الفصلُ الحادِي عشر نُبُوَّةُ زَكَرِيَّا
بينما ألقى حجَّي عظاتِهِ الأربَع، بإمكانِكُم أن تسمَعُوا النبيّ زكريَّا، الذي كانَ أصغَرَ سِنَّاً من حجَّي، وهُوَ يقول لهذا النبي المُتقدِّم في السِّن، "ولكن يا حجَّي، عندما لا يكُونُ بيدِ الشعب المُستَضعَف أيَّةَ طريقَةٍ يحمي بها نفسَهُ، وعندما يصِلُ هذا الشعب الفاشِل إلى مرحلَةِ اليأس، وعندما يتضايَقُ الشعبُ المهزُومُ ويتهدَّدُ بالإضطِّهاد، فإن هذا الشعب يحتاجُ لأكثَرَ من أن يسمَعَ كلماتٍ تقول، "كُونُوا أقوياء واعمَلُوا" عندما ييأسُ الشعبُ لكونِهم يختَبِرونَ أزمةً أو مأساةً، كُلُّ ما يستطيعونَ رُؤيتَهُ هو ظُروفَهُم المأساوِيَّة.
لقد دُعِيَ النبيُّ بالرَّائي لأنَّهُ كانَ بإمكانِهِ أن يرى اللهَ وهُوَ يعمَلُ خلفَ الستار، وسطَ الأزمات. كانَ الرَّائي يرى ما لم يرَهُ بقيَّةُ الشعب، لأنَّ الرائي كانَ يرى الله. ولقد كانَ زكريَّا واحِداً من أعظَمِ الأمثِلة عن "الرائِي" في الكتابِ المقدَّس.
لقد آمنَ زَكَريَّا أنَّ شعبَ يهُوَّذا المَكسُور إحتاجَ إلى رُؤيا عن الله القادِر على كُلِّ شيء، الذي كانَ معهُم، والذي إستطاعَ أن يُقوِّيَهُم، وكانَ سيُحارِبُ عنهُم. إستَخدَمَ اللهُ وعظَ زكريَّا ليُعطِيَ لهذا الشعب المهزوم، المُفشَّل واليائِس هذا النوع من الرُّؤيا عن نفسه.
أُسلُوب زَكَريَّا الأدَبِيّ
إن قلبَ نُبُوَّةٍِ زكريَّا هو ثماني رُؤىً شاركَها معَ هؤلاء المسبِيِّينَ ومعنا. فهُوَ سيُركِّزُ على مُشكِلَةٍ كانت تُغذِّي حِسَّ الشعب الراجِع من السبي بالفَشَل واليأس. ثُمَّ سيرفَعُ السِّتار ليُعلِنَ لنا كيفَ يعمَلُ اللهُ خلفَ سِتارِ تلكَ المُشكِلة. وهو يفعلُ هذا ثماني مرَّاتٍ في هذه النُّبُوَّة الحَيَويَّة. هذا هو أسلُوبُ سفر زكريَّا الأدبي.
رِسالَةُ زكريَّا
إنَّ رِسالَةَ الله من خِلالِ زكريَّا كانت، "إرجِعُوا إليَّ... أَرْجِعْ إليكُم." لقد كانَ هذا الشعبُ المَسبِي يختَبِرُ عودَةً إلى أرضِهِ، بحَسَبِ ما تنبَّأَ الأنبِياء. ومن خِلالِ وعظِ زكريَّا، كانَ اللهُ يُطالِبُ شعبَهُ بعودَةٍ رُوحيَّةٍ، ليسَ للمدينَةِ أو للهيكَل، بل لنَفسِه. وهذا ما يُشدِّدُ عليهِ اللهُ حيالَ شعبِهِ في آخرِ الأيام، كما يتنبَّأُ بُولُس الرسول قائِلاً "وهكذا سيخلُصُ جميعُ إسرائيل." (زكريَّا 8: 20-23؛ رومية 11: 26؛ وإشعياء 59: 20، 21).
