الفصلُ الثالِث عشَر الهمساتُ السبع
الهمسَةُ الأُولى: الشكّ بِمَحبَّةِ الله (1: 1-5)
عندما بدأَ ملاخي نُبُوَّتَهُ بقولِهِ، "وَحيُ كلمةِ الرَّب لإسرائيل عن يَدِ مَلاخي. أحببتُكُم قالَ الرَّب،" جاءَ جوابُ الشعب الإستنكارِيّ، "وقُلتُم بمَ أحبَبتَنا؟" وجواباً على هذا الجواب الإستنكاري، قدَّمَ النَّبيُّ مَلاخي عدَّة براهين عن محبَّةِ اللهِ لشعبِ يهُوَّذا.
كُلُّ علاقة حُبّ لها بُعدان. هذان البُعدان هُما الأخذُ والعَطاء. هُنا يُطرَحُ سُؤالٌ دقيقٌ هُوَ: "إن لم تعُدْ قريباً من اللهِ كما كُنتَ في السابِق، فمن هُوَ الذي إبتعَدَ عنِ الآخر؟" أو "إن لم تعُد لديكَ علاقةُ محبَّة معَ الله، التي كانت لديكَ سابقاً، فمن هوَ الذي توقَّفَ عن محبَّةِ الآخر؟" عندما نشُكُّ بِمَحبَّةِ اللهِ لنا هذا يعني أنَّ هُناكَ خطبٌ ما في محبَّتِنا لله.
في سفرِ الرُّؤيا، القادَة الذي كانُوا رُعاةَ شعبِ الله لآلافِ السنين يُصوَّرُونَ كأربَعَةِ وعشرينِ شيخاً يجلِسُونَ على عُروشٍ صغيرة حولَ العرشِ العظيم في السماء. يُوصَفُ هؤلاء الأربعة والعشرونَ شيخاً بأنَّهم يرتَدونَ أثواباً بيضاء، وبأنَّ لهم تيجاناً من ذهب على رُؤوسِهم، ولديهم قيثاراتٌ، وجاماتٌ صغيرةٌ مملوءَةٌ بالبخور (رُؤيا 4: 4؛ 5: 8).
الأثوابُ البيضاء تُشيرُ إلى نقاوَةِ هؤلاء القادَة وأنَّهُم سَلَكُوا باستقامَةٍ حتى النهاية. وتيجانُهم الذهبيَّة تُشيرُ إلى إنتِصاراتِهم الرُّوحيَّة بالإيمان. وهذه الجاماتُ المملوءَةُ بالبخُّور، يُقالُ لنا أنَّها صلواتُ القدِّيسين لهُم. وكون كُلِّ شيخٍ يحمِلُ قيثارَةً يُشيرُ إلى أنَّهُم عابِدون.
بما أنَّ ملاخي يُوجِّهُ نُبُوَّتَهُ بِشكلٍ أساسيّ إلى القادة الروحيِّين الفاسِدين، الذين برَدَت محبَّةُ قُلوبِهم نحوَ الله، بإمكانِنا القول أنَّهُ يُخبِرُ هؤلاء القادة الرُّوحِيِّين بأنَّ إنحدارَهم التدريجي نحوَ الإرتداد بدأَ عندما "فقدوا قيثاراتِهم." كانَ ملاخي مُثَقَّلاً حِيالَ البُرودَةِ في قُلوبِ القادَةِ الرُّوحيِّين في علاقتِهم معَ الله. القادَةُ الرُّوحِيُّون الذين ليسَ لدَيهِم حياة تعبُّديَّة شخصيَّة، أو الذين "وضعوا قيثاراتِهم جانِباً" سوفَ يخسرُونَ كُلَّ شيء، بحسَبِ ملاخي.
كيفَ يُصبِحُ شعبُ اللهِ مثل جُثَّةٍ ميِّتَة؟ بحَسَب ملاخي، تبدَأُ هذه العَمَليَّةُ المُمِيتة عندما يُشكِّكُ القائِدُ الرُّوحيُّ بمحبَّةِ اللهِ لهُ شخصيَّاً، فيُهمل تعبيرَهُ التعبُّدي اليوم عن محبَّتِه لله. تنطَبِقُ هذه الحقيقَةُ بِوُضُوح على كُلِّ مُؤمِنٍ، وليسَ فقط على القادَةِ الرُّوحيِّين.
