Skip to main content

الفَصلُ الأوَّل المُلُوكُ والأَنبِياء

نترُكُ وراءَنا الآن سِفرَي صَموئيل الأوَّل والثَّاني، لنَصِلَ إلى دراسَةِ سِفرَي المُلوك الأوَّل والثَّانِي. بينَما ندرُسُ هذينِ السِّفرَين، أرجُو أن تُرَكِّزُوا إنتِباهَكُم على مَوضُوعَين: (1)- كيفيَّة تعامُلِ اللهِ معَ شَعبِ إسرائيل وسطَ الإرتِدادِ الرَّهيب، و (2)- صَبر الله في تعامُلِهِ معَ بَعضِ مُلوكِ شعبِ إسرائيل الأشرار. هذانِ المَوضُوعانِ سوفَ يُشَكِّلانِ مَحَطَّاتٍ وتُخُوماً تُساعِدُنا في تَسَلُّقِنا وهُبُوطِنا في مُرتَفعاتِ ومُنخَفضاتِ أسفارِ أدبِ المملكة للتَّاريخِ العِبريّ.


لَمحَةٌ عنِ المُلوكِ والمَمَالِك

إنَّ سفرَي ملوك الأول والثاني يُخبِرانِنَا عن ملكوت الإنسان الذي نتَجَ عن رفضِ بني إسرائيل أن يكونَ اللهُ ملِكاً عليهم. في سفرِ الملوك الأول نسمعُ عن إنقسام المملكة البشرية. وفي سفرِ المُلوك الثاني نقرأُ عن السبي المُحزِن لِهاتين المملكتين المُنقسِمَتين.

سوفَ نَجِدُ أنَّ سفرَي المُلوك هذين مملوءان بالتحذيرات، لأنَّ معظمَ المُلوك فيهِما كانوا أشراراً، وكانت إنعكاساتُ شرِّ المُلوك وَخِيمَةً على الشعب. وبينما نقرأُ عن العواقِب الوخيمة الناتجة عن شرِّ هؤلاء الملوك، لِنتَذكَّرْ أن اللهَ غيرُ مسؤولٍ عن هذه العواقِب. فالشعبُ هو المسؤول لأن الشعبَ أرادَ هؤلاء المُلوك. فالمُلوك كانوا مسؤولين عن شُرورِهم الخاصة بهم.

إن أهميَّةَ سفري المُلوك هذين تكمُنُ في كونِهما يُسجِّلانِ إنقسام وإنحطاط وسبي مَمْلَكَتَي إسرائيل ويَهُوَّذا. فبالإمكان تسمية سفري الملوك الأول والثاني "قيام وسُقوط الأُمَّة العِبريَّة." ففي الإصحاح 17: 22، نجدُ وصفاً للسبي الأشوري لمملكةِ إسرائيل الشَّمالِيَّة، أي الأسباط العشر التي كان مركزُها شمالي إسرائيل. فسارت هذه الأسباطُ العشرة بالقيود إلى أشور. ولن نعودَ نسمع أيَّ خبرٍ عن هذه الأسباط التي شكَّلت قديماً المملكة الشمالية، على صفحات الكتاب المقدس. فأصبحَت تُسمَّى غالِباً "أسباط إسرائيل الضائعة."

في ملوك الثاني الإصحاح 25 نقرأُ عن السبي المُريع للملكة الجنوبية على يد نبوخذنصَّر والبابليين. فالأسرى الذين لم يُقتَلوا، أُخِذوا إلى بابل عندما سقطت أورشليم. وبعدَ سبعين سنةً، إحتلَّت فارسُ بابلَ. ولقد حرَّكَ اللهُ القدير قلبَ قُوروش العظيم، أمبراطور فارس، لكي يُصدِرَ قراراً يسمحُ لكلِّ الأسرى العبرانيين الذين يعيشون في بلادِ فارس بالرجوع إلى إسرائيل ليُعِيدوا بِناءِ هيكَلِهم، ومدينتهم وبلادِهم وحياتَهُم المُحَطَّمَة.

