الفصلُ السابِعُ رِسالَةُ بُولُس الرسُول الأُولى إلى تيموثاوُس
تُعتَبَرُ رسالَتا بُولس الأُولى والثانية إلى تيمُوثاوُس، ورسالتُهُ إلى تيطُس، رسائِلَ بُولُس الرَّعَويَّة، لأنَّها مُوجَّهَةٌ إلى رَجُلَين جنَّدَهُما بُولُس في الخدمةِ ليكُونا رُعاةً. كتبَ بُولُس رسالتَهُ الأُولى إلى تيمُوثاوُس، ورسالتَهُ إلى تيطُس في نفسِ الوقتِ تقريباً، ولهذا نجدُ تشابُهاً كبيراً بينَ الرِّسالتَين. ثُمَّ لاحِقاً، وتحتَ قساوَةِ سجنهِ الثاني في رُوما، كتبَ رسالتَهُ الثانيَة إلى تيمُوثاوُس، التي تُسجِّلُ كلمات بُولُس الأخيرة. لِهذا، سندرُسُ بالتَّتابُع رسالَةَ تيمُوثاوُس الأُولى، ثُمَّ تيطُس، ورسالَة بُولُس القصيرة إلى فيلمُون، ومن ثَمَّ نختُمُ دراستنا لرسائِلِ بُولُس برسالتِهِ الثانِيَة إلى تيمُوثاوُس.
لقد أُقيمَ تيمُوثاوُس ستراتيجيَّاً من قِبَلِ الرسُول بُولُس ليكُونَ راعي كنيسة أفسُس. أمَّا تيطُس فأُقيمَ على جزيرَةِ كريت. وإذ نقرَأُ الرسائِل المُوجَّهة إلى تيمُوثاوُس وتيطُس، تظهَرُ شخصِيَّتانِ مُختَلِفتانِ تماماً.
يتَّضِحُ أنَّ تيمُوثاوُس كانَ شابَّاً، عطُوفاً، وحسَّاساً، قدَّمَهُ بُولُس كَمِثالٍ عنِ الرَّاعي المُحِب الذي يعتَني بِرَعِيَّتِه. ولا بُدَّ أنَّ تيمُوثاوُس كانَ أيضاً خجُولاً بعضَ الشيء، لأنَّهُ إحتاجَ إلى تشجيعِ بُولُس لهُ ليكُونَ أكثَرَ صلابَةً وشجاعَةً.
إنَّ شخصيَّةَ تيطُس التي تبرُزُ في الرسالَةِ التي وجَّهها بُولُس لهُ، تختَلِفُ كثيراً عن شخصيَّةِ تيمُوثاوُس. فلقد كانَ تيطُس أكبَرَ سنَّاً من تيمُوثاوُس، ويبدُو أنَّهُ كانَ ناضِجاً ومُستَقِرَّاً. نعرِفُ هذا من المُهِمَّات التي كلَّفَهُ بها بُولُس. فمثلاً، إستَخدَمَ بُولُس تيطُس ليُسلِّمَ رسالتَهُ التأديبيَّة للكنيسةِ المُضطَّرِبَةِ في كُورنثُوس. ولقد أقامَ بُولُس تيطُس في جزيرَةِ كريت، التي كانت مكاناً يصعُبُ فيهِ جداً تأسيسُ ورعايَةُ كنيسة. لقد كانَ الكريتيُّونَ عدائِيِّينَ جداً، وقُساةً وصَعبي المِراس. ولَرُبَّما كانَ تيطُس أفضَلَ رَجُلٍ لدى بُولُس لهكذا تحدِّياتٍ رَعويَّةٍ صعبة.