الهمسَةُ الثانِيَة: إحتِقار إسمَ الله (1: 6- 2: 4)
إتِّهامُ الله الآخر من خِلالِ النبي ملاخي يُبرِزُ الهمسَةَ الثانِيَة للقَلبِ الذي تبرُدُ محبَّتُهُ تِجاهَ الله. إن جوهَرَ الهمسة الثانِيَة هو عندما يحتَقِرُ القائِدُ الرُّوحِيُّ أو المُؤمِنُ إسمَ الله. فتستَمِرُّ الأجوِبَةُ الإستنكاريَّةُ بالقولِ الرافِض، "متى إحتَقرنا إسمَ الله؟" فيأتي الجوابُ، "في كُلِّ مرَّةٍ تقولونَ: لا تُزعِجوا أنفُسَكُم بأن تُعطُوا للرَّبِّ شيئاً ذا قيمَةٍ."
يقولُ ملاخي لهؤُلاء الكهنة: "عندما تقبَلونَ بتقديمِ حيوانٍ سقيم أو أعمى أو أعرج ذبيحَةً مقبُولَةً لله، تحتَقِرُونَ بِذلكَ إسمَ الله." في إحدَى أقوى رسائِل مَلاخِي، قالَ للكهنة مُتكلِّماً بإسمِ الله، "هأنذا أنتَهِرُ لكُم الزَّرَعَ وأمُدُّ الفرثَ على وُجُوهِكُم فَرثَ أعيادِكُم فتُنـزعُونَ معَهُ" (2: 3). ويقولُ ملاخي مُتعجِّباً، "من فِيكُم يغلِقُ البابَ بل لا تُوقِدُونَ على مَذبَحي مَجَّاناً!" (1: 10).
إنَّ إسمَ الله يُمثِّلُ جوهَرَ من وما هُوَ الله. وتُعتَبَرُ دراسةٌ جدِّيَّة لأسماءِ اللهِ في الكتابِ المقدَّس بِمثابَةِ دراسةٍ لطبيعةِ وجوهَرِ الله. ولقد حذَّرتنا الوصيَّةُ الثالثة من الوصايا العشر بأن لا نستخدِمَ إسمَ اللهِ باطِلاً (خُروج 20: 7). إن هذه الوصيَّة لا تمنَع التجديفَ فحسب، بل تُحذِّرُنا من إستِخدامِ إسمِ اللهِ في العِبادة بدونِ إجلالٍ لله، وأن نكونَ مَدعُوِّينَ حسبَ قصدِه. عندما علَّمَ يسوعُ الرُّسُلَ كيفَ يُصلُّون، أخبَرَهُم أن يُخاطِبُوا اللهَ كأبيهِم السماوي، وعلَّمَهُم أن تكونَ صلاتُهم الأُولى: "لِيَتَقدَّس إسمُكَ." (متى 6: 9).
عندما كانَ شعبُ يهُوَّذا يُقدِّمُونَ للهِ هذه الذبائح الناقِصَة، كانَ الكهنَةُ الذينَ قبِلُوا هذه الذبائح وشعب الله الذين قدَّموها يحتَقِرونَ إسمَ اللهِ بذلك. كانُوا بِذلكَ يُصَرِّحونَ أن اللهَ لم يستَحِقُّ شيئاً ذا قيمة. إنَّ وكالَتَنا تكشِفُ ماذا نُفكِّرُ عمَّن وعمَّا هُوَ الله وما يستَحِقُّهُ منَّا. بالنسبَةِ لملاخي، الهمسةُ الثانِيَة للقلبِ الذي تبرُدُ محبَّتُهُ تجاهَ الله هي إحتقار إسم الله.