بعدَ هذا تأتي في التَّرتيبِ التَّاريخيّ "الأسفارُ التاريخيةُ لمرحلةِ ما بعد السبي." عزرا، نحميا، وأستير سوفَ يخبِرونَنا عن عودة بعض بني إسرائيل من السبي البابلي. وسفرُ أستير سوف يصفُ بعضَ الأُمور التي كانت تحدُثُ في بلادِ مادي وفارس لبني إسرائيل الذين لم يرجِعوا إلى إسرائيل. وعندما سننتَهي من إستطلاع سفر أستير، سوفَ نكونُ قد إنتهَينا من دراسةِ أسفارِ العهدِ القديم التاريخية.

إلتَقِ بالأَنبِياء

إن سائرَ الأنبياء الذين كَتَبُوا الأسفار النبويَّة في العهدِ القديم سوفَ يجدون مكانَهم في الخلفية التاريخية لأسفار العهد القديم التاريخية. وسوفَ نلتقي بهؤلاء الأنبياء بعد أن ننتهي من دِرَاسةِ أسفارِ العهد القديم الشعرية.


فَمَا هُوَ النَّبِيّ؟

فلنُفكِّرْ للحظة في من هو النبي. فكلمة "نبي" تعني حرفيَّاً، "التكلُّم إلى الله." فالكلمةُ مُركَّبَة وتعني بجزئيها "الوُقوف للإنارة." بمعنى ما ، هذا ما فعلَهُ الأنبياء. فلقد كرزَ الأنبِياءُ بِكَلِمَةِ اللهِ المُدَوَّنَة (أسفار مُوسى). ولقد حَصَلُوا أيضاً على إعلاناتٍ جَديدَةٍ منَ الله. لقد تكلَّمَ الأنبياءُ بكلمةِ اللهِ مُسبَقاً، أي أنَّهُم كانوا كارزين. فأحياناً أصبحَ النبيُّ وكأنَّهُ المُنبِئ بالمُستقبَل. إن هذه الناحية من خدمةِ الأنبياء تُدهِشُنا. ولكنَّ مُهمَّةَ النبي الأساسيَّة كانت الوعظ بكلمةِ الله. كانَ عليهم أن يقفوا أمامَ كلمةِ الله وأن يجعلوها تشُعُّ بِنُورِها على شعبِ الله. فكانت خِدمَةُ الأنبِياءِ غالِباً خِدمَةَ مُواجَهَة، لأنَّ الشَّعبَ كانَ يشرُدُ عن الرَّبِّ بإستمرار، وأرادَ اللهُ أن يُوبِّخَهُم من خلالِ أنبِيائِهِ الأُمَنَاء.

في مُلوك الأول، النموذجُ الأساسي هو النبي إيليا. أمَّا في ملوك الثاني، فأليشَع، خليفَةُ إيليَّا، هو النموذجُ الأساسي. ورُغمَ أننا سوفَ نُشدِّدُ على هذين النبيَّين الكبيرين إذ نستطلِعُ سفرَي المُلُوك، أودُّ التأكُّدَ من كونِكُم لا تُغفِلُونَ عن أيٍّ من الأنبياء الصِغار غير المشهورين. في 1ملوك22 سوفَ نلتقي بواحدٍ من الأنبِياءِ المُفَضَّلِينَ عندِي، وإسمُهُ ميخا.

عندما كانت المملكة مُنقسِمة، إلتقى أحياناً مُلوكُ المملكتين المُنقسِمتين مع بعضِهم، رُغمَ أنهم كانوا أعداءً في مُعظَمِ الأحيان. وتقريباً كُلُّ مُلوك المملكة الشمالية كانوا أشراراً ومُرتدِّين. ولكنَّ مملكة يهوذا الجنوبية تمتَّعت بملوكٍ صالحين من وقتٍ لآخر. لم يكُنْ هؤلاء المُلوك على مُستوى داود، ولكن البعضَ منهم كانوا فِعلاً أتقياء، أمثال حزقيَّا، ويهوشافاط، ويوشيَّا، الذين كانوا مُلوكاً صالحين.

