المَزمُورُ الأوَّل الرَّجُل المُبارَك
المَزمُورُ الأوَّلُ هُوَ مَزمُورُ الرَّجُلِ المُبارَك بِدُونِ مُنازِع. وكُلُّ مزامير الرَّجُلِ المُبارَك الباقِيَة تَتبَعُ النَّمُوذَج العام للمَزمُورِ الأَوَّل، وتُظهِرُ لنا أنَّ الرَّجُلَ المُبارَك وبركاتِهِ ليسَ وليدَ الصُّدفَة أو الحظِّ السَّعيد، بل وليدَ القناعاتِ والخياراتِ الرَّاسِخَة. يَقولُ المَزمُورُ الأوَّل:
"طُوبى للرجُل
الذي لم يسلُكْ في مشورةِ الأشرار
وفي طريقِ الخُطاةِ لم يقِفْ
وفي مجلِسِ المُستهزِئينَ لم يجلِسْ
لكن في ناموسِ الربِّ مسرَّتُهُ
وفي نامُوسِهِ يلهَجُ نهاراً وليلاً.
فيكونُ كشجرةٍ مغروسةٍ عند مجاري المياه
التي تُعطِي ثَمَرَها في أوانِه
وورقُها لا يذبُل
وكُلُّ ما يصنعُهُ ينجح.
ليسَ كذلكَ الأشرارُ
لكنَّهُم كالعُصافةِ التي تُذرِّيها الريح.
لذلكَ لا تقومُ الأشرارُ في الدين
ولا الخُطاةُ في جماعةِ الأبرار.
لأن الربَّ يعلمُ طريقَ الأبرار
أما طريقُ الأشرارِ فتهلِك."
من هُوَ الرَّجُلُ المُبَارَك؟
يتكلَّمُ المزمورُ الأوَّلُ عن إنسانين أو رجُلَين – الإنسانُ المُبارَك، والإنسانُ الشِّرير. إن المزمور الأوَّل هو شكلٌ من الشعرِ العِبري الذي هو أُسلوبٌ سلبي للتعبيرِ عن حقيقةٍ إيجابية. وسوفَ يُخبِرُنا داوُد في المزمور الأول عمَّن هو الإنسانُ المُبارَك عندما يقولُ لكَ ما ليسَ هو. فمثلاً، الإنسانُ المُبَارَك هو مُبارَكٌ أولاً لأنَّهُ لا يسلُكُ في مَشُورَةِ الأشرار" (مَزمُور 1: 1أ)، الذي يعني أنَّهُ يسلُكُ في مَشُورَةِ الله. فهُوَ يجدُ المَشُورَةَ في كَلِمَةِ الله، التي بها "يلهجُ نهاراً وليلاً." (2ب)
أيضاً، الرَّجَلُ المُبَارَك "لا يجلِسُ في مجلِسِ المُستَهزِئين." (1ج) تُخبِرُنا هذه الجُملَةُ السَّلبِيَّة أنَّ الإنسانَ المُبَارَك يجلِسُ في مجلِسِ المؤمنين لأنَّهُ مؤمن. والرجُلُ المُبَارَك يُؤمِنُ بكلمةِ الله، "وفي نامُوسِ الرَّبِّ مسَرَّتُهُ." (2أ) فهُوَ يعرِفُ أنَّ المِفتاحَ لِجَعلِ كَلِمَةِ اللهِ قُوَّةً هائِلَة هُوَ بإطاعَةِ كلمةِ الله. فهُوَ يسلُكُ في مَشُورَةِ اللهِ، التي يكتَشِفُها في كلِمَةِ الله.
لقد كُتِبَ هذا المزمور على يَدِ داوُد، الذي كان الملكَ الثاني على إسرائيل، وأفضَلَ مُلُوكِ إسرائيل على الإطلاق. وبِحَسَبِ نامُوسِ مُوسى، كانت مسؤوليَّةُ المَلِك أن ينسَخَ النَّامُوسَ بِعِنايَةٍ، وأن يجعَلَ من نسخَةِ النَّامُوسِ خاصَّتِهِ رفيقَهُ الدَّائِم. "فَتَكُونُ معَهُ ويقرَأُ فيها كُلَّ أيَّامِ حياتِهِ لِكَي يتعلَّمَ أن يتَّقِيَ الرَّبَّ إلهَهُ ويحفَظَ جَميعَ كَلِماتِ هذه الشَّريعة وهذه الفرائِض لِيَعمَلَ بها." (تثنِيَة 17: 19) بناءً على المَزمُورِ الأوَّل، نقرَأُ في سفر المزامير المُوحى هذا أنَّهُ بإمكانِنا أن نستَنتِجَ أنَّ هذا التَّرتيب جعلَ داوُد يُحِبُّ كَلِمَةَ اللهِ، وهذه المحبَّة لكَلِمَةِ اللهِ جعلَتْهُ رَجُلاً مُبارَكاً.