هل ترى نفسَكَ في همساتِ القلبِ هذه؟ هل لَدَيكَ علاقة محبَّة وعبادة شخصيَّة حميمة معَ الله؟ وهل تُظهِرُ في عِبادَتِكَ أنَّكَ تُحِبُّ اللهَ وتعتَبِرُهُ وتعرِفُ ما يستَحِقُّه؟
الهَمسَةُ الثالِثة: نَقضُ الإلتِزام معَ الله (1: 13)
بعدَ أن يكونَ القائِدُ الرُّوحِيُّ أو المُؤمِنُ التقيُّ قد كفَّ عن التعبيرِ عن علاقة محبَّة شخصيَّة معَ الله في العبادَةِ الفرديَّة، وعندما يُظهِرُ بأعمالِهِ أنَّهُ يحتَقِرُ من وما هو الله، ستكونُ الهمسَةُ التالية في قلبِهِ أنَّهُ سيجدُ عملَ اللهِ صعباً جِداً. لقد لمَّحَ مَلاخي بسُؤالٍ آخر للكهنة في هذه المرحلة من نُبُوَّتِه. السؤالُ هو: "هل أنتُم مُنهَكُوا القُوى، أم أنَّكُم يُعوِزُكُم الدافِع؟" إنَّهُ الآنَ يتحدَّى الكهنة، الذين كانُوا يتذمَّرُونَ ويُدمدِمُونَ قائِلينَ أن عملَ اللهِ صعبٌ للغاية، يتحدَّاهُم ملاخي بهذهِ القضيَّة: "هل عملُ اللهِ هو حقَّاً صعبٌ جداً، أم أنَّكُم تركتُم محبَّتَكُم الأُولى ولم تعُودوا تُحبُّونَ الله من كُلِّ كيانِكُم؟"
أُذَكِّرُكُم الآن بكلمتَين شدَّدنا عليهما في نُبُوَّةِ حَجَّي، ونجدُهما عبرَ صفحاتِ الكتابِ المقدَّس: "اللهُ أوَّلاً!" من سفرِ التكوين إلى سفرِ الرُّؤيا، يُوضَعُ أمامنا التحدِّي بأن نضعَ اللهَ أَوَّلاً وأن نعبُدَهُ وحدَهُ. عندما يخدُمُ قائِدٌ روحيٌّ اللهَ بقَلبٍ مُجزَّأ، لن يطولَ الوقتُ إلى أن يجدَ هذا الشخصُ أن عملَ اللهِ هو في غايةِ الصُّعُوبة. الأشخاصُ الأكثَرُ بُؤساً على الأرض هُم القادَةُ الرُّحِيُّونَ أو المُؤمِنونَ الأتقياء الذي يخدُمونَ اللهَ بإلتزامٍ غير كُلِّي.
أنظُرْ إلى جوهَر هذه الحقيقة في الكتابِ المقدَّس: "إن كانَ اللهُ يعني أيَّ شيءٍ لكَ، فهذا يعني أنَّهُ كُلُّ شيء. لأنَّهُ، إلى أن يُصبِحَ اللهُ كُلَّ شيءٍ بالنسبةِ لكَ، فهوَ لا يعني لكَ شيئاً." لاحِظْ إيليَّا عندما تحدَّى شعبَ الله على جبلِ الكرمل بهذا السؤال: "إلى متى تُعرِّجُونَ بينَ الفِرقَتَين؟ إن كانَ الربُّ هوَ الله، فاتبعُوه، وإن كانَ البعلُ هو الله، فاتبَعُوه." أصغِ أيضاً إلى المسيح الحَي القائِم من الأموات، وهوَ يقولُ لِكنيسةِ لاوُدكيَّة: "أنا عارِفٌ أعمالَكَ،K
أنَّكَ لستَ بارِداً ولا حارَّاً. ليتَكَ كُنتَ بارِداً أو حارَّاً. هكذا لأنَّكَ فاتِرٌ ولستَ بارِداً ولا حارَّاً أنا مُزمِعٌ أن أتقيَّأَكَ من فَمِي"(رُؤيا 3: 15، 16).
ويُخبِرُنا يعقُوب أنَّ الرجُلَ ذا الرأيين هو مُتقَلقِلٌ في جَميعِ طُرُقِهِ. وكما أشرتُ سابِقاً، علَّمَ يسوعُ أنَّ الفكرَ المُوحَّد، أو النظرة المُوحَّدة، يقودانِ إلى حياةٍ ملؤُها السعادة، بينَما "إزدِواجِيَّة الرُّؤيا الروحيَّة" تقودُ إلى ظُلمَةٍ دامِسة، وإلى إنعدامِ السعادة (متى 6: 22، 23). إن كلمةَ الله مملووءَةٌ بالأعداد التي تحضُّنا على خدمةِ اللهِ بقَلبٍ غيرِ مُجزَّأ.
