ وسطَ جَوٍّ عاصِفٍ، وسُرعانَ ما إستَلَمَ رِسالَةً تقَولُ: "أيُّها الأميرال، لقد إستَلمنا رِسالَةً طارِئَةً على شاشَةِ الرَّادار، تَقُولُ أنَّنا على خَطٍّ سيَقُودُنا إلى الإصطِدامٍ بالطَّرَفِ الذي أرسَلَ الإشارَة. فماذا تنصَحُنا؟" فأجابَ الأميرالُ، "أرسِلُوا الرِّسالَةَ التَّالِيَة للطَّرفِ الآخر: أنتُم على وَشَكِ الإصطِدامِ بنا. الرَّجاءُ أن تُغَيِّرُوا إتِّجاهَكُم خمسَ عشرةَ درجةً شمالاً."
بعدَ دَقائِقَ معدُودَة، أُعلِمَ الأميرالُ أنَّهُم إستَلَمُوا على متنِ سفينتِهِ الجوابَ التَّالِي: "صحيحٌ أنَّنا على مسارٍ التَّصادُم. فالرَّجاءُ أن تُغَيِّرُوا إتِّجاهَ مسارِكُم خمسَ عشرَةَ دَرجَةً جَنُوباً." فأعطى الأميرالُ الأمرَ بإرسالِ الجوابِ التَّالِي: "هُنا الأميرال بِيتر جُونسُون، منَ البَحرِيَّةِ الأميركيَّة. أنصَحُكُم بِتَغييرِ مسارِكُم خمسَ عشرَةَ درجَةً شمالاً."
فجاءَ الجَوابُ التَّالِي على هذه الرِّسالَة الأخيرة: "هُنا حَارِسُ الشَّاطِئ الأميركيّ وِيللارد سوَاير. أنصَحُكُم بِتَغييرِ مسارِكُم خمسَ عشرَةَ درجَةً جَنُوباً." فعندما إستَلَمَ الأميرالُ هذا الجوابَ، إستَشاطَ غَيظاً، وأرسَلَ الرِّسالَةَ التَّالِيَة: "آمُرُكَ بأن تُغَيِّرَ مسارَكَ خمسَ عشرَةَ درجَةً شمالاً. فأنا أميرالُ الأُسطُول، وآمرُكَ من على سَفينتِي بإطاعَةِ الأوامِر."
"بعدَ وقفَةٍ وجيزة، جاءَ الجوابُ التَّالي: "أنصَحُكُم بِشِدَّة أن تُغَيِّرُ مسارَكُم خمسَ عشرَةَ درجَةً جَنُوباً. فأنا حارِسُ الشَّاطئ الأميركيّ، وأَقِفُ على رأسِ بُرجِ منارَةٍ ثابِتَة."
عندما يجعَلُنا إلهُنا القَادرُ على كُلِّ شَيءٍ نعرِفَ أينَ نحنُ وأينَ يُفتَرَضُ بنا أن نَكُونَ، لا ينبَغي أن يكُونَ هُناكَ أدنَى شَكٌّ في من هُوَ الذي ينبَغي أن يُغَيِّرَ إتِّجاهَهُ. بل علينا أن نستَسلِمَ لِتَوجِيهِهِ عندما يَجعَلُنا نَعرِفُ أينَ يُريدُنا أن نَكُونَ كُلَّ يَومٍ.
إرادَةُ اللهِ لِشَخصِيَّتِنا
إنَّ إرادَةَ اللهِ لكُلِّ تلاميذِ يسُوع المسيح، هي بالمعنى الحقيقي للكلمة أن نُطبِّقَ على حياتِنا جوهَرَ الوَصَايا العَشر والمَوعِظَة على الجَبَل. رَكَّزَ الرَّسُولُ بُولُس على هذا البُعد من إرادَةِ اللهِ، بِقَولِهِ للكُورنثِيِّين، "لأنّ هذه هي إرادَةُ اللهِ، قداسَتُكُم." (1تسالونيكي 4: 3).
عندما نزلَ مُوسى من على جَبَلِ سيناء، لم يحمِلْ معَهُ "الإقتِراحات العَشر." فالوصايا العَشرُ تُمَثِّلُ إرادَةَ اللهِ لِشَخصِيَّةِ شعبِ الله. والمَوعِظَةُ على الجَبَل هي قِمَّةُ إعلانِ اللهِ عن نَوعِيَّةِ شَخصِيَّةِ كُلِّ تلميذٍ من تلاميذِ يسُوع المسيح. فبِمعنىً ما، الكتابُ المُقدَّسُ بكامِلِهِ كُتِبَ لأنَّ إرادَةَ اللهِ القُدُّوس هي أنَّ يكُونَ كُلُّ رَجُلٍ وإمرأَةٍ كامِلاً في الشَّخصِيَّةِ وأن يَكُونَ مُؤَهَّلاً لكُلِّ عمَلٍ صالِحٍ يُريدُهُ اللهُ أن يعمَلَهُ (2تيمُوثاوُس 3: 16- 17).
منَ المُهِمِّ أن نفهَمَ أنَّ الوَصايا العَشر والمَوعِظَة على الجَبَل، لا تُعَلِّمُنا أن نعيشَ الشَّخصِيَّةَ التي تَصِفُها لنا لكي نخلُصَ. بل أُعطِيَت تعاليمُ يسُوع ووصايا مُوسى، أُعطِيَت لنا منَ اللهِ لكي نعرِفَ كيفَ يتوجَّبُ على الأشخاصِ المُخَلَّصِينَ أن يعيشُوا، لكَونِهم شعبَ اللهِ الحقيقيّ. بهذا المعنى، يُمكِنُنا القَول أن مشيئَةَ اللهِ لشخصِيَّةِ كُلِّ شعبِهِ هيَ عَينُها.
إرادَةُ اللهِ لأعمالِنا
كتبَ داوُد يَقُولُ أنَّ خَطَواتِ الصِّدِّيق تثَبَّتَت من قِبَلِ الرَّبّ (مزمُور 37: 23). ويُخبِرُنا أيضاً أنَّهُ قبلَ أن يُوجَدَ، وضعَ اللهُ خُطَّةً لِكُلِّ يَومٍ من أيَّامِ حياتِهِ. (مزمُور 139: 16). يَقولُ داوُد أيضاً في مَزمُورِ الرِّاعي أنَّ اللهَ معَهُ، يمشِي أمامَهُ، ويتبَعُهُ من الخَلفِ بطريقةٍ يستَحيلُ عليهِ معَها أن يهرُبَ من قيادَةِ راعيهِ في كُلِّ حركَةٍ يأتي بها (مزمُور 23).
هذه العلاقَةُ الحميمَةُ معَ اللهِ، بالتأكيد لا ينبَغي أن تَكُونَ إختِبارَ داوُد فحَسب، بل يُمكِنُ وينبَغي أن تَكُونَ إختِبارَ كُلِّ واحِدٍ من أَولادِ الله. "ففي كُلِّ مرَّةٍ يسقُطُ عُصُفورٌ مَيِّتاً من على الشَّجَرَة، يذهَبُ اللهُ لحُضُورِ الجنازَة." هذا تعبيرٌ تفسيريٌّ قامَ بهِ أحدُ المُبَشِّرين من جِيلٍ يختَلِفُ عنِ الجيل الذي علَّمَ فيهِ يسُوع، للتَّعبيرِ عمَّا قالَهُ يسُوعُ أنَّهُ لا يسقطُ عُصفُورٌ واحِدٌ على الأرضِ بدُونِ إِذنِ أبيكُم (متَّى 10: 29).
التَّطبيقُ الذي أجراهُ يسُوعُ على هذا التَّعليم، هُوَ أنَّهُ بما أنَّ عُصفُورانِ يُباعانِ بِفَلسٍ، وبما أنَّنا ذَوُو قيمَةٍ أكبَر جدَّاً من قيمةِ العُصفُورين، فإن كانَ اللهُ لديهِ مَشيئَةٌ حيالَ حياةِ أو موتِ العُصفُورِ الصَّغير، فبإمكانِنا التأكُّد أنَّ للهِ مَشيئَةً حيالَ كُلِّ تفاصِيلِ حياتِنا.