كانت هُناكَ علاقَةٌ شخصيَّةٌ وطيدَةٌ بينَ بُولُس وتيمُوثاوُس، علاقة الأب بالإبن في عملِ الخدمة. قد نفتَرِضُ أنَّهُ عندما علَّمَ بُولُس في مدرَسَةِ تيرانُّوس في أفسُس، أنَّ تيمُوثاوُس كانَ واحِداً من تلامذتِهِ. ولكنَّ تيمُوثاوُس كانَ قد إلتَقى بُولُس أوَّلاً في لِسترة (أنظُر أعمال 16: 1). لرُبَّما كانَ تيمُوثاوُس حاضِراً عندما رُجِمَ بُولُس في تلكَ المدينة، وتُرِكَ بينَ حَيٍّ ومَيت. تصَوَّرُوا أنَّهُ عندما نجا بُولُس بأُعجُوبَة من الهجُومِ عليهِ بالرَّجم، لا بُدَّ أنَّهُ كانَ لهذه الحادِثَة المُروِّعة أثراً عميقاً على شابٍّ يافِعٍ مثل تيمُوثاوُس. لَدَيَّ فكرَةٌ أنَّهُ عندما رأى تيمُوثاوُس شجاعَةَ وموهِبَةَ بُولُس، أصبَحَ بُولُس بطلَهُ المُفضَّل. ولقد جنَّدَ بُولُس تيمُوثاوُس في لِسترة في رحلتِهِ التبشيريَّة الثالِثة، لأنَّهُ منذُ ذلكَ الحين فصاعِداً، نجدُ ذكرَ تيمُوثاوُس كواحدٍ من أعضاءِ فريقِ بُولُس الإرسالِيّ.
يعتَقِدُ المُفسِّرُونَ أنَّ بُولُس كتبَ رسالتَهُ الأُولى إلى تيمُوثاوُس بعدَ أن أُطلِقَ سراحُهُ من سجنِهِ الأَوَّل في رُوما. كانَ هدَفُ الرسالة أن يعرِفَ تيمُوثاوُس كيفَ ينبَغي أن تعملَ كنيسةُ الله، التي هي عمودُ الحَقِّ وقاعِدتُهُ. في إطارِ هذا الوصف لنظامِ الكنيسةِ، وفي رسالتِهِ إلى تيطُس، شدَّدَ بُولس على المُواصفات التي ينبَغي أن يتحلَّى بها قادَةُ الكنيسة (أنظُر 1تِيمُوثاوُس 3: 1- 13).
يعتَقِدُ الكَثيرونَ أنَّ الكنيسَةَ هي "مَحَطَّةٌ لِخلاصِ النُّفُوس." ولكن، في الواقِع، المَقصُودُ بالكنيسةِ أن تَكُونَ غُرَفةَ عمليَّات خلاص النفُوس، أو مركزاً تُعلَنُ منهُ حقيقَةُ الإنجيل من خِلالِ أشخاصٍ عِلمانِيِّين ناشِطين. إذا كانت الكنيسةُ المَحَلِّيَّةُ ستكونُ هكذا مركزاً للحَقّ، ينبَغي أن يكُونَ لديها مبادِئ رُوحيَّة لعُضُويَّتِها، خاصَّةً لقادَتِها.
خِلالَ دراستِكُم لهذه الرِّسالَة، ستَجِدُونَ حقائِقَ أُخرى كثيرة مُشدَّداً عليها. تُسمَّى هذه الحقائِقُ "الأقوالُ الصادِقة" لبُولُس الرسُول. فبينما يكتُبُ بُولُس لهؤُلاء الرُّعاة، يقُولُ لهُم أحياناً، "صادِقَةٌ هي الكلمةُ ومُستَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول." والذي يقصُدُهُ بهذا هُوَ، "الآن أودُّ أن أقُولَ شيئاً مُهمَّاً بالفِعل."