مُواصَفاتُ كاهِن (2: 5- 9)
إذ يرسُمُ مَلاخي الإطار الذي فيهِ سيُقدِّمُ إتَّهامَهُ الرابِع في الإصحاحِ الثاني، يُعطينا وصفاً بَليغاً لما كانَ ينبَغي أن يكونَ عليهِ كاهِنُ الله الحقيقيّ. ويقتَبِسُ كلمات قالَها مُوسى عن لاوِي، أبي الكَهنة: "شَريعَةُ الحَقِّ كانَت في فيهِ وإثمٌ لَم يُوجَدْ في شَفَتَيه. سلكَ معي في السلامِ والإستقامَةِ وأرجَعَ الكثيرينَ عن الإثم" (ملاخي 2: 6؛ تثنية 33: 10).
قامَت بعضُ الكنائِس، تكريماً لرُعاتِها المُكرَّسِينَ بشكلٍ فوق إعتِيادي، والذين خدموها لسنواتٍ طِوال، بِحفرِ وتسجِيلِ كلماتِ مُوسى وملاخي هذه على لوحةٍ وُضِعَت في مكانٍ بارِزٍ في هذه الكنائس، لكي تقرأَها الأجيالُ الطالِعة.
يُتابِعُ ملاخي بقولِهِ لنا في مُواصفاتِهِ للكاهِن: "لأنَّ شَفَتي الكاهِن تَحفَظانِ مَعرِفَةً ومن فَمِهِ يطلُبُونَ الشَّرِيعَةَ لأنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الجُنُود" (2: 7). ثُمَّ يُقارِنُ ملاخي بينَ هذا النموذَج عما ينبَغي أن يكونَ عليهِ الكاهِنُ، معَ الكهنة الفاتِرين المُرتَدِّين والفاسِدين الذين وجَّهَ لهُم إتَّهامَهُ الرابِع، ومُعظَمَ نُبُوَّتِه.
الهمسَةُ الرَّابِعة: إلتِزاماتُ الزواج المُحطَّمة (2: 10- 16)
سُرعانَ ما تخلَّى الكهنَةُ ورِجالُ يهُوَّذا عن إلتِزامِهم العامُودي تجاهَ الله القُدُّوس، لم تَعُد القضيَّة إلاّ قضيَّة وقت حتى تخلُّوا عن إلتزاماتِهم الأُفُقيَّة تجاهَ شُركائِهم الزوجِيِّين. حاوِل أن تتبَعَ التسلسُلَ المنطِقي لهمسات القلب هذه. فعندما يُصبِحُ الإلتِزامُ تجاهَ الله مزغُولاً بالشوائِب، سُرعانَ ما تُصبِحُ الإلتِزاماتُ الأفُقيَّة تجاهَ الناس هشَّةً وقابِلَةً للكَسر.
يُواجِهُ ملاخي الآن مُشكِلَةَ الزواج. وهُوَ يضُمُّ صوتَهُ إلى صوتِ نحميا في قلقِهِ على أطفالِ الزيجات التي تنتَهي في محاكِمِ الطلاق (نحميا 13: 23 – 25). فهُوَ يُذكِّرُ الكهنة ورِجالَ يهُوَّذا أنَّ الزواجَ هوَ خُطَّةُ الله لإعطاءِ الأولاد عشرينَ سنةً من العِنايَةِ في العائِلة قبلَ أن يخرُجوا إلى العالم ليَعِيشُوا حياتَهُم الخاصَّة. لهذا يكرَهُ اللهُ الطلاق (15).
أخبَرنا سُليمانُ أنَّ الأهلَ هُم مثل القَوس والأطفالَ هم مثل السِّهام. والطريقَةُ التي يدخُلُ بها الأطفالُ إلى الحياة تتعلَّقُ بالزخَم والإتِّجاه اللذينَ يأخُذُونَهما من والديهم. فلو كنتَ أنتَ مكانَ إبليس، وعرفتَ أنَّ الصورَةَ المجازيَّة التي إستَخدَمَها سُليمانُ تُمثِّلُ الحقيقَةَ عن كيفَ يتحضَّرُ الأولادُ ويُؤهَّلُونَ لكي يحيُوا حياتَهُم، ماذا كُنتَ ستفعَل؟ كُنتَ ستقطَعُ وترَ ذلكَ القوس. هذا ما كانَ إبليسَ يعمَلُهُ في أيَّامِ حياةِ وكِرازَةِ ملاخي. ومن الواضِح أنَّهُ يعمَلُ الشيءَ نفسَهُ في حضاراتِنا اليوم.