في الإصحاح الثاني والعشرين من مُلوك الأول، عقدَ كُلٌّ من مَلِك مملكة إسرائيل الشماليَّة، أي آخاب، ومَلِك مملكة يهوذا الجنوبية، أي يَهُوشَافاط، عَقَدَا إجتماعَ قِمَّة. وكانَ ملكُ المملكة الشمالية آخاب شريراً جداً. أمَّا يهوشافاط ملك مملكة الجنوب، فكان مَزِيجاً من الخيرِ ومن الشر. قد تتساءلُ مُتعجِّباً عما كان هذان الملِكان يفعلانِه معاً. لقد كانَ لديهِما أحفادٌ مُشتَرَكُون، بِسَبَبِ المُصاهَرَة بينَ أبنائِهما. ولكنَّ السَّبَبَ الرَّئيس لكَونِهِما معاً كانَ أنَّ آخابَ أرادَ أن يُساعِدَهُ يَهُوشافاط في حَربِهِ ضِدَّ آرام.

عندما قدَّمَ آخابُ تحدِّيَهُ ليهوشافاط بالقَول، "دعنا نذهب لنُحارِبَ الآراميين معاً،" قالَ يهوشافاط، "هل سألتَ الأنبياء؟" في تلكَ الحقبَة من التاريخ، كانت العادةُ أن يسألوا الأنبياء عن كُلِّ خُطوةٍ هامة كانوا بصددِ إتِّخاذِها. فقالَ آخاب، "أتُريدُ أنبياء؟ يا رجُل، سأُعطيكَ أنبياء. فلديَّ أربَعمائِة من أنبِياءِ البَعلِ والآلِهَةِ الأُخرى المعرُوفة." جميعُ هؤُلاء الأنبِياءِ شَجَّعُوا آخابَ على الحَربِ ووَعدُوهُ بالإنتِصار. ولكنَّ يَهُوشافاط أرادَ أن يسمَعَ كَلِمَةً من نَبِيٍّ صادِقٍ من أنبياءِ الله الحَقّ.

فقالَ آخابُ عَلَى مَضَضٍ، "لا يزالُ يُوجَدُ نَبِيٌّ واحِدٌ، مِيخا بنُ يَملَة، الذي يُمكِنُنا أن نسمَعَ منهُ كَلِمَةً منَ الرَّبّ؛ ولكنني أكرهُهُ لأنَّهُ لا يتنبَّأُ لي بالخيرِ أبداً. بل دائماً يتنبَّأُ بشيءٍ رديء." فقالَ يهوشافاط، "إجلبْهُ." فأرسلَ آخاب على مضَضٍ رسولاً ليأتِ بميخا.

وعندَما كان رسولُ المَلِك راجِعاً برِفقةِ ميخا إلى قصرِ آخاب، قالَ للنبي ميخا أن يكُونَ بَشُوشاً وأن يُكَيِّفَ نُبُوَّتَهُ ويجعَلَها معَ ما قالَهُ الأنبِياءُ الآخرون. فأجابَ ميخا، "سأنطِقُ بما يقولُهُ لي الله." (14)

عندما وقفَ ميخا أمام الملِكَين في قصرِ آخاب، بكُلِّ أُبَّهَتِهما وجلالِهما، قالَ الملك آخاب، "حسناً، ما رأيُكَ يا ميخا؟ هل نخرُجُ لمُحاربةِ الآراميين؟" فأجابَ ميخا، "بالتأكيد! إذهب. وسوفَ تُحَقِّقُ إنتِصاراً عَظيماً." فصُدِمَ آخاب وسألَ، "هل تقولُ فعلاً كلمةَ الرب يا ميخا؟" فأجابَ ميخا، "إن كُنتَ مُهتمَّاً فعلاً أن تعرفَ ما هي كلمةُ الرب، فلقد رأيتُ إسرائيل مُشتَّتين على الجِبالِ كخِرافٍ لا راعي لها." فقالَ آخاب ليهوشافاط، "أرأيتَ، ألم أقُل لكَ؟ إنهُ لا يتنبَّأُ أبداً بالخير، بل دائماً بالشر." (15- 18)

