Skip to main content

المَزمُور المئة والسَّابِع والعِشرُون أولوِيَّاتُ العِنايَةِ الإلهيَّة

"إن لم يبنِ الربُّ البيت

فباطِلاً يتعبُ البنَّاؤون.

إن لم يحفظ الربُّ المدينة

فباطِلاً يسهرُ الحارِس.

باطِلٌ هو لكُم أن تُبكِّرُوا إلى القِيام

مُؤخِّرين الجُلُوس

آكلين خُبزَ الأتعاب.

لكنَّهُ يُعطِي حبيبَهُ نوماً.

هوذا البنون ميراثٌ من عندِ الربّ

ثمرةُ البطنِ أُجرةٌ.

كَسِهامٍ بيدِ جبَّار

هكذا أبناءُ الشبيبة.

طُوبَى للذي ملأَ جُعبَتَهُ منهم.

لا يخزَون

بل يُكلِّمُون الأعداءَ في الباب."

 

هذا المَزمُورُ القَصير، الذي ينبَغي أن يُحسَبَ رَفيقاً للمَزمُور 128، هو المزمور الوحيد الذي كتبَهُ سُليمان. قد نتوقَّع أن يكونَ مزمورُ سُلَيمان عن البِناء، لأنَّ سُليمان كان بنَّاءً عظيماً. فسُليمان لم يبنِ فقط الهيكل، الذي سُمِّيَ على إسمِهِ، بل بنى أيضاً مُدُناً وحدائقَ عامَّة، وبنى أساطيل سُفُنٍ وبنى إسطبلات للمئات من خيلِهِ. رُغمَ ذلكَ، يُخبِرُنا سُليمانُ أنَّهُ منَ المُمكِنِ أن يبنِيَ الإنسانُ باطِلاً: "إن لم يبنِ الربُّ البيت، فباطِلاً يتعبُ البنَّاؤون." (1) ما يقولُهُ سُليمان في هذا المزمور هو أنهُ من المُمكِن أن نتعَب ونجتهِد ونبني، ولكن باطِلاً، لأنَّهُ من المُمكِن أن نهتمَّ ونجتهِدَ لبِناءِ الشيء الخطأ.

إن مزمورَ سُليمان هذا هُوَ أشبَهُ بكَلِماتِ حِكمَةِ سُلَيمان الأخيرة في سفرِ الجامِعَة، والتي فيها وعظَ بهذا المِقدار عمَّا فعلَهُ في حياتِهِ باطِلاً وبِدُونِ جَدوَى. وعندما ينتَقِلُ من إستِعارَةِ البِناءِ إلى الإستِعارَةِ الجميلَةِ عنِ الأولاد، يَقُولُ للأهلِ أنَّ أكثَرَ الأُمورِ أهَمِّيَّةً التي بإمكانِهم أن يعمَلُوها، هو عندما يبنُونَ حياةَ أولادِهم. فلَرُبَّما كانَ سُلَيمانُ يَقُولُ لنا أنَّهُ يتمنَّى لو أنَّهُ قَضَى وقتَهُ وهُوَ يبنِي حياةَ أولادِهِ بدلَ أن يُشيدَ الأبنِيَة التي إشتَهَرَ بها.

يَقُولُ سُلَيمانُ: "كَسِهامٍ بِيَدِ جَبَّار، هكذا أبناءُ الشَّبيبَة." (4) السِّهامُ في هذه الإستِعارَة هي أولادُكُم، وأنتُم القَوس. إنَّ الزُّخمَ والوُجهَةَ التي ينطَلِقُ بها أبناؤُكُم نحوَ هذا العالم تَتَحَدَّدُ من قِبَلِ القَوسِ الذي يُطلِقُها إلى هذا العالم. هذا القَوسُ هُو منزِلُ الأهل.

الحقيقةُ الكُبرى في المزمور 127 تُوجدُ في الجملة الإفتتاحية: "إن لم يبنِ الربُّ البيت فباطِلاً يتعبُ البنَّاؤون." هُناكَ أشياء لا يستطيعُ أحدٌ أن يعملَها إلا الله وحدَه. اللهُ وحدَهُ يقدِر أن يخلُقَ حياةً جديدةً في قلبِ أولادِكَ. فالإيمانُ هو فقط عطيةٌ من الله. فبمعنىً ما، اللهُ لا يستطيعُ أن يبنِيَ حياةَ ولَدِكَ، إلى أن تدعَهُ يعمَلُ ذلك. وهذه الحقيقَةُ مُغَلَّفَةٌ في إستِعارَةٍ جميلة. فسُلَيمانُ يَقُولُ أنَّ اللهَ "يُعطي حبيبَهُ نَوماً." فطالَما نحنُ مُتَيقِّظُون، لا يستَطيعُ اللهُ أن يضعَ الطَّاقَةَ في أجسادِنا. ولكن عندما نُصبِحُ سَلبِيِّينَ ونخلُدُ للنَّوم، يُصبِحُ اللهُ فاعِلاً ويضَعُ حياةً جديدَةً في أجسادِنا. طَبِّقْ هذه الإستِعارَة على مَسُؤوليَّاتِكَ وتحدِّياتِكَ كوالِدٍ لأولادِكَ.


ماذا يعني هذا؟

منَ المُمكِنِ أن نغرَقَ في الهُمُومِ، وأن نتعبَ وأن نبنِيَ باطِلاً وبِدُونِ جدوَى، لأنَّنا لدَينا الأولويَّات المغلُوطَة. هذا المَزمُور يتحدَّانا ويَحُضُّنا على أن نضعَ كُلَّ جُهُودِنا في حياةِ أولادِنا، لأنَّهُ من خلالِ خَلِيَّةِ العائِلة يُؤَثِّرُ اللهُ على العالم. علينا أن نُكَرِّسَ ذواتِنا إلى هذه الأولَوِيَّاتِ، لأنَّ الشِّرِّيرَ يعرِفُ أنَّ اللهَ يستخدِمُ خَلِيَّةَ العائِلة ليُؤَثِّرَ على العالم. إنَّ عدوَى تفسُّخ الزواج وإنهيار العائِلة الذي يشهَدُهُ مُجتَمَعُنا اليوم، يُعَبِّرُ عنِ الحقيقَةِ المأساوِيَّة أنَّ الشَّيطانَ مُصَمِّمٌ على تخريبِ عملِ اللهِ الحيَوِيّ هذا، من خلالِ قطعِ وترِ قوسِ العائِلة.

فهل الكلُّ مُبارَكٌ؟ ليسَ بِحَسَبِ ما تَعَلَّمنا من مَزمُور الرَّجُلِ المُبَارَك. فقط الإنسانُ المُؤمِنُ و الطَّائِعُ هُوَ المُبارَك، وبَرَكاتُهُ تُؤَثِّرُ على العالم من خلالِ أولادِهِ. فهل أنتَ هذا الرَّجُل أو هل أنتِ هذه المرأة؟ تأمَّلْ بشُرُوطِ الإنسانِ المُبَارَك وببَرَكاتِهِ، ثُمَّ أجِبْ على هذا السُّؤال: "إنسانانِ جالِسانِ على المِقعَد؛ أيٌّ منهُما هُوَ أنت؟"

  • عدد الزيارات: 19093