Skip to main content

الفَصلُ الثَّانِي "نَوعانِ منَ العَبيد" - خُلاصَةُ ما يُعَلِّمُهُ بُولُس في الإصحاحِ السَّادِس

الصفحة 3 من 3: خُلاصَةُ ما يُعَلِّمُهُ بُولُس في الإصحاحِ السَّادِس

خُلاصَةُ ما يُعَلِّمُهُ بُولُس في الإصحاحِ السَّادِس

الحقيقَةُ الأُولى التي يُعَلِّمُها بُولُس في هذا الإصحاح، مُوضَّحَةٌ بصُورَةِ المعمُوديَّة. تلكَ الحقيقَة هي أنَّنا علينا أن نرَبِطَ بينَ نُزُولِنا إلى ماءِ المعموديَّة معَ مَوتِ ودفنِ يسُوع، وتَركِ حياتِنا القَديمة بخطاياها وراءَنا في الماء. وعلينا أن نربِطَ قِيامَنا منَ الماءِ معَ قيامَةِ المسيح، ومعَ حياتِنا الجديدة بكامِلِها، التي سَنَعيشُها مُتَحَرِّرينَ من كُلِّ خَطيَّة (1- 4).

تمَّ تقديمُ هذه الحقيقَة في العددِ الثَّانِي منَ الإصحاحِ الخامِس، حيثُ كَتَبَ بُولُس أنَّهُ صارَ لنا دُخُولٌ بالإيمانِ إلى هذه النِّعمة التي تُمَكِّنُنا منَ الوُقُوفِ والثَّباتِ في المسيح في هذا العالم، وأن نحيا حياةً تُمَجِّدُ الله.

في الأعدادِ السَّبعة التَّالِيَة (5- 11)، يُؤَكِّدُ بُولُس على هذا التَّعليم، بتقديمِ حقيقَةٍ غالِباً ما علَّمَها في رسائِلِهِ: "كذلكَ أنتُم أيضاً إحسِبُوا أنفُسَكُم أمَواتاً عنِ الخَطيَّة، ولكن أحيَاءً للهِ بالمسيحِ يسُوع رَبِّنا." (11) أنا أُسمِّي هذه الحقيقة "الإنجيلُ معكُوساً." فإذا عبَّرنا عن فحوى الإنجيل نقُولُ بِبَساطَة، "المسيحُ ماتَ لِكَي نحيا." الإنجيلُ مَعكُوساً هُوَ بِبَساطَة، "الآن جاءَ دَورُكُم؛ أنتُم تَمُوتُونَ (عن شهواتِكُم الآثِمَة وعن طُمُوحاتِكُم الأنانِيَّة)، لكَي يحيا المسيحُ."

علَّمَ بُولُس هذه الحقيقة بِعَينِها لِلغَلاطِيِّين، كإختِبارِهِ الشَّخصِيّ في المسيح: "معَ المسيحِ صُلبِتُ فأحيا، لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياهُ الآن في الجَسَد، فإنَّما أحياهُ في الإيمان، إيمان إبنِ اللهِ الذي أحَبَّني وأَسلَمَ نفسَهُ لأجلِي." (غلاطية 2: 20).

الأعدادُ الثَّلاثَةُ التَّالِيَة يُقَدَّمُ لها بكلمة "إذاً،" إذ يكتُبُ بُولُس الرَّسُول قائِلاً:

"إذاً لا تَملِكَنَّ الخَطِيَّةُ في جَسَدِكُم المائِت لِكَي تُطِيعُوها في شَهَواتِهِ. ولا تُقَدِّمُوا أعضاءَكُم آلاتِ إثمٍ للخَطِيَّة، بَل قَدِّمُوا ذَواتِكُم للهِ كأَحياء منَ الأموات، وأعضاءَكُم آلاتِ بِرٍّ لله. فإنَّ الخَطِيَّةَ لَن تَسُودَكُم لأنَّكُم لَستُم تحتَ النَّامُوس، بل تحتَ النِّعمَة." 12- 14)

