Skip to main content

الفَصلُ الأوَّلُ

"والمُباحَثاتُ الغَبِيَّة والسَّخِيفَة إجتَنِبها عالِماً أنَّها تُوَلِّدُ خُصُوماتٍ. وعبدُ الرَّبِّ لا يَجِبُ أن يُخاصِم، بل يكُونُ مُتَرَفِّقاً بالجَميع صالِحاً لِلتَّعليم صَبُوراً على المَشَقَّات. مُؤدِّباً بالوداعة المُقاوِمين عسى أن يُعطِيَهُم اللهُ توبَةً لمَعرِفَةِ الحَقِّ. فيَستَفِيقُوا  من فَخِّ إبليس إذ قدِ إقتَنَصَهُم لإرادَتِهِ" (2تيمُوثاوُس 2: 23- 26).

بَينَما يُؤمِنُ الكَثيرُونَ أنَّ الكنيسة ينبَغي أن تعمَلَ مثل المُستَشفَى، بمُعامَلَةِ كُلِّ من يدخُلُ أبوابَها بالحُسنى، نتعلَّمَ من رِسالَةِ بُولُس إلى الأفسُسِيِّين أنَّ الكَنيسَةَ ينبَغي أن تكُونَ مكاناً يكُونُ فيهِ المُؤمِنُونَ مُجهَّزِينَ للخدمة. أوضَحَ بُولُس رُؤيا الكنيسة في عددٍ واحِد. عندما نجتَمِعُ كَكَنيسة، ينبَغي أن يكُونَ هَدَفُنا دائماً: "لأجلِ تكميلِ القِدِّيسين لعملِ الخدمة" (أفسُس 4: 12). لكن ما يَقِفُ عقَبَةً بوجهِ الخدمَةِ الفعَّالَة، هي المشاكلُ المُتعدِّدَة التي نُواجِهُها كمُؤمِنين. إن تأهيلَ القِدِّيسين لعملِ الخدمة ينبَغي أن يُعالِجَ هذه المشاكِل.

الوصفَةُ التي تُقتَبَسُ في هذا المقطع مُوجَّهَةٌ إلى مُؤمنٍ في علاقَةٍ صعبَة. هذه العلاقة قد تكُونُ معَ الزوج أو الزوجة، الأولاد، الوالدين، المُؤمن الآخر، أو ما نعتَبِرُهُ اليوم علاقَةَ إرشاد. لقد كانَ بُولُس يكتُبُ وصفتَهُ لتيمُوثاوُس ليُريَهُ كيفَ يُمكِنُ رعايَةُ المُؤمنين الصَّعبي المِراس في خدمتِهِ كراعٍ شابّ.

عندما كانَ يُعَلِّمُنا كيفَ نكُونُ ملحَ الأرضِ ونُورَ العالم، علَّمَنا رَبُّنا أنَّهُ علينا أن نضعَ علاقتَنا معَ اللهِ جانِباً، إلى أن نتصالَحَ معَ أخينا المُؤمن (متَّى 5: 24). لَرُبَّما شارَكَ يسُوعُ هذه القيمةَ معنا لأنَّهُ عرفَ أنَّنا لا نستطيعُ أن نربَحَ العالم إذا خَسِرنا بعضُنا البعض.

لَرُبَّما لهذا نجدُ بإستمرار وصفاتٍ في العهدِ الجديد تُعالِجُ المَشاكِل التي يُواجِهُها المُؤمنُون في علاقاتِهم معَ إخوتِهم وأخواتِهم في المَسيح (متَّى 18: 15- 18). "أن نحيا معَ القِدِّيسينَ الذين أحبَبناهُم، هذا أمرٌ مجيد. أمَّا أن نَحيا معَ أولئكَ الذي نعرِفُهم، فهذا أمرٌ بَغيض." العلاقاتُ التي تضعُ تَحدِّياً بينَ المُؤمنين، والتي تجعَلُ من هذه الوصفات ضروريَّةً، كانت موجُودَةً منذُ أن ذبحَ قايينُ أخاهُ هابِيل، ولا تزالُ تتحدَّى المُؤمنين اليوم.