رُغمَ ذلكَ، قرَّرَ آخاب ويهوشافاط أن يخوضا معركةً على الآراميين. ولكنَّ مِيخا قالَ لَهُما أنَّهُما كانا يتبَعانِ أكاذِيب. ثم ألقى ميخا عظةً عظيمة قائلاً، "قد رأيتُ الربَّ جالساً على كُرسيِّهِ وكُلُّ جُندِ السماءِ وُقُوفٌ لديهِ عن يَمِينِهِ وعن يَسَارِه. فقالَ الربُّ من يُغوي آخاب فيصعدَ ويسقُطَ في راموت جِلعاد. فقالَ هذا هكذا وقالَ ذاكَ هكذا. ثم خرجَ الروحُ ووقفَ أمام الرب وقال أنا أُغويه. وقالَ له الربُّ بماذا. فقالَ أَخرُجُ و أكونُ روحَ كذِبٍ في أفواهِ جميعِ أنبيائِه. فقالَ إنَّكَ تُغويهِ وتقتَدِر. فاخرُجْ وافعَلْ هكذا." 1مُلوك 22: 19- 22)

فأصدَرَ آخابُ أمرَهُ "فلنَخرُج ونُحارِب الآراميين. واحجزوا ميخا في السجن وأطعِموهُ خُبزاً وماءً إلى أن أرجِع." فصرخَ ميخا، "يا صديق، لن ترجِع. وإن رجعتَ سالماً من المعركة، فلا يكونُ اللهُ قد تكلَّمَ فيَّ." (28) فقادَ آخابُ ويهوشافاط جيشيهما في معركةٍ ضدَّ الآراميين. ويُمكِنُنا أن نفترِض أن ميخا ماتَ وهو يأكُلُ الخُبزَ ويشربُ الماء في زنزانةٍ، لأن هذا هو آخِرُ ما نسمَعُهُ عنه.

ولكنَّ نُبوَّة ميخا تحقَّقت حَرفِيَّاً في خِضمِّ المعركة مع الآراميين. فتشتَّت جيشُ آخاب ويهوشافاط على الجِبالِ كخِرافٍ مذبوحةٍ لا راعي لها. ولقد أطلَقَ جُنديٌّ آرامي سهماً خطأً، فإختَرَقَ المنفذَ الوحيد الذي كان في دِرعِ آخاب، وأصابَ ملِكَ إسرائيل بعُمق. فقالَ آخاب لحاملِ سِلاحِه، "أخرِجني من المعركة. فجُرحي مُميت." وهذا أيضاً كان تحقيقاً لنُبوَّةِ ميخا. فقُتِلَ الملكُ آخاب، وتشتَّتَ جيشُهُ وعادَ يَجُرُّ أذيالَ الهَزيمة.

هناكَ الكثيرُ من الأنبياء المجهولين في سفرَي المُلوك. فمثلاً، في 1ملوك 13، هُناكَ نبيٌّ مجهولٌ واجهَ الملك الشرير يرُبعام. فأشارَ يرُبعام بإصبَعِهِ إلى هذا النبي قائلاً لجُنودِهِ، "أوقِفوهُ!" وإذ كان يرُبعام يُشيرُ بيدِهِ إلى النبي، يبِسَت يدُ الملك الشرير في وضعِها، لأن هذا النبي كانت معهُ قوَّةُ الله. فإلتَمَس الملكُ عندها من النبي قائلاً، "أرجوكَ أن تُصلِّي للهِ من أجلِ يدي." فلم يعُد بوسعِهِ أن يُحرِّكَ يدَه. فشفَى النبيُّ يدَ يرُبعام. لقد إستخدَمَ اللهُ هذا النبي من خِلالِ خِدمةِ الشِّفاءِ لهذا المَلِك عندما طلبَ الملكُ من النبي أن يُزيلَ عنهُ دينونة الله.

