Skip to main content

الفصلُ العاشِر رِسالَةُ بُولُس الثانِيَة إلى تيمُوثاوُس

الصفحة 1 من 3

إنَّ رِسالَةَ بُولُس الثانِيَة إلى تيمُوثاوُس هي أخِرُ وَصِيَّةٍ للرسُولِ بُولُس. يُخبِرُنا تاريخُ الكنيسةِ أنَّهُ بعدَ أن أُطلِقَ سراحُ بُولُس من سِجنِهِ الأوَّل في رُوما، ذهبَ بُولُس في رحلَةِ إرساليَّةٍ إلى إسبانيا، ومن ثمَّ عادَ إلى أفسُس. ومن أفسُس، إنطَلَقَ إلى تِرواس، وكانَ هُناكَ عندما قامَ الأمبراطُور الروماني نيرُون بإحراقِ روما، مُلقِياً اللومَ على تلاميذِ يسُوع المسيح. عندما حدثَ هذا، إعتُبِرَ جميعُ أتباعِ المسيح في الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة خارجينَ على القانُون، وعُومِلُوا بقسوَةٍ لا تُوصَف، ليسَ فقط من قِبَلِ الحُكُومَةِ الرُّومانِيَّة، بل ومن قِبَلِ سُكَّانِ رُوما. وبما أنَّ بُطرُس وبُولُس كانا أوَّلَ عدُوَّين مَشهُورَين، تمَّ توقيفُ بُولُس ثانِيَةً.

يبدُو من الطريقَة التي أُوقِفَ بها بُولُس أنَّهُ ما كانَ سيتحمَّلُ هذا التوقيف والسجن (2تيمُوثاوُس 1: 4). عندما كتبَ بُولُس هذه الرسالة لتيمُوثاوُس، كانَ يعرِفُ أنَّهُ سوفَ يتمُّ إعدامُهُ عمَّا قريب. هذا جعلَ من كلماتِ الرسُول الأخيرة جَليلَةً وثَقيلة.

لو قُدِّرَ لكَ أن تزُورَ سجنَ المامِرتَاين Mamertine في رُوما اليوم، لكُنتَ ستُقدِّرُ وزنَ ومعنى كُلّ كلمة في هذه الرِّسالة. في الطابِقِ السُّفلي من هذا السجن، هُناكَ زنزانَةٌ يُعتَقَدُ أنَّ الرُّومان وضَعوا بُولُس الرسُول فيها. ولقد كانت الطريقَة التي كانَ مُقيَّداً بها بالأغلال، بمثابَةِ تعذيبٍ مُستَمِرّ. لقد كانت رائِحَةُ هذه الزنزانَة لا تُطاق، والمكانُ لا يُحتَمَل. وكانَ يُحتَفَظُ بهذه الزنزانَة ليُوضَعَ فيها ألدُّ أعداءِ رُوما غير المرغُوب فيهم.

في ظِلِّ هذه الظُّرُوف، تبقى إستطاعَةُ بُولُس على كتابَةِ هذه الرسالة الثانية إلى تيمُوثاوُس وإرسالِها لهُ من السجن، تبقى لُغزاً لا يُمكِنُ حَلُّهُ. يبدو أنَّ الجميعَ تركُوا بُولُس، بإستثناءِ رجُلٍ شيخٍ إسمُهُ أونسيفُورُوس، بالإضافَةِ إلى طبيب بُولُس المحبُوب، لُوقا. لرُبَّما إستطاعَ أُونسيفُورُوس أو لُوقا تهريبَ هذه الرسالة إلى الخارِج. ومن المُؤكَّد أنَّهُ لم يكُن بإستِطاعَة بُولُس أن يكتُبَها بيَدِهِ؛ فلا بُدَّ أنَّهُ أملاها على أحدِهم.

إذ تقرَأُ هذه الكلمات الأخيرة لبُولُس، إيَّاكَ أن تنسَى إطارَ ذلكَ السجن الرهيب، الذي فيهِ خرجت هذه الكلمات من قَلبِ بُولُس الرسُول:

"فَلِهذا السبب أُذَكِّرُكَ أن تُضرِمَ أيضاً موهِبَةَ اللهِ التي فيكَ بِوَضعِ يَدَيَّ. لأنَّ اللهَ لم يُعطِنا رُوحَ الفَشَل بَلْ رُوحَ القُوَّةِ والمحبَّةِ والنُّصح." (2تيمُوثاوُس 1: 6- 7)

بإمكانِكَ أن ترى مُواصفات تيمُوثاوُس التي تظهَرُ من خلالِ هذه الأعداد. لا بُدَّ أن تيمُوثاوُس كانَ شخصاً خجُولاً كانت لديهِ صُعُوبَةٌ بالتعامُلِ معَ الناس. لهذا لمَّحَ بُولُس إلى أنَّ مُعجِزَةً حدَثَت عندما وضَعَ بُولُس يديهِ على تيمُوثاوُس خلالَ رسامتِهِ لهُ. كتبَ بُولُس يقُول ما معناهُ، "فإن كُنتَ ستُحرِّكُ هذه القُوَّة الكامِنَة فيكَ، فلن تخافَ أبداً أن تُخبِرَ الناسَ عن رَبِّنا، ولا أن تدَعَهُم يعرِفُون أنَّني صديقُكَ، حتَّى ولو كُنتُ أنا مسجُوناً هُنا من أجلِ يسُوع المسيح."