إنَّ أَوَّلَ أقوال بُولس الرسول الصادِقة هَو التالي: "أنَّ المسيحَ يسُوع قد جاءَ إلى العالم ليُخلِّصَ الخُطاة الذين أوَّلَهُم أنا." (1تيمُوثاوُس 1: 15). ما يقُولُهُ بُولُس هُنا هُوَ أنَّ الرَّبَّ أرادَ أن يُعطِيَ مِثالاً للخُطاة. أحياناً، يَظُنُّ النَّاسُ أنَّهُم خُطاةٌ لدرجةٍ يستحيلُ معَها خلاصُهم. لهؤلاء، يقُولُ بُولُس بإلحاح، "لقد سبقَ وخلَّصَ يسُوعُ أسوأَ خاطِئٍ في العالم. فعندما خلَّصَني يسُوع المسيح، خلَّصَ أسوَأَ خاطِئٍ عاشَ على الأرض. فإن كانَ يستطيعُ أن يُخلِّصَني، لا بُدَّ أنَّهُ يقدِرُ أن يُخَلِّصَكَ." إنَّ بُولُس لا يُمارِسُ إلغاءَ أو إحتقارَ الذاتِ هُنا. ولكن لأنَّهُ إضطَّهَدَ الكنيسة، فلذلكَ رأى نفسَهُ فعلاً كأوَّلِ الخُطاة.
في الإصحاحِ الثاني، حيثُ يُخبِرُ بُولُس تيمُوثاوُس عن كيفيَّةِ عملِ الكنيسةِ يوماً بعدَ يوم، يجعَلُ بُولُس من الصلاة في رأسِ أولويَّات الكنيسة (1تيمُوثاوُس 2: 1). عندما يطلُبُ بُولُس أن تُقامَ صلواتٌ من أجلِ جميعِ الناس، ينصَحُ بنوعٍ مُعَيَّنٍ من الصلاة، يُمكِنُ تسمِيتُها "صلاةً تبشيريَّة." إنَّها الصلاةُ من أجلِ جميعِ النَّاس لأنَّ "اللهَ يُريدُ أنَّ جميعَ الناسِ يخلُصُون." (عدد 4)
على الكنيسة أن تكُونَ العمودَ والقاعِدة اللَّتَينِ منهُما يُعلَنُ الإنجيلُ (1تيمُوثاوُس 3: 15). إنَّ حقيقَةَ الإنجيل تِلكَ ينبَغي أن تُعلَنَ برُوحِ الصلاة، لأن وحدَهُ الرُّوحُ القُدُس يستطيعُ أن يُغيِّرَ الناس ويجعَلَ منهُم تلاميذَ ليسُوع. فبالنسبَةِ لبُولُس، ينبَغي أن تكُونَ الصلاةُ في الكنيسة على رأسِ أولويَّاتِ الراعي (أنظُر 2: 1)
نُظَّارٌ أتقِياء
ينبَغي أن تكُونَ رسالَةُ بُولُس الرسُول الأُولى إلى تيمُوثاوُس ورسالتُهُ إلى تيطُس الدليلَ الرسمي لنظامِ كُلِّ الكنائِس. فلقد أوصَى بُولُس بالكثير من القضايا العمليَّة ذات الطابع المحلِّي في هاتَين الرِّسالتين الرَّعويَّتَين. ولقد أوصى أيضاً بمبادِئَ تتخطَّى الإعتِبارات الحضاريَّة (أي تِلكَ التي لا تتأثَّر بالحضارة) والتي ينبَغي أن تنطَبِقَ على كُلِّ مكانٍ وزمانٍ وجيلٍ من أجيال الكنيسة. مثلاً، هُناكَ مقطَعٌ يجَعلُ من بُولُس يفقُدُ مُعظَمَ شعبِيَّتِهِ بينَ النساء اليوم. كتبَ بُولُس يقُول: "وكذلكَ أنَّ النِّساءَ يُزَيِّنَّ ذواتِهِنَّ بِلِباسِ الحشمة معَ ورعٍ وتعَقُّلٍ لا بِضَفائِرَ أو ذهَبٍ أو لآلئ أو ملابِس كثيرة الثمن. بَل كما يَليقُ بنِساءٍ مُتَعاهِداتٍ بِتَقوى الله بأعمالٍ صالِحَةٍ. لِتَتَعلَّمِ المرأةُ بِسُكُوتٍ في كُلِّ خُضُوع. ولكن لستُ آذَنُ للمرأةِ أن تُعَلِّمَ ولا تتسلَّطَ على الرَّجُل بَلْ تكُونُ في سُكُوتٍ." (1تيمُوثاوُس 2: 9- 12)
لا يقُولُ بُولُس هُنا أنَّهُ ممنُوعٌ على النِّساءِ أن تخدِمَ. ولكنَّهُ يقُولُ شيئاً يُكرِّرُهُ في كُلِّ رسائِلِهِ: هُناكَ ترتيبٌ إلهِيٌّ، يكُونُ فيهِ الرَّجُلُ هُوَ رَأسُ المنزِل، والمسيحُ رأسُ الرجُل، والرجُل رأسُ المرأة. هذا يعني أنَّهُ بنفٍسِ الطريقَة التي بها يرعى المسيحُ الكنيسةَ ويقُودُها، على الرجُل أن يرعَى ويقُود زوجَتهُ وعائِلتَهُ، وبالتالي فالرِّجالُ هُم الذين ينبَغي عليهم أن يرعُوا ويقُودوا الكنيسةَ المحلِّيَّة.