لقد إستخدمَ زكريَّا ثلاثاً وخمسينَ مرَّةً عبارة "ربّ الجُنود" التي تُشيرُ إلى الله ربَّ الجنُود الملائِكيَّة والنُّجوم وكُلّ قُوَّاتِ الطبيعة، التي يستخدِمُها اللهُ لإتمامِ مقاصِدِهِ في هذا العالم. بِمعنى ما تُلخِّصُ هذه العِبارة كُلَّ نُبُوَّاتِ زكريَّا، لأنَّ كُلَّ رُؤاهُ ستُخبِرُنا أنَّهُ رأى اللهَ ربَّ الجُنود، في وقتٍ كانَ فيهِ شعبُ اللهِ عاجِزاً عنِ الدفاعِ عن نفسِه.
لقد رأى زكريَّا ربَّ الجُنُود يعمَلُ بِثلاثِ طُرُقٍ نِيابَةً عن شعبِهِ. أوَّلاً، كانَ هُناكَ ربُّ الجنود نفسه. ثانياً، وهي أهمُّ طريقَةٍ سيُرجِعُ اللهُ الناسَ إليهِ هي من خِلالِ ما يُسمِّيهِ زكريَّا "الغُصن." بإستثناءِ إصحاحاتِ إشعياء الستَّة والستِّين، إحتَوَت إصحاحاتُ زكريَّا الأربَعةَ عشر على نُبوَّاتٍ مسياويَّة، أكثرَ من أيِّ نبيٍّ آخر. عندما جاءَ المسيَّا تطبيقاً لنُبُوَّةِ زكريَّا، قالَ المسيحُ لشعبِ اللهِ بصراحَةٍ ووُضوح، "أنا هُوَ الطريقُ (للرُّجُوعِ إلى الله)... ليسَ أحدٌ يأتي إلى الآب إلا بي" (يُوحنَّا 14: 6).
الطريقةُ الثالِثة التي كرزَ بها زكريَّا أنَّ اللهَ سيرجِعُ إلينا وسيُرجِعُنا إلى نفسِهِ، هي الوعدُ المعروف بيوم الخمسين: "لا بالقُدرة ولا بالقُوَّة بل بِرُوحي قالَ رَبُّ الجنُود." (4: 6) لقد تنبَّأَ زكريَّا بمُعجَزَةِ يوم الخمسين وبالبركات التي ستَحِلُّ فيهِ على شعبِ الله.
بهذه الطريقة، رسمَ زكريَّاً لوحَةً جميلَةً عن الثالُوث. إن رَبَّ الجُنُود هو الله الآب؛ وطريقُ الرُّجُوع إلى الله الآب هو من خِلالِ الغُصن، الذي هُوَ الإبن. عندما سيرجِعُ شعبُ اللهِ إلى الآب عن طريقِ الإبن، سيُعطيهم الإبنُ قُوَّةَ الرُّوحِ القُدُس يومَ الخمسين.
رُؤى زكريَّا الثمانِيَة
إن كلمة "رُؤيا" هي العِبارة اليُونانية التي تعني "الإعلان." والإعلانُ يعني كشف السِّتار. تعني كلمة "رُؤيا"، "إزاحة السِّتار للإعلانِ عمَّا لم يكُن مُمكِناً أن يُعرَفَ بطريقَةٍ أُخرى." لقد أزاحَ زكريَّا السِّتار ثماني مرَّاتٍ وأظهَرَ لِشعبِ الله ما كانَ يعمَلُهُ اللهُ خلفَ الستار." لقد أعطى اللهُ هذه الرُّؤى لزكريَّا لِتقويَةِ وتشجيعِ شعبِ الله العاجز واليائِس.
الرُّؤيا الأُولى: رُؤيا مَحلَّة الظِّلال (1: 1- 17)
بِحَسَبِ الكثيرين من مُفسِّري الكِتابِ المقدَّس، الرَّجُل الذي يقِفُ بينَ الأشجار في الوادي يُشيرُ إلى الإختِبار الصَّعب في المرحَلَة الإنتِقاليَّة التي كانَ يختبِرُها المَسبِيُّونَ العائِدون. إن هذه المرحلة الإنتِقاليَّة، بينَ عودَتِهم العجائِبيَّة من عُبوديَّةِ السبي في بابِل، وتحدِّي تحويل الرُّكام إلى هيكَل، كانَت مرحلةً مُحبِطَةً للعزيمة لهذا الشعب. بِكلماتٍ أُخرى، لقد وجدوا أنفُسَهُم في قعرِ الوادي. والعقبَة المنظُورة "أمامَ الحجاب" التي كانت تُحبِطُ من عزيمتِهم، كانت الحقيقة الثابِتة أنَّهُم لم يكُونوا أُمَّةً، بل زُمرَةً من اللاجِئينَ الفُقراء. لقد كانُوا يمُرُّونَ في واحدَةٍ من تلكَ المراحِل الإنتِقاليَّة المُريعَة التي نختِبِرُها جميعاً.