في الإصحاحِ الثانِي، سوفَ نرى بعضَ الإيضاحات التي تُلقي الضَّوءَ على ما تعنيهِ العلاقة الحقِيقيَّة معَ المسيح. من العدد 4 إلى العدد 7، يُعطي بُولُس إيضاحات الجُندِيّ، البطل الرِّياضِيّ، والفَلاح.

إنَّ التطبيقَ الواضِح الذي يُقدِّمُهُ بُولُس عن الجُندي هُوَ التالي: عندما يتجنَّدُ رَجلٌ ويذهَبُ للحَرب، لا يعودُ يُربِكُ نفسَهُ بالأعمال التي كانَ يقُومُ بها زمنَ السِّلم. بل يُكرِّسُ نفسَهُ كُلِّيَّاً وبالكامِل للأعمال المُختَصَّة بهذه الحرب. بطريقَةٍ مُماثِلة، يُشجِّعُ بُولُس تيمُوثاوُس ليكُونَ مُلتَزِماً تماماً بخوضِ معرَكةٍ من أجلِ يسُوع المسيح.

ثُمَّ، إذ يُعطي بُولُس إيضاحاتِهِ عن البطلِ الرِّياضِيّ، يقُول، "وأيضاً إن كانَ أحدٌ يُجاهِدُ لا يُكَلَّلُ إن لَمْ يُجاهِدْ قانُونِيَّاً." (1تيمُوثاوُس 2: 5) هُناكَ قواعِد للحياة في المسيح، منها أنَّهُ عليكَ أن تتألَّمَ من أجلِ يسُوع المسيح. عليكَ أن تحمِلَ صليبَكَ وتتبَعَهُ.

وعندما يكتُبُ بُولُس عن الفلاح، يقُولُ أنَّ الفلاحَ يعمَلُ بِكَدٍّ وإجتِهاد، سواءٌ عندما يزرَعُ أو عندما يحصد. ثُمَّ، "هوَ الذي يشتَرِكُ أوَّلاً في الأثمار." (1تيمُوثاوُس 2: 6) يقُولُ بُولُس لتيمُوثاوُس ما معناهُ، "إعمَلْ بكَدٍّ كما يعمَلُ الفلاح. إعمَلْ بِكَدٍّ في الزَّرعِ، واعمَلْ بِكَدٍّ في الحصاد، وسوفَ تحصَلُ على حصادٍ عظيم."

لقد كانَ بُولُس واثقاً من حُضُورِ المسيح معَهُ، حتَّى خِلالَ ألمِه. حتَّى عندما نكُونُ أضعَفَ من أن نتمسَّكَ ببَقيَّةِ الإيمان، فإنَّ اللهَ يبقَى أميناً لنا ليُساعِدَنا، لأنَّهُ لا يقدِرُ أن يُنكِرَنا، لكونِنا خاصَّتهُ. إنَّ حقَّ اللهِ يَقِفُ ثابِتاً كصخرَةٍ عظيمةٍ راسٍخة لا تتزعزَع. إنَّهُ حجَرُ أساسٍ مكتُوبٌ عليهِ هذه الكلمات: "يعلَمُ الرَّبُّ الذين هُم لهُ." (13، 19)

تذكَّروا ظُروفَ بُولُس المُؤلمة والمأساوِيَّة عندما تقرَأُونَ هذه الكلمات عن التعزِيَة العظيمة. كتبَ بُولُس أنَّهُ من المُمكِن أن نمرَضَ ونضعُفَ، عقليَّاً وعاطِفيَّاً، وحتَّى رُوحيَّاً، حتى لا تبقَى لنا قُوَّةٌ لنُؤمِنَ ونُصلِّي. فهل سنهلِكُ في هكذا ظُرُوف؟ كلا! إنَّ هذا المقطَع يقُولُ أنَّنا حتَّى وإن أصبَحنا ضُعفاءَ لدرجَةٍ لا نقوى معَها على الصلاةِ والإيمان، فإنَّ اللهَ لن يُنكِرَ خاصَّتَهُ أبداً. حتَّى عندما لا نستطيعُ الإحتِفاظَ بالإيمان، فإنَّهُ سيكُونُ أميناً لنا.

يُعلِّمُ بُولُس عن هدَفِ حياةِ المُؤمِن بواسِطَةِ إيضاحٍ عن الآنِيَة (20- 21). في تِلكَ الأيَّام، كانَ لدى الناس آنِيَةٌ، أو جِرارٌ في منازِلِهم. بعضُ الآنِيَة كانت تُستَخدَمُ لأهدافٍ سامِيَة، والبعضُ الآخر من الآنِيَة كانت تُستَخدَمُ لأهدافٍ مُبتَذَلَة (بما أنَّهُ لم تكُن هُناكَ مجاري للمياهِ الآسنة الخارِجة من المراحِيض في تِلكَ الأيَّام.)