يُعطي الكتابُ المُقدَّسُ بوُضُوحٍ للرجال مسؤوليَّةَ قيادَةِ المنزِل والكنيسة. يُعلِّمُ الكتابُ المقدَّسُ بمُساواةِ الذَّكَرِ والأُنثى أمامَ الله بشكلٍ مُطلَق، ولكن الكتاب المقدَّس لا يُعلِّمُ مُساواة الأدوار والمَهام المُلقاة على عاتِقِ الذُّكُورِ والإناث. يقُولُ الكتابُ المقدَّسُ، "ذكراً وأُنثَى خلَقَهُما،" وأعطى لكُلٍّ منهُما أدواراً ومسؤوليَّات ومَهام خاصَّة بهما. من هذا المُنطَلَق، بإمكانِ المرأة أن تُمارِسَ بعضَ الخدمات في الكنيسةِ المحلِّيَّة، طالَما تقُومُ بها تحتَ سُلطَةِ شيُوخِ الكنيسةِ وقادتِها الرِّجال.
يقُودُنا هذا إلى موضُوعٍ هامٍّ آخر في هذه الرسائِل الرعويَّة. ففي تيمُوثاوُس الأُولى، ستَجِدُونَ الكثيرَ من التعليم عن مُؤهِّلات، دور، ومسؤوليَّة خُدَّام الكنيسة. فعلى الشيخ مسؤوليَّةُ القيادة، المُراقَبة، والرعايَة لرعيَّةِ الله. النَّوعُ الآخرُ من الخُدَّام هُوَ الشمامِسة. الشمامِسة يخدِمُون. بإمكانِهم أن يقُوموا بالخدماتِ الرُّوحيَّة أو أن يكتَفُوا بالقيامِ بالخدماتِ العمليَّة، ولكن ليسَ لهم مسؤوليَّةُ القِيادَةِ والرِّعاية. هذان النَّوعان من الخُدَّام في الكنيسة، أوَّل ما نقرَأ عنهُما هُوَ في الإصحاحِ السادِس من سفرِ الأعمال.
ويُذكَرُ هذانِ النَّوعانِ من الخُدَّام في هذين السفرَين عن نظامِ الكنيسة، أي في رِسالتَي تيمُوثاوُس الأُولى وتيطُس. المُؤهِّلاتُ موضُوعَةٌ لِهَذَينِ النَّوعَين من الخدمة. أحدُ أسباب عجز الكنيسة اليوم هُوَ أنَّنا توقَّفنا منذُ زَمَنٍ طَويل عن وضعِ معايير أو شُروط لعُضويَّةِ الكنيسة، وبالأخص توقَّفنا عن وضعِ شُرُوطٍ لخُدَّامِ الكنيسة وقادَتِها. فأهَمُّ طريقَةٍ تُعلِنُ بها الكنيسةُ الإنجيلَ في أيِّ جيل، هي من خِلالِ حياةِ قادَتِها وأعضائِها. فإن كُنتَ شيخاً في كنيسةٍ محَلِّيَّة، إقرأ بعنايَةٍ وبِروحِ الصلاة الشُّروط الموضُوعَة للشيُوخِ في رسالتي بُولُس الرَّعَويَّتَين، ثُمَّ أُطلُبْ من الله أن يُعطِيَكَ النِّعمة لتكُونَ على مُستوى شُروطِ القيادة.