عندما أزاحَ زكريَّا الستار، رأى ما أسماهُ، "المُراقِب"، الذي كانَ ربّ الجُنود. لقد كان اللهُ واعِياً وكان يُراقِبُ هذه المرحلة الإنتِقاليَّة التي مرَّ فيها شعبُهُ. وبعدَ كُلِّ هذا، أنهى اللهُ عُبوديَّةَ شعبِهِ بطريقَةٍ مُعجِزيَّة. في وقتِهِ وطريقتِهِ، كانَ اللهُ سيُتمِّمُ خُطَّتَهُ لِشعبِهِ بعودَةٍ جُغرافِيَّة إلى أرضِهم وبعودةٍ رُوحيَّةٍ إلى إلهِهِم.
عندما يُريدُ اللهُ أن يصنعَ شيئاً جديداً في حياتِنا، عندما يدعُونا إلى مكانٍ جديد، مُعظَمُنا نضعُ أمامَ اللهِ مُعظَمَ الأوقات ثلاثة عوائِق. فبما أنَّنا دائِماً نبحَثُ عن الأمان، لا نرغَبُ بتَركِ عشِّنا القديم الأمين الذي نعيشُ ونخدم فيهِ الآن. لِهذا يتوجَّب أن يُخرِجنا اللهُ من مكانِنا القديم، قبلَ أن يقودَنا إلى المكانِ الجديد. لِهذا يكونُ لدعوَةِ اللهِ عادَةٍ إتِّجاهَين، سَحبٌ من المُقدِّمَة ودفعٌ من الخلف. بِكلماتٍ أُخرى على الله أن يدفعنا إلى خارج مكانِنا القديم لكي يستطيعَ أن يقودَنا إلى الجديد. هل بإمكانِكَ أن تُفكِّرَ كيفَ يعملُ اللهُ معكَ هذه المُعجِزة؟ أنا أًسمِّي هذه المُعجِزات "التدخُّلات الإلهيَّة."
وعندما نكونُ ما بينَ القَديمِ والجديد، ينبَغي أن يدفعَنا اللهُ لنُتابِعَ التحرُّك لكَي يُخرِجنا من هذه المرحلة الإنتِقاليَّة. ثُمَّ ينبَغي أن يُصحِّحَ أوضاعَنا لِكَي يجعلنا نستَقرُّ في المكانِ الجديد والأمرِ الجديد الذي يُريد أن يعمَلَهُ في حياتِنا وخِدمتِنا. عندما كانَ بنُو إسرائيل في مصر وأرادَهم الله أن يكُونُوا في أرضِ المَوعِد، وصفَ اللهُ هذه المُعجِزة بهذه الطريقة: "لقد أخرجتُكُم لِكَي أُدخِلَكُم." (تثنية 6: 23).
الرُّؤيا الثانية: القُرون الأربَعة (1: 18- 21)
تُشيرُ القُرونُ في الكِتابِ المقدَّس إلى القُوة. فالعقَبَة المَنظُورة أمامَ الستار، والتي كانت تُغذِّي مخاوِفَهُم، كانت القُوى الرهيبة للأمبراطُوريَّات العالمية التي إجتاحتهُم وإستعبَدتهُم عندما كانُوا لا يزالُونَ أُمَّةً قويَّة.
عندما أزاحَ زكريَّا الستار، ما رآهُ خلفَ الستار وأظهَرَهُ للمَسبِيِّين منحَهُم الشجاعَةَ والرَّجاء. خَلفَ السِّتار، أعلنَ زكريَّا عن القُوى العالميَّة العُظمى التي كانَ سيستَخدِمُها رَبُّ الجُنُود لكي يُدمِّرَ هذه "القُرون" أو القُوى العالمية التي خافَ منها الشعبُ أن تستَعبِدَهم.