فما هِيَ بَركاتُ الرَّجُلِ المُبارَك؟ بعدَ وصفِ القناعاتِ والخَياراتِ التي تُشكِّلُ الشُّرُوطَ التي تَقُودُ إلى بَركاتِ الرَّجُلِ المُبارَك، يُعَدِّدُ داوُد بركاتِهِ:
الإستِقرار
فالرجُلُ المُبارَك هو مثل شجرةٍ مغروسةٍ عند مجاري المِياه، حيثُ الأرضُ رطِبةٌ والجُذُورُ عميقةٌ. هل سبقَ لكَ وحاولتَ إقتلاعَ شجرة. إن فعلتَ هذا، سوفَ تجدُ أن الشجرةَ مُتجذِّرةٌ في الأرض، ولن تتحرَّكَ من مكانِها. لهذا إستُخدِمت الشجرة كمِثالٍ واضحٍ عن الإستقرار الذي يتمتَّعُ بهِ الرَّجُلُ المُبارَك. ولقد وصفَ يسوعُ هذا النوع من الإستقرار عندما قال، "فالذي يسمعُ أقوالي ويعملُ بها أُشبِّهُهُ برجُلٍ عاقِلٍ بنى بيتَهُ على الصخر، فعندما جاءتِ الرياحُ وصدمت ذلكَ البيت، لم يسقُط لأنَّهُ كان مُؤسَّساً على الصخر." (متَّى 7: 24، 25)
الإثمار
الرجُل المُبارَك هو رجلٌ مُثمِر. فالشَّجَرَةُ التي تُمَثِّلُ حياتَهُ تُعطِي ثَمَرَها في أوانِهِ (مَزمُور 1: 3ب). مما يعني أنهُ في كُلِّ مَواسِمِ حياتِهِ، يأتي بالثمرِ المُناسِب لذلكَ المَوسِم منَ الحياة. ولأنَّ هذا الرجُل المُبَارَك هو مُؤمِنٌ، ولأنَّهُ يُؤمِنُ بكلمةِ الله ويلهجُ بها ويُطِيعُها، فسوفَ يأتي بثِمارِ اللهِ في توقيتِ الله، لأنَّهُ يذهبُ إلى ما وراء الكلمة إلى علاقةٍ شخصيةٍ مع الله نفسه. هذه العلاقَة هي مِفتاحُ كَونِهِ مُثمِراً. ولقد علَّمَ يسُوعُ أنَّنا علينا أنْ نثبُتَ فيهِ كما يثبُتُ الغُصنُ في الكَرمَةِ، إذا أردنا أن نَكُونَ مُثمِرِين.
العُمرُ الطَّويل
الرَّجُلُ المُبَارَك لا يتحوَّلُ إلى إنسانٍ جافٍّ مملووءٍ بالمرارَةِ عندما يتقدَّمُ في السِّنّ. نَقَرأُ أنَّ الشجَرَةَ التي تُشيرُ إليهِ "ورَقُها لا يَذبُلُ." يُذَكِّرُنا هذا بكلماتِ الشَّاعِر الذي كتبَ يَقُولُ، "إكبَرْ معِي. فالأفضَلُ لا يزالُ آتٍ. الأخيرُ الذي صُنِعَ الأوَّلُ من أجلِهِ. فكُلُّ يَومٍ يعيشُهُ يُحَضِّرُهُ من أجلِ اليومِ التَّالي الذي سيعِيشُهُ. فنَوعِيَّةُ حياتِهِ تُصبِحُ أفضَلَ وأفضَل، كُلَّما إزدادَ عددُ السِّنين إلى حياتِهِ."