تَذَكَّرْ أن ملاخي يستَعرِضُ همسات القلب الذي تبرُدُ محبَّتُهُ تجاهَ الله. فهُوَ يُحذِّرُ شعبَ يهُوَّذا بأنَّهُ عندما يُكسَرُ إلتزامُهم تجاهَ الله، فإن إلتزامَهم تجاهَ الناس سيُكسَرُ كذلك.
إنَّهُ يتعامَلُ معَ الدَّرَجات التي بها أصبَحَت قُلوبُ الكهنة بارِدةً تجاهَ الله، وقادتهُم إلى مرحَلَةٍ يتعامَلونَ فيها معَ الطلاق وكأنَّهُ شيءٌ عادِيّ، وذلكَ بقُبُولِهم تقدِمات المُطلَّقِين. لقد إتَّهَمَ ملاخي بفصاحَةٍ هؤلاء المُطلَّقِين بأنَّهُم يُغطُّونَ المذبَحَ بالدُّمُوع، وهُم يتذمَّرُونَ لكَونِ اللهِ قد حبسَ بركاتِهِ من حياتِهم. ثُمَّ يشرَحُ ملاخي أنَّ اللهَ حبسَ بركاتِهِ عن رِجالِ يهُوَّذا لأنَّهُم تعامَلُوا بِالغَدرِ معَ زوجاتِهم بطلاقِهم إيَّاهُنّ. لقد كانت زوجاتُهم أمينات لهم في أيَّامِ الشباب. كانُوا قد قطعوا عهداً أمامَ الله وأمامَ زوجاتِهم بأن يعيشُوا معهُنَّ، في السرَّاءِ والضرَّاء، إلى أن يُفرِّقَ بينَهُما المَوت. فكسرُ هذا العهد هو غَدرٌ، بالنسبَةِ لملاخي.
الهَمسَةُ الخامِسة: نِسبِيَّةُ الأخلاق (2: 17 – 3: 7)
من أجلِ مُعالَجَةِ ألمِ شُعورِهم بالذَّنب، الطريقَةُ الوحيدَةُ التي بها يستطيعون أن يعيشُوا معَ خِسارَةِ إخلاصِهم كانت إبتِكارهم لمبدأ نِسبيَّةِ الأخلاق. "فأخلاقِيَّتُهُم الجديدة" أو "نسبيَّةُ أخلاقِيَّتِهم" أراحَت مُعاناتِهم من الإنفِصام الرُّوحي في الشخصيَّة بسبب شُعورِهم بالذنب، وأعطَت هؤُلاء اليَهُود المُزدَوِجي الفكر دليلاً جديداً للرَّاحَةِ، الذي مكَّنَهُم أن يعيشُوا قيَمَهم وطُرُقَ حياتِهم المملووءَة بالخطيَّة.
عندما تَتأمَّلُ بالأخلاقيَّة المُطلَقة لنامُوس الله الذي أعطاهُ لمُوسى، مُجرَّد فكرة "الأخلاقيَّة الجديدة" أو "الأخلاقيَّة النِّسبيَّة" تُعتَبَرُ فظاعَةً لاهُوتيَّة. فإن كُنتَ تقرأُ وتُؤمِنُ بالأنبياء، ستَعرِفُ أنَّهُم بمُعظَمِهم إتَّفَقُوا معَ ملاخي في مُعالجةِ مُشكلة الأخلاقيَّة النِّسبيَّة.
إتَّهَمَ ملاخي الكهنة وشعبَ يهُوَّذا بأنَّهُم كانُوا يُسمُّونَ الشرَّ خيراً، وأنَّ الأشرارَ يُرضُونَ الرَّب، وأنَّ اللهَ هُوَ غيرُ مُبَالٍ بالأخلاق، ولا يُعيرُها أيَّ إهتِمام (2: 17). إذا تجاهَلتَ إصحاحَ الإنقِسامات، بإمكانِكَ أن ترى أنَّ ملاخي إستَخدَمَ بُرهاناً ذا حَدَّين في رفضِهِ للأخلاقِ النِّسبيَّة عندَ أُولئكَ الذينَ كانُوا يُعالِجونَ شُعُورَهُم بالذنب بهذه الطريقة.