الرُّؤيا الثالِثة: مدِينَةُ أُورشَليم (2: 1- 4، 10- 13)
لقد كانت المُشكِلة المنظُورة أمامَ السِّتار هي الرُّكام الذي كانَ مرَّةً مدينة أُورشليم الجميلة. وعندما رفعَ زكريَّا الستار، ما رآهُ خلفَ الستار وأعلنَهُ للشعب كانَ مدينةَ أُورشليم الجميلة وقد أُعيدَ بناؤُها. لقد أظهَرَ لهُم هذا الإعلان أنَّ ما كانَ عندها مُجرَّد رُكام، كانَ سيُصبِحُ مدينةً عظيمة تفوقُ الوصفَ والقِياس، والتي سيُدافِعُ عنها رَبُّ الجُنُود. أُورُشليمُ هذه لن تحتاجَ إلى أسوار.
لقد تمَّ إعادة بناء أورشليم والهيكَل، ولقد زارَهُما يسوعُ مِراراً كثيرة. وبعدَ يسوع بأربَعين سنةً، دمَّرَت رُوما أُورشَليمَ تماماً، ومن ثمَّ أُعيدَ بناؤُها لتكونَ كما هي عليهِ اليوم. وكُلُّ الطقُوس التي رافَقت تقديمَ الذبائح الحيوانية قد أُبطِلَت نِهائيَّاً عندما دمَّرت رُوما أُورشليم عام 70 ميلاديَّة. بينما تحقَّقَت نُبوَّةُ زكريَّا هذه جُزئيَّاً عندما أُعيدَ بناءُ أورشليم قبلَ المسيح، فبعدَ تدميرِ مدينة أورشليم كُلِّياً على يدِ الرُّومان، فإن هذه النُّبُوَّة ستَتَحقَّقُ في أُورشليم الجديدة التي تنبَّأَ عنها بإسهاب الرسُول يُوحنَّا (رُؤيا 21: 2).
الرُّؤيا الرابِعة: المُشتَكي على الإخوة (3: 1-2؛ 8- 10).
المُشكِلة التي ركَّزَ عليها زكريَّا أمامَ الستار، والتي كانَت تُحبِطُ من عزيمَةِ المَسبِيِّين كانت رُؤيا يهُوشَع رئيس كهنتِهم يرتدي ثياباً رثَّةً. في هذه الرُّؤيا، كانَ الشيطانُ يشتَكي على يهُوشَع. إنَّ وصمَةَ خطيَّة عبادَةِ الأَوثان، التي غُفِرَت وتطهَّرَت عبرَ إختِبارِ السبِي، كانت على الأرجَح نُقطَةَ تركيز إتِّهامات الشيطان.
فالشيطانُ المُشتَكي يستخدِمُ عواقِبَ أو آثار الخطايا التي غُفِرت، لكَي يشتَكي على الإخوة نهاراً وليلاً. نقرأُ في سفرِ الرُّؤيا أنَّهُ عندما سينتَهي عملُ إبليس، عندها سيَحِلُّ الخلاصُ والقُوَّةُ وملكوت إلهنا وقوَّةُ مسيحهِ (رُؤيا 12: 10).
عندما أزاحَ زكريَّا الستار، رأى وأعلنَ للشعب رُؤياهُ عن الثالُوث – ربّ الجنُود، والتعابير القادِمة عن محبَّة الله وسُلطَته، من خِلال المسيَّا، الذي دعاهُ "المُحامِي." ولقد رأى أيضاً الرُّوحَ القُدُس، ومُعجزاتٍ مُستَقبَليَّة ستكونُ جزءاً من مجيء يسوع المسيح ثانِِيَةً.