إذا تفحَّصتُم هذه الوصفة بتَرَوِّي، سوفَ ترَونَ أنَّ الرَّسُولَ المحبُوب بُولُس يُخبِرُ تيمُوثاوُس أنَّ الشِّرِّيرَ هُوَ المصدَرُ والسُّلطَةُ الكامِنَةُ وراءَ المشاكِل التي تخلُقُ هذه العلاقاِتِ الصَّعبَة التي ينبَغي على المُؤمنين أن يهتَمُّوا بها في مُجتمعاتِهم الرُّوحِيَّة. بالنِّهايَة، الشرِّيرُ هُوَ سببُ صُعُوبَةِ العلاقاتِ بينَ المُؤمنينَ أحياناً.

هذا المقطَع المأخُوذ من رسالَةِ بُولُس الرَّسُول الثانِيَة إلى تيمُوثاوُس، يَقُولُ لتيمُوثاوُس كيفَ ينبَغي أن يتجاوَبَ معَ أُولئكَ الذين كانَ يُعَلِّمُهم، لأنَّ مُعظَمَ التعليم في كنيسةِ القَرنِ الأوَّل كانَ يَتِمُّ في إطارِ العلاقات. تعليمُ العهدِ الجديد جرى في إطارِ التلمذة الفَردِيَّة بينَ شخصٍ وآخر، أو في كنائس المنزِل الصَّغيرة. الأشخاصُ المُتَمَرِّدُونَ والصَّعبُو المِراس غالِباً ما كانُوا يدخُلُونَ إلى كنائِسِ المنزِل الصَّغيرة، ويُزعِجُونَ المُؤمنينَ الذين كانُوا يُشكِّلُونَ عُضويَّةَ هذه الكنائِس الصغيرة. يتَّضِحُ هذا من قِراءَةِ رسائِلِ بُولُس، والرَّسائِل العامَّة التي كُتِبَت إلى كنائِس من قِبَلِ رُسُلٍ مثل رسُول المحبَّة يُوحَنَّا (3 يُوحنَّا 9، 10).

الرُّعاةُ أمثال يُوحَنَّا وتيمُوثاوُس كانُوا يتواجَهُونَ معَ علاقاتٍ صعبَة، سواءٌ معَ أُولئكَ الذي كانُوا يُسَبِّبُونَ هذه الإضطِّرابات، أو من قِبَلِ الذين كانُوا يُعانُونَ بسببِهم. لقد فسَّرت رسالَةُ بُولُس إلى تيمُوثاوُس كيفَ ينبَغي أن يتمَّ هذا، ولقد أعطى كنيسةَ يَسُوع المسيح وصفَةً مُوحَىً بها كَتجاوُبٍ تَقِيّ معَ علاقَةٍ صَعبَة.

إذا وجدتَ نفسَكَ في علاقَةٍ صَعبَة، تأمَّلَ بهذه الوصفة خُطَوَةً بعدَ الأُخرى. أوَّلاً قالَ بُولُس لتيمُوثاوُس بأنَّهُ لكَي تكُونَ جُزءاً من حلِّ الله، في علاقَةٍ صَعبَة، عليكَ أن تَتَّخِذَ إلتزاماً بأن تكُونَ خادِماً مُتواضِعاً للرَّب. اللهُ وحدَهُ يستطيعُ أن يجدَ حُلُولاً لمشاكِلِ العلاقات، ولكنَّ اللهَ يستخدِمُ خادِمَ الرَّبّ كوسِيلَةٍ لتوصيلِ حَلِّهِ.