عندما تقرأُ عن هؤلاء الأنبياء الأتقياء، لاحظ أنهُم جيمعاً تمتَّعوا بقوَّةِ اللهِ الخارقة للطبيعة التي كانت تعمَلُ فيهِم. فبدون مُعجزاتِ اللهِ الخارِقة للطَّبيعة، لما إستطاعَ هؤلاء الأنبياء أن يُواجِهُوا أُولئكَ المُلوك الأشرار.

كما أَشَرتُ سابِقاً، يُعتَبَرُ إيليَّا أعظمَ نبيٍّ في سفرِ مُلوك الأول. ففي 1مُلوك 18، نجدُ إيليَّا في أَوجِ القِمة. كانَ شعبُ اللهِ في المَملَكَتَين قد إبتَعَدُوا كُلِّيَّاً عنِ الله ليَعبُدُوا الأوثان. وكانَ يُوجَدُ الكثيرُ منَ الأنبِياءِ الكَذَبَة الذين كانُوا يُمَثِّلُونَ آلهَتَهُم المُزَيَّفَة. ولقد تحدَّى إيليا أنبياءَ البَعل الأربَعمائة والخَمسين، الذي كانُوا يَخُصُّونَ إيزابِل إمرأَة آخاب، ودعاهُم للمُبارَزة قائلاً، "أُريدُكُم أن تبنوا مذبَحاً وأن تضعوا عليه ذبيحة. ولكن لا تضعوا أيةَ نارٍ على ذبيحتِكُم. وأنا سأبني مذبَحاً وسوفَ أضعُ عليهِ ذبيحة. ومن ثمَّ يُصلِّي كُلٌّ منا لإلَهِه، ونطلُبُ من إلهِنا أن يُرسِلَ ناراً من السماء لتأكُلَ الذبيحة مِن على المذبح الذي بَنَينَاهُ. عندها سنعرفُ إلهُ من منَّا هو الإلهُ الحقيقي."

وبينما كان كُلُّ الشعبِ مُجتمِعاً على جبلِ الكَرمِل، بدأَ أنبياءُ البعل الأشرار التابِعين لآخاب، بدأوا عملَهُم منذُ الصباح. فبنوا مذبَحَهُم ووضَعوا عليهِ ذبيحتَهُم. ثمَّ شَرَعوا بالصلاة بِحرَارة. وجرَّحوا أنفُسَهُم، وجَلَدوا أنفُسَهُم وفعلوا أُموراً مُماثِلة، مُحاوِلِينَ إجِتذابَ إنتِباهِ إلَهِهم بعل. وعند الظُهر، بدأَ إيليَّا يَسخَرُ من أنبياءِ آخاب وقال، "إدَّعوا بصوتٍ عالٍ لأنهُ إلهٌ. لعلَّهُ مُستغرِقٌ أو في خَلوةٍ أو في سفرٍ أو لعلَّهُ نائمٌ فيتنبَّه!" 1مُلوك 18: 27. فَصَلُّوا بصوتٍ عالٍ وتضرَّعوا حتى المساء. وفي النهاية إستسلموا.

