الفصلُ الحادي عشر "أمجادُ بابِل" - نبوخذنصَّر يتُوب
نبوخذنصَّر يتُوب
في حُلمِ نبوخَذنصَّر، قُطِعَ حجرٌ من جَبَلٍ بِغَيرِ يدٍ. هذا الحجرُ المُعجِزَة سقطَ على قدَمي تمثال نبوخذنصَّر الكبير، سقطَ على القدمين المصنوعَتين من حديدٍ وخزف. فأدَّى هذا إلى تدميرِ التمثال بأكمَلِه فتناثَرَ على الأرضِ قِطعاً صغيرةً جدَّاً. التفسيرُ الذي أعطاهُ دانيال لِنَبُوخذنصَّر كانَ أن كُلَّ هذه الممالك المُشارُ إليها بالذهب والفِضَّة والنُّحاس والحديد والقدمين من حديدٍ وخزف، كُلُّ هذه الممالك ستُدمَّرُ وتزول يوماً ما بفِعلِ مملكةٍ خارقةٍ للطبيعة، أي مَملَكة أو ملكوت الله.
لا نعرِفُ تماماً كيفَ استخدَمَ اللهُ حياةَ دانيال وكلماتِهِ ليصِلَ إلى نبوخذنصَّر، ولكن الأمرَ العجيب هو أنَّكَ عندما تصِلُ إلى دانيال 4، تقرأُ التالي:"من نبوخذنصَّر الملِك العظيم إلى كُلِّ الشُّعوب والأُمَم والألسِنَة الساكِنِينَ في الأرضِ كُلِّها. لِيكثُرْ سلامُكُم. الآياتُ والعجائبُ التي صَنَعَها معي اللهُ العَليُّ حَسنٌ عندِي أن أُخبِرَ بها. آياتُهُ ما أعظَمَها وعجائِبُهُ ما أقواها. ملكوتُهُ ملكوتٌ أبديٌّ وسُلطانُهُ إلى دَوْرٍ فدَوْر." (2-3).
في هذا الإصحاحِ الرائِع، يتكلَّمُ نبوخذنصَّر عن حلمٍ آخر حلمَ بهِ. ولقد وصفَ نبوخذنصَّر حُلمَهَ الثاني هذا كالتالي: "كُنتُ أرى فإذا بِشجرةٍ في وَسَطِ الأرضِ وطُولُها عَظيم. فكَبُرَتِ الشجرةُ وقَوِيَت فبلغَ عُلُوُّها إلى السماءِ ومنظَرُها إلىأقصَى كُلِّ الأرض. أوراقُها جمِيلةٌ وثمرُها كَثيرٌ وفيها طعامٌ للجميع وتحتها استظلَّ حيوانُ البَرِّ وفي أغصانِها سكَنت طُيُورُ السماءِ وطَعِمَ منها كُلُّ البَشَر. كُنتُ أرى في رُؤى رأسي على فِراشي وإذا بِساهِرٍ وقُدُّوسٍ نـزلَ من السماء. فَصَرَخَ بِشِدَّةٍ وقالَ هكذا. اقطَعوا الشجرةَ واقضِبُوا أغصانَها وانثُروا أوراقَها وابذُروا ثمَرَها... ولكن اترُكُوا ساقَ أصلِها في الأرضِ وبِقَيدٍ من حَديدٍ ونُحاسٍ في عُشبِ الحقل." (4: 4- 15.)
ثمَّ تابَعَ الملاكُ بالقَول، "لِيَبتَلَّ بِندى السماء وليكُنْ نصيبُهُ معَ الحيوانِ في عُشبِ الحقل. لِيتغيَّر قلبُهُ عنِ الإنسانِيَّةِ ولِيُعطَ قلبَ حَيوان ولِتَمضِ عليهِ سبعةُ أزمِنَة." (15-16) قالَ الملاكُ أنَّ القصدَ من هذا القرار الإلهي هو أن يفهَمَ العالم، "أنَّ العَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ في مَملَكةِ الناس فيُعطِيها من يَشاء ويُنصِّبُ عليها أدنَى الناس."
ثُمَّ يُخبِرُنا الملكُ أنَّهُ أخبرَ هذا الحُلم لدانيال. وعندما سَمِعَ النبيُّ الحُلم، جلَسَ مشدوهاً وصامِتاً لساعَةٍ من الزمان، مصدُوماً من معنى الحُلم. وأخيراً قالَ، "يا سيِّدي الحُلمُ لِمُبغِضِيكَ وتعبِيرُهُ لأعاديك." (19)
بعدَ أن ألحَّ الملكُ على دانيال أن يُخبِرَهُ بتفسيرِ الحُلم، قالَ دانيال، "يطرُدُونَكَ من بَينِ الناس وتكونُ سُكناكَ مع حيوانِ البَرِّ ويُطعِمُونَكَ العُشبَ كالثيران ويَبُلُّونَكَ بِنَدَى السماء فَتمضِي عليكَ سبعةُ أَزمِنَةٍ [سنوات] حتَّى تعلَمَ أنَّ العَلِيَّ مُتَسلِّطٌ في مَملَكة الناس ويعطِيها من يشاء." (25)
وتابَعَ دانيال ليقول أنَّ اللهَ سوفَ يُعيدُ المُلكَ لنبوخذنصَّر عندما سيعتَرِف بِسيادة الله. ثُمَّ توسَّلَ دانيالُ إلى الملكِ قائلاً، "فارِق خطاياكَ بالبِرِّ وأثامَكَ بالرَّحمَةِ للمَساكِين لعلَّهُ يُطَالُ اطمِئنانُكَ." (27)
يبدو أنَّ دانيال كتبَ بعدَ هذا بِضعةَ أعدادٍ تصِفُ تحقُّقَ تفسيرِهُ النبَويّ لهذا الحلم. وبعدَ أن إنتَهت هذه المِحنة الرهيبة، إستعادَ نبُوخذنصَّر الكتابَةَ مُعبِّراً عن إعتِرافِهِ بالإيمان والحمد لإلهِ دانيال الحيّ والحقيقي." ورفعَ عينيهِ نحوَ السماء وسبَّحَ ومجَّدَ اللهَ العَليّ.
لاحِظْ أنَّهُ كانَ لدى اللهِ قصدٌ بجعلِ نبوخذنصَّر يمُرُّ في هذا الإختِبارِ الرهيب: أن يتعلَّمَ أنَّ العليَّ مُتَسَلِّطٌ في مملكةِ النَّاس. فكانَ على نبُوخذنصَّر أن يحيا كالحَيوان لسبعِ سنواتٍ، إلى أن تعلَّمَ في النِّهايَةِ ما أرادَهُ اللهُ أن يتعلَّم. يا لِهذهِ الأنا التي كانت لديهِ، ممَّا تتطلّبَ اللهَ سبعَ سنين لكي يجعَلَ هذا الحاكم العالمي يحني رأسَهُ.
هل من الممكِن أن نجتازَ في ظُروفٍ وإختِباراتٍ مأساويَّة، لأنَّ اللهَ يُحاوِلُ أن يُريَنا أنَّ لديهِ الحقُّ أن يحكُمَ هذا العالم وأن يسودَ على حياتِنا؟ عندما يحدُثُ هذا، كم يتطلَّبُكَ من الوقتِ قبلَ أن تقولَ لله،"ربِّي وإلهي! إستَلِم قِيادَةَ حياتي. أنتَ سيِّدُ حياتي المُطلَق؟"
- عدد الزيارات: 7053