فعندما تستَيقِظُ كُلَّ صَباح، قد تتواجَهُ معَ علاقَتِكَ الأكثَر تحَدِّياً وصُعُوبَةً، أي علاقَتك مع زوجَتِكَ. وقد تعتَبِرُكَ زوجَتُكَ أيضاً العلاقَةَ الأصعَب بالنسبَةِ لها. بِحَسَبِ بُولُس، السؤالُ هُوَ، أيُّ منكُما سيكُونُ خادمَ الرَّبِّ وأيٌّ مِنكُما سيكُونَ خادِمَ الشيطان؟

يقُولُ بُولُس لتيمُوثاوُس أنَّ هُناكَ بعضُ الأُمور التي بإمكانِكَ أن تعملَها، ستفتَحُ البابَ أمامَ اللهِ للعمَلِ في تلكَ العلاقة، وتُغلِق الباب على الشيطان، وهُناكَ أُمُورٌ بإمكانكَ أن تعمَلَها، ستُغلِقُ البابَ على الله وتفتح الباب على مِصراعَيهِ أمامَ الشيطان. لهذا يُوصِي بأنَّ عبدَ الرَّبِّ لا يَجِب أن يُخاصِم. فإذا إستُدرِجتَ إلى جِدالٍ في علاقتِكَ الصَّعبَة وغَضِبتَ، فهذا سيُغلِقُ البابَ أمامَ اللهِ ويفتَحُهُ أمامَ الشيطان (2تيمُوثاوُس 2: 23- 26).

إن كانَ الشَّريكانِ في العلاقَةِ رُوحِيَّين، عليكَ أن تفهَمَ هذا: نحنُ جميعاً لدينا طاقَةٌ بإتِّجاهَين. بإمكانِنا أن نكُونَ خُدَّامَ الرَّبِّ أو خُدَّامَ الشيطان. كتبَ يعقُوبُ قائلاً: "لأنَّ غضبَ الإنسانِ لا يَصنَعُ بِرَّ الله." هذا يعني أنَّهُ عندما تُصارِعُ وعندما تغضَبُ، لن تكُونَ أداة يعمَلُ اللهُ من خلالِها. بل الشيطان هُوَ الذي سيعمَلُ من خلالِكَ عندما تغضَبُ.

فكما ترى، تماماً مثل بُطرُس، جميعُنا لدَينا الإمكانِيَّة لنَقُولَ بِصَوتٍ واحِدٍ، "أنتَ هُوَ المسيح إبن الله،" وفي اللحظَةِ التالية قد نَقُولُ شيئاً يجعَلُ رَبَّنا يلتَفِتُ إلينا ويقُولُ، "إذهَبْ عنِّي يا شَيطان!" (متَّى 16: 23). بإمكانِ الشَّيطان أن يعمَلَ من خلالِنا تماماً كما يستطيعُ اللهُ أن يعمَلَ ذلكَ. فالتطبيقُ الأوَّلُ الذي نجدُهُ في هذه الأعداد الأربَعة التي نصحَ بها بُولُس تيموثاوُس، هو أنَّهُ علينا أن نَلتَزِمَ بأن نَكُونَ خُدَّامَ الرَّب في علاقاتِنا الصعبة.

وإن كانَ الشخصُ الأخَر غيرَ مُؤمنٍ، فهذا يَصِحُّ بالأكثَر، لأنَّهُ إن كانَ اللهُ سيعمَلُ في هذه العلاقة، فهُوَ سيعمَلُ بالطبعِ من خلالِ المُؤمن. فإن كُنتُما كِلاكُما مُؤمِنَين، السؤالُ هُوَ، أيٌّ منكُما سيلتَزِمُ بأن يكُونَ خادِمَ الرّبِّ في هذه العلاقة؟

خُطوَةٌ أُخرى في هذا الوَصفَة، تتَطَلَّبُ التركيز على الطبيعَةِ المُحدَّدة لمُشكِلَةِ الشخص الصعبة. يستخدِمُ بُولُس بعضَ العِبارات التي تُحَيِّرُنا. ففي اللُّغَةِ اليونانِيَّةِ الأصليَّة، كتبَ أنَّهُم "يُناقِضُونَ أنفُسَهُم" (2تيمُوثاوُس 2: 25).