أوَّلاً، أشارَ ملاخي إلى مجيءِ المسيَّا في مجيئهِ الأوَّل (3: 1- 6). كانَ سُؤالُ مَلاخي، "ومن يحتَمِلُ يومَ مَجيئِهِ ومن يثبُتُ عندَ ظُهُورِه." فعندما يأتي المسيَّا، سيكُونُ مثل نارٍ مُحرِقَة تُطهِّرُ وتُنقِّي المعادِنَ الثمينة؛ فهُوَ سيُنظِّفُ ثِيابَنا الوَسِخة، وسيُطهِّرُ خُدَّامَ الله، وسوفَ يضَعُ الأُمُور في نِِصابِها في المدينَةِ المقدَّسة (3: 4، 5). عندما يأتي المسيَّا، سوفَ يعِظُ أنَّ اللهَ لن يتغيَّرَ، وسوفَ يكُونُ شُعورُ اللهِ ثابِتاً حِيالَ القضايا الأخلاقيَّة (3-6).
القسمُ الثاني من حجَّةِ ملاخي يَصِلُ إلى الإصحاح الرابِع، ويُركِّزُ على مجيءِ المسيَّا في مجيئِهِ الثاني (ملاخي 4: 1، 2؛ 3: 18). كانَ ملاخي يكرِزُ بأحدِ نواميس الله الثابِتة، المُشدَّد عليهِ في الكتابِ المقدَّس، أن اللهَ ليسَ غيرَ مُبَالٍ بالأخلاق، لهذا نحنُ نحصُدُ ما نـزرَع.
الهمسَةُ السادِسَة: سَلْبُ الله (3: 8- 12)
الهَمسَةُ التالِيَة للقلبِ الذي تبرُدُ محبَّتُهُ تِجاهَ الله هي إتِّهام ملاخي للكهنة ولشعبِ يهُوَّذا بأنَّهُم يسلُبُونَ الله. فكانَ جوابُ الشعب الإستنكاري، "متى سَلَبنا الله؟" فكانَ الجوابُ للشعب أنَّهُم يسرُقُونَ اللهَ عندما لا يُقدِّمُونَ لهُ عُشورَهُم.
الكلمة "عُشر" تعني" عشرة بالمائة." ومعنى العُشر هو أنَّهُ كانَ أوَّل عشرة بالمائة من كُلِّ ما يُحصِّلُهُ المُؤمِنُ التقيُّ في الحياة. كانَ العُشرُ فُرصَةً للمؤمِن ليتعلَّمَ ومن ثمَّ ليَقِيسَ إلى أيَّةِ درجة كانَ يُساهِمُ بمبدأ "الله أوَّلاً" الذي نراهُ على صفحاتِ الكِتابِ المقدَّس. عندما إجتاحَ الشعبُ أرضَ الموعِد، كانَت غنائمُ أوَّلِ مدينَةٍ كُلُّها لله، حتَّى الأبكار.
فوقَ العُشُور، علَّمَ نامُوسُ الله المُؤمِنَ أن يُقدِّمَ تقدِماتٍ وذبائح. عرَّفَ داوُد الذبيحَةَ عندما قالَ: "لا أُصعِدُ للرَّبِ إلهي مُحرَقاتٍ مَجَّانِيَّة." إن معنى وُجهَة نظَر ملاخي حولَ العُشرِ هو أنَّ العُشرَ الأوَّل من كُلِّ ما حصَّلوهُ كانَ للرَّب، ولهذا فالإحتِفاظُ بهِ يعني أنَّهُم كانُوا يسلُبُونَ الله ويسرُقُونَهُ ما لهُ.
تأمَّلُوا بإطارِ هذه الهمسة السادِسة للقَلبِ الذي تبرُدُ محبَّتُهُ تجاهَ الله، وسوفَ تُقدِّرُونَ خُطورَةَ التطوَّر التدريجيّ السريع نحوَ الإرتِداد، كما أبرزَهُ هذا النبي: لم يَعُد هُناكَ تعبيرٌ تعبُّدي عن المحبَّةِ للَّه؛ فأعمالُهُم لا تُظهِرُ تقديراً لمن وما هُوَ الله، وما يستَحِقُّهُ؛ هُناكَ إلتِزامٌ مكسُورٌ تجاهَ الله. فكسرُ الإلتزام نحوَ الله سيتبَعُهُ كسرُ الإلتِزام نحوَ الناس؛ وسوفَ تتبَعُ النِّسبيَّةُ الأخلاقيَّة لِكَي تُداوي فُقدانَ هؤُلاء لصدقِهم وإستِقامتِهم.
عندما أصغَينا لهذه الهمسات الخمس الأُولى، صارَ بإمكانِنا أن نتوقَّعَ أن يمتَنِعَ الشعبُ عن تقديمِ عُشُورِهِ وتقدِماتِه. وبما أنَّ هذه الهمسة السادِسة تأتي مُتأخِّرَةً في هذه السلسِلة، وبما أنَّ النبيَّ يُوجِّهُ رِسالتَهُ أوَّلاً إلى الكهنة الفاسِدين، نستطيعُ أن نظُنَّ أنَّهُ يقصُدُ أنَّ الكهنةَ يَختَلِسُونَ هذه العُشُور والتقدِمات.
الهمسَةُ السابِعة: عدَم الإيمان! (3: 13- 15)
الهمسَةُ السابِعة للقَلبِ الذي تبرُدُ محبَّتُهُ تجاهَ الله هي عدَم الإيمان. إنعدامُ الإيمانِ هذا عُبِّرَ عنهُ بِفصاحَةٍ عندما ذكرَ ملاخي، مُتكلِّماً بإسمِ الله، إتِّهامَهُ السابِع ضِدَّ الكهنة وشعب يهُوَّذا، فأجابُوهُ مُستَنكِرينَ: "أقوالُكُم إشتَدَّت عَليَّ قالَ الرَّبُّ. وقُلتُم ماذا قُلنا عليكَ. قُلتُم عِبادَةُ الله باطِلَةٌ وما المنفَعَةُ من أنَّنا حفِظنا شعائِرَهُ وأنَّنا سَلَكنا بالحُزنِ قُدَّامَ رَبِّ الجُنُود. والآن نحنُ مُطوِّبُونَ المُستَكبِرين وأيضاً فاعِلُوا الشَّرّ يُبنَونَ بَل جَرَّبُوا اللهَ ونَجَوا."
على الرُّغمِ من أن هؤلاء الكهنة قد فقدُوا إيمانَهُم، بما أنَّهُم وَرِثُوا الكهنُوت بالوِلادة، لم يكُن بإستِطاعَتِهِم تركَهُ، بل تابَعُوا مُهمَّتَهُم كَكَهَنة. وبما أنَّ إحدى مُهمَّات هؤلاء الكهنة كانت تعليمَ كلمةِ الله لشعبِ يهُوَّذا، فماذا كانُوا سيُعلِّمُونَ إذا كانُوا قد فقدُوا إيمانَهُم بِكلمةِ الله؟ بِحَسَبِ ملاخي، علَّمُوا قائِلين، "طُوبَى للمُستَكبِرين."
إن كُنتَ تعرِفُ الكتابَ المقدَّس جيِّداً، ستعرِفُ كم يكرَهُ اللهُ الكبرياءَ، التي هي أُمُّ الخطايا. فلماذا وعظَ الكهنةُ بالقَول، "طُوبَى للمُستَكبِرين"؟ يُخبِرُنا ملاخي أنَّ هؤُلاء الكَهَنة كانُوا قد تركوا الإيمان. عندَما نسمَعُ وعظاً يتعارَضُ بِصراحَةٍ مع الكتابِ المقدَّس، لا يسعُنا إلا أنَّ نتساءَلَ كيفَ وصلنا إلى هذه المرحلة من الإرتِداد وعدَم الإيمان. جوابُ مَلاخي العَميق هو أنَّ كُلَّ هذا بدَأَ عندما أخذنا نُصغِي إلى هذه الهمسات في قُلوبِنا. قد يتطلَّبُ الأمرُ سنواتٍ لِكَي تُسمَعَ هذه الهمساتُ السبع في قَلبِ المُؤمِن أو القائِدِ الرُّوحي.
إذا وضعتَ ضِفدَعَاً في وِعاءٍ ماءٍ مَغلي، سوفَ يقفِزُ الضفدَعُ فوراً إلى خارِجه. ولكن إذا وضعتَ الضفدَعَ في ماءٍ بارِد، وزِدتَ حرارَةَ الماءِ تدريجيَّاً، سوفَ يُسلَقُ الضفدَعُ تماماً. هكذا هي حالُ هذه العمليَّة التي وصفها مَلاخي – خُطوَةً خُطوَة- ولكنَّ النتيجَةَ النِّهائِيَّة هي قادة رُوحيِّين فاسِدين، عدوى طَلاق، نِسبيَّةُ أخلاقِيَّة وعدم إيمان.
- عدد الزيارات: 14549