يُشدِّدُ بُولُس على أنَّ الشيُوخ ينبَغي أن يكُونُوا ناضِجينَ ومُؤهَّلِينَ رُوحِيَّاً. إحدى المُؤهِّلات التي يُساءُ فهمُها هي أن يكُون "بعل إمرأَة واحِدة." (2) يعني هذا حَرفِيَّاً "رجُل إمرأة واحدة،" أو رجُل لديهِ زوجَةٌ واحِدة. بعدَ دراسَةِ هذه الكلمات في اللغةِ الأصليَّة، لا أعتَقِدُ أنَّها تَعني بتاتاً أنَّهُ كانَ بإمكانِ هذا الرجُل أن يعيشَ معَ إمرأةٍ أُخرى، بل أنَّهُ يعيشَ معَ إمرأَةٍ واحِدَةٍ فقط.
لاحِظوا أنَّ الشُّروطَ المَوضُوعَ للشمامِسة هي تماماً على مُستَوى الشروط الموضُوعة للشُّيُوخ. وكذلكَ هُناكَ شُروطٌ أو مُؤهِّلاتٌ صارِمة موضُوعَةٌ لزوجاتِ هؤلاء القادة الرُّوحِيِّين. إنَّ هذا التشديد هامٌّ جداً في رِسالتَي تيموثاوُس الأُولى وتيطُس.
في هذا الرسالة، يُحذِّرُ بُولُس تيمُوثاوُس حيالَ الإرتداد، الذي يعني، "التراجُع عمَّا سبقَ لكَ وآمنتَ بهِ." يتنبَّأُ بُولُس أنَّهُ في آخرِ الأيَّام سيكُونُ هناكَ إرتِدادٌ عظيم. والإرتِدادُ هُنا يأتي في شَكلين – "أرواح مُضِلَّة" و "تعاليم شياطين." (1تيمُوثاوُس 4: 1).
"الأرواح المُضِلَّة" تعني ليسَ كُلُّ ما هُوَ رُوحِيٌّ من الرُّوحِ القُدُس. هُناكَ الكَثيرونَ من الذين لا يُقدِّرونَ أهمِّيَّةَ هذا التمييز. بل يُرحِّبُونَ ببساطَةٍ بكُلِّ ما هُوَ من عالَمِ الرُّوح، غيرَ مُدرِكينَ أنَّ هُناكَ أرواحاً بإمكانِها أن تُضِلَّ الناس بعيداً عن إيمانِهم بيسُوع المسيح.
الشكلُ الثاني من الإرتِداد سمَّاهُ بُولُس "تعاليم شَياطِين." إنَّ كلمةَ الله هي التعليم المُفتَرَض بنا أن نُعلِّمَهُ ونَعِظَ بهِ في الكنيسة. ولكن هُناكَ تعاليمُ وعقائدُ مُزيَّفَة – "تعاليم شياطين." هذه العقائِدُ والتعاليم لا تُوجَدُ في كلمةِ الله، ولا تأتي من الله. بل تأتي من الشيطان، وهُناكَ الكثيرونَ يُخدَعُونَ بالتعاليمِ المُزيَّفَة المغلُوطة التي لا أساسَ لها في كلمةِ الله. لهذا، ينبَغي على شعبِ اللهِ أن لا يضعُوا أساسَ ما يُؤمِنُونَ بهِ على فرَضِيَّاتٍ غير موجودةَ في الكتابِ المقدَّس.