إنَّ كَلِمَة "نفس" هي كلمَةٌ مُثيرَةٌ للإهتِمامِ في كلمةِ الله. وغالِباً ما يُساءُ فهمُها أو يُساءُ تطبيقُها. يُعرِّفُ القامُوسُ "النَّفسَ" بأنَّها "الفَردانِيَّة، أو فرادة شخص مُعَيَّن التي تجعَلُ منهُ مُمَيَّزاً عن كُلِّ شخصٍ." عندما يكُونُ لديكَ هذا التعريف في ذهنِكَ، لاحِظْ الطريقة التي تُستَخدَمُ فيها الكلمَةُ في الكتابِ المقدّس. قالَ يسُوعُ أنَّهُ إن أعطاكَ أحدٌ ما العالمَ بأسرِه بدلَ نفسكَ، ستكُونُ خاسِراً حتماً إذا قَبِلتَ العَرض. ولا ينبَغي عليكَ أبداً أن تستَهتِرَ بِنَفسِكَ أو تَتَخَلَّى عنها، كما قالَ يسُوع (مرقُس 8: 36). ولا ينبَغي أبداً أن تبيعَ نفسَكَ بصحنِ حِساءٍ، كما فعلَ عيسُو (تكوين 25: 29_ 34). لا تَتَخلَّ أبداً عن تلكَ الشخصيَّة الفَريدة التي أعطاكَ إيَّاها اللهُ، ولا عن ذلكَ الشخص الذي أرادَكَ اللهُ أن تكُونَهُ، مُمَيَّزاً عن كُلِّ شَخصٍ آخر على وجهِ الأرض.

كتبَ بُولُس يقُولُ أنَّ جُزءاً من مُشكِلَةِ الشخصِ الصَّعبِ المِراس، هُوَ أنَّهُ يُناقِضُ نفسَهُ. إنَّهُ يُناقِضُ شَخصِيَّتَهُ الفَريدة، والفرادَةَ التي يُريدُها اللهُ له. قد يكُونُ يتشابَهُ معَ ما يَظُنُّ الجميعُ أنَّهُ ينبَغي أن يكُونَ عليهِ وأن يعمَلَهُ في حياتِه في المسيح. وقد يكُونُ مُقَلِّداً لِحَياةِ مُؤمِنٍ آخَر يكُونُ هُوَ مُعجَباً بهِ، ويُقارِنُ نفسَهُ بهِ. وقد يكُونُ هذا الشخصُ أيضاً مُسَيطَراً عليهِ من قِبَلِ أشخاصٍ أقوياء وطُغاة، لن يُعطُوهُ الحُرِّيَّةَ ليكُونَ الشخصَ الفَريد الذي يُريدُهُ اللهُ أن يكُونَهُ.

بِكُلِّ هذه الطُّرُق يعيشُ أمثالُ هؤُلاء في تناقُضٍ لما يُسمِّيهِ بُولُس في مكانٍ آخر: إرادة الله الصالِحة المَرضِيَّة والكامِلة (رُومية 12: 1، 2). وهكذا يُصبِحُ هؤُلاء أسرى الشيطان. بِحَسَبِ بُولُس، إنَّهُم أسرى أو عبيد الشيطان. إنَّهُ مسجُونُونَ في زنزانَةِ إبليس، واللهُ وحدَهُ يستطيعُ أن يُحَرِّرَهُم. اللهُ وحدَهُ يستطيعُ أن يُمَكِّنَهُم من أن يستَرِدُّوا ذواتِهم.

فما هُوَ إذاً الهَدَفُ من هذه الوصفة؟ ينبَغي أن يكُونَ الهَدَفُ أن يستَرِدَّ هذا الشخصُ الأسيرُ نفسَهُ ويتحرَّرَ. فبما أنَّ اللهَ وحدَهُ يستطيعُ أن يعملَ ذلكَ، فأكثَرُ ما يُمكِنُكُم أن تتأمَّلُوا بهِ في هذه العلاقة هُوَ أنَّ يستخدِمَ اللهُ خادِمَ الرَّبِّ لِيُحَرِّرَ مثلَ هؤُلاء.