يقُولُ بُولُس، "يا تيمُوثاوُس، هذا يُشبِهُ إتِّباعَكَ للمَسيح. فبإمكانِكَ أن تكُونَ إناءً يُستَخدَمُ للأهدافِ المُبتَذَلَة، وبإمكانِكَ أن تديرَ ظهرَكَ للشهواتِ الشبابِيَّة، وتُعطي كُلَّ إهتِمامِكَ إيجابِيَّاً للخَيرِ والإيمانِ والمحبَّةِ والسلام. عندها ستكُونُ إناءً مُلائِماً للأهدافِ السامِيَة، وستكُونُ إناءً نظيفاً نافِعاً لخدمةِ السيِّد.

في أحدِ أكثَرِ الأعداد المألُوفة في هذه الرسالة، كتبَ بُولُس يقُول: "إجتَهِد أن تُقيمَ نَفسَكَ للهِ مُزَكَّىً عامِلاً لا يُخزَى مُفصِّلاً كَلِمَةَ الحَقِّ بالإستِقامَة." (2تيمُوثاوُس 2: 15) إنَّ الكلمة المُتَرجَمَة "إجتَهِدْ" تعني "أُبذُلْ قُصارى جهدِكَ." يقُولُ بُولُس، "يا تيمُوثاوُس، درِّبَ نفسَكَ أن تبذُل قصارى جهدِكَ، حتى ينتُجَ عن إلتِزامِكَ بالدرس أن يُصادِقَ اللهُ على خدمتِكَ يوماً ما." دائماً إسألْ نفسَكَ: هل أنتَ تدرُسُ كِفايَةً، وتجتهدُ لتَتَعلَّمَ كلمةَ الله؟

في نهايَةِ هذا الإصحاح الثاني، ينصَحُ بُولُس الراعي الشابّ تيمُوثاوُس كيفَ يُساعِدُ الناس على حلِّ مشاكِلِهم. نُسمِّي هذا اليوم بالإرشادِ الرَّعَويّ. في أيَّامِ بُولُس، كانُوا يُسمُّونَ ذلكَ بالرِّعايَة. ما يُحَيِّرُني هُوَ كَونُ كلمات بُولُس الأخيرة، التي شارَكَها في تِلكَ الظُّرُوفِ المُؤلمة والقاسِية، درَّبت تيمُوثاوُس على إتقانِ مهارَةِ الرِّعاية الصالِحة.

يقُولُ بُولُس لتيمُوثاوُس أنَّ المُشكِلة معَ الناس الذين يُصحِّحُ مسارَهم ويُرشِدُهُم هو أنَّهُم يعيشُونَ في شكلٍ مُناقِضٍ لخُطَّةِ اللهِ الفَريدَة لحياتِهم. (تُعبِّرُ إحدى الترجمات عن ذلكَ بالقول أنَّهُم كانُوا "يُناقِضُونَ أنفُسَهم"). لقد كانُوا يُقتَنَصُونَ لفَخِّ إبليس (26). هُناكَ أسبابٌ عديدَةٌ لماذا يقُومُ الناسُ بهكذا أعمال. قد يُقارِنُونَ أنفُسَهم معَ أشخاصٍ آخرين، أو قد يُقلِّدُونَ آخرين، أو قد يسمَحُونَ لأنفُسَهم بأن يخضَعوا لرَقابَةِ الآخرين. هُناكَ عدَّةُ طُرُقٍ قد "نخسَرُ بها نُفُوسَنا" بهذا المعنى. إنَّ الأشخاصَ الذين يُناقِضُونَ خطَّةَ اللهِ لحياتِهم سيُواجِهُونَ صُعوباتٍ كثيرة وسيفقُدونَ السعادَةَ في حياتِهم.

يقُولُ بُولُس ما معناهُ، "يا تيمُوثاوُس، إذا شِئتَ، إستَمِعَ لهؤُلاء الناس بوداعَةٍ ولُطفٍ وطُولِ أناة، وسوفَ تُبقي ثمارُ الرُّوحِ الثلاثة هذه البابَ مفتُوحاً لله، وتجعَلُ إستِماعَكَ يستَحِقُّ الجُهدَ المبذُولَ من أجلِه. عندها ستُصبِحُ قادِراً أن تُعلِّمَ هؤُلاء الناس وأن تُعرِّفَهم على الحقيقَةِ التي تستطيعُ أن تُحرِّرَهم." (أنظُر يُوحنَّا 8: 32) عليكَ أن لا تتجادَلَ بتاتاً معَ هكذا أشخاص، لأنَّ هذا سيُغلِقُ البابَ أمامَ الله، ويترُكُهم في قُيُودِ الشيطان. أعتَقِدُ أنَّ هذا من أفضَل ما كُتِبَ حول موضُوع الإرشاد الرعوي الرُّوحِيّ.

ماذا ستعمَلُ بما تعلَمُ؟
الصفحة
  • عدد الزيارات: 8047