يبدُو أنَّ تيمُوثاوُس إجتازَ في إختِبارٍ عندما وُضِعَت عليهِ أيدي الرسامَة. نفهَمُ من النصِّ أنَّهُ عندما وضَعَ الشيُوخُ أيدِيَهُم على تيمُوثاوُس، إنتَقَلَت بركَةٌ مُعيَّنَة إليه. كتبَ بُولُس يقُولُ ما معناه، "أُبذُلْ كُلَّ جُهُودِكَ من أجلِ ذلكَ الشيء الذي بدأَ فيكَ عندما وُضِعَتَ عليكَ أيدِي الرِّسامة." أعتَقِدُ أنَّهُ كانَ يعني نفسَ المَوهِبَة عندما كتبَ يقُول، "أُعكُفْ على القِراءَةِ والوَعظِ والتعليم." (13- 16)
كانَ لدى بُولُس بضعَ كلماتٍ يقُولُها لتيمُوثاوُس عن علاقاتِهِ معَ الناس في جسدِ المسيح. إن نصيحَةَ بُولُس لتيمُوثاوُس لم تكُن وكأنَّهُ يقُولُ لتيمُوثاوُس أن يكُونَ لديهِ علاقةٌ "مِهَنِيَّة مُحتَرِفَة" معَ شعبِهِ. بل كانَ بُولُس يقُولُ لتيمُوثاوُس أن يتعامَلَ معَ عائِلةِ اللهِ وكأنَّهُم جميعاً من عائِلتِهِ وأقارِبِهِ في الجسد. (1تيمُوثاوُس 5: 1-2) هذه ليست علاقة "إحتراف أو مِهنة" بل علاقة إهتِمام عائليةَّ حميمة.
يُعطي بُولُس بعضَ التعليمات لتيمُوثاوُس حولَ أهمِّيَّةِ إلزامِ الشُّروطِ السامِية لمنصِب الشيخ. يقُولُ بُولُس لتيمُوثاوُس أنَّهُ إذا أخطَأَ شيخٌ (والشيوخُ يُخطِئونَ بالطبع)، فينبَغي توبيخُهُ علانِيَةً أمامَ الجميع، لأنَّ خدمتَهُ علانِيَة. يُحذِّرُ بُولُس تيمُوثاوُس من المُحاباة في التأديبِ الكَنَسِيّ، حتَّى ولو كانَ الشيخُ الذي يُريدُ تيمُوثاوُس تأديبَهُ مُقرَّباً أو صديقاً لهُ. وهكذا يقُولُ بُولُس لتيمُوثاوُس ما معناهُ: "إيَّاكَ أن تستَخِفَّ بهذه الأُمُور يا تيمُوثاوُس. لأنَّكَ سوفَ تُجنِّبُ نفسَكَ الكثيرَ من العَناء والألم، إذا صلَّيتَ مُطَوَّلاً قبلَ أن تختَارَ شخصاً لخدمَةِ المَشيَخَة." (1تيمُوثاوُس 5: 17- 25)
رُغمَ أنَّ إهتِمامَ بُولُس الأوَّل كانَ مُتَعلِّقاً بشَخصِيَّةِ الرجال الذين كانُوا سيقُودُونَ الكنيسة، فهُوَ يُعطي نصيحَةً في الإصحاحِ السادِسِ أيضاً. مثلاً، يُعطي بُولُس تيمُوثاوُس نصيحَةً عَمَليَّةً حيالَ العبيد. يقُولُ لتيمُوثاوُس أن يُعلِّمَ العبيدَ أن يُكرِمُوا سادَتَهم، لكَي لا يُفتَرى على إسمِ الله (1). لقد كانَ بُولُس واقِعِيَّاً كفايَةً ليعرِفَ أنَّ مُشكِلَةَ الرَّقِيق الإجتِماعِيَّة لم تكُن لتزولَ بسُرعة. فلقد كانَ الكثيرونَ من المُؤمنينَ الأوائِل من طبقَةِ العبيد، وبما أنَّهُم لم يتحرَّرُوا في هذا العالم، أظهَرَ لهم بُولُس كيفَ يتحمَّلُونَ العبُودِيَّة.