في هذا التعليم، يَنصَحُ بُولُس أنَّهُ إذا أردتَ أن تكُونَ خادِمَ اللهِ في علاقَةٍ صعبَة، عليكَ أيضاً أن تلتَزِمَ بأن تكُونَ أداةَ الرُّوحِ القُدُس. لاحِظْ أنَّهُ يذكُرُ ثلاثاً من ثِمارِ الرُّوح (غلاطية 5: 22، 23). يذكُرُ اللُّطف، الوداعة، والصَّبر. ويكتُبُ قائلاً أنَّكَ إذا إتَّخذتَ الخُطوةَ الأُولى وكُنتَ خادِمَ اللهِ في تلكَ العلاقة، وإذا إتَّخذتَ الخُطوةَ الثانِيَة بِكَونِكَ لَطيفاً، وَديعاً، وصَبُوراً، بإمكانِكَ أن تكُونَ الأداة التي سيستَخدِمُها اللهُ لتحريرِ هذا الشخص.

رَكِّزْ على ثِمارِ الرُّوحِ الثَّلاث التي وصَفَها بُولُس. فَكِّرْ بالوَداعة. قد تكُونُ هذه هي الكلمَةُ التي أُسيءَ فهُمها أكثَر من أيَّةِ كلمةٍ أُخرى في الكتابِ المقدَّس. فالوداعَةُ ليسَت ضَعفاً. الوداعَةُ هيَ أن يكُونَ الإنسانُ مُرَوَّضاً. الوداعَةُ تُشبِهُ حصاناً قَوِيَّاً يُرَوَّضُ وفي النَّهايَةِ يستسلِمُ لسيطَرَةِ الرَّسَنِ الذي يُوضَعُ في فَكِّهِ. تَصَوَّرْ حِصاناً يُقاوِمُ الرَّسَنَ والرَّسغَ فيُمزِّقُ فمَهُ. عندما يُقاومُ الحِصانُ ضدَّ وضعِ الرَّسَنِ والرَّسغِ بينَ فكَّيهِ، فهذا يعني أنَّهُ يرفُضُ الخُضُوعَ لسَيطَرَةِ الخَيَّال.

عندما سألَ بُولُس، "يا رَبّ، ماذا تُريدُني أن أفعَلَ؟" قَبِلَ بوضعِ الرَّسنِ، وخضعَ لسيطَرَةِ المسيح. وقضى بَقِيَّةَ حياتِهِ وهُوَ يتجاوَبُ معَ سَيطَرَةِ أو إرادَةِ رَبِّهِ يسُوع المسيح. هل سبقَ ومَرَرتَ بهكذا أزمَة؟ وهل سبقَ وإستسلمتَ لنِيرِ المسيح، وهل تَعيشُ في خُضُوعٍ يومِيٍّ لِمَشِيئتِه؟

الوداعَةُ هي ثمَرَةٌ من ثِمارِ الرُّوح، وليسَت شَخصِيَّةً رُوحيَّةً نُطَوِّرُها نتيجَةً لإنضباطِنا الرُّوحيّ. الوداعَةُ التي يتكلَّمُ عنها بُولُس هُنا هي الرُّوح القُدُس العامِل في العلاقاتِ الصعبة. فبما أنَّهُ من المُهمِّ أن لا نتنازعَ، وأن لا نغضَبَ معَ الشَّخصِ الصَّعبِ المِراس، علينا أن نتجاوَبَ معَ دَعوَةِ الرَّبِّ لِنأخُذَ نيرَهَ علينا وندخُلَ في هذه العلاقة الصَّعبة، والمسيحُ يُسيطِرُ على عواطِفِنا.