الإزدِهار
نقرَأُ أيضاً عن الرَّجُلِ المُبارَك: "وكُلُّ ما يصنعُهُ ينجح"، (أي أنَّ الرَّجُل المُبارَك يزدهِر.) (مزمُور 1: 3د) ولكنَّ داوُد لم يَكُنْ يُشيرُ هُنا إلى الإزدِهار المادِّي بل إلى الإزدِهار الرُّوحيّ. فبِما أنَّ الأسفارَ الشِّعرِيَّةَ تُرَكِّزُ على الإنسانِ الدَّاخِليّ بدل التَّركيز على الإنسانِ الخَارِجِيّ، بإمكانِنا أن نفتَرِضَ أنَّ إزدِهارَ الرَّجُلِ المُبارَك هُوَ إزدهارُ إنسانِهِ الدَّاخِليّ، وهُوَ يُؤَثِّرُ على نوعِيَّةِ حياتِهِ الأبديَّة. فكلُّ ما نترُكُهُ وراءَنا عندَما نترُكُ هذا العالم، لا يستَحِقُّ العيشَ من أجلِهِ في هذا العالم.
الأمَان
آخِرُ بَركاتِ الرَّجُلِ المُبارَك يُعَبَّرُ عنها سَلبِيَّاً: "لِذَلِكَ لا تَقُومُ الأشرارُ في الدِّين، ولا الخُطاةُ في جَماعَةِ الأبرار." (مزمُور 1: 5) فالرَّجُلُ المُبارَك لديهِ أمانٌ في هذه الحياة وفي الحياةِ العتيدة، لأنَّهُ يسلُكُ بِحَسَبِ مَشُورَةِ الله، التي يكتَشِفُها في قَلبِ كلمةِ الله. وهُوَ سيَقِفُ أمامَ عملِ المَسيحِ المُتَمَّمِ يومَ الدَّينُونَة، وسينضَمُّ إلى جماعَةِ الأبرارِ إلى الأبديَّةِ. وكما تَظهَرُ البركاتُ في مَزمُورِ الرَّاعِي، فإنَّ بَرَكاتِ الرَّجُلِ المُبارَك في المَزمُورِ الأوَّل هي: "كُلَّ أيَّامِ حياتِهِ، وإلى الأبد."
إنسانانِ جالِسانِ على مِقعَدٍ، أيٌّ منهُما هُوَ أنتَ؟
يَصِفُ داوُد الإنسانَ الشِّرِّير بقَولِهِ بِبَساطَةٍ، "لَيسَ كذلكَ الأشرارُ." (4أ) فالشِّرِّيرُ لا يُؤمِنُ كما يُؤمِنُ الإنسانُ المُبارَكُ. والشِّرِّيرُ لا يتمتَّعُ بكَلِمَةِ اللهِ، ولا يلهَجُ بها نهاراً وليلاً. ونتيجَةً لهذا، لا يتمتَّعُ بالإستقرارِ ولا بالإثمارِ ولا بطُولِ الأعمار ولا بالإزدهارِ ولا بالأمان، ولن يختَبِرَ نوعِيَّةَ الأبديَّةِ التي سيختَبِرُها الإنسانُ المُبَارَكُ.
فلماذا الإنسانُ المُبارَكُ مُبارَكٌ؟ بِسَبَبِ الخَياراتِ التي يتَّخِذُها. فهُوَ يختارُ أن يُؤمِنَ وأن يلهجَ بكلمةِ الله، وهُوَ يختارُ بأن يبتَعِدَ عن غير المُؤمنين، وعن طُرُقِهِم غير المثمرَة. فبرَكاتُهُ هي مائِدَةُ عواقِب خياراتِهِ.
إنَّ تَحَدِّي مَزمُور كُلّ إنسان مُبارَك يطرَحُ السُّؤالَ التَّالِي: "إنسانانِ جالِسانِ على مِقعَدٍ، أيٌّ منهُما هُوَ أنت؟" بنِعمَةِ الله، هل أنتَ الرَّجُل المُبارَك؟ وهل تجلِسُ في مقعَدِ المُؤمِن؟ وهل تُؤمِنُ بكَلِمَةِ الله؟ وهل تلهَجُ بها نهاراً وليلاً؟ وهل تسلُكُ في المَشُورَةِ التي تكتَشِفُها منها؟ بِحَسَبِ المَزمُورِ الأوَّل، هذا هُوَ المِفتاحُ لبَرَكاتِ الرَّجُلِ المُبارَك.
- عدد الزيارات: 14434