يستَخدِمُ بُولُس الكلمة "إذاً،" ليُساعِدَنا على إقتِفاءِ آثارِ منطِقِهِ المُوحَى بهِ؛ فهُوَ يَربِطُ بِوُضُوحٍ هذه الأعداد الثَّلاثة معَ ما كَتَبَهُ عنِ الإنجيل العَكسِيّ. فإن كُنَّا سنَمُوتُ عنِ الخَطيَّة، لِكَي يحيا المسيحُ فينا، ولكنَّنا إستَمَرَّينا بالعَيشِ بالخطيَّة، فالمسيحُ لا يقدِرُ أن يعيشَ من خلالِنا. وهذا أمرٌ غيرُ معقُول بالنِّسبَةِ لبُولُس الرَّسُول. فعندما كُنَّا تحتَ النَّامُوس، لم تَكُنْ لدَينا النِّعمة لنحيا فوقَ الخَطيَّة. وبما أنَّ النِّعمَةَ والخَطِيَّةَ صارا بالمسيح (يُوحَنَّا 1: 17)، فعلينا بِبَساطَةٍ ألا نستَمِرَّ بالعَيشِ تحتَ سُلطانِ الخَطيَّة، لأنَّنا الآن لدَينا نعمَةَ العيشِ كما ينبَغي أن نعيش.

ثُمَّ يَصِلُ إلى قَلبِ هذا الإصحاح، خلالَ تقديمِهِ للصُّورَةِ المجازِيَّة عنِ العُبُودِيَّة: "فماذا إذا، أنُخطِئُ لأنَّنا لَسنا تحتَ النَّامُوس بل تحتَ النِّعمَة. حاشا. ألَستُم تعلَمُونَ أنَّ الذينَ تُقَدِّمُونَ ذواتِكُم لهُ عَبيداً للطَّاعَة، أنتُم عَبيدٌ للذي تُطيعُونَهُ، إمَّا لِلخَطِيَّةِ لِلمَوت، أو للطَّاعَةِ لِلبِرّ. فشُكراً للهِ إنَّكُم كُنتُم عَبيداً لِلخَطِيَّة ولكنَّكُم أطَعتُم منَ القَلبِ صُورَةَ التَّعليم التي تَسَلَّمتُمُوها. وإذ أُعتِقتُم منَ الخَطيَّة صِرتُم عَبيداً للبِرّ.

"أتَكَلَّمُ إنسانِيَّاً من أجلِ ضَعفِ جَسَدِكُم. لأنَّهُ كما قَدَّمتُم أعضاءَكُم عَبيداً لِلنَّجاسَةِ والإثمِ للإثم، هكذا الآنَ قَدِّمُوا أعضاءَكُم عَبيداً لِلبِرِّ لِلقَداسَةِ." (6: 15- 19)

وكَما أشَرتُ في تعليقي على التَّحيَّة التي بها بدأَ بُولُس هذه الرِّسالة، عندما كتبَ بُولُس رِسالَتَهُ هذه، كانَ نصفُ النَّاسِ تقريباً في رُوما عبيداً. فبالنِّسبَةِ لأُولئكَ الذين كانُوا مثل بُولُس قد وُلِدُوا أحراراً، مُجَرَّدُ فِكرَةِ كونِ الإنسانِ عَبداً كانت فِكرَةً مُخيفَة. فالحقيقَةُ التي أبرَزَها ديناميكيَّاً ودراماتِيكيَّاً بإستخدامِ هذه الصُّورَة المجازِيَّة، هي أنَّكَ عبدٌ للذي تخدُمُهُ، أو لما تَخدُم. فإن كُنتَ تحتَ سيطَرَةِ الخطيَّة، فأنتَ عبدٌ لِلخَطيَّة.