الصَّبرُ واللُّطفُ

يَصِفُ بُولُس ثمرتانِ أُخرَيَانِ من ثِمارِ الرُّوح – اللُّطف والصَّبر. الكائِناتُ البَشَرِيَّةُ هي سريعَةُ العَطَب. إن كُنتَ ستُصبِحُ الأداة التي سيستخدِمُها الرُّوحُ القُدُسُ ليُحَرِّرَ أسيرَ الشَّيطان، عليكَ أن تَكُونَ لَطيفاً. هل تعرِف ما هُوَ اللُّطف؟ اللُّطفُ مَوصُوفٌ في الإصحاحِ الثالِث عشَر من كُورنثُوس الأُولى. تتكلَّمُ الأعدادُ 4 إلى 7 من إصحاحِ المحبَّةِ العظيم ذاكَ، عن خمسَ عشرَةَ فضيلَةً تُعَبِّرُ عن كيفيَّةِ تصرُّفِ المحبَّة، التي هي أوَّلُ ثمار الرُّوح. إذا قُمتَ بِدراسَةٍ مُعَمَّقَةٍ لهذه الفضائِل، سوفَ ترى أنَّ اللُّطفَ هُوَ بِبَساطَةٍ قضيَّة محبَّة الشَّخص الصَّعب المِراس.

وما هُوَ الصَّبرُ؟ في علاقَتِنا معَ الله، "الصَّبرُ هُو الإيمانُ المُنتَظِر." في علاقَتنا معَ النَّاس، "الصَّبرُ هُوَ المحَبَّةُ المُنتَظِرَة." نحنُ نتعلَّمُ أن نقتَدِيَ بِصَبرِ أيُّوب، الذي تألَّمَ بِصبرٍ وجاءَ من خلالِ ألَمِهِ بإيمانٍ أقوَى. إنَّ صبرَ أيُّوب كانَ الإيمان المُنتَظِر. عندما نُرَبِّي الأطفال ليُصبِحُوا بالِغينَ أتقِياء، أو نطلُبَ أن نكُونَ خُدَّامَ الرَّبِّ في علاقَةٍ صعبَةٍ، علينا أن نتعلَّمَ الصَّبرَ الذي هُوَ المحبَّة المُنتَظِرة.

إذا درستَ بِتَمَعُّنٍ الوصفة التي نراها في هذا المقطَع من كلمةِ اللهِ، والتي معها بدأتُ هذا الفَصل، سوفَ ترى أنَّ بُولُس يُخبِرُ تيمُوثاوُس أنَّ الشخصَ الصعبَ المِراس لديهِ دَورٌ ليعلَبَهُ في عمليَّةِ تحريرهِ. عليهِ أن يُلَبِّي شَرطَين: أن يعتَرِفَ بالحقيقة، وأن يختَبِرَ ما دَعاهُ بُولُس "رُوحَ التَّوبَة." وإلى أن يُلبِّيَ هذين الشَّرطَين، فإنَّ خادِمَ الرَّبِّ عليهِ أن يتمتَّعَ بصبرٍ خارِقٍ للطبَّيعة، والذي هُوَ ثمرَةٌ أُخرى من ثِمارِ الرُّوح.

هُناكَ المَزيدُ من وصفَةِ الحياةِ هذهِ في العلاقَةِ الصَّعبَة. كجُزءٍ من هذه الوصفة، والتي هي مُوجَّهَةٌ لِ "عبدِ الرَّب،" نقرَأُ: "بِوَداعَةٍ مُعَلِّمِينَ أولئكَ الذين يُناقِضُونَ أنفُسَهُم، بأن يُعطِيَهُم اللهُ رُوحَ التَّوبَةِ لكي يعتَرِفُوا بالحَقّ." ما يَصِفُهُ بُولُس هُنا ليسَ قضيَّةَ إلزامِ شخصٍ صعب المِراس بأن يُواجِهَ الحقيقَةَ التي يحتاجُ أن يُواجِهَها. فنحنُ لا نُخبَرُ بأن نصرُخَ أو نَعِظَ لهكذا أشخاصٍ بالحقيقَةِ التي يتوجَّبُ عليهم الإعتِرافَ بها.