عندَها قامَ إيليَّا وحفرَ قناةً حولَ مذبَحِ الربِّ. وسكبَ الكثير من الماء على ذبيحتِه حتى إمتلأت القناةُ بالماء. ثمَّ صلى صلاةً رائعة، وقال، "أيها الربُّ إلهُ إبراهيم وإسحق وإسرائيل ليُعلَم اليوم أنكَ أنتَ اللهُ في إسرائيل وأني أنا عبدُكَ وبأمرِكَ قد فعلتُ كُلَّ هذه الأُمور. إستجبني يا ربُّ إستجِبني ليعلمَ هذا الشعبُ أنكَ أنتَ الربُّ الإلهُ وانكَ أنتَ حوَّلتَ قُلوبَهُم رُجُوعاً." (1مُلُوك 18: 36- 37)

"فسقطت نارُ الربِّ وأكلت المُحرَقَة والحَطَب والحِجارة والتُّراب ولَحَسَتِ المياه التي في القَناة. فلما رأى جميعُ الشعبِ ذلكَ سقطوا على وُجُوهِهم وقالوا الربُّ هو اللهُ الربُّ هو الله." (39) وهكذا حدثت نهضةٌ عظيمةٌ. وقامَ شعبُ اللهِ وذبَحوا أولئك الأنبياء الكَذَبَة الأربعمائة والخَمسين. وهكذا ظهرَ إيليَّا في أبهَى صُوَرِهِ على جبلِ الكَرمِل.

هُناكَ تناقضٌ واضِح بين إيليَّا كما نلتقي معهُ على جبلِ الكَرمِل في 1ملوك 18، وبين إيليا كما نراهُ في 1ملوك 19. فإيزابِل، زوجَةُ آخاب، التي كانت قد أدخَلَت عِبادَةَ البَعلِ إلى إسرائيل، كانت غاضِبَةً بِشدَّة من إيليَّا بِسَبِ ما فعلَهُ بأنبِيائِها. فأرسَلَت إيزابِل رسالةً إلى إيليَّا تتَهدَّدُ وتَتَوعَّدُ فيها بِقتلِهِ. (1مُلوك 19: 2) وإذا بِنا نَجِدُ هذا النَّبيَّ الذي نَظُنُّ أنَّهُ لا يَعرِفُ الخَوف، وقد هربَ إلى البريَّة وجلَسَ مُنَهَكاً تحتَ شجرةِ عَرعَر. وصلَّى أن يموت. لقد أصبحَ إيليَّا رجُلاً مُرتعِداً ومهزوماً كُلِّيَّاً.

أحدُ المَشاكِل الأُخرى التي عانى منها إيليا بحسب 1مُلوك 19، هو أنَّهُ كان مُنهَكَاً جَسَدِيَّاً. فإذا أردنا أن نضعَ عُنواناً لملوك الأول الإصحاح 19، فهو "كَيفَ تُصبِحُ مُنهَكاً جَسَدِيَّاً، عاطِفيَّاً, ورُوحيَّاً." ولقد وفَّرَ اللهُ لِنَبِيِّهِ إيليَّا المُساعَدَةَ العمليَّة بطريقَةٍ لطِيفَةً وصَبُورَة. فقالَ لهُ أن يستَلقِيَ للنَّوم، وأرسَلَ ملاكَهُ ليُوفِّرَ لهُ الغِذاء. ثُمَّ جاءَهُ اللهُ وطرحَ عليهِ ذلكَ السُّؤالَ الجَميل: "ما لَكَ هَهُنا يا إيليَّا؟" (9، 13).

هل سبقَ وسألكَ اللهُ هذا السؤال؟" فأنا لا أعلمُ أين أنتَ روحيَّاً. فلربَّما يُريدُ اللهُ أن يسألكَ من خلالِ قصةِ إيليا، "ماذا تفعلُ هنا؟ وهل أنتَ موجودٌ حيثُ ينبغي أن تكون؟"

دعني أذكِّرُكَ أنهُ عليكَ أن تبحثَ عن أمثِلة أو نماذِج وتحذيرات في سفري المُلوك. في هذين السفرين، سوفَ تجدُ تحذيراتٍ رهيبة خاصةً في حياةِ المُلوكِ الأشرار. في سفرَي الملوك هذين، سوفَ تجدُ أمثِلةً رائعةً في حياةِ الأنبياء الأتقياء، خاصةً أمثالَ إيليا وأليشَع، ومِيخا.

  • عدد الزيارات: 9309