الرُّؤيا الخامِسَة: شَمعدانُ الذَّهَب الذي يتغذَّى بالزيت (4: 1- 7)
المُشكِلة أمامَ الستار في هذه الرُّؤيا والتي كانت تُساهِمُ في تحبيطِ عزيمَةِ المَسبِيِّينَ من اليَهُود كانت المسؤُوليَّة المُلقاة من قِبَلِ اللهِ على عاتِقِهم أن يشهَدُوا بكلمةِ اللهِ للعالم أجمَع. وبما أنَّهُم كانُوا الشعبَ الذي إستَلَمَ كَلِمَةَ الله من أجلِ العالَمِ أجمَع، كانت عليهم مسؤُوليَّةُ عيش هذه الكلمة أمامَ العالمِ أجمع، والشهادة بهذه الكلمة للعالَمِ أجمع. فرُكامُ الهيكَل والمدينة والأُمة وحياتهم الشخصيَّة، كُلُّها جَعَلَتْهُم يشعُرونَ أنَّهُم كانُوا مُجرَّدَ فاشِلينَ في تعليمهم لكلمةِ الله وتقديمِهم مِثالاً عنها.
هل سبقَ لكَ وإجتزتَ في صحراء رُوحيَّة عبرَ مَرَضٍ، إكتئاب، أو أي شكل آخر من أشكال الهزيمة الرُّوحيَّة، عندما يُوجِّهُ إبليس هذه الإتِّهامات ضِدَّكَ؟ هل سبقَ وهمسَ في أُذنِكَ في هكذا مراحِل صعبَة وهو يُعيِّرُكَ قائِلاً، "هل أنتَ هُوَ الذي كانَ يُفتَرَضُ بهِ أن يكونَ مِثالاً للعالم أجمع، ملح الأرض ونُور العالم؟"
عندما أزاحَ زكريَّا الستار، رأى الرُّوحَ القُدُس الذي يُشارُ إليهِ بالزَّيت: "لا بالقُوَّة ولا بالقُدرة، بل بِرُوحي قالَ رَبُّ الجُنود." (4: 6). إنَّ هذه الرُّؤيا أكَّدَت لهم أنَّ اللهَ سيُؤهِّلُهُم ليكُونوا كما دعاهُم أن يكُونوا، وأن يعمَلُوا ما دعاهُم ليعمَلوا، من خِلالِ قُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس. هُنا، تماماً مثل النبي يُوئيل، يُعطينا زكريَّا نُبُوَّةً رائِعة عن يومِ الخمسين."
الرُّؤيا السادِسة: الدرجُ الطائِر (5: 1- 4)
المُشكِلة المُركَّز عليها في هذه الرُّؤيا هي أنَّ العائدينَ من السبي كانُوا يرزَحونَ تحتَ سُلطَةِ الشرّ. فعندما تسوءُ الأوضاعُ في زمانٍ ومكانٍ مُعيَّنَين في العالم، سيكُونُ من السهلِ، ولو لم يكُن من الحِكمة، أن نُصبِحَ مغمُورِينَ تحتَ سُلطةِ الشر. إنَّ سَطوَةَ سُلطةِ الشر أقنَعت شعبَ الله أنَّ قُوى الخير وقُوَّة الله لن تنتَصِرَ أبداً على سُلطةِ وقُوَّةِ الشر.
عندما أزاحَ زكريَّا ستارَهُ الخيالي مُجدَّداً، رأى خلفَهُ وأعلنَ للشعبِ من خِلالِ وعظِهِ، أنَّ ربَّ الجُنود سيُؤهِّلُ شعبَ الله لينتَصِروا على قُوى الشر. بحَسَبِ رُؤيا زكريَّا هذه، اللهُ يُراقِبُ، يُحدِّدُ، وبشكلٍ ما يستخدِمُ الشَّرّ من أجلِ مجدِهِ ولإتمامِ مقاصِده. رُغمَ أنَّهُ لا يُوجدُ أيُّ شيءٍ صالِحٍ في الشر، ولكنَّ اللهَ يُدخِلُ الشرَّ في خُطَّتِهِ لِخيرِ شعبهِ (إشعياء 45: 7؛ رُومية 8: 28).
الرُّؤيا السابِعة: المرأةُ الجالِسةُ في السلَّة (5: 5- 11)
المُشكِلة التي يُركِّزُ عليها زكريَّا هُنا أمام السِّتار لها علاقَةٌ بالغِشِّ في أسواقِ العالم. وعندَما أزاحَ زكريَّا السِّتار، أعلنَ عن حقيقَةِ كونِ الغشّ في أسواقِ العالم يحُدُّ منهُ رَبُّ الجُنود، وفي النِّهايَة سوف يقضي عليهِ ربُّ الجُنود نِهائيَّاً.
رُغمَ أنَّنا لا نفهَمُ هذا، ولكن الله يستخدِمُ الشرَّ في هذا العالم، لكَي يُتمِّمَ مقاصِدَهُ ويُمجِّدَ نفسَهُ. فكما يستخدمُ صانِعُ الجواهِرِ خلفِيَّةً مَخمَليَّةً داكِنَةَ اللون ليعرُضَ عليها ماساتِهِ، يستخدِمُ اللهُ خلفيَّة الشَّرّ الداكِنة في أسواقِ هذا العالم لكي يعرُضَ عليها محبَّتَهُ غير المشرُوطة. هذه المحبَّة عُبِّرَ عنها في غُفرانِ وتحريرِ شعبِ الله من العُبُوديَّة، وسوفَ تُعرَضُ من خِلال الخلاص الذي بواسطتهِ نستطيعُ أن نرجِعَ إلى الله وهو يرجِع إلينا.
الرُّؤيا الثامِنة: المركباتُ الأربَع (6: 1-8)
المُشكِلة التي يركِّزُ عليها زكريَّا في هذه الرُّؤيا، والتي كانت تُغذِّي مخاوِف وإحباط شعبَ الله، هي أنَّ الحُكومة البشريَّة كانت فاسِدَةً لدَرجة أنَّ شعبَ الله فقدوا ثِقتَهُم بها. وفي كُلِّ أنحاءِ العالمِ اليوم، نجدُ الكثيرَ من الفساد في سياساتِ الحُكومَةِ البَشَريَّة، لدرجةِِ أنَّ الشُّعوب تفقِدُ الثقَةَ بأنظمتِها الحُكوميَّة، وبقادتِها العسكريِّين.
ما رآهُ زكريَّا خلفَ الستار يُشبِهُ رسالةَ النبي ميخا. فالشكلُ الوحيدُ النقي للحُكومة هو ملكوتُ الله. وإلى أن يحكُمَ ملِك المُلُوك ورَبُّ الأرباب، لن تكونَ هُناكَ حُكومَةٌ غير مُتورِّطة بالفساد. ولكن، كما في الرؤيتين السابِقتين، اللهُ هو الذي يُسيطِرُ على الأُمور، لأنَّهُ سيِّدٌ مُطلَق. وحُكُومَةُ ملكوتِ الله ستكونُ مُنظَّمَةً بإنسجامٍ كامِل.
نُبُوَّاتُ زكريَّا المسياويَّة
قادَةٌ كثيرونَ لِشعبِ الله لم يُؤمِنُوا بالمَسيَّا المُنقِذ، وهكذا كانُوا يُحبِطُونَ من عزيمَةِ الذين يُؤمِنون. أظهَرَت نُبُوَّاتُ زكريَّا المَسياويَّة أنَّ اللهَ سيتُوِّجُ في النِّهايَةِ مَلِكَ المُلوك وربَّ الأرباب، الذي سيكونُ لهُ دورُ النبي، الكاهِن والمَلِك في مُلكِهِ الألفي.
إن بعضَ الأمثِلة عن نُبُوَّاتِ زكريَّا المسياويَّة التي تنبَّأَت عن المجيء الأوَّل للمسيَّا هي: 3:8؛ 9: 9، 16؛ 11: 11- 13؛ 12: 10؛ 13: 1، 6). إنَّ بعضَ الأمثِلَة عن نُبوَّاتِ زكريَّا المسياويَّة، والتي تنبَّأَت بالمجيءِ الثاني للمسيا، هي: 6: 12؛ 8: 20- 23؛ 14: 1- 9). أحدُ هذه المراجِع هي نُبُوَّةُ زكريَّا التي تُبرِزُ نبَويَّاً عودَةُ اليهود رُوحيَّاً إلى الله. يعتَقِدُ المُفسِّرُونَ المُحافِظُون أنَّ هذه النبُوَّة يُمكِن أن تكونَ قد تحقَّقَت جزئيَّاً يومَ الخَمسين، وسوفَ تَتَحقَّقُ في آخرِ الأيَّام (8: 20- 23).
- عدد الزيارات: 11802