يَنصَحُ بُولُس أنَّهُ إذا حافَظنا على ثمرِ الرُّوح في هذه العلاقة، سوفَ يُصغي الآخرُونَ إلينا. وعندما يُصغي إلينا الآخرُون، سيحدُثُ ما يُسمَّى "بلحظَة ِالتعليم." فإن كُنَّا أدواتٍ لثمرِ الرُّوح، في يختَصُّ بالوداعَةِ، اللُّطفِ، الصبر، فإنَّ لحظَةَ التعليم قد تأتي عندما نَضَعُ أمامَ هذا الشخص الحقيقَةَ التي يحتاجُ أن يفهَمَها – الحقيقَةَ التي يُمكِنُها أن تُحَرِّرَهُ.

علينا بعدَ ذلكَ أن نفهَمَ مدى محدُودِيَّتِنا ومَسؤُوليَّتِنا. هل تعرِفُ أيُّها القارِئُ العزيز أنَّ مسؤوليَّتَكَ في العلاقَةِ لها مكانٌ حيثُ تبدأ، وآخر حيثُ تنتَهي؟ يُخبِرُنا بُولُس في مكانٍ آخر أنَّهُ بمقدارِ ما تستطيعُ مسؤوليَّتُنا الوُصُولَ إليه، نحنُ مسؤولونَ أن نعيشَ في سلامٍ معَ الجميع (رُومية 12: 18). هذا يعني أنَّ مسؤوليَّتَنا لها مكانٌ تبدأُ فيهِ، وآخر تنتَهِي فيهِ.

فسُرعانَ ما تَقِفُ في الثَّغرِ في وسطِ هذه العلاقة، وتكُونُ عبدَ الرَّبِّ وأداةَ الرُّوح، وتكُونُ حَسَّاساً لِلَحظَةِ التَّعليم، وتضعُ أمامَ الآخرينَ الحقيقَةَ التي يحتاجُونَ أن يسمَعُوها، سيترتَّبُ عليكَ أن تُدرِكَ التَّالي: أنَّ اللهَ قد يمنَحُهُم رُوحَ التَّوبَةِ، لكَي يعتَرِفُوا بالحقيقةِ ويستَرِدُّوا ذواتِهم، أو قد لا يفعَلُونَ ذلكَ. وقد ينالُونَ رُوحَ التوبَةِ، فيُعيدُونَ التفكير مُجدَّداً، وقد لا يفعَلُون.

ليسَ بإمكانِكَ أن تعتَرِفَ لهم بالحقيقة، وليسَ بإمكانِكَ أن تتوبَ أمامَهُم. فتحريرُهُم يعتَمِدُ الآنَ على تَلبِيَتِهم لهذين الشَّرطَين، واللهُ سيُعطيهم رُوحَ التَّوبَة. فعندما نَصِلُ إلى هذه النُّقَطة في هذه الوَصفَة من العلاقَةِ الصَّعبَة، علينا أن نقبَلَ إطارَ محدُودِيَّاتِنا. وعلينا أن نعتَرِفَ بحقيقَةِ كونِ تحريرهم ليسَ ما نستطيعُ أن نعمَلَهُ أو لا، بل ما يستطيعُ اللهُ وحدَهُ أن يعمَلَهُ، وحُرِّيَّتُهم بأن يقبَلُوا أو يَرفُضُوا ما يُحاِوِلُ اللهُ أن يستَخدِمَهُم لإتمامِهِ في ومن خلالِ حياتِهم. هذا هُوَ الوقتُ لتطبيقِ السِّرِّ الرُّوحِيّ الذي أُعَبِّرُ عنهُ كالتالي: "أنا لا أستطيعُ، ولكنَّ اللهَ يستطيعُ."

  • عدد الزيارات: 6821