الفصلُ السادِس نُبُوَّةُ ميخا - عِظَة ميخا الثالِثة
عِظَة ميخا الثالِثة (الإصحاحَين السادِس والسَّابِع)
هُنا يُقدِّمُ ميخا مُحاكَمَةً مجازِيَّة بينَ الله والإنسان. يعِظُ قائلاً: "إسمَعُوا ما قالَهُ الرَّب. قُمْ خاصِمْ لدى الجِبال ولِتَسمَعِ التِّلالُ صوتَكَ. إسمَعِي خُصُومَةَ الرَّبِّ أيَّتُها الجِبالُ ويا أُسُسَ الأرضِ الدائمة فإنَّ للرَّبِّ خُصُومَةً معَ شعبِهِ وهُوَ يُحاكِمُ إسرائيل" (6: 1-2).
بينما يُقدِّمُ ميخا إتِّهامات الله ضِدَّ إسرائيل، يُذَكِّرُ اللهُ إسرائيلَ بلُطفِهِ نحوَهم عندما أخرَجَهُم من أرضِ مِصر، وأعطاهُم مُوسَى وهرُون ومريم ليُمثِّلوهم (4).
وبما أنَّ شعبَ إسرائيل رَدُّوا على إحسانِ اللهِ نحوَهُم بِعبادَتِهم آلِهَةً أُخرى، وبالإنصِياعِ وراءَ شهواتِهم، مثَّلَ ميخا حالَةَ الإنسانِ أمامَ الله في المُحاكَمة: "بِمَ أتقدَّمُ إلى الرَّبِّ وأنحني للإلهِ العَليّ. هل أتقدَّمُ بمُحرَقاتٍ بعُجُولٍ أبناءِ سنةٍ. هل يُسَرُّ الرَّبُّ بأُلوفِ الكِباش بِرَبَواتِ أنهارِ زيتٍ. هل أُعطي بِكري عن مَعصِيَتي ثمرَةَ جسدي عن خطيَّةِ نفسي؟" (6: 6، 7).
إنَّ إتِّهامَ ميخا ضِدَّ خطايا إسرائيل التي رَدُّوا بها على إحساناتِ اللهِ، جعلَ منهُم غير مُؤهَّلين للدفاعِ عن أنفُسِهم. فقالَ أنَّهُ لن تُوجدَ مُحرَقَةٌ كافِيَة للتكفيرِ عن خطاياهم.
إن الإتِّهامَ الذي يُلقيهِ ميخا في هذا المُحاكَمة العظيمة، حضَّرَ مُستَمِعيهِ إلى خُلاصَةِ رسالتِهِ حيثُ يقول، "قد أخبَرَكَ أيُّها الإنسان ما هو صالحٌ. وماذا يطلُبُهُ منكَ الربُّ إلا أن تصنَعَ الحَقَّ وتُحِبَّ الرحمةَ وتسلُكَ مُتواضِعاً معَ إلهك" (8).
بعدَ أن ألقَى ميخا هذه الإتِّهامات على شعبِهِ، وبعدَ تساؤُلِ ميخا عمَّا يُمكِنُهم أن يعمَلُوهُ لإرضاءِ الله، أظهَرَ اللهُ لميخا أنَّهُ ليسَ بمقدُورِ الإنسان أن يعمَلَ شيئاً للتكفيرِ عن خطاياه. فقط بالنعمة يمنَحُ اللهُ قلبَ الإنسانِ المُنسَحِق ندماً، يمنَحُهُ غُفراناً لخطاياه.
وتُختَتَمُ عظةُ ميخا الثالثة أيضاً بإعلانٍ نَبَويٍّ. إذ يتنبَّأُ ميخا عن آخرِ الأيَّامِ قائلاً: "ينظُرُ الأُمَمُ ويخجَلونَ من كُلِّ بطشِهم. يضعُونَ أيدِيَهُم على أفواهِهم وتَصُمُّ آذانُهُم. ...يأتُونَ بالرّعبِ إلى الرَّبِّ إلهِنا ويخافُونَ منكَ" (7: 16، 17).
هُنا أيضاً نرى مجيءَ المسيَّا الذي سيحكُمُ الأُمَم. وكما يقولُ ميخا في نُبُوَّتِه، فإنَّ هذا المَسِيَّا الحاكم سيكونُ رحوماً تجاهَ شعبِهِ المُختار: "لا يحفَظُ إلى الأبدِ غضَبَهُ فإنَّهُ يُسَرُّ بالرأفَةِ. يعودُ يرحمُنا يدوسُ آثامَنا وتُطرَحُ في أعماقِ البحرِ جميعُ خطاياهم. تصنَعُ الأمانَةَ لِيَعقُوب والرأفَةَ لإبراهيم اللتينَ حلفتَ لآبائنا منذُ القِدَم." (18 – 20).
إنَّ الإلهَ الذي يتكلَّمُ عنهُ ميخا هو إلهُ رحمةٍ ومحبَّةٍ وحنان. ويُشدِّدُ ميخا على كونِنا لا نُحصِّلُ أو نكتَسِبُ محبَّةَ الله بأعمالِنا الإيجابية الصالحة، لأنَّها محبَّةَ الله لا تُكتَسَب إلا بالنِّعمة. وكذلكَ لا نخسَرُ محبَّةَ الله بأعمالِنا السلبيَّة السيئة.
إذا أحسنَّا فهمها، فإنَّ رسالَةَ الأنبِياء هي رِسالةُ رجاء، لأنَّها مبنِيَّةٌ على أساسِ محبَّةِ ونِعمَةِ الله. ولكنَّ محبَّةَ ونِعمَةَ أبينا السماوي تتوازَنُ معَ عدلهِ – ذلكَ العدل الذي يُمكِنُ إرضاؤُهُ فقط بثمَنِ موتِ إبنِ الله البار، لكَي نتمتَّعَ نحنُ بمحبَّةِ ونعمةِ اللهِ الكامِلة للأبدية.
- عدد الزيارات: 11608