الفصلُ الخامِس نُبُوَّةُ يُونان - يُونان لا يذهَب إلى محضَرِ الله ولا يخرُجُ من محضَرِه
يُونان لا يذهَب إلى محضَرِ الله ولا يخرُجُ من محضَرِه (الإصحاح الأوَّل)
إنَّ أنبِياءَ العَهدِ القَديم والأشخاص الأتقِياء إتَّبَعُوا بِشكلٍ عام نموذجاً في علاقتِهِم معَ الله. لقد ذكرتُ هذا النموذَج عندما تأمَّلنا بخدمَةِ النبي إشعياء. كانَت لدَيهِم إختِباراتٌ مُؤثِّرة في المجيءِ إلى محضَرِ الله، وعندها صارَت لديهم إختِباراتٌ مُثمِرة في الذهابِ من أجلِ الله. تُرينا قصَّةُ الله عن يُونان هذا النموذَج معكُوساً.
في الإصحاحِ الأوَّل من نُبُوَّة يُونان القصيرة هذه، نقرأُ أنَّهُ عندما كلَّفَ اللهُ يُونان بالذهابِ إلى نينَوى، رفضَ أن يذهَبَ، وعندما حزَمَ أمرَهُ على عدَمِ الذهاب إلى نينَوى، أظهَرَ لنا إيمانَهُ في هذين البُعدَين في المجيءِ إلى محضَِرِ اللهِ والذهابِ من أجلِ الله. لقد عرفَ يُونانُ أنَّهُ نتيجَةً لِكونِهِ قد إختَبَرَ دُخُولاً إلى محضَرِ الله، عندها أخذَ تكليفاً بالذهابِ إلى نينوى من أجلِ الله. وبما أنَّهُ لم يكُنْ قادِراً، أو بالأحرى لم يكُن راغِباً بالذهاب، أعلنَ أنَّهُ لن يذهَب إلى نينَوى من أجلِ الله، وإنسجاماً معَ قرارِه، أنَّهُ لن يدخُلَ إلى محضَرِ الله أيضاً.
بما أنَّ يُونان كانَ يُحاوِلُ الإختِباء من الله عندما رَكِبَ السفينة، نـزلَ إلى قعرِ السفينةِ ونامَ نوماً عميقاً (1: 5). ونقرَأُ أنَّ اللهَ أهاجَ عاصِفَةً قويَّةً كادَت أن تُغرِقَ السفينَة. وعندما أصبَحَ البَحَّارَةُ في ذُعرٍ بسببِ العاصفة ويُصلُّونَ لآلهِتِهِم، كانَ يُونان يَغُطُّ في نَومٍ عميق، مُحاوِلاً الهرَب من نينَوى، ومن الله، ومن مشاكِلِهِ عن طريقِ النَّوم.
وعندما نـزلَ رُبَّانُ السفينَةِ وواجَهَ يُونان الذي كانَ نائماً وسطَ العاصِفة، إعتَرَفَ يُونانُ أنَّ إلهَهُ هو الله الذي صنعَ البحرَ، وكان غاضِباً منهُ، فأرسَلَ هذه العاصِفة لأنَّهُ كانَ قد أرسَلَ يُونانُ إلى نينَوى، ورفضَ يُونانُ هذا التكليف الإلهي (9-10). ولقد أخبرَ يُونانُ الرُبَّانَ أنَّ الطريقة الوحِيدَة لتهدِئةِ غضبِ الله كانت بإلقاء يُونان من على متنِ السفينَةِ إلى البحر، الأمرُ الذي نفَّذَهُ البحَّارَةُ ولو على مَضَضْ (15)، فهدأَ البحرُ الهائجُ فجأةً.
سُرعانَ ما أُلقِيَ يُونانُ في البحر،، حتى هدأَ البحرُ تماماً، ممَّا جعَلَ من النوتِيَّةِ الوثنيِّين يُؤمِنونَ بالله. فحتَّى عندما كانَ يُونانُ هارِباً من وجهِ الله، إستَخدَمَهُ اللهُ لِكَي يُتوِّبَ نُوتِيَّةَ السفينة التي كادت أن تغرق. وعندَها نقرأُ، "فخافَ الرجالُ من الربِّ خوفاً عظيماً وذَبَحوا ذبيحَةً للربِّ ونذروا نُذوراً" (1: 16). ونقرأُ أيضاً أنَّ اللهَ أعدَّ سمكةً عظيمةً لِتَبتَلِعَ يُونان. ونقرأُ أن يونان بقيَ في جوفها ثلاثةَ أيَّامٍ وثلاثَ ليالٍ. فيُونان لم يَدْعُ هذه السمكة العظيمة حُوتاً. بل كانت هذه السمكَةُ العظيمة تدبيراً عجائِبيَّاً من الله، أعدَّها بطريقَةٍ خارِقَة للطَّبِيعة لهذا النبِيّ المُتمرِّد.
- عدد الزيارات: 13456