في هذا الإصحاح، نجِدُ أيضاً مقطَعاً جديراً بالإعتِبار حولَ الربح أو التجارة والتقوى. هُناكَ تشديدٌ كبيرٌ في حضارتِنا يُعطي قيمَةً كُبرى للرِّبحِ والتجارة. فمنذُ تاريخِ ذهابِ الطفل إلى المدرسة، يُعلِّمُونَهُ أن يُعلِّقَ جدارتَهُ وأهمِّيَّتَهُ على إنجازاتِهِ. ولكن عندَ سنِّ البُلُوغ، تُبَرهِنُ هذه النظَرِيَّةُ أنَّها غيرُ مُلائمة ولا تُشبِعُ قلبَ الإنسان. فهُناكَ الكثير من الناس الذين برعُوا في مِهَنِهم، ولكنَّهُم لم يجِدُوا سلاماً، ولا رِضاً، ولا سعادَةً من خِلالِ إنجازاتِهم. أعتَقِدُ أنَّ أشخاصاً مثل هؤُلاء مُستَعِدُّونَ أن يسمَعُوا كَلِماتِ بُولُس الرسُول:"التقوى معَ القناعَة تجارَةٌ عظيمة." (6)
ثُمَّ يُتابِعُ بُولُس ليُقدِّمَ تحذيراً ضدَّ محبَّةِ المال قائلاً: "وأمَّا الذين يُريدُونَ أن يكُونُوا أغنِياء فَيَسقُطُونَ في تَجرِبَةٍ وفَخٍّ وشهواتٍ كثيرة غَبِيَّةٍ ومُضِرَّةٍ تُغَرِّقُ الناسَ في العَطَبِ والهَلاك. لأنَّ محبَّةَ المال أصلٌ لِكُلِّ الشرُور."
يُشجِّعُ بُولُس تيمُوثاوُس صراحَةً أن يهرُبَ من محبَّةِ المادِّيَّات وأن يتبَعَ البِرّ. (11)
ثُمَّ يُعطِي بُولُس تيمُوثاوُسَ نصيحَةً ليُقدِّمَها بِدَورِهِ للأغنِياء: "أوصِ الأغنِياء في الدَّهرِ الحاضِر أن لا يستَكبِرُوا ولا يُلقُوا رجاءَهُم على غيرِ يقينيَّةِ الغِنى بل على الله الحَي الذي يمنَحُنا كُلَّ شَيءٍ بِغِنَىً للتَّمتُّع." (17)
لا يُعلِّمُ الكتابُ المقدَّسُ أنَّ الغِنَى خَطِيَّة. فالكثيرونَ من رجالاتِ اللهِ الأتقِياء في الكتابِ المقدَّس كانُوا أغنِياءَ جداً، أمثال إبراهيم، وأيُّوب، والملك داوُد. المُهِمُّ هُوَ الدافِعُ الكامِنُ وراءَ طلَبِ الغنى، ثُمَّ المَوقِف تجاهَ الغِنى. فعلى الأغنِياء أن يستخدِمُوا مالَهُم للأعمالِ الصالِحة، مُعطِينَ بِسُرُورٍ للَّذينَ هُم في حاجة. يُسمِّي بُولُس هذا النوع من العطاء بأفَضَل وأضمَن إدِّخارٍ للأبديَّة (1تيمُوثاوُس 6: 18- 19)
إنَّ تحدِّي بُولُس لتِيمُوثاوُس ولنا هُوَ أن "نتدرَّبَ للتقوى"، لأنَّ التقوى نافِعَةٌ في الحياة الحاضِرة والعَتيدة (1تيمُوثاوُس 4: 8) فهل تُمارِسُ هذا النوع من الرِّياضَة التي تُعزِّزُ التقوى في حياتِكَ؟ إنَّ حضارَتَنا تُعَلِّمُنا أن نسعَى وراءَ الرِّبح. أمَّا بُولُس فيُعلِّمُنا أن نسعى وراءَ التقوى. فهل أنتَ تسعى وراءَ الرِّبحِ أم وراءَ التقوى؟
- عدد الزيارات: 8127