إن كُنتَ قد وَثِقتَ بِيَسُوع المسيح لِخلاصِكَ، وإن كُنتَ قد إختَرتَ أن تَدعُوَهُ رَبَّاً على حياتِكَ، فأن تَكُونَ عندَها عبداً لِلخَطيَّة هُوَ إنكارٌ لإيمانِكَ بالمسيح (لُوقا 6: 46). وينبَغي عليكَ أن تَكُونَ عبدَ يسُوع المسيح دُونَ غيرهِ، الأمرُ الذي سيُحَرِّرُكَ منَ الخطيَّة والمَوت. لهذا يُقدِّمُ بُولُس نفسَهُ في رسائِِلِهِ كعبد يسُوع المسيح (رومية 1: 1؛ فيلبِّي 1: 1؛ تيطُس 1: 1).

"لأنَّكُم لمَّا كُنتُم عبيدَ الخَطيَّة كُنتُم أحراراً منَ البِرّ. فأَيُّ ثَمَرٍ كانَ لكُم حِينَئِذٍ منَ الأُمُورِ التي تَستَحُونَ بها الآن. لأنَّ نِهايَةَ تِلكَ الأُمُور هي المَوت. وأمَّا الآن إذ أُعتِقتُم منَ الخَطِيَّة وصِرتُم عَبيداً للهِ، فلَكُم ثَمَرُكُم لِلقَداسَة، والنِّهايَةُ حياةٌ أبدِيَّة. لأنَّ أُجرَةَ الخَطِيَّة هي مَوتٌ، وأمَّا هِبَةُ اللهِ فهِيَ حياةٌ أبَدِيَّةٌ بالمسيحِ يسُوع رَبِّنا." (رُومية 6: 20- 23)

في الأعدادِ الأربَعَة الأخيرة من الإصحاحِ السَّادس، يَرجِعُ بُولُس إلى تلكَ الحقيقَة التي لا تُدحَض عنِ العواقِب. وَيَحُضُّ بُولُس قُرَّاءَ رِسالَتِهِ بأن يُفَكِّرُوا "بمائِدَةِ العواقِب" التي نتَجَت دائماً عن تَسليمِهِم أعضاءَ جسدِهِم عبيداً لِلخَطيَّة. قالَ بُولُس أنَّهُم عندما كانُوا يخدِمُونَ الخَطيَّة، كانُوا غيرَ قادِرينَ على خِدمَةِ البِرّ. ولكنَّهُ يَحُضُّهُم على أن يُفَكِّرُوا بالثِّمار، أو بعواقِبِ الخطيَّة التي يخجِلُونَ بها الآن. ولقد دعا عواقِبَ الخَطِيَّة "بالمَوت".

بالتَّناقُضِ معَ هذا المَوت، يَحُضُّ بُولُس قُرَّاءَهُ على أن يُدرِكُوا أنَّ ثِمارَ أو عواقِبَ خدمَةِ البِرِّ ستَقُودُ إلى القداسَة، وإلى تِلكَ النَّوعِيَّة منَ الحياة التي يَعِدُ يسُوعُ المسيحُ أن يمنَحَها لكُلِّ من يُؤمِنُ بهِ مُخَلِّصاً، ويُتَوِّجُهُ رَبَّاً على حياتِهِ، ويعيشُ الإنجيلَ معكُوساً – أي أنَّهُ يمُوتُ عنِ الذَّاتِ ليحيا لأجلِ المسيح.

يُلَخِّصُ بُولُس هذا التَّعليمِ العَميق بذلكَ العددِ الخِتامِيِّ، الذي يَقُولُ فيهِ أنَّ أُجرَةَ الخطيَّةِ هي دائماً المَوت. حتَّى في عالَمٍ تُساهِمُ فيهِ الأسواقُ والبُورصَةُ بالتَّلاعُبِ بقيمَةِ الأُجرَة التي نحصَلُ عليها والثَّروة التي نُحَصِّلُها، فالخَطِيَّةُ دائماً تدفَعُ الأُجرَةَ نفسَها. الأخبارُ السَّيِّئَة هي أنَّ "أُجرَةَ الخَطِيَّةِ هي مَوتٌ." ولكنَّ الأخبارَ السَّارَّةَ فهيَ أنَّ "هبة اللهِ هي حياةٌ أبَدِيَّةٌ بالمسيح يسُوع رَبِّنا."

الصفحة
  • عدد الزيارات: 7291