في هذا التَّعليمِ عن عُصفُورِ الدُّوريّ، أكَّدَ يسُوعُ إعلانَ داوُد عن إلهٍ شَخصِيٍّ يهتَمُّ بأصغرِ تفاصِيلِ حياتِنا، وبِمُخَطَّطاتِنا اليوميَّة، وبِتَوجِيهِ خُطُواتِنا. وهُوَ يُشدِّدُ كثيراً على هذا الأمر عندما يُخبِرُنا في المقطَعِ نفسِهِ أنَّ اللهَ يهتَمُّ بعددِ شعرِ رُؤوسِنا (متَّى 10: 30).
وافَقَ بُولُس الرَّسُول بِوُضُوحٍ معَ يسُوع وداوُد عندما كتبَ قالَ أنَّهُ رُغمَ أنَّ الأعمالَ الصَّالِحَةَ لا تُخَلِّصُ، ولكنَّنا نخلُصُ لأجلِ أعمالٍ صالِحَةٍ قد سبقَ فأعدَّها اللهُ لِكَي نسلُكَ فيها من أجلِهِ (أفسُس 2: 10). ويكتُبُ بُولُس قائِلاً أنَّهُ منَ الوَقتِ الذي تَجَدَّدَ فيهِ على طَريقِ دِمَشق، كانَ هَمُّهُ الأساسِيُّ أن يُدرِكَ القصدَ الذي لأجلِهِ أدرَكَهُ أيضاً المسيحُ يَسُوع (فيلبِّي 3: 12). وهُوَ يَحُضُّنا أيضاً "لنَختَبِرَ عمليَّاً أنَّ خُطَّةَ اللهِ لنا هي صالِحة، ولِكَي نُلَبِّيَ كُلَّ مُطَلِّباتِ اللهِ ونَتَحرَّكَ نحوَ هدف النُّضج الرُّوحِيّ." (رُومية 12، 1، 2).
لقد لاحظتُ أعلاهُ أنَّهُ في الأعدادِ الإفتِتاحِيَِّةِ منَ الكتابِ المُقدَّس، أخبَرنا مُوسى أنَّهُ يُوجَدُ مكانٌ حيثُ يُريدُنا اللهُ أن نَكُون، واللهُ سيجعَلُنا نعرِفُ متى نَكُونُ في هذا المكان ومتى لا نَكُونُ فيه. عندما نتأمَّلُ بهذه القِيم المُعلَنَة ليسُوع، مُوسى، داوُد، وبُولُس، ينبَغي أن نشعُرَ بِبَرَكَةٍ كَبيرة عندما نعرِفُ أنَّ إلَهَنا هُوَ إلهٌ شَخصِيٌّ، وهُوَ يهتَمُّ بنا شَخصِيَّاً كأفراد. فبِحَسَبِ هذه القَنواتِ للوَحي الإلهيّ، اللهُ يُحصِي شعرَ رُؤُوسِنا، ويأمرُ بِخُطُواتِنا، ويُنَظِّمُ أيَّامَنا، ولدَيهِ خُطَّةٌ لشَخصِيَّاتِنا، ولأعمالِنا، ولِكُلِّ قرارٍ هامٍّ نتَّخِذُهُ بينما نحيا لهُ في العالم.
الخُطوَةُ الأُولى
آمِنْ أنَّهُ تُوجَدٌ إرادَةٌ منَ اللهِ لِحَياتِكَ
أفضَلُ مكانٍ لنا لِنبدَأَ بِطَلَبِ مَشيئتِهِ لِحَياتِنا، هُوَ أن نُؤمِنَ بأنَّهُ يُوجَدُ ما يُسمَّى مَشيئَةُ اللهِ لحياتِنا. ومُجَرَّدُ وُجُودَ أكثَر من سِتِّين مِليار بَصمَةِ إصبَع، في هذا العالم، وكُلُّ واحِدَةٍ منها تختَلِفُ عنِ الأُخرى، يُشيرُ أنَّ لدى الله خُطَّة فَريدَةِ لحياةِ كُلِّ واحِدٍ منَّا. اليوم، تُشيرُ أبحاثُ الحمضِ النَّوَوِيّ D. N. A. إلى ما هُوَ أبعَدُ من أهمِّيَّةِ البَصَمات، كشاهِدٍ بَليغٍ عن مُعجِزَةِ كونِ كُلِّ واحِدٍ منَّا فريداً ومُختَلِفاً عنِ الآخر، وأنَّ اللهَ لديهِ خُطَّةٌ فَريدَةٌ لِكُلٍّ منَّا.
حتَّى يما يتعلَّقُ بالخَلاص، فنحنُ ليسَ لدَينا أُوتُوماتِيكيَّاً هذهِ الخُطَّة. فمن أُولى نتائِج وأهداف خلاصِنا هُو أن نستَعيدَ إرادَةَ اللهِ لِحياتِنا. صلاتي أن تُساعِدَكَ هذه الخُطواتِ الإثنَتَي عشر التي أُوشِكُ على تَبيانِها، على قيادَتِكَ إلى إرادَةِ اللهِ الصَّالِحة، المَرضِيَّة، والكامِلة لِحياتِكَ الشَّخصِيَّة. الخُطوَةُ الأُولى في إستِعادَةِ إرادَةِ اللهِ هي تُؤمِنَ أنَّ اللهَ لديهِ خُطَّةٌ شَخصِيَّةٌ لِحياتِكَ ولِحَياتِي.
الخُطوَةُ الثَّانِيَة
كُنْ مُريداً أن تعمَلَ إرادَةَ الله
الخُطوَةُ الثَّانِيَة هي الأكثَرُ أهَمِّيَّةً بينَ الخُطُواتِ الإثنَتَي عشرَةَ خُطوةً التي أُريدُ أن أتكلَّمَ عنها: أن نكونَ مُريدِينَ ومُستعدّينَ للقيام بإرادة اللهِ. عِندَما علَّمَ يسُوعُ تلاميذَهُ كيفَ يُصَلُّون، علَّمَهُم أن يُصَلُّوا قائِلينَ، "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ." عندما صَلَّى يسُوعُ في بُستانِ جُثسيماني قَبْلَ صَلبِهِ بِلَيلَةٍ واحدَة، أظهَرَ لتلاميذِهِ كيفَ يُصَلُّون، عندما تساقَطَ عرقُهُ كَقَطَراتِ دَمٍ نازِلَةٍ على الأرض، فصلَّى قائِلاً، "لِتَكُنْ لا مَشيئَتي، بل مَشيئَتُكَ." (متَّى 6: 10؛ 26: 39؛ لُوقا 22: 42- 44).
عندما أعطانا يسُوعُ مبدأً يُظهِرُ لنا كيفَ بإمكانِنا أن نعرِفَ أنَّ تعليمَهُ هُوَ تَعليمُ الله، أعطانا أيضاً مبدأً ينطَبِقُ عندما نطلُبُ أن نعرِفَ مشيئَةَ الله. والمَبدَأُ هُوَ بِبَساطَةٍ التَّالِي: "إِنْ شَاْءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيْئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيْمَ هَلْ هُوَ مِنَ اللهِ أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَاْ مِنْ نَفْسِيْ". (يُوحَنَّا 7: 17). هذه الكلماتُ القَليلَة التي نطقَ بها يسُوعُ، وَضَعَت بينَ أيدينا مِفتاحاً يَكشفُ عن إرادَةِ اللهِ أو عن مشيئَتِهِ لِحَياتِنا.
بِحَسَبِ الرَّسُول بُولُس، إنَّ مَعرِفَةَ إرادَةِ اللهِ لِحَياتِنا لا ينبَغي أن تَكُونَ صَعبَةً أو مُعَقَّدَةً. فاللهُ لا يُعَقِّدُ ولا يُشَوِّشُ مشيئَتَهُ عَمداً. والصُّعُوبَةُ لا تَكمُنُ في إرادَةِ اللهِ، بل في إرادَتي وإرادَتِكَ. وبينما يُخبِرُنا بُولُس كيفَ يُمكِنُنا أن نعرِفَ "مَشيئَةَ اللهِ الصَّالِحة والمَرضِيَّة والكامِلَة،" يبدَأُ بِوَصفَتِهِ لمعرِفَةِ إرادَةِ اللهِ بإخبارِنا بأن نرفَعَ أيدينا مُسَلِّمينَ إراداتِنا بِدُونِ شُروطٍ لإرادَةِ الله. قالَ، "قَدِّمُوا أجسادَكُم ذَبيحَةً حَيَّةً للهِ..." (رومية 12: 1- 2).
إنَّ إستِسلامَنا غير المَشرُوط لإرادَةِ اللهِ، سوفَ يُبَسِّطُ بَحثَنا عن مَشيئَتِهِ. فَبِمُلاحَظَةِ وإختِبار ودرس كلمةِ الله، تَوَصَّلتُ إلى الإستِنتاجِ أنَّ أكبَرَ عائِقٍ لمعرِفَةِ مشيئَةِ اللهِ لحياتِنا، ليسَ إرادَة الله، بل إرادتُنا نحنُ. فاللهُ لا يُعلِنُ إرادَتَهُ لأشخاصٍ لا يُريدُونَ أن يعمَلُوا بها.
الخُطوَةُ الثَّالِثَة
كُنْ مُنفَتِحاً لما قد تَكُونُ إرادَةُ اللهِ
طَلَبَتِ إمرأَةٌ مرَّةً من راعي كَنيستِها أن لا يُشَوِّشَ أفكارَها بآياتٍ منَ الكتابِ المُقدَّس تتكلَّمُ عن مشيئَةِ اللهِ لحياتِها، لأنَّها كانت قد سبقَت وحَسَمَت أَمرَها حيالَ ما كانت ستعمَلُهُ. أخبَرَني مُؤَخَّراً رَجُلٌ يَعمَلُ كَمُرشِدٍ إجتِماعِيٍّ ويتقاضى أجراً كبيراً على عملِهِ، أنَّهُ في مُعظَمِ الأحيانِ عندما يتقاضى أجراً كَبيراً جدَّاً، يكُونُ مَرضَاهُ غيرَ راغبينَ بالعمَلِ بالنَّصيحَةِ التي وجَّهها لهُم، والتي دَفَعُوا لهُ أجرَها. بل كُلُّ ما يُريدُونَهُ منهُ بِبَساطَةٍ هُوَ أن يُصادِقَ ويُوافِقَ معَهُم على ما سَبَقُوا وقَرَّرُوا أن يعمَلُوهُ.
غالِباً ما تَكُونُ إرادَةُ اللهِ بَعيدَةً عن مَنَالِنا، لأنَّنا عادَةً ما تَكُونُ لَدينا مُخَطَّطاتُنا الخاصَّة بِنا عندَما نأتِي إلى الله طالِبينَ مشيئَتَهُ. فإن كانت أذهانُنا مُتَحجِّرَةً كالصَّخرِ عندما نطلُبُ مشيئةَ اللهِ، لا نَكُونُ عندها صادِقِينَ في طَلَبِنا لمَشيئتِهِ. بل نَكُونُ بالحقيقَةِ نطلُبُ أن يُبَارِكَ اللهُ مشيئَتَنا نحنُ، ومُخَطَّطَنا، والطريقَة التي سبقَ وقَرَّرنا أن تَسيرَ بها الأُمُور.
الخُطوَةُ الرَّابِعَة
كَلِمَةُ الله
يُخبِرُنا إشَعياءُ أنَّهُ يُوجَدُ فَرقٌ كَبيرٌ بينَ أَفكارِ وطُرُقِ اللهِ وبينَ الطريقة التي بها نُفَكِّرُ ونعمَلُ الأشياء، وهذا الفَرقُ هُوَ مثلُ إرتِفاعِ السَّماواتِ عنِ الأرض. إنَّ فَلسَفَةَ إشَعياء للخدمة، كانت أن يكرِزَ بكَلِمَةِ اللهِ، لأنَّ كَلِمَةَ اللهِ تُسَبِّبُ إنسجاماً بينَ أفكارِنا وبينَ أفكارِ اللهِ، وبينَ طُرُقِنا وبينَ طُرُقِ اللهِ، وبينَ إراداتِنا وبينَ إرادَةِ الله (إشعياء 55: 9- 11)
يُخبِرُنا أميرُ الأنبِياءِ هذا بالسببِ الذي جعلَهُ يكرِزُ بِكَلِمَةِ الله. فبِحَسَبِ إشَعياء، إذا أرادَ شَعبُ اللهِ بصِدقٍ أن يعرِفُوا إرادَةَ اللهِ الذي لا يُفَكِّرُ ولا يعمَلُ كما يعمَلُون، عليهم بِبَساطَة أن يَقضُوا المَزيدَ منَ الوقتِ في دِراسَةِ كلمتِهِ.
سَمِعتُ مرَّةً بِيلي غراهام يُخبِرُ بِقِصَّةٍ عن صُعُودِهِ إلى طائِرَة، قبلَ أن يُصبِحَ معرُوفاً بالقَدَرِ الذي هُوَ فيهِ اليوم. وعندَ دُخُولِهِ الطَّائِرَة، حَيَّى قسِّيساً كانَ صديقاً قديماً لهُ، وكانَ يجلِسُ على كُرسِّيِ قَريبٍ للكُرسِّيِّ التي جلسَ عليها بيلي غراهام، وهُوَ يقرَأُ كِتابَهُ المُقدَّس. فتَجاهَلَ القِسِّيسُ الشَّيخُ بيلي غراهام تماماً. وبعدَ مِضِيِّ حوالي السَّاعَة على إقلاعِ الطَّائِرة، جاءَ القِسِّيسُ الشَّيخُ إلى بيلي غراهام وحَيَّاهُ بِحرارَة، وإعتَذَرَ لأنَّهُ تجاهَلَهُ سابِقاً قائِلاً، "عندما أُصَلِّي، أتكلَّمُ معَ الله، ولكن عندما أفتَحُ كلِمَةَ اللهِ، يتكلَّمُ اللهُ معِي. وهكذا كانَ يتكلَّمُ اللهُ معي عندما حَيَّيتَني، فلم أستَطِعْ أن أُقاطِعَ اللهَ لأُجيبَ بيلي غراهام."
عندما كان يفتح Thomas a Kempis كتابه المقدّس في كُلِّ صَباح، كان يُصَلِّي قائِلاً: "لتصمت كلّ الأصوات. تكلّم معي يا ربّ أنتَ وحدك". فإن كُنَّا نُريدُ بِصدقٍ معرِفَةَ إرادَةِ اللهِ، علينا أن نتمكَّنَ مِن الإستِماعِ لله. علينا أن نطلُبَ منَ اللهِ أن يتكلَّمَ إلَينا بينما نفتَحُ كَلِمَتَهُ. لهذا علينا أن نقضِيَ وقتاً في قِراءَةِ كَلِمَةِ اللهِ عندما نطلُبُ معرِفَةَ مشيئَتِهِ.
الخُطوَةُ الخَامِسَة
الصَّلاةُ
عندما يتوجَّبُ علينا معرِفَةَ إرادَةِ كائِنٍ بَشَرِيٍّ آخَر، ما هي الخُطوَةُ الأُولى التي يتَوَجَّبُ علينا القِيامُ بها؟ أوَّلُ فِكرَةٍ هي أنَّنا ينبَغي أن نتقابَلَ معَ هذا الكائِن البَشَريِّ ونتحادَثَ معَهُ. عندما يَقَعُ شابٌّ في حُبِّ فتاةٍ ويُريدُ أن يتزوَّجَها، أوَّلُ فِكرَةٍ هي أنَّهُ يحتاجُ أن يجلِسَ ويتحادَثَ معَها. عندما نطلُبُ أن نعرِفَ مَشِيئَةَ اللهِ، أوَّلُ فِكرَةٍ ينبَغي أن تَتَوفَّرَ، هي أن نلتَقِيَ معَ اللهِ وأن نتحادَثَ معَهُ.
يُوجَدُ بُعدَان في كُلِّ مُحادَثَة. وكُلُّ مُحَدِّثٍ جَيِّدٍ يعلَمُ أنَّ أهمَّ بُعدٍ في المُحادَثَة، هُوَ عندما يتكلَّمُ الشَّخصُ الآخر. هذانِ البُعدَانِ المُتَمايِزانِ في المُحادَثة، ينبَغي أن يأخُذا مجراهُما عندما نُصَلِّي وعندما نقرَأُ كلمةَ اللهِ. فإن كُنتُم لا تعلَمُون كَيفَ تُصَلُّون، فَكِّرُوا بالصَّلاةِ على أنَّها لِقاءٌ معَ اللهِ ومُحادَثَة معَهُ. فعندما نُصَلِّي، البُعدُ الأكثَرُ أهَمِّيَّةً في هذه المُحادَثَة، هُوَ بالطَّبعِ ليس عندما نتكلَّمُ نحنُ معَ اللهِ، بَل عندَما يتكلَّمُ هُوَ إلينا.
لقد طَلبَ الرُّسُلُ بِتَواضُعٍ وإخلاص من يسُوع أن يُعَلِّمَهُم كيفَ يُصَلُّون. وجواباً على إعتِرافِهم وطلَبِهم البَريء هذا، أعطاهُم يسُوعُ صلاةَ التَّلاميذ (لُوقا 11: 1- 5؛ ومتَّى 6: 8- 14). لقد كانت هذه الصَّلاةُ صلاةً وتعليماً لكيفيَّةِ الصَّلاةِ. فعِندَما تُصَلُّون، إستَخدِمُوا صلاةَ التلاميذ كدَلِيلٍ لإرشادِكُم عندما تتكلَّمُونَ معَ اللهِ. ثُمَّ عندَها إفتَحُوا كُتُبَكُم المُقدَّسَة واطلُبُوا منَ اللهِ أن يتكلَّمَ معَكُم.
هذا الدَّليلُ لمُحادَثَتكُم معَ الله لم يكُنِ المَقصُودُ بهِ من قِبَلِ المسيح أن يتِمَّ تكرارُهُ مرَّةً تِلوَ الأُخرى، ظانِّينَ أنَّ اللهَ سيرضَى بمُجرَّدِ تكرارِ هذه الصَّلاة. بل ضَمَّنَ يسُوعُ تعليماتٍ هُنا، التي تُظهِرُ بِوُضُوحٍ أنَّ هذا لم يَكُنْ قصدَهُ. وأعتَقِدُ أيضاً أنَّهُ منَ المُهِمِّ أن نُلاحِظَ تعليماً آخَرَ أعطاهُ يسُوعُ عن كيفَ ينبَغي أو لا يَنبَغي أن نُصَلِّي. يُوجَدُ بعضُ النَّاس الذين يُؤمِنُونَ أنَّهُم إذا كَرَّرُوا صلاةً مُعَيَّنَةً، وإذا أعادوا ذكرَ طِلبَةٍ ما مراراً وتِكراراً، فاللهُ سوفَ يَسمَعُ ويستَجيبُ.
عندَما عَلَّمَ يسُوعُ تلاميذَهُ أن يُصَلُّوا، قالَ، "وحِينَما تُصَلُّون، لا تُكَرِّرُوا الكلامَ باطِلاً كالأُمَم. فإنَّهُم يَظُنُّونَ أنَّهُ بِكَثرَةِ كلامِهِم يُستَجابُ لهُم. فلا تَتَشَبَّهُوا بِهِم. لأنَّ أباكُم يعلَمُ ما تَحتاجُونَ إليهِ قَبلَ أن تسأَلُوه." (متَّى 6: 7، 8)
الخُطوَةُ السَّادِسَة
إمتَحِنْ دَوَافِعَك
أَتُريدُ أن تعرِفَ إرادَةَ اللهِ لِحَياتِكَ بسببِ ما ستنتَفِعُ منها، أم بسببِ ما سينتَفِعُ اللهُ منها؟ فالدَّوافِعُ مُهِمَّةٌ جدَّاً بِنَظَرِ اللهِ. وكَلِمَةُ اللهِ تجمَعُ بينَ دَوافِعِنا وبينَ قُلُوبِنا، والكِتابُ المُقدَّسُ يُخبِرُنا أنَّ القَلبَ أخدَعُ من كُلِّ شَيء.ويُخبِرُنا إرميا أنَّ قُلُوبنا مُخادِعَةٌ لدرجَةِ أنَّ اللهَ وحدَهُ يستَطيعُ أن يعرِفَها (إرميا 17: 9- 10). ويكتُبُ بُولُس الرَّسُولُ قائِلاً أنَّهُ بعدَ أن يَكشِفَ اللهُ الدَّوافِعَ الخَفِيَّةَ لِقُلُوبِنا، عندَها فَقَط سوفَ تُحاسَبُ أعمالُنا (1كُو 4: 5).
عندَما واجَهَ يسُوعُ الصَّليبَ، صلَّى قائِلاً: "الآن نَفسي قدِ إضطَّرَبَت، وماذا أقُولُ؟ أيُّها الآبُ، نَجِّنِي من هذه السَّاعَة؟ ولكنَّي لِهذا أتَيتُ من أجلِ هذه السَّاعَة. أيُّها الآبُ، مَجِّدِ إسمَكَ! فجاءَ صَوتٌ منَ السَّماءِ قائِلاً، "مَجَّدتُ وأُمَجِّدُ أيضاً."
بِناءً على هذا المَقطَع، كتبَ رَجُلٌ تَقِيٌّ جِدَّاً أنَّهُ ينبَغي عَلينا أن نُصَلِّي هذه الصَّلاة: "أيُّها الآبُ، مَجِّدَ إسمَكَ، وأرسِلْ لي الفاتُورة. فأنا مُستَعِدٌّ لأَعمَلَ أيَّ شَيءٍ تُريدُهُ أيُّها الآب. فقط مَجِّدِ إسمَكَ!" إنَّ كلمات يسوع الوارِدَة أعلاهُ، والإقتِباسُ التَّفسيريُّ لها، تَصِفُ الدَّافِعَ الذي ينبَغي أن نتحلَّى بهِ جَميعُنا إذا أردنا معرِفَة إرادَة اللهِ."
فهَل نُريدُ أن نَعرِفَ إرادَةَ اللهِ لمجدِ اللهِ، أم لِمَجدِنا الشَّخصِيّ ولمصلَحَتِنا الشخصِيَّة؟ إنَّ جوابَنا على هذا السُّؤال سيَكُونُ مُهِمَّاً جدَّاً لدَى الله، عندما ستَقَيَّمُ أعمالُنا أمامَ كُرسِيِّ المسيح. منَ المُهِمِّ جدَّاً أن تَكُونَ دوافِعُ قُلُوبِنا تهدِفُ إلى تَمجيدِ اللهِ، بينما نطلُبُ مَشيئَتَهُ في حياتِنا اليَوميَّة.
الخُطوَةُ السَّابِعة
قَيِّمْ مَواهِبَكَ
بِحَسَبِ بُولُس، إذا أرَدنا بِإخلاصٍ أن نعرِفَ إرادَةَ اللهِ لِحَياتِنا، بعدَ أن نَكُونَ قدِ إستَسلَمنا بِدُونِ شرُوطٍ لإرادَةِ اللهِ، وبعدَ أن نَكُونُ قد تَغَيَّرنا بتجديدِ أذهانِنا، وبعدَ أن نَكُونَ قد قَرَّرنا أنَّ العالمَ لن يُشَكِّلَنا بِحَسَبِ قَوَالِبِهِ، عندها علينا أن نكتَشِفَ نماذِجَ مواهِبِنا الرُّوحيَّة. وعِندَها علينا أن نُقَدِّمَ هذه المواهِب الرُّوحيَّة كذَبِيحَةٍ حَيَّة للهِ (رُومية 12: 1- 8) وهكذا سيَقُودُونا الإنضِباطُ الرُّوحيُّ إلى قَلبِ مَشيئَةِ اللهِ.
قالَ لي أحَدُ مُرشِدِيَّ منذُ زَمَنٍ طَويل، "ينبَغي أن يكُونَ واضِحاً أنَّ اللهَ لم يَدْعُ شخصاً بِرِجلٍ واحِدَة ليُشارِكَ في سِباقِ الرَّكض الأُولمبِيّ." فسُرعانَ ما نأخُذُ فكرَةً عن لائِحَةِ مواهِبِنا الطَّبِيعيَّة والرُّوحِيَّة، كوُكَلاء أُمَناء، علينا أن نقبَلَ حُدُودَ محدُودِيَّاتِنا، وأن نقبَلَ كذلكَ الأمر مَسؤُوليَّةَ مُؤَهِّلاتِنا.
يُوحَنَّا المعمدانُ هُوَ أفضَلُ مِثالٍ على رَجُلٍ مارَسَ هذه النُّظُم الرُّوحيَّة في حياتِهِ. فلقد عرفَ يُوحَنَّا من كانَ وعرفَ أيضاً من لم يكُنْ. قالَ، "أنا صَوتُ صارِخٍ في البَرِّيَّة، أعِدُّوا طَريقَ الرَّبِّ." (مرقُس 1: 3) كانَ هذا من وما وأينَ يجبُ أن يكُون. ولقد عرفَ أنَّ الحياةَ كانت أكثَرَ قيمَةً من أن تَكُونَ أقَلَّ من كَونِهِ ذلكَ الصَّوت الصَّارِخ في البَرِّيَّة. ولقد عرفَ أيضاً من لم يَكُنْ. (يُوحَنَّا 3: 27- 36، ومرقُس 1: 7، 8).
لقد عَرَفتُ مُؤمِنينَ عانُوا منَ ألَمٍ غَيرِ ضَروريٍّ، لأنَّهُم لم يَقبَلُوا حدُودَ محدُودِيَّاتِهِم. فعندما سيَتِمُّ تقييمُنا أمامَ كُرسِيِّ المسيح، سوفَ يُعانِي الكَثيرُونَ منَّا صَدَماتٍ مُربِكَة، لعدَمِ قُبُولِنا بمسؤوليَّةِ مُؤَهِّلاتِنا. ومِثلَ العبدِ البَطَّال في مثلِ الوَزَناتِ، نعتَقِدُ أحياناً أنَّنا غَيرُ مَوهُوبينَ، وهكذا ندفُنُ مواهِبَنا التي أُعطِيَت لنا (متَّى 25: 14- 30).
لائِحَةٌ بالمَواهِبِ الرُّوحِيَّة
لقد رأيتُ الكَثيرَ منَ المُؤمنينَ المُنزَعِجينَ بسببِ كونِهم إمَّا لا يَعرِفُونَ مواهِبَهُم الرُّوحيَّة، أو لكَونِهم لا يُمَارِسُونَها. الدَّليلُ التَّالِي هُوَ مُناسِبٌ لوضعِ لائِحَةٍ بالمَواهِبِ الرُّوحيَّة التي أُعطِيَت لنا منَ الرُّوحِ القُدُس.
1-عَوَّدْ نفسَكَ على الوَصفِ الكِتابِيِّ للمواهِبِ الرُّوحيَّة. يُوجَدُ حوالَي عشرون أو إحدى وعِشرُونَ من هذه المَواهِبِ الرُّوحيَّة المَذكُورَة في العهدِ الجَديد. أنا شَخصِيَّاً لا أعتَقِدُ أنَّ لائِحَةَ المَواهِبِ الرُّوحيَّة التي يُمكِنُ تجميعُها من شواهِدَ كِتابِيَّةٍ مُتنوِّعَة، لا أعتَقِدُ أنَّ المَقصُودَ بها من قِبَلِ كُتَّابِ هذه الأسفار الكتابِيَّة بأن تَكُونَ لائحَةً كامِلَةً حصريَّة. بل أعتَقِدُ أنَّ ما يَقُولُونَهُ هُوَ على سَبيلِ المِثالِ وليس الحَصر فيما يتعلَّقُ بالمَواهِبِ الرُّوحيَّة.
2-آمنْ أنَّكَ مَوهُوبٌ. الإصحاحُ الثَّانِي عشَر من كُورنثُوس الأُولى هُوَ الإصحاحُ الأكثَر أهَمِّيَّةً في العهدِ الجديدحولَ موضوع المواهِبِ الرُّوحيَّة. بينما تدرُسُ ذلكَ الإصحاح، لاحِظ التِّشديد على كلمة "كُلّ." عندما تُلَخِّصُ هذا الإصحاح العظيم، ينبَغي أن تستنتِجَ أنَّ كُلَّ المُؤمنينَ المُتَجَدِّدِينَ هُم مَوهُوبُونَ رُوحيَّاً.
3-تأمَّلْ بالطُّرُقِ التي تجعَلُكَ فعَّالاً ومُثمِراً في كنيستِكَ المحَلِّيَّة. فكُلُّ مواهِبِ الرُّوحِ مُعطاةٌ لِبنُيانِ ولِبَرَكة ولتَّشجيع ولِتَعليم ولتَأهيل باقي أعضاءِ الكنيسة. لهذا، فإنَّ كَنيستَكَ المَحَلِّيَّة هي المكان الذي فيهِ تكتَشِفُ وتُمَيِّزُ وتُنَمِّي وتُمارِسُ عُنقُودَ مواهِبِكَ الرُّوحيَّة.
4-مَيِّزْ بينَ مُؤهِّلاتِكَ الطَّبيعيَّة وبينَ مواهِبِكَ الرُّوحيَّة. فمُؤهِّلاتِكَ الطَّبيعيَّة هي نَمُوذَجُ المواهِب والمَهارات التي وَرِثتَها بولادَتِكَ الجَسَديَّة وبتركيبَتِكَ الوِراثِيَّة.
بِمعنىً ما، تُصبِحُ هذه المُؤهِّلاتُ رُوحِيَّةً عندما تُكَرِّسُها لله. مثلاً: إن كانَ لدى أحدِهم صَوتٌ جميلٌ، فَكَرَّسَهُ وإستَخدمَهُ لتمجيدِ وتسبيحِ اللهِ، فبِذلكَ تُصبِحُ موهِبَتُهُ الطبيعيَّة مَوهِبَةً رُوحيَّة.
وهكذا فأنتَ قد وَرِثتَ نَمُوذَجَ مواهِبِكَ الرُّوحيَّة، أو عُنقُودَ مواهِبِكَ الرُّوحيَّة، بفضلِ ولادَتِكَ الرُّوحيَّة. فعندما يأتي الرُّوحُ القُدُسُ لِيَسكُنَ فينا، يَجلِبُ معَهُ عُنقُوداً منَ المَواهِبِ الرُّوحيَّة التي لم تَكُنْ حاضِرَةً في حياتِنا قبلَ أن نُولدَ من جَديد (1كُورنثُوس 12).
5-تَوَقَّعْ من أعضاء آخرينَ من كَنيستِكَ أن يُساعِدُوكَ على أن تتعرَّفَ على مواهِبِكَ الرُّوحيَّة. تأمَّلْ بِمَدى تأثيرِ مواهِبِكَ الرُّوحِيَّة على أُولئكَ الذين يتلقُّونَها. فإن كانَ النَّاسُ يُقبِلُونَ إلى الإيمان ويُصبِحُونَ أعضاءَ في جسدِ المسيح عندما تُشارِكُهُم بِرِسالَةَ الإنجيل، فهذا يعني أنَّ لدَيكَ مَوهِبَةَ التَّبشير. وإن كانَ النَّاسُ يفهَمُونَ الحقائِقَ الرُّوحيَّة التي تُعَلِّمُهُم إيَّاها، فهذا يعني أنَّ لديكَ موهِبَةَ التَّعليم. من أهمّ أدوار الكنيسة مُساعَدَةُ المُؤمنينَ على تمييزِ مواهِبهم الرُّوحيَّة والإعتِرافِ بها ومُمارستِها وتطويرها.
6-جِدْ فُرَصاً لإختبارِ المَواهِب المُحتَمَلَة أو المَشكُوك بها، وكذلكَ نماذِجَ الخدمة. فَكَيفَ تعرِفُ إن كانَ لديكَ أو إن لم يكُنْ لدَيكَ مَوهِبَةَ التَّعليم، أو إن لم يَكُن لديكَ الشَّجاعة والإيمان لتُحاوِلَ أن تُعَلِّمَ صَفَّ مدرسَةِ الأحد أو دَرساً في الكتابِ المُقدَّس؟
7-إمنَحْ نفسَكَ وقتاً لِتَنمِيَةِ المواهِبِ الرُّوحيَّة التي تَظُنُّ أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ أعطاكَ إيَّاها. فإختِبارٌ سَلبِيٌّ واحِدٌ بِفَشَلٍ في مُحاوَلَةِ إعطاءِ درسٍ في الكتابِ المُقدَّس، لا يعني أنَّكَ لا تتمتَّعُ بمَوهِبَةِ التَّعليم.
8-قُم بِتَكريسِ مواهِبِكَ الرُّوحيَّةِ للهِ التي منحَكَ إيَّاها، والذي هُوَ القُوَّة الكامِنَة وراءَ هذه المواهِب، والذي يُشكِّلُ مجدُهُ هدَفَ كُلِّ هذه المَواهِب.
الخُطوَةُ الثَّامِنَة
إبحَثْ عن نَمُوذَج
بِما أنَّ اللهَ هُوَ إلهُ ترتيبٍ، وبما أنَّ "بَصمَة إبهام" الله يُمكِنُ أن تُرى في خُطَّةِ خليقَتِهِ الخارِقَة للطَّبيعة، ينبَغي علينا أن نتَوَقَّعَ أن نرى تَرتيباً ونِظاماً في طريقَةِ إعلانِ اللهِ عن مشيئتِهِ لحياتِنا.
في سفرِ الأعمال، نقرَأُ أنَّ الرَّسُول بُطرُس رأى في رُؤيا ملاءَةً أو ثَوباً مملوءاً بالحيواناتِ، التي كانَ نامُوسُ مُوسى يمنَعُ أكلَها على اليَهُودِيِّ المُتَدَيِّن (أعمال 10). ولقد قيلَ لبُطرُس ثلاثَ مَرَّاتٍ بأن يذبَحَ ويأكُلَ من هذه الحيواناتِ النَّجِسَة. ولكنَّ بُطرُس رفضَ ذلكَ في كُلِّ مرَّة. ثُمَّ سَمِعَ صوتَ أُناسٍ يقرَعُونَ الباب. فأخبَرَهُ الرُّوحُ القُدُسُ أن يذهَبَ معَ الرِّجالِ الذين كانُوا يقرَعُونَ الباب، بِدُونِ أن يطرَحَ أيَّ سُؤالٍ عن سببِ مجيئهم وسُؤالِهم عنهُ. وسُرعانَ ما عَلِمَ بُطرُس أنَّهم كانُوا أُمَمَاً. فلقد كانُوا خُدَّامَ قائِدِ مِئة في الجَيشِ الرُّومانِيّ الذي كانَ يحتَلُّ أرضَهُم ويُسَيطِرُ عليها بِقَسوة.
لن ينظُرْ بُطرُس إلى هذه السِّلسِلَة منَ الأحداث كمُجَرَّدِ سِلسِلة منَ المُصادَفات، بل رأى فيها سِلسِلَةً من الأحداثِ التي شكَّلَت نمُوذجاً منَ الإرشادِ الإلَهيّ. فلقد أعلنَ إختِبارُ بُطرُس في النِّهايَةِ الحقيقَةَ المَجيدَةَ أنَّ إنجيلَ يسُوع المسيح لم يَكُنْ لِليَهُودِ فَقَط، بَل لِكُلِّ إنسانٍ في كُلِّ أُمَّةٍ على الأرض.
يُخبِرُنا سِفرُ الأعمال بِقِصَّةٍ مُشابِهةٍ عن كيفَ كانَ المُبَشِّر فيلبُّس يقُومُ بِحملَةٍ تبشيريَّةٍ مُثمِرَةٍ جِدَّاً في السَّامِرَة، عندما قادَهُ الرُّوحُ ليَخرُجَ إلى بَرِّيَّةِ غَزَّة (أعمال 8). رُغمَ أنَّ المُبَشِّرينَ يذهَبُونَ عادَةً إلى الأماكن المُكتَظَّة بالسُّكَّان، لكنَّ فيلبُّس أطاعَ قِيادَةَ الرُّوح.
عندَما أطاعَ فيلبُّس الرُّوحَ القُدُس، إلتَقَى بوَزيرِ المالِيَةِ الأثيوبيَّة، الذي كان يجتازُ الصَّحراءَ في عَرَبَةٍ. فدُعِيَ فيلبُّس ليَصعَدَ إلى عَرَبَةِ الوزيرِ الأثيوبيّ، وإستطاعَ بعدَ ذلكَ أن يَقُودَ السِّياسِيَّ الإفريقيَّ إلى الإيمانِ بالمسيح، ومن ثَمَّ عمَّدَهُ.
يُخبِرُنا تاريخُ الكَنيسةِ عن كنيسةٍ قويَّةٍ تأسَّستْ في شمالِي إفريقيا، بسببِ توبَةِ وتجديدِ هذا السِّياسِيِّ الأثيُوبِيّ. فلقد قادَ الرُّوحُ القُدُسُ المزيدَ منَ الأشخاصِ في إفريقيا بِواسِطَةِ هذا الرَّجُلِ الأثيُوبِي، أكثر جدَّاً ممَّا كانَ فيلبُّس سوفَ يَقودُ للإيمانِ في السَّامِرة. فهل تعتَقِدُ أنَّ فيلبُّسَ ظَنَّ أنَّ كُلَّ هذا السِّيناريو كانَ مُجَرَّدَ مُصادَفَةٍ، أم نمُوذجاً عنِ الإرشادِ الإلهيّ؟
هاتانِ قِصَّتانِ من بينِ عدَّةِ قِصَصٍ من الكِتابِ المُقدَّس، التي تُبَرهِنُ نماذِجَ عنِ الإرشادِ الإلهِيّ. فعندما تطلُبُ مشيئةَ اللهِ، فتِّشْ عن هكذا نماذِج. قد لا تَكُونُ هذه النَّماذِج خارِقَةً للطَّبيعَة أو غير إعتِيادِيَّة بشكلٍ واضِح، ولكنَّها ستَكُونُ بُرهاناً عن المُعجِزَةِ العظيمة أنَّ اللهَ يَقُودُ من خلالِ نماذِج. إبحَثْ عن نماذِج عندما تكُونُ بِصددِ التَّفتيشِ عن مشيئَةِ الله.
الخُطوَةُ التَّاسِعَة
إبحَثْ عن تأكِيد
هُناكَ أوقاتٌ يتَوَجَّبُ فيها علينا أن نبحَثَ عن تَثبيتٍ أو تأكيدٍ، خلالَ طلَبِنا لِمَعرِفَةِ إرادَةِ الله. خلالَ رحلاتِنا في حياةِ الإيمان، غالِباً ما نَصِلُ إلى مُفتَرَقِ طُرُق، حيثُ أنَّنا بِبَساطَةٍ لا نَعرِفُ إرادَةَ الله. فلا يُوجَدُ عددٌ في الكتابِ المُقدَّس يُمكِنُ أن يُخبِرَنا أن نذهَبَ إلى اليَمينِ أو إلى اليَسار، عندما لا يَكُونُ لدينا حَثٌّ ولا إرشادٌ منَ الرُّوحِ القُدُس. نحنُ نبذُلُ قُصَارى جُهدِنا لنتَّخِذَ القَرارَ الصَّحيح، بينما نعتَرِفُ بالحَقيقَةِ المُرَّة أنَّنا بِبَساطَةٍ نجهَلُ الطريقَ الذي ينبَغي أن نسلُكَهُ. وبعدَ أن نَكُونَ قد قُمنا بِكُلِّ ما يُمكِنُ فعلُهُ لنُمَيِّزَ مشيئَةَ اللهِ، ننتهِي بِسُلُوكٍ طَريقٍ منَ الطَّريقَين.
رُغمَ أنَّهُ لا يُوجَدُ عددٌ واحِدٌ في الكتابِ المُقدَّس يُخبِرُنا أيَّ طريقٍ ينبَغي أن نسلُكَ، يُوجَدٌ عددٌ في الكِتابِ المُقدَّس، الذي يُمكِنُهُ أن يُعطِيَنا بَصيرَةً يُمكِنُنا إستِخدامُها كَمَبدَأٍ مٍُساعِدٍ عندما نَجِدُ أنفُسَنا في هكذا مُفتَرَقِ طُرُق. تُعَبِّرُ إحدى التَّرجمات لهذا العدد المأخُوذِ من سفرِ المزامِير بالطريقَةِ التَّاليَة، "مِن قِبَلِ الرَّبِّ تتَثَبَّتُ خُطُواتُ الإنسانِ." (مزامير 37: 23). هذا يعني أنَّهُ علينا أحياناً أن نتقدَّمَ إلى الأمام، نحوَ ما نُدرِكُ أنَّهُ إرادَةُ اللهِ، مُصَلِّينَ وباحِثينَ عن تأكيدٍ وتَثبيتٍ لذلكَ.
هذا التَّأكيدُ يُمكِنُ أن يَكُونَ إيجابِيَّاً أو سَلبِيَّاً. إن كَانَ كُلُّ شَيءٍ يعمَلُ بالطَّريقَةِ الصَّحيحَة، وإن كانَ الإتِّجاهُ الذي إختَرناهُ يحمِلُ بِوُضُوحٍ ختمَ مُوافَقَةِ اللهِ عليهِ، فبإمكانِنا القَول أنَّ اللهَ أعطانا تأكيداً إيجابِيَّاً عن مَشيئَتِهِ. لدَينا الإقتِناعُ أنَّ اللهَ يَقُولُ لنا، "هذه هي الطَّريق، إسلُكُوا فيها." (إشعياء 30: 20، 21). وبعدَ أن نلتَزِمَ بإتِّجاهٍ مُعَيَّن، نرى البَراهين أنَّ المسيحَ الحَيَّ قد سَبَقَنا وحضَّرَ الطَّريقَ لنا (يُوحَنَّا 10: 4).
أحياناً، يَكُونُ التَّأكيدُ سَلبِيَّاً، وتَكُونُ النَّتائِجُ عكسَ ما وصفتُهُ لكُم أعلاهُ. عندَما يحدُثُ هذا، علينا أن نتَّضِعَ بِشكلٍ كافٍ لِنَرجِعَ إلى مُفتَرَقِ الطُّرُقِ ونختارَ الطريقَ الآخر.
الخُطوَةُ العاشِرَة
إنتَظِرِ الرَّبَّ
اللهُ ليسَ على عَجَلَةٍ من أمرِهِ. ونحنُ غالِباً ما نُفَوِّتُ على أنفُسِنا قيادَةَ الرَّبِّ لنا، لأنَّنا نركُضُ بَعيداً، مُوجِّهِينَ بِشكلٍ مُضطَّرِبٍ الرَّبَّ لكي يُلاحِقَنا في تَيَهانِنا في الرَّحلَةِ أو الخُطَّةِ التي رَسمناها لحياتِنا. من هُنا جاءتِ الحاجَةُ للعبارَةِ القائِلة، "إنتَظِرِ الرَّبَّ،" والتي غالِباً ما نَجِدُها في كلمة ِالله.
يتطلَّبُ الإنتِظارُ إيماناً أكثَر ممَّا يتطلَّبُهُ النَّشاطُ والعَمَلُ. ووصفَةُ اللهِ للإرشاد لأشخاصٍ أمثال يعقُوب، هي أن ننتظِرَ الرَّبَّ. لقد كانَ يعقُوبُ بِأَمَسِّ الحاجَةِ إلى معرِفَةِ إرادَةِ اللهِ لحياتِهِ، لأنَّهُ كانَ دائماً يركُضُ تائهاً أمامَ الرَّبّ.
إقرأْ قِصَّةَ يعقُوب في سفرِ التَّكوين، الإصحاحات 25 إلى 32، وكذلكَ تعليقَ بُولُس على هذه القِصَّة في الإصحاحِ التَّاسِع من رِسالَةِ رُومية. فبينما تقرَأُ كيفَ جعلَ اللهُ من يعقوب أعرجَ لكَي يُتوِّجَهُ بِبَرَكَةِ مشيئَتِهِ، سوفَ ترى الإيضاحَ العَظيم عمَّا يعنيهِ إنتِظارُ الرَّبّ. فعندما يُصبِحُ شَخصٌ تَقِيٌّ أعرَجَ، ماذا بإمكانِهِ أن يفعَلَ غيرَ إنتِظارِ الرَّبّ؟
في سفرِ المَزامِير، تُوجَدُ كَلِمَةُ "سِلاه" في ثلاثٍةٍ وسبعينَ مكاناً. إحدى التَّرجماتُ المُعاصِرَة لهذه العِبارَة هي، "توقَّفْ وتأمَّلَ بِهُدُوءٍ بهذا." وغالِباً ما يضعُ اللهُ عبارَة "سِلاه" في حياتِنا اليوم، بينما يَقُودُنا في رِحلاتِِ إيمانِنا. فاللهُ لَدَيهِ أسبابُهُ الخاصَّة لجَعلِنا نهدَأُ وننتظِر. فقد يكُونُ يُريدُنا أن نتوقَّفَ ونُفَكِّرَ بِهُدُوءٍ حولَ أولَويَّاتِنا، وحولَ أهدافِ رِسالَتِنا، وحولَ قضايا أُخرى، بينما نختَبِرُ مشيئَتَهُ لحياتِنا.
عندما نلتَقِي بِواحِدَةٍ من عباراتِ اللهِ القائِلة "سِلاه،" علينا دائماً أن نسألَ ماذا يُريدُ اللهُ منَّا أن نفعَلَ في توقُّفِنا وتأمُّلنا بِهُدُوءٍ في هذه المرحلة. وعلينا أن لا نتعجَّبَ أبداً عندما يضعُ اللهُ في حياتِنا وقفَةً في رِحلَتِنا الإيمانيَّة. تذكَّرْ أنَّ اللهَ قد يستَخدِمُ هذهِ الوَقفَة في مُخطَّطاتِكَ ليُحَضِّرَكَ لأُمُورٍ أكثَر أهمِّيَّةً في خُطَتِهِ. (أنظُرْ حياة يُوسُف، تكوين 39 – 40)
الخُطوَةُ الحادِيَةُ عَشَر
تابِع التَّقدُّم
الكِتابُ المُقدَّسُ مَليءٌ بالمُفارَقاتِ، أي بما يُظَنُّ أنَّهُ مُتناقِضاتٌ. وما هِيَ إلا مُتناقِضاتٌ ظاهِريَّة، تبدُو وكأنَّها مُتناقِضاتٌ حقيقيَّة، ولكن عندما تتفحَّصُها عن كَثَب، تكتَشِفُ أنَّهُ لا يُوجَدُ فيها أيُّ تناقُض. تُوجَدٌ أوقاتٌ تَكُونُ فيها هذه المُفارَقاتُ غير مُتناقِضة بتاتاً، لأنَّ النَّقيضَينِ يكُونانِ كلاهُما على حَقّ. وقد يكُونُ أنَّ المُفارَقاتِ التي تبدُو وكأنَّها مُتناقِضَة، سُرعانَ ما يُوجَدُ حَلٌّ لتناقُضِها، عندما نُدرِكُ أنَّ القَضِيَّةَ ليسَت إمَّا الواحِد أو الآخر بلِ الإثنانِ معاً. فالمُفارَقَةُ سُرعانَ ما يُحَلُّ تناقُضُها عندما يَجُوزُ الوجهان.
قد نُفَوِّتُ على أنفُسِنا معرِفَةَ إرادَةِ اللهِ، وذلكَ لأنَّنا على عجلَةٍ من أمرِنا، أمَّا اللهُ فليسَ مُستَعجِلاً. عندما تَكُونُ هذه هي الحالُ، نحتاجُ أن ننتظِرَ الرَّبّ. وقد نُفَوِّتُ إرادَةَ اللهِ في مُناسَباتٍ أُخرى، لأنَّنا نجلِسُ مُستَريحينَ على مَوقِعِ عدَمِ إيمانِنا، بتردُّدٍ وفتُورٍ وجُبن، وهكذا يُتابِعُ الرَّبُّ التَّقدُّمَ بِدُونِنا. هذانِ المَفهُومانِ المُتفارِقانِ ليسا مُتناقِضَينِ بالحَقيقَة. فليسَتِ القَضِيَّةُ إمَّا الواحِد أو الآخر، بل يجوزُ الإثنانِ معاً. فالحقيقَةُ هي أنَّنا أحياناً نحتاجُ أن ننتَظرَ الرَّبَّ وأحيانا أُخرى نحتاجُ أن نُتابِعَ التَّحَرُّك.
لدينا عَدُوٌّ يقصِدُ بنا شَرَّاً، ألا وهُوَ الشَّيطانُ. وستراتيجيَّتُهُ الأُولى هي أن يجعَلَ منَّا كَسالَى، مُتَرَدِّدينَ، فاتِرينَ رُوحيَّاً، ممَّا سيجعَلُنا نُفَوِّتُ على أنفُسِنا معرِفَةَ إرادَةِ الله، بسببِ إفتِقارِنا إلى الإيمان، الشجاعَة، والإنضِباطِ لنَتبَعَ إرشادَ الرَّبّ. وإذا فَشِلَ في مُحاوَلَتِهِ هذه، سوفَ يُحَوِّلُنا إلى مَهوُوسِينَ مُدمِنينَ على العَمَلِ مُكرَهِينَ، ممَّا يجعَلُنا نُفَوِّتُ على أنفُسِنا معرِفَة إرادَةِ اللهِ، لأنَّنا نُصارِعُ للحُصُولِ على ما هُوَ بعيدٌ عن منالِنا، وعلى إرادَتِهِ لحياتِنا، وكأنَّنا نركُضُ أمامَ الرَّبِّ، ولكنَّنا سابِقينَ إيَّاهُ بمسافَةٍ طويلة.
منَ الواضِحِ أنَّنا جميعاً نحتاجُ إلى توازُنٍ بينَ هذينِ الطَّرَفَين اللذَينِ يجعَلانِ منَّا خُدَّامَاً ناضِجينَ للرَّبّ، فنُصبِحُ قادِرينَ على تمييزِ مشيئَتِهِ.
الخُطوَةُ الثَّانِيَةُ عشَرة
أُطلُبْ مَشُورَةً رُوحيَّةً
يُوجَدُ عددٌ في سفرِ الأمثال يتكرَّرُ مرَّتَين، ويَقُول، "حَيثُ لا تَدبِير يسقُطُ الشَّعبُ، أمَّا الخَلاصُ فبِكَثرَةِ المُشِيرين." (أمثال 11: 14؛ 24: 6). إنَّ هذا القَولَ الحَكيمَ لا يعني أنَّهُ يتوجَّبُ علينا أن نستَشيرَ الكثيرَ من المُشيرين عندما نَصِلُ إلى مُفتَرَقِ طُرُقٍ، كما ذَكرتُ سابَقاً. فهذا قد يُؤدِّي إلى التَّشويش، لأنَّ إكثارَ المُشِيرينَ سيُؤدِّي إلى كثرَةِ الآراءِ حيالَ قرارِنا الصَّعب.
عِندَما قامَ سُلَيمانُ الحكيمُ الذي كتبَ سِفرَ الأمثال بِكِتابَةِ هذينِ التَّصريحَين، قصدَ بهما تعليمَ حقيقَتينِ أساسِيَّتَين. في واحِدٍ من هذينِ المَثَلَين، نقرأُ أنَّهُ عندما تَذهَبُ أُمَّتانِ ليَتَحَارَبا معاً، فإنَّ الأُمَّةَ التي لديها عددٌ أكبَر من المُستَشارِين، سوفَ تربحُ الحربَ على الأرجح. أمَّا في المَثَلِ الثَّانِي، فنقرَأُ أنَّنا عندما نَصِلُ إلى مُفتَرَقِ طُرُقٍ في حياتِنا، حيثُ سنحتاجُ إلى قرارٍ في أيِّ إتِّجاهٍ سنَمضِي، فإن كانَ لدينا الكثير من المُرشِدينَ في حياتِنا، بكلماتٍ أُخرى، إذا حَظِينا بِثقافَةٍ رُوحيَّةٍ جَيِّدَة، فسوفَ نُحسِنُ إتَّخاذَ القرارِ الصَّعب.
يُوجَدُ عددٌ جَميلٌ في نُبُوَّةِ إشَعياء، الذي يُحَدِّدُ ويُبرِزُ واحِدَةً من منافِعِ الثَّقافَةِ الرُّوحيَّةِ الجَيِّدَة. يُخبِرُنا إشَعياءُ أنَّنا إذا حَظِينا بكثرَةٍ منَ المُرشِدينَ الرُّوحِيِّينَ في حياتِنا، فعندما سنَصِلُ إلى مُفتَرَقِ الطُّرُق، سوفَ نسمَعُ أصواتَ هؤُلاءِ المُرشِدينَ يَقُولُونَ لنا، "لا تَذهَبُوا في ذلكَ الطريق، بل في هذا الطَّريق." (إشَعياء 30: 20، 21).
بينما أُعدِّدُ اليوم البَركاتِ التي تمتَّعتُ بها، أشعُرُ بالمَمنُونِيَّةِ أنَّي في رحلَةِ إيمانِي، تمتَّعتُ بمُرشِدينَ غَير إعتِيادِيِّين، الذين أرشَدُونِي وزوَّدُونِي بالنَّصيحَةِ الحكيمة، في مُفتَرقاتِ طُرُقٍ حاسِمَةٍ جَّداً في حياتِي وخدمَتي.
تُوجَدُ أوقاتٌ لا يَكُونُ منَ السَّهلِ فيها أن تُمَيِّزَ فيها إرادَةَ اللهِ لحياتِكَ، التي هي بالمعنى الحاضِر للكَلِمة القَصدُ من خلاصِكَ. لِهذا، منَ الحِكمَةِ لكَ أن تطلُبَ مَشُورَةَ مُؤمِنينَ يتقدَّمُونَكَ في السِّنِّ، الذي إعتادُوا أن يطلُبُوا مَشيئَةَ اللهِ لسنواتٍ طويلة ويجدُونَها.
تتحرَّكُ الكَنيسةُ وسطَ العالم كموكِبٍ منَ السُّفُن، في تشكيلَةٍ كامِلَة، مُتناسِقَةً بشكلٍ خارِقٍ للطَّبيعة بواسِطَةِ الرُّوحِ القُدُس. والمسيحُ الحَيُّ المُقامُ هُوَ بمثابَةِ السَّفينَةِ الرَّئيسة التي تَرفَعُ العَلَم، أي سفينة قائد الأُسطُول – وهي تتوسَّطُ هذا الموكِب وتُرسِلُ إشاراتٍ لسُفُنِ المَوكب طِوالَ الوَقت. فإذا ثَبَّتَ عينَيكَ على سفينَةِ الأميرال التي تحمِلُ العَلَم، وإذا تابَعتَ بأخذِ إشاراتِكَ منَ هذا القائِد، فسوفَ تكُونُ في إنسجامٍ معَ هذه التَّشكِيلَة، وسوفَ تَكُونُ جُزءاً من عملهِ العَظيم في هذا العالم. ولكن، إن لم تُثَبِّتْ عينَيكَ على سفينَةِ الأميرال، وإذا فَوَّتَّ على نفسِكَ إستِلامَ إشاراَتِها، فإنَّ عملَ المَسيحِ سوفَ يستَمِرُّ بِدُونِكَ، بينما أنتَ تدُورُ حولَ نفسَكَ، مُتَلَمِّساً طريقَكَ خارِجَ تشكيلَةِ السُّفُنِ، وبدُونِ إنسجامٍ معَ هذا الأُسطُولِ الرَّائِع.
الأشخاصُ الذين يُعَرِّفُونَ أنفُسَهُم كخُدَّامٍ للمسيح، ليسُوا أشخاصاً غَير إعتِيادِيِّين لكَونِهم لا يُفَوِّتُونَ أيَّةَ إشارَةٍ منَ القائِد. ولكنَّ خُدَّامَ المسيحِ العُظَماءِ، الذي يستَخدِمُهُم اللهُ اليوم، والذين إستَخدَمَهُم عبرَ تاريخِ الكنيسة، كانُوا دائماً رِجالاً ونِساءً منَ الذين لم يقبَلُوا إشاراتِ القَيادة في حياتِهم من حضاراتِهم. بل هُمُ الآن، كما كانُوا دائماً، خُدَّاماً للرَّبِّ الذي ثَبَّتُوا أعيُنَهُم على سفينتِهِ القِيادِيَّة التي تَرفَعُ العَلَم، وقَبِلُوا إشاراتَ القِيادَةِ من المسيحِ الحيِّ المُقام.
أختُمُ هذا الفَصلَ عنِ الإرشادِ الإلهِيِّ بالطريقِةِ التي بدأتُهُ بها، مُشدِّداً على مُعجِزَةِ كَونِنا ينبَغي أن نَكُونَ في مكانٍ ما في مَسيرَتِنا معَ المسيح، واللهُ يُريدُ أن يُعلِمَنا بمكانِنا هذا. أُصَلِّي لتَكُونَ هذه الخُطواتُ الإثنَتَي عشر مُساعِداً لكَ لتُثَبِّتَ عينَيكَ على سفينَةِ الأميرال القائد، المسيحُ الحَيُّ المُقامُ، الذي سيقُودُكَ إلى مشيئَةِ اللهِ لحياتِكَ، هذه المشيئة الصَّالِحة المَرضِيَّة والكامِلَة. هذه الحياةُ هي وحدَها الحياةُ المَقبُولُةُ عندَ اللهِ الذي خَلَقَكَ، وأعادَ خلقَكَ ثانِيَةً رُوحيَّاً لكَي تحيا هذه الحياة. (رُومية 12: 1- 2)
- عدد